أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - سعيد الهوسي - التدخل الأمريكي في سياسات الدول: دراسة لتأثير واشنطن على السياسة المغربية















المزيد.....



التدخل الأمريكي في سياسات الدول: دراسة لتأثير واشنطن على السياسة المغربية


سعيد الهوسي

الحوار المتمدن-العدد: 2640 - 2009 / 5 / 8 - 08:06
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


بعد انهيار جدار برلين و تفكك الاتحاد السوفياتي ، و بالتالي نهاية الحرب الباردة بين المعسكرين، تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من بسط هيمنتها على العالم مستفيدة من تفوقها العسكري و الاقتصادي، مما جعلها تنهج سياسة التدخل في سيادة الدول، خصوصا عندما يتعلق الأمر بإحدى مصالحها الاقتصادية و العسكرية و الإستراتيجية.
فالولايات المتحدة الأمريكية تنهج سياسة التدخل في سياسات الدول، سواء كان ذلك مباشرا أو غير مباشرو ذلك بتدعيم قوى معارضة لنظام الدولة المستهدفة، أو بممارسة ضغوط سياسية و اقتصادية عليها، أو باستعمال أسلحة منح الامتيازات و المساعدات المالية لتلك الدولة، و ليس بالضرورة أن يكون هذا التدخل عسكريا، فقد يتعدى ذلك و يصل إلى التدخل حتى في السياسة الداخلية للدولة المعنية من خلال توجيه سياستها مع توجهات السياسة الأمريكية، و قد يصل الأمر إلى التدخل في المناهج التعليمية و التربوية للدولة.
و تتفاوت ردود فعل الدول، فمنها من يعارض و يناهض بشكل قاطع هذه التدخلات و لا يتماشى مع توجهاتها و سياستها، وهذه الدول تعتبر مارقة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، فتضعها هذه الأخيرة على رأس أجندتها للتخلص من معارضيها و تطويعها، و هناك من الدول من يبارك سياستها و يتماشى مع السياسة التي تنهجها فتكون مكافأتها الحصول على مساعدات مالية و عسكرية و امتيازات اقتصادية....إلخ .
و المغرب كغيره من الدول يعتبر من بين الدول المستهدفة بالتدخل الأمريكي، حيث تمارس واشنطن عدة تأثيرات على السياسة المغربية التي تعتبر تدخلا في الشؤون السياسية الداخلية للمغرب.
و يعكس توقيع اتفاقية التبادل الحر مع واشنطن في مارس 2004 رغبة الرباط في تقوية علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية هادفة من خلال ذلك الحصول على دعم في قضية الصحراء .
إذن السؤال الذي يمكن طرحه هو: هل التدخلات الأمريكية في سياسات الدول الأخرى، تشمل أيضا التدخل في السياسة المغربية؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد علاقات سياسية و اقتصادية متبادلة بين المغرب و الولايات المتحدة الأمريكية؟ و ماهي حدود هذه التدخلات ؟ وماهي ردود فعل الحكومة المغربية من هذه التدخلات و الضغوطات؟
إن أهمية الإجابة عن هذه الإشكالية تتجلى في الإطلاع على الإستراتيجية التي تنهجها الولايات المتحدة الأمريكية إثر تدخلاتها في سياسات الدول، خاصة بعد المتغيرات السياسية و الاقتصادية الكبرى و انعكاساتها على الدول المستهدفة ضمن الإستراتيجية العامة ، وكذلك لمعرفة الإستراتيجية التي تتعامل بها الولايات المتحدة الأمريكية في علاقاتها مع المغرب باعتباره أحد المستهدفين بالتدخل و ممارسة الضغوط عليه سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي.
كفرضية لهذا الموضوع ، الولايات المتحدة الأمريكية بالإضافة إلى تدخلاتها المتعددة في سيادة و سياسات الدول الأخرى ، فهي تمارس نوعا من التأثير على السياسة المغربية، من خلال ممارسة ضغوط سياسية أمنية ( تمرير قانون الإرهاب) و اقتصادية ( تعكسها اتفاقية التبادل الحر) تخضع لها الرباط مقابل الحصول على دعم من واشنطن للطرح المغربي في قضية الصحراء.
سنعالج هذا الموضوع في خمسة فقرات أساسية، الأولى حول التدخل الأمريكي في سيادة الدول من حيث المرتكزات و الأهداف، و الثانية حول المغرب في الإستراتيجية الأمريكية من حيث طبيعة العلاقات المغربية الأمريكية و كذلك من حيث مكانة المغرب في الإستراتيجية العسكرية الأمريكية. أما الفقرة الثالثة فستهم اتفاقية التبادل الحر و جوانبها الخفية. وفي فقرة رابعة سيتم التطرق إلى قانون الإرهاب بالمغرب و تداعيات أحدات الحادي عشر من شتنبر على العلاقات المغربية الأمريكية. أما الفقرة الخامسة فسيتم الحديث فيها عن تدخلات السفير الأمريكي في الشؤون السياسية الداخلية للمغرب
1- التدخل الأمريكي في سيادة الدول:
أ - المرتكزات
تتبنى الحكومات الأمريكية المتعاقبة و بخاصة الحكومات التي تنتمي إلى الحزب الجمهوري منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، أي خلال حقبة الحرب الباردة و حتى الآن مبادئ المدرسة الواقعية في السياسة الدولية التي تقوم على المصلحة والقوة ، ويعتبر هانز مورجنتاو أن السياسة الدولية ككل سياسة هي صراع من أجل القوة، وأن سلوكيات الدول تحركها حوافز الحصول على مزيد من القوة و التسابق لزيادتها باللجوء إلى الوسائل المتاحة ، فعامل القوة بحسب مورجنتاو يحكم العلاقات الدولية منذ القدم، وإن العلاقات الدولية محكومة بعلاقات الصراع من أجل القوة.
و يرى إدوارد كار أن القوة في جوهرها وحدة لا تتجزأ و قسم القوة السياسية إلى ثلاثة أصناف متداخلة معا هي: القوة العسكرية، و القوة الاقتصادية، و قوة التحكم بالأفكار و الآراء، فالسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية محددة بقوتها سواء كانت عسكرية أم اقتصادية .
إذن فمرتكزات السياسة الأمريكية تعتمد بالأساس على عدة مقومات سياسية و اقتصادية و عسكرية
و دبلوماسية .
فعلى الصعيد الاقتصادي استطاعت هذه الدولة منذ فترة الحرب العالمية الثانية أن تسيطر على مجمل الاقتصاد العالمي و تتحكم فيه، حيث تمكنت من بناء اقتصادي دولي يخدم مصالحها من خلال المؤسسات الاقتصادية و الآلية الدولية.
و على المستوى العسكري تملك الولايات المتحدة الأمريكية ترسانة عسكرية ضخمة فهي الدولة الوحيدة في العالم القادرة على تخصيص ميزانية سنوية تستثمرها في هذا المجال تصل حدود 270 مليار دولار، أي ما يوازي 30 بالمائة من إجمالي الإنفاق العسكري العالمي، وهي الإمكانيات التي تؤهل الجيش الأمريكي ليكون قادرا على خوض حربين في موقعين مختلفين من العالم في نفس الوقت.
و على الجانب الثقافي يظهر أن الهيمنة الأمريكية تحولت من هيمنة اقتصادية و عسكرية إلى هيمنة ثقافية أيضا، فهي تمتلك تقنيات و آليات ووسائل متعددة و جد متطورة تستغلها بشكل فعال في تمرير و فرض نمط حياتها و قيمها و ثقافتها و تكريس إستراتيجيتها البعيدة.
وعلى مستوى الحضور الدبلوماسي و السياسي على الساحة الدولية، فهو حضور فعال منذ نهاية الحرب الباردة، و تعزز مع حرب الخليج الثانية و تأكد في عدة أزمات و قضايا دولية عديدة أخرى.
فكل العوامل السابق ذكرها ،أسهمت بشكل كبير في تعزيزها و أتاحت لها القدرة على التدخل في المناطق النائية، و نبذ بؤر التوتر الخطيرة و احتواء الأنظمة و الجماعات الدولية المعادية لمصالحها و احتكار إدارة أزمات دولية تنطوي على مصالح إستراتيجية لهذا البلد ( حرب الخليج الثانية، مشكلة الشرق الأوسط، أزمة البوسنة و الهرسك، المشكلة الصومالية، أزمة لوكيربي، قضية هايتي، التدخل في أفغانستان 2001 ، العدوان الأخير على العراق....إلخ) سواء باستثمار إمكانياتها الاقتصادية والعسكرية و السياسية الخاصة، أو باستغلال الأمم المتحدة و مختلف المؤسسات السياسية و الاقتصادية الدولية في ذلك .
لكن مسار الأحداث الدولية أثبت أن النظام الدولي الذي بشر به الرئيس الأمريكي أعضاء المجتمع الدولي و شعوب العالم لم يكن سوى ذلك النظام الذي ارتأته رائدة هذا النظام ـ أمريكا ـ وسيلة لخدمة مصالحها و تأييد زعامتها، فالتدخل الأمريكي التعسفي بكل مظاهره و أنواعه تنامى بشكل كبير في مختلف بقاع العالم ، و أضحت الأمم المتحدة آلية تنفيذ السياسة الخارجية الأمريكية التعسفية، بدل تحقيق السلم و الأمن الدوليين،
و بذلك تنامت المنازعات و الحروب ومختلف أوجه الاستخفاف بقواعد الشرعية الدولية .
فكيف تبرر الولايات المتحدة الأمريكية تدخلاتها في سيادة الدول؟ وماهي الأهداف الحقيقية لهذه التدخلات؟
ب ـــ المبررات و الأهداف
* المبررات:
تتغنى الولايات المتحدة الأمريكية بتمثال الحرية و القيم، و المبادئ الأمريكية وبأنها واحة الديمقراطية في العالم، و راعية حقوق الإنسان ، ولكن هذه القيم و المبادئ أصبحت الآن محل استفهام بين شعوب العالم ، وإذ تدعي الولايات المتحدة الأمريكية أنها راعية الديمقراطية و تحاول أن تنشرها ، كما ادعت بأنها تريد أن تجعل من العراق واحة الديمقراطية بعد احتلاله، ولكنها في الواقع قد فشلت في ذلك و كشفت عن وجهها الاستعماري، وكذلك في تأييدها لسياسة التصفية و الإرهاب التي تمارسها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لذلك يمكن مهاجمة الولايات المتحدة الأمريكية في مبادئها وفي قيمها التي تعتبرها عامل قوة على المستوى العالمي.
إن الدعوة إلى الإصلاح و نشر الديمقراطية و الحرية، و الدعوة إلى تغيير المناهج الدراسية ماهي إلا محاولة لهندسة ثقافة جديدة تدخل ضمن ما يطلق عليه " بالاستعمار الليبرالي"، من خلال ثقافة أمريكية تحقق المصالح الأمريكية ضمن ما أطلق عليه مورجنتاو " بالاستعمار الثقافي" الذي يراه أرخص أنواع الاستعمار، ولكن أكثر خطورة و فعالية لتحقيق مصالح الدول الكبرى.
لقد تنبه بعض الأمريكيين إلى " دبلوماسية الثقافة" لتحقيق المصالح الأمريكية من خلال الاتصال بمنظمات المجتمع المدني، و نشر الثقافة الأمريكية، ولقد أكدت الدبلوماسية الأمريكية هيلين فن ضرورة تغيير المناهج الدراسية في الدول العربية لما يتماشى مع القيم الأمريكية، و قالت يجب الاتصال بالأغلبية الصامتة في المنطقة العربية.
يلاحظ أن الاتجاه الأمريكي يرى أن الوسائل العسكرية غير مجدية على المدى البعيد، لذلك يلجأ إلى وسائل الثقافة من أجل تغيير المفاهيم و الإدراك، بعيدا عن الدبلوماسية التقليدية التي ترتبط بالدول ووزارة الخارجية في البلدان العربية .
* الأهداف:
بالرغم من أن التدخلات الأمريكية في أنظمة بعض الدول تكون تحت غطاء الدواعي الإنسانية
و الأمنية، إلا أن الدوافع و الأسباب الحقيقية تتنوع ما بين سياسية و اقتصادية و عسكرية، وسنأخذ كمثال تدخلات الولايات المتحدة الأمريكية في كل من الصومال، أفغانستان، ثم العراق ، للوقوف على الأهداف الحقيقية لهذه التدخلات.
فبالنسبة لدوافع و أسباب التدخل الأمريكي في الصومال فهي تتمثل في:
 الموقع الإستراتيجي لمنطقة القرن الإفريقي عموما و الصومال على وجه الخصوص، و هو دافع قوي لكي تضع أمريكا أقدامها في هذه المنطقة الحيوية من العالم، لذا قامت بحشد قواتها و تدخلت في الصومال ووقفت إلى جانب الرئيس المؤقت السابق علي مهدي لكونه عميلا أمريكيا مناسبا يتفهم المصالح الأمريكية و يرحب بالتواجد العسكري الأمريكي.
 الدوافع الاقتصادية البترولية، حيث تفيد الدراسات التي قامت بها شركة كونكو الأمريكية،
و الأخرى التي قام بها البنك الدولي عن مستقبل الثروة البترولية في بعض الدول الإفريقية، تفيد أن الصومال و السودان يحتلان المركز الأول في قائمة الدول ذات المستقبل الباهر في مجال البترول.
 الخطة الأمريكية البعيدة المدى الرامية إلى بناء نظام جديد في المنطقة الإسلامية العربية يخدم مصالحها و أهدافها، من هذا المنطلق يمثل الصومال و إثيوبيا أهمية كبرى للولايات المتحدة الأمريكية في تلك المنطقة.
 الرغبة الأمريكية في تقديم نفسها على المسرح الدولي باعتبارها بطل اللعبة و المتحكم الأوحد في تسيير دفة الأحداث العالمية، و إدارة محركاتها، و الرغبة الأمريكية كذلك في الظهور بمظهر أخلاقي إنساني حريص على حياة البشر و انتشالهم من المجاعة القاتلة .
هذه أهم أسباب التدخل الأمريكي في الصومال وهي ــ كما هو واضح ــ بعيدة كل البعد عن الأسباب الإنسانية المعلنة، و التي ما فتئت وسائل الإعلام تثني عليها و تمدحها دون أن تبحث في الخلفيات و الدوافع الحقيقية.
أما بالنسبة لأفغانستان، فلقد عجلت أحداث 11 شتنبر إخراج خطة أمريكا الإستراتيجية تجاه المنطقة ، حيث اتخذت من الحرب على الإرهاب وسيلة لبسط هيمنتها بالمنطقة متذرعة في ذلك بتواجد عناصر القاعدة بأفغانستان و المتهمين بضلوعهم في تفجيرات الحادي عشر من شتنبر2001 ، حيث قامت بشن الحرب دون مراعاة أدنى شروطها ، خارقة بذلك كل بنود اتفاقيات جنيف لسنة 1949. و قد تبين أن الهدف الرئيسي للولايات المتحدة الأمريكية بالمنطقة يتمثل في نشر القواعد العسكرية للحد من المد الصيني و الإيراني، و في السيطرة على منابع النفط و الغاز الطبيعي.
أما بالنسبة للعراق فقد دأبت الدول الغربية على توجيه الاتهام له بانتهاك حقوق الإنسان خاصة مع السكان الشيعة في الجنوب و الأكراد في الشمال، كما دأبت الولايات المتحدة الأمريكية على دمغ واتهام الدول التي لا تنصاع لسياستها و توجهاتها بتهمة دعم و ممارسة الإرهاب الدولي، و اعتبرت العراق واحدا من هذه الدول حيث صنفها التقرير السنوي للخارجية الأمريكية ضمن أكثر الدول ممارسة للإرهاب في العالم عام 1993 .
لكن الهدف الرئيسي من التدخل الأمريكي في العراق ليس بإسقاط النظام الديكتاتوري لصدام كم تدعي، بل هو تأكيد الزعامة الأمريكية في الساحة الدولية و محاولة الثورة على النظام الدولي الذي تأسس مع نهاية الحرب العالمية الثانية و إنشاء الأمم المتحدة، فهذا العدوان هو في حد ذاته ورقة استهدفت من ورائه الولايات المتحدة الأمريكية استفزاز الأقطاب الدولية الصاعدة و تجريب مدى قدرتها على المناورة و التحدي و الكشف عن أوراقها و نواياها .
فاحتلال العراق أو فرض نظام موال لها هناك، و التموقع في المنطقة سيمكنها من التحكم في عنصر ترتكز عليه مدنيتها و صناعتها و هو النفط الذي تعتبر احتكاره مدخلا لامتلاك ورقة مربحة في مواجهة الأقطاب الدولية الصاعدة و تكريس الزعامة و الهيمنة، بدل الدخول في سلسلة من الإجراءات العقابية السياسية و الاقتصادية المكلفة و غير مضمونة النتائج، ثم توجيه رسالة إلى كل الأنظمة التي قد تفكر في تحدي زعامتها و هيمنتها.
فقد تم احتلال العراق، وهناك تهديد لدول أخرى حيث تلوح أمريكا حاليا بالتدخل في إيران باتهام هذه الأخيرة بتطوير منشآتها النووية ذات الطابع العسكري، فنحن أمام استعمار جديد تحت ثوب ليبرالي لا تكون فيها الشعوب وحدها، بل الأنظمة السياسية نفسها، ولعل في العراق عبرة، فالنظام السياسي العراقي السابق خدم المصالح الغربية في فترات تاريخية كما حدث إبان الحرب العراقية الإيرانية، لكن ذلك لم يشفع له عندما تطلبت الإستراتيجية الأمريكية الجديدة للقرن الواحد والعشرين التخلص منه لما يسمى بهندسة الشرق الأوسط الجديد ضمن سايكس بيكو جديدة .


2 - المغرب في الإستراتيجية الأمريكية.

أ ـــ طبيعة العلاقات المغربية الأمريكية

أهمية المغرب بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية حاضرة بقوة في الخطاب السياسي الرسمي و لدى الطبقة السياسية الأمريكية التي تشيد دائما في لقاءاتها بالمسؤولين المغاربة بالانتقال الديمقراطي الذي يعيشه المغرب، و الجهود الإصلاحية المبذولة للنهوض بالتنمية، و أيضا بالقرارات الصائبة للقيادة المغربية التي تساند توجهات السياسة الأمريكية في قضايا إستراتيجية كالسلام في الشرق الأوسط، و مكافحة الإرهاب.

وتنحو العلاقات الثنائية بين الرباط وواشنطن منحى جديدا، فلدى الإدارة الجمهورية اقتناع واضح بالدور الإستراتيجي للمغرب و قيادته السياسية في تدبير ملفات مهمة بالمنطقة لوزنه و رؤيته، وبفعل الاستقرار.
وتعترف الإدارة الأمريكية بالاختيار الجديد للحكم بالمغرب، و خاصة فيما يتعلق بالتعدد الحزبي ، والليبرالية و الحرية، و ترى الطبقة السياسية الأمريكية في ذلك مؤشرا مهما في اتجاه تبني ديمقراطية حقة تعتبر نموذجا يحتدا به في المنطقة .

ب ــ المغرب في الإستراتيجية العسكرية الأمريكية

إن الهدف عند البنتاغون هو أن يكون ممثلا بخارطة جغرافية أمريكية في سياسة الانتشار الدولي ليضمن تحرير السوق و إعادة هيكلته بما يناسب الوضع البعيد المدى.
و المغرب في هذا التصور الجزئي للبنتاغون يدخل في منطقة الحياد الحيوي على الأقل لسنوات قادمة، دون أن يشكل إلا انتشارا جديدا له في مربع الحركة ( تونس، الجزائر، المغرب، مالي).

و تجدر الإشارة إلى أن الإنزال العسكري لقوات الحلفاء و القوات الأمريكية على وجه التحديد كان في مدينة الدار البيضاء المغربية الذي اعتبر بداية رسمية لوجود عسكري أمريكي في المنطقة، إذ اتسع مداه بعد ذلك وبخاصة في المغرب الأقصى لتصبح في حوزة الولايات المتحدة الأمريكية قواعد عسكرية و مطارات خضعت لسلطتها المباشرة، و قد استمرت القواعد إياها حتى نهاية الحرب ، و حتى بعد حصول دول منطقة المغرب العربي على استقلالها السياسي، و بخاصة منها القواعد الأمريكية في مدن القنيطرة، وبن سليمان، وبن جرير، وسواها من مدن المغرب.
فالمغرب بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية يعتبر عاملا مهما في شمال إفريقيا و ذلك بالنظر لموقعه الإستراتيجي الذي يتميز به ، و انفتاحه على المحيط الأطلسي و بحر الأبيض المتوسط الذي يعتبر بوابة مرور السفن الأمريكية سواء الحربية منها أو التجارية إلى منطقة الشرق الأوسط و الخليج، بالإضافة إلى ذلك فهو يعتبر أكثر قربا من أوروبا،و كذلك من منطقة القرن الإفريقي التي يرى بعض المحللين الاقتصاديين أنها غنية بصادر الطاقة و خاصة الطاقة البترولية.
كل هذه العوامل تجعل المغرب نقطة عبور مهمة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية وذلك بنشر قواعدها العسكرية في المنطقة ، و إجراء مناورات عسكرية مشتركة مع المغرب خصوصا بمنطقة الجنوب بطانطان كانت آخرها مناورة عسكرية سميت " مناورات الأسد الإفريقي" .
و بصفة عامة فالهدف من التواجد العسكري بالمنطقة العربية ليس موجها في الحقيقة ضد قوة عسكرية أجنبية، بقدر ما هو موجه ضد القوى العسكرية العربية نفسها و شعوب الأمة العربية ، سواء بإمكانية استخدام هذا الوجود ضدها، أو باستنزاف مواردها أو باكتساب مكانة دولية على حسابها.
و لقد كانت المساعدات الأمنية أحد العناصر المغرية على الوجود العسكري، ولا شك أن الرغبة في الحصول على هذه المساعدات كانت وراء القبول بوجود عسكري أجنبي لدى دول عربية تعاني من أزمات اقتصادية، و إن استعراض برنامج المساعدات الأمنية الأمريكية يوضح مدى استغلال الولايات المتحدة الأمريكية الأزمات الاقتصادية في الدول العربية لتحقيق وجود عسكري، بحيث تتصاعد المساعدات مع قبول الدول العربية بالوجود العسكري الأمريكي ، فأمريكا استغلت الأزمات الاقتصادية في كل من مصر و الأردن و المغرب و الصومال و السودان و تونس، بينما لا تمنح المساعدات لدول عربية تعاني أزمة اقتصادية إذا كانت لا تسمح بوجود عسكري أمريكي ، أو كانت تعارض السياسة الأمريكية في الوطن العربي كما هو الوضع في سوريا، و تتوقف المساعدات الأمريكية في حالة تغيير سياسة الدولة كما الحال في السودان بعد سقوط حكم النميري الذي كان مواليا للإدارة الأمريكية .
فالمساعدات الاقتصادية و العسكرية هي واحدة من أكثر الأدوات فعالية في نشر النفوذ الأمريكي في المنطقة العربية، ولقد استعملت الولايات المتحدة الأمريكية المساعدات الخارجية كأداة للتأثير في السياسات الداخلية و المحلية للدولة ، فدين راسك وزير الخارجية الأمريكي السابق قال بخصوص المساعدات الأمريكية:
" إن المساعدات هي طريق ذات اتجاهين، فهي تفتح للدولة المستلمة لها أبواب
منتجات المتبرع و استثماراته، و قبولها هو تنازل جزئي عن السيادة، فهي
منفعة يمكن تطويرها بمرور الزمن لتصبح نفوذا رئيسيا "
و إذا كان المغرب يقبل المساعدات الأمريكية فهذا يعني ــ تبعا لقول وزير الخارجية الأمريكي ــ أنه يتنازل عن جزء من سيادته لصالح الإدارة الأمريكية، و رغم أن هذه المساعدة لا ترقى إلى حجم تلك المقدمة للحليفين الإستراتيجيين لأمريكا في الشرق الأوسط ( مصر و إسرائيل) ، إلا أنه لا يستهان بها، فما بين 1956 و 1991 مثلا تسلم المغرب حوالي 2000 دولار 50٪ منها على شكل هبة. أما حجم المساعدات المقدمة فلم يكن ثابتا، أي حسب المد و الجزر الذي تعرفه العلاقات الثنائية، وحسب الأهمية التي تمنحها الولايات المتحدة الأمريكية للمغرب في إستراتيجيتها العامة .

3 - اتفاقية التبادل الحر و جوانبها الخفية

خصوصيات هذا الاتفاق تتمثل في أنه اتفاق اقتصادي و تجاري بالدرجة الأولى، حيث سينظم تنمية المبادلات سواء تعلق الأمر بالسلع أو الخدمات بين البلدين، كما أنه سيسمح بانفتاح أكثر للصادرات المغربية على السوق الأمريكية، وسيسهل دخول الاستثمارات الأمريكية إلى التراب المغربي.

خلال مراحل سير المفاوضات تشكلت مجموعة عمل بلغت إلى 13 مجموعة تشمل كل قطاع على حدة ( الفلاحة، الخدمات، الصحة....إلخ)، يعملون بتنسيق مع وزارة الخارجية و التعاون و التي كانت المفاوض الرسمي لهذه الاتفاقية، هذه المفاوضات استغرقت 7 جولات تراوحت بين المغرب و الولايات المتحدة الأمريكية قبل أن تصل إلى صياغتها الحالية .

وقد تم الإعلان عن مشروع الاتفاقية في 23 يناير 2004 أثناء زيارة الممثل التجاري الأمريكي روبرت زوليك للمغرب للتباحث حول إلغاء الحواجز الجمركية القائمة بين البلدين.

وكان التوقيع على هذه الاتفاقية بواشنطن في 15 يونيو 2004، و بدأ تفعيلها في فاتح يناير2006، ولب مضمون هذه الاتفاقية هو أن المبدأ المهيمن في مختلف محتوياتها ومختلف القطاعات الاقتصادية هو العمل على إلغاء أدنى حاجز مقيد للنشاط الاقتصادي و التجاري. و فما يلي:

إن هدف هذه الاتفاقية في واقع الأمر ما هي إلا آلية أمريكية لفرض المشروع الأمريكي في المنطقة،
و قد اعتمدت واشنطن على فرضه بقوة الاقتصاد و قوة السلاح، باعتبار أن الهدف غير العلن عنه هو محاصرة منابع الإرهاب في الاعتقاد الأمريكي، وذلك عبر تمرير" مشروع الشرق الأوسط الكبير" و مشروع تأهيل العالم العربي و الإسلامي حسب المقاس الأمريكي البحث.
أما أهداف هذه الاتفاقية من الجانب المغربي، يقول المسؤولين المغاربة أنها تندرج في مسار شمولي اختارته الحكومة للانفتاح على العالم. وحسب تصريحات الطيب الفاسي الفهري، فإن الاتفاقية من شأنها إدماج الاقتصاد المغربي في المنظومة الاقتصادية الدولية ، و تكييفه مع المسلسل الجاري للعولمة و الدفع بمتابعة الإصلاحات الاقتصادية و الاجتماعية، و تحسين المناخ القانوني للمعاملات الاقتصادية و تأهيل المقاولة المغربية ودعم قدراتها التنافسية و جلب الاستثمارات الأجنبية و تكثيف التحولات التكنولوجية
فهل المغرب قادر على مواكبة تحديات هذه الاتفاقية؟
في الواقع يرى المحللون الاقتصاديون أن من الدوافع القوية التي جعلت المغرب يقبل بتوقيع اتفاق التبادل الحر مع الولايات المتحدة الأمريكية، بالرغم أن اقتصاد الأول لا يعادل سوى0.6٪ من اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية، هو المراهنة على كسب موقف إيجابي من ملف الصحراء في وقت تراهن فيه أمريكا على أرضية المغرب لفتح منافذ جديدة لتصريف البضائع و جلب الحاجات من المواد الأولية بكل من إفريقيا
و أوروبا و الشرق الأوسط باعتبار الموقع الاستراتيجي للمملكة المغربية.
فالمغرب يعي جيدا أنه سيتضرر اقتصاديا من هذه الاتفاقية و مع ذلك ضحى بما هو اقتصادي على ما هو سياسي.
فلقد كانت الولايات المتحدة الأمريكية تتخذ موقف الحياد منذ سنة 1977 في النزاع بالصحراء الغربية رغم أنها هي التي سهلت و دعمت اتفاقية مدريد الثلاثية سنة 1975، في محاولة منها لتفادي اندلاع الحرب بين حليفيها الرئيسيين بالمنطقة، ورغم كل المحاولات المغربية التي قام بها لتكسير الحياد الأمريكي في النزاع منها مشاركة المغرب في الدفاع عن مصالح المعسكر الغربي حيث تعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية في صراعها ضد توسع التأثير السوفياتي و الكوبي في إفريقيا، و ذلك بتقديم الدعم و التكوين و السلاح لجوناس سافيمبي زعيم حركة المعارضة الانغولية الذي كان في صراع مع النظام الماركسي المدعوم من طرف كوبا، كما شارك المغرب في مناسبتين، في أبريل 1977 و ماي 1987 في الدفاع عن المصالح الغربية في الزايير
و ذلك عن طريق إرسال فرقتين عسكريتين.
إلا أن كل هذه البراهين الإيديولوجية الموظفة من طرف الدبلوماسية المغربية و الاستعداد المغربي للمشاركة في تأييد المصالح الأمريكية، لم تفلح في إخراج الولايات المتحدة الأمريكية من حيادها في نزاع الصحراء طيلة حكم كارتر، رغم أن هذا الحياد قل شيئا ما سنة 1980 بعد أن قدمت أمريكا سلاحا للمغرب كانت قد طالب به لمواجهة حرب العصابات.
وبقيت الولايات المتحدة محايدة بخصوص الوضعية النهائية لتراب الصحراء الغربية في الوقت الذي عبرت عن استعدادها لدعم جميع الجهود الجادة من أجل تدشين مسلسل تفاوضي قد يؤدي إلى حل سلمي
و سريع للنزاع. فواشنطن تبقى أكثر تأثيرا في أي حل مستقبلي في ملف الصحراء، لهذا فالبوليساريو يتقرب كثيرا من الطبقة السياسية الأمريكية، و يحاول المغرب بدوره كسب ود و تعاطف واشنطن، ونهج سياسة تقديم تنازلات تلوى الأخرى، من ضمنها استضافة أشخاص يفترض أنهم إرهابيون لاستنطاقهم في مقر المخابرات المدنية في تمارة بإقليم الرباط، و دعم سياسة الشرق الأوسط الكبير من خلال احتضان ندوة في هذا الصدد خلال دجنبر 2004، وتوقيع اتفاقية التبادل الحر التجاري رغم اعتراض الاتحاد الأوربي والاقتراب من السياسة الإسرائيلية بشكل ملفت منها مثلا استقبال وزير الخارجية الإسرائيلي السابق شالوم، وإصدار بيان حول صحة رئيس الحكومة الإسرائيلية آرييل شارون، وضمن التنازلات الأخرى تسهيل تواجد الولايات المتحدة الأمريكية في الجنوب المغربي ضمن ما يشاع حول محاربة تغلغل القاعدة في الصحراء الكبرى .
لكن المبادرة المغربية الحالية القائمة على اعتماد خيار الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية كأرضية للتفاوض، تمكنت من إخراج الموقف الأمريكي من حياده والتوجه بشكل مباشر نحو إعلان موقف وسط قوامه اعتبار المشروع المغربي مشروعا جديا و ذا مصداقية، ويمكن أن يشكل فرصة للتفاوض المباشر بين المغرب و البوليساريو.
و يمكن تفسير هذا التطور النوعي في ملف الصحراء بعدة عوامل:
 التقاء المبادرة المبادرة المغربية مع الموقف الأمريكي الذي سبق أن أعلن عنه في نقاش اللجنة الفرعية الخاصة بإفريقيا بمجلس النواب بالكونغرس الأمريكي منذ سنة 2000 ، و الذي عبر عنه رونالد فيومان المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأمريكية.
 التأييد الكبير الذي لاقته مبادرة المغرب على مستوى الكونغرس و تحديدا داخل مجلس النواب و الذي ظهرت إرهاصاته في بداية 2006 عندما وجه حوالي 114 عضوا رسالة إلى الإدارة الأمريكية تمت فيها الدعوة إلى تشجيع حل سياسي يقوم على حكم ذاتي في إطار السيادة المغربية، وهو مسار تعزز بإقدام 169 عضوا من الكونغرس الأمريكي رسالة إلى الرئيس الأمريكي بوش تدعوه لدعم المبادرة المغربية.
 رغبة واشنطن في تقديم نوع من المكافأة للمغرب على توجهاته الأخيرة ذات العلاقة بالمنطقة العربية و الإسلامية و التي تنأى عن الاصطدام بالسياسة الأمريكية، هذه الأخيرة التي تعرف أزمة حادة بفعل ما يجري في العراق .

و تجدر الإشارة إلى أن أمريكا و فرنسا هما اللتان أصرتا على أن تكون الصيغة التي ستكتب بها مبادرة الحكم الذاتي المغربي عامة و قابلة لأن يدخل عليها أكثر من تعديل دون أن ينزع بنياتها، بصيغة أخرى لقد اقترحت فرنسا و أمريكا على الطرف المغربي بأن لا يأتي بمقترح الحكم الذاتي في صيغة مدققة و مفصلة تغلق المجال في إقناع بقية الدول الكبرى بأهمية ما توصلت إليه المملكة كحل سياسي قابل للنقاش .

كما أن فرنسا و أمريكا لعبتا أيضا دورا استراتيجيا في إخراج القرار الأممي 1754 بالصيغة التي صودق عليها بالإجماع، وهذا يعني أن الدولتين قد ساهمتا في إقناع بقية الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن بمشروع القرار بعدما أدخلت عليه بعض التعديلات لخلق نوع من التوازن بين مقاربات الأطراف المعنية .و هذا يعتبر تدخلا في سيادة المغرب و في سياسته لمعالجة قضاياه الوطنية.


4 - قانون الإرهاب بالمغرب و تداعيات أحداث الحادي عشر من شتنبر على العلاقات المغربية الأمريكية

لقد كشفت الولايات المتحدة الأمريكية عن إستراتيجيتها بعد 11 شتنبر التي تتبنى في جزء كبير منها موضوع الإرهاب كأولوية تفرض تدخلا وقائيا و أحادي الجانب باعتماد القوة العسكرية و الحرب، ثم حصر الدول الإسلامية كمجالات مصدرة للإرهاب و فضاءات مهمة ينمو داخلها بشكل واضح، بالمقابل تم اعتماد حلفاء تقليديين لمجابهته كبريطانيا و إسرائيل، ثم الدعوة إلى تجييش العالم لمواجهة هذا الموضوع.
إن عملية تجييش دول العالم قد شملت إشراك بعض الدول الإسلامية المعتدلة و التي لها علاقات مع الولايات المتحدة، وفي هذا الصدد تم إدخال المغرب بعد 11 شتنبر ضمن ترتيب أمني و إستراتيجي جديد يأخذ بعين الاعتبار العلاقات الثنائية الوثيقة و الأبعاد المصلحية للبلدين . ففي عديد من التصريحات الرسمية أكدت الدبلوماسية الأمريكية على حسن تجاوب القيادة المغربية مع دعوات الإدارة الأمريكية لمحاربة الإرهاب
و التعاطف الواضح مع الضحايا باعتباره عملا إرهابيا ينافي مبادئ و قيم العقيدة الدينية الإسلامية.
فالإدانة الصريحة و المباشرة لهذا العمل الإرهابي و التضامن مع الضحايا بإقامة قداس ديني حضره أعضاء الحكومة المغربية و الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي لمكافحة الإرهاب اعتبرت قرارات صائبة و شجاعة اتخذتها القيادة المغربية حسب تصريحات الدبلوماسية الأمريكية و تنطوي في عمقها على بعد أخلاقي .
إذن فمنذ 11 شتنبر 2001 انزلق المغرب نحو تبعية مفرطة للموقف الأمريكي، و حاول تبوأ دور قيادي مغاربي ضمن الحملة الأمريكية مع تغليف ذلك بمواقف مناهضة العنف و التطرف.
وكانت حصيلة ذلك إنزال أمن استخباراتي أمريكي و أوروبي بالمغرب، يستفيد مما كشفه مايكل شيهان في تقريره للجنة الفرعية لشؤون الشرق الأدنى و جنوب آسيا في 2-11-1999- حيث ذكر وجود قواعد منتظمة للتعاون بين المغرب وأمريكا في مجال مكافحة الإرهاب .
فالمغرب بوضعه قانون الإرهاب قد ولج بقوة عهد عولمة الإرهاب و ذلك على الطريق الأمريكية، فالقانون ليس إلا صدى متأخر لما انخرطت فيه الولايات المتحدة الأمريكية منذ الحادث من شتنبر، وظهرت نتائجه الكارثية في أوضاع العرب و المسلمين داخلها، حيث سجلت مئات الحالات من الاعتداء الجسدي
و الإضرار بالممتلكات و إرسال رسائل الكراهية و التمييز العرقي في المطارات و أماكن العمل و المؤسسات التعليمية، وهو صدى لم يراعي أدنى خصوصية للمغرب، بل تم استنساخ النموذج الأمريكي و ترجمته مع بعض التعديلات. فخطورة هذا القانون تتجلى في الإجهاز على عدد من المكتسبات التي عرفها المغرب في مجال الحريات، ويعيده إلى عهد الظروف الاستثنائية التي تستبيح فيها السلطات حرمات و حقوق المواطنين تحت ذريعة تطبيق القانون .
إذن يظهر لنا بشكل واضح أن المغرب يخضع للتبعية الأمريكية وذلك من خلال انسياقه و تبنيه بشكل سريع قانون الإرهاب على إثر تداعيات أحداث 11 شتنبر 2001 ، و هذا يدل على ذلك الضغط السياسي ذا الطابع الأمني الذي تمارسه واشنطن على المغرب ، مقابل أن يحظى هذا الأخير بمباركتها و دعمها في ملف قضية الصحراء و بالمساعدات المالية والعسكرية.

ارتفاع المساعدات العسكرية الأمريكية الممنوحة للمغرب في إطار ما يسمى بالحرب على الإرهاب مقابل تراجع المساعدات التنموية
المساعدات العسكرية المساعدات التنموية السنة
14 مليون دولار 10 مليون دولار 2005
16 مليون دولار 8 مليون دولار 2006
17 مليون دولار 5 مليون دولار 2007

فمن خلال قراءة لهذه الأرقام المتضمنة في الجدول أعلاه يتبين أن المساعدات التنموية المقدمة من طرف الولايات المتحدة الأمريكية للمغرب هي في تراجع، مقابل ارتفاع في حجم المساعدات العسكرية و ذلك في إطار ما يسمى بالحرب على الإرهاب.
إذن يمكن القول أن هجمات 11 شتنبر أقنعت الأمريكين بضرورة تغيير المنطقة العربية، وتزايد إحساس العرب بالتهديد إزاء ما يرونه استهدافات من الولايات المتحدة الأمريكية للمنطقة العربية منذ هذه الأحداث، في محاولة لتغيير القيم و الأوضاع الثقافية و الاقتصادية و السياسية في العالم العربي، حيث أن هناك منظومة من التغيرات الهيكلية التي تعتري العلاقات العربية الأمريكية و من بينها:
أولا: نزوع الولايات المتحدة إلى استخدام تعبير الشرق الأوسط للحديث عن المنطقة العربية عوض تعبير العالم العربي.
ثانيا: محاولة خلق نوع من التطابق بين ماهو عربي و ماهو إسلامي كمفاهيم إستراتيجية فيما يتعلق بالمصالح و التهديدات و إمكانيات العمل و دمج الدول العربية و الإسلامية في شرق أوسط كبير يمتد من المغرب إلى إندونيسيا.
ثالثا: اختراق الحدود بالتأثير الأمريكي في مجريات الأمور داخل العالم العربي و ليس من خارجه.
رابعا: تغيير آليات التغيير الأمريكي المطلوب بحيث لم تعد الولايات المتحدة الأمريكية تستبعد اللجوء إلى القوة لتغيير النظم السياسية في العالم العربي .

5 - تدخلات السفير الأمريكي في الشؤون السياسية الداخلية للمغرب

فبالإضافة إلى الضغوط السياسية الأمريكية التي أفضت إلى تبني المغرب قانون الإرهاب، و الضغوط الاقتصادية التي أفرزت اتفاقية التبادل الحر بكل انعكاساتها الاقتصادية على المغرب، فالإدارة الأمريكية لم تقف عند هذا الحد، بل أصبحت تتدخل حتى في السياسة الداخلية للمغرب، و يتمثل ذلك في تجاوزات سفيرها بالرباط توماس رايلي ، و من بين التدخلات و التجاوزات التي قام بها هذا السفير قوله بأن البوليساريو هي الممثل الوحيد للشعب الصحراوي ، و استبعد المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية في المفاوضات المرتقبة بين المغرب و البوليساريو. وفي سياق حديثه عن الانتخابات التشريعية المقبلة قال بأنه لا ينتظر منها الكثير.
و ليست هذه المرة الأولى التي يتدخل فيها السفير الأمريكي في شؤون مغربية محضة، فقد سبق أن ذهب إلى مكتب محمد بوزبع وزير العدل و حذره من محاكمة نادية ياسين ، وقبل شهور اضطرت الحكومة إلى سحب مشروع قانون من البرلمان حول استطلاعات الرأي، لأن السفير اعترض عليه قبل أن يناقشه ممثلو الشعب، كما أخبر هذا السفير الصحافيين المغاربة الذين اجتمع بهم، أنه أبلغ نبيل بنعبد الله وزير الاتصال عن تحفظاته على بعض بنود مشروع تعديل قانون الصحافة الذي مازال في طور النقاش.

أما الأحزاب السياسية بما فيها حزب العدالة و التنمية الذي كان يقاطع جميع أنشطة السفارة الأمريكية في الرباط ، فهي لا تتورع في السماح لرايلي بمناقشة برامجها الانتخابية حتى قبل أن تعرضها على ناخبيها .
كما عاش المغرب على إيقاع الحديث عن اختراق أمريكي لأحد أكبر المؤسسات الدينية التي تعنى بتخريج العلماء، و يتعلق الأمر بدار الحديث الحسنية، فكامبيس كان قد أوكلت له مهمة مراجعة مناهج التعليم بالمؤسسة باتجاه إدخال دروس في مقاربة الأديان باللغة الإنجليزية.
و يعلق مصطفى الخلفي بالقول:
" إن مشكلة دار الحديث الحسنية أكبر من وجود أمريكي، إنها
مسار لتغيير المقررات الدراسية بشكل يؤدي إلى تخريج أطر
قادرة على الانخراط في مبادرة حوار الأديان"
فأمريكا استفادت خلال السنوات الخمس الأخيرة من كل الامتيازات التي طلبتها:
ــ تشديد العقوبة على القرصنة الخاصة بأفلامها.
ــ إصدار قانون الإرهاب بكل العيوب المثارة من طرف الحقوقيين.
ــ اقتطاع طانطان من التراب الوطني ووضعها رهن إشارة الجيش الأمريكي ليتصرف فيها كما يشاء مع تغليف الأمر ب " مناورات مشتركة".
ــ تحويل الأجواء المغربية إلى ممر آمن للطائرات الأمريكية التي تنقل المختطفين أو المتوجه بهم إلى معتقلات سرية للتعذيب.
ــ فتح الأسواق المغربية في وجه أمريكا بمقتضى اتفاق التبادل الحر الذي كان اتفاقا غير عادل لتجار و صناع و فلاحي المغرب.
لقد تحول المغرب فيما يشبه ملحقة للمخابرات الأمريكية إذ لا يحل ببلادنا سوى الجينيرالات و قادة أركان الجيش الأمريكي أو مسئولو وزارة الدفاع و FBI و CIA ، بينما وزراء الصحة والمالية و التعليم و الخبراء في التنمية فلا يعرفون طريقا نحو المملكة الشريفة، فإلى أي حد سيتحمل المغرب إهانة أمريكا؟
فكل هذه التنازلات و التجاوزات التي تقوم بها الولايات المتحدة، تدل على أن السيادة الوطنية المغربية مخترقة من طرف الإدارة الأمريكية. فماهي ردود فعل الحكومة المغربية من هذه التدخلات و التجاوزات ؟
يمكن القول أن الحكومة المغربية بالرغم من كل هذه التدخلات لسفير الولايات المتحدة الأمريكية في سياستها الداخلية لم تتخذ أية إجراءات من شأنها أن تحد من هذه التجاوزات الأمريكية ، اللهم إذا استثنينا بعض التصريحات لقلة من نواب الشعب الذين ينتقدون تدخل السفير الأمريكي في الشؤون السياسية الداخلية، كانتقادات رئيس مجلس النواب عبد الواحد الراضي الذي ينتمي لحزب الإتحاد الاشتراكي ، هذا بالإضافة إلى بعض الوقفات الإحتجاجية لمجموعة من الطلبة الجامعيين، كما حدث مؤخرا عندما تجمع عدد منهم أمام كلية الحقوق بأكدال بالرباط، وذلك لمنع محاضرة للسفير الأمريكي توماس رايلي الذي كان ينوي تقديمها في الكلية.
إذن يظهر بشكل عام أن الإستراتيجية الأمريكية لا تفرق بين الحليف و العدو في نهجها لسياسة التدخلات، فإذا كان عدوا تتدخل فيه بالقوة العسكرية و اللجوء إلى الحرب ،أما إن كان حليفا تتدخل فيه باللجوء إلى الضغوطات السياسية و الاقتصادية ، و ذلك لخدمة مصالحها الإستراتيجية .
و هنا يمكن أن نطرح السؤال التالي: ماهي البدائل التي طرحها الفكر العربي للتعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية ؟.
هناك مجموعة من البدائل التي طرحها المفكرين العرب والتي تتراوح من المواجهة مرورا بالتحالف
و الإلحاق،ثم الضغط و التحييد، و انتهاء بإستراتيجية توزيع الأدوار وذلك كالتالي:

 إستراتيجية المواجهة:

فعندما تطرح قضية المواجهة فإن السؤال الذي يثار على الفور هو: أين إرادة المواجهة، ويعلق غسان سلامة على ذلك بقوله:
" المسألة هي إرادة المواجهة ــ مواجهة الحقيقة ــ مواجهة واشنطن،
هذه الإرادة مذبذبة ــ مرتعشة ــ متفاوتة من حكم إلى آخر ومن مرحلة
إلى أخرى ، ماهي إلا صورة من صور التخلف و التمزق في المجتمع
العربي المعاصر " .
فإستراتيجية المواجهة تفترض وجود من يواجه، ومن عقد العزم ، و أعد العدة لذلك، وفي غياب ذلك تظل أطروحة نظرية و ليس بديلا عمليا.
لذلك يمكن القول أن إستراتيجية المواجهة غير قابلة للتفعيل في ظل اختلال موازين القوى بين الدول العربية و الولايات المتحدة الأمريكية.

 إستراتيجية التحالف و الإلحاق
في الحقيقة تعد جوهر عديد من السياسات العربية الرسمية في حقبة السبعينات، و جوهر هذه السياسة أن الولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة الأعظم في العالم، و أنها ذات المصالح في المنطقة، و يرى أنصار هذا الرأي أن مصالح أمريكا هي مع العرب، و أن قدرا أكبر من ممارسة العلاقات العامة في داخل المجتمع الأمريكي لقادر على تغيير وجهة السياسة الأمريكية تجاه المنطقة العربية.
لكن هذه الإستراتيجية تصطدم بمواقف المناهضين للتطبيع مع أمريكا و حلفائها، لذلك لا يمكن تبني هذه الإستراتيجية.

 إستراتيجية الضغط و التحييد
تشق هذه الإستراتيجية طريقا وسطا بين الإستراتيجيتين السابقتين، فهي لا تنطلق من منطلق المواجهة و التحدي، ولكنها أيضا لا تتصور إمكانية التحالف أو التطابق بين المصالح العربية و الأمريكية،
و إنما تسعى إلى استخدام أدوات الضغط العربية كالنفط و الأرصدة النقدية و التجارة و إقامة جماعة مصلحة عربية في داخل أمريكا بقصد الضغط عليها و التلويح بإمكانية الأخطار المتضمنة في سياستها و ممارسة بعض أشكال الضغط ، مثل الخطر النفطي لعام 1973 بقصد تغيير موقف الولايات المتحدة الأمريكية من
القضايا المتعلقة بالمنطقة العربية، و هذه الإستراتيجية بدورها تتطلب قدرا كبيرا من التنسيق العربي و استخدام مجموعة الأدوات السياسية و الاقتصادية و الإعلامية.

 إستراتيجية توزيع الأدوار
يقصد بها أن يتم توزيع الأدوار بين البلدان العربية، فهناك نظم عربية صديقة للولايات المتحدة الأمريكية، ويمكن لها أن تمارس إستراتيجية التحالف أو الضغط من موقع الصداقة وأن تحصل من جراء ذلك على الدعم و السلاح ، و هناك نظم عربية أخرى كانت صديقة للإتحاد السوفياتي تستطيع أن تتبع إستراتيجية المواجهة، بحيث يمكنها أن تحصل من السوفيات على ما يدعم الأمن العربي
و المصالح العربية.
و قد يبدو هذا البديل منطقيا، فهو ينطلق من تطور إمكانية أن يستخدم العرب النظام الدولي لمصلحتهم بدلا من أن يكونوا أدوات في يد هذا النظام. لكن الخبرة السابقة تشير للأسف إلى عكس ذلك ، و أن الحرب الباردة بين العملاقين انعكست على العلاقات بين البلدان العربية، بدلا من أن يوظف كل نظام علاقاته للمصلحة العربية.
إن هذا العرض الموجز للبدائل المختلفة يشير إلى أن موطن الداء يكمن في العلاقات ذاتها، و في علاقات النظم العربية بعضها بالبعض، و في إدراك النخب العربية الحاكمة لمفهوم الأمن العربي
و المصالح العربية، و الذي يترتب عليه تحديد الصداقات و العداوات في العلاقات الدولية. و الأمر الواقع أن النظم العربية مختلفة فيما بينها أشد الاختلاف حول هذه الأمور.
هناك نظم تعتبر واشنطن الصديق الأول و تقيم علاقات خاصة بها، و هناك نظم حريصة على إبقاء بديل المواجهة مفتوحا، و هناك نظم تتبع سياسات واقعية فيها بعد شاسع بين الشعارات المعلنة
و الممارسات العملية.
ولا يوجد مخرج من هذا الموقف إلا بأمرين يمثلان الحد الأدنى اللازم لأي تغيير: أولهما بلورة إرادة عربية وتنسيق عربي مشترك، و ثانيهما تجميع و بلورة مصادر القوة العربية، فعالمنا المعاصر لا يحترم إلا الأقوياء و من دون هذين الأمرين سنظل في دوامة لا نهاية لها و لا مخرج منها.


خاتمة
خلاصة القول أن الولايات المتحدة الأمريكية التي تنادي بالحرية و الديمقراطية و احترام السيادة، هي أول من يخرق هذه المبادئ، من خلال تدخلاتها و ضغوطاتها السياسية و العسكرية و الاقتصادية التي تمارسها على الدول المستضعفة مقابل حصول هذه الأخيرة على مساعدات مالية و امتيازات اقتصادية.
و هكذا لم يكن غريبا أن يتعرض المغرب كغيره من الدول للضغوطات السياسية و الاقتصادية التي تقوم بها واشنطن، وهي ضغوط قد تتجاوب معها الرباط للحصول على دعم الولايات المتحدة في ملف قضية الصحراء وهو ما يثبت الفرضية التي انطلقنا منها في دراسة هذا الموضوع .

إذن يمكن الخروج ببعض الخلاصات انطلاقا من هذا الموضوع:
ــ ضرورة تفعيل دور الأمم المتحدة فيما يخص معالجة القضايا الدولية حتى لا يترك للولايات المتحدة الأمريكية أي سبب للتدخل في سيادة الدول الأخرى.إلا أن هذا المطلب لن يفعل في ظل الهيمنة و الزعامة التي تنفرد بها الولايات المتحدة الأمريكية التي جعلت من الأمم المتحدة آلية لشرعنة كل تدخلاتها مما أدى إلى إفلاسها و تصاعدت المطالب بضرورة إصلاحها.
ــ أن على الدول النامية و المستضعفة الحفاظ على سيادتها من كل اختراق قد يجعلها تابعة للهيمنة الأمريكية وذلك برفض المساعدات المقدمة لها ، و التواجد العسكري فوق أراضيها..
ــ مباشرة الإصلاحات الاقتصادية و الثقافية من أجل بناء نظام قادر على المنافسة و المقاومة خاصة في ظل منظومة عالمية كاسحة تحاول فرض الإصلاح من الخارج، و بالتالي ضرورة الإصلاح من الداخل و تفويت الفرصة على هذه القوى الاستعمارية الجديدة.
ــ تعزيز تعاون جنوب- جنوب كواجهة هامة جدا لإيجاد شركاء يمكن الاتفاق معهم على مشاريع إستراتيجية يمكنها إحداث التوازن أو التخفيف من حدة الهيمنة الأحادية التي تتزعمها الولايات المتحدة الأمريكية.
ــ الانفتاح على دول جنوب شرق آسيا و الاستفادة من تجاربهم التنموية و بحث إمكانية إقامة شراكة إستراتيجية مع التكتلات الآسيوية.
ــ أن المغرب مطالب بالحفاظ على سيادته من التدخل الخارجي وعدم الانسياق للتبعية الأمريكية، وكذلك يجب أن يراهن دائما على حل قضاياه بطرق تجعله لا يخضع لضغوط تؤثر و تساومه في سيادته الوطنية.
ــ السعي إلى بناء اتحاد عربي موحد قادر على مواجهة كل التحديات الاقتصادية والسياسية التي تطرحها ظاهرة العولمة ، والتي تتخذها الولايات المتحدة الأمريكية مطية لتبرير تدخلاتها في الشؤون السياسية الداخلية للدول العربية و الإسلامية. لكن كيف ذلك؟
فالواقع أن غياب الوحدة بين الدول العربية و العمل المشترك أدى إلى جعل المنطقة أكتر اختراقا من الخارج ، فضلا على أن هذه الدول تعطي الأولوية لالتزاماتها الخارجية إذا ما تعارضت مع التزاماتها في إطار النظام الإقليمي العربي، ولعل هذا ما دفع بفئات متعددة من السياسيين و المثقفين العرب إلى الدعوة إلى الإصلاح السياسي كمدخل أساسي لتحديث المجتمع العربي .
من جانب آخر تأتي المنطقة العربية على قائمة الدول المستوردة للسلاح لكن مع ذلك يبقى العالم العربي بالمقارنة مع باقي الدول ضعيف من الناحية العسكرية ، و لعل الدلائل على ذلك تتمثل في الهزائم المتتالية التي عرفها النظام من جهة ‘ وفشله في الحد من النزاعات بين الأقطار العربية نفسها من جهة ثانية.
لكن ما يتربع على قائمة المشاكل التي تؤثر على الأمن و تحرك التوتر و عدم الاستقرار و تعوق التقدم هي استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية و الاحتلال الأمريكي للعراق و تصاعد و وثيرة الإرهاب بالعالم و هو الشيء الذي يؤثر سلبا على التنمية الإنسانية العربية .
في الوقت نفسه فإن غياب سلطة عربية عليا في إطار الجامعة العربية حال دون تمكين هذا الإطار المؤسسي من أن يصبح أداة لحشد و تعبئة الموارد والطاقات العربية بكفاءة و فعالية في مواجهة إسرائيل، ومن هنا ظلت على الدوام فجوة بين الأهداف و السياسات المشتركة المعلنة و المتفق عليها و بين القدرة العلمية على تحقيق هذه الأهداف ، فبالرغم أن الجامعة العربية قد أفرزت بعض النجاحات في ميادين متعددة اقتصادية و اجتماعية وتربوية و ثقافية و رياضية، إلا أن تعترها السياسي جعل صورتها تبهت أمام الرأي العام الذي لم ينظر إلى مبادرتها بشكل جدي أحيانا.

تدفعنا وقائع المشهد العربي، إلى أن هذا الواقع و حتى يخرج من محنه الراهنة يحتاج إلى إحداث تحولات سياسية و ثقافية و مجتمعية تعيد صياغة الواقع العربي بما ينسجم و تحديات الواقع، هذه التحديات يمكن إجمالها في ما يلي:
ــ تحديات النظام الإقليمي : و في إطاره يمكن الحديث عن عدة تحديات، أولها التكييف مع إدارة العلاقة مع حقائق العولمة في إطار نظام دولي ينشط فيه قطب واحد له مصالح و توجهات صارمة اتجاه المنطقة العربية وله تصورات ورؤى حول مستقبلها و ذلك تحت مسميات الشرق الأوسط الكبير و سياسة نشر الديمقراطية .
التحدي الثاني و هو تحدي التنمية الإنسانية ، فالمقاربة التي جاءت بها التقارير الثلاثة للتنمية الإنسانية العربية هو أن الإنسان هو جوهر التنمية في بعدها الشمولي و تتجاوز المفهوم المادي للرفاه الإنساني إلى الجوانب المعنوية و الحياة الإنسانية الكريمة التي تشمل التمتع بالحرية السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و توفر الفرص لاكتساب المعرفة والإنتاج و الإبداع و تحقيق الكرامة الإنسانية.
فالقضايا و المجالات التي ينبغي أن تتصدر سلم الأولويات في العالم العربي من أجل ربح رهانات التنمية و بالتالي عدم الخضوع للتبعية الخارجية هي:
1) بناء مجتمع المعرفة.
2) الاحترام الكامل لقيم الحرية و الديمقراطية و لحقوق الإنسان.
3) تعزيز الحكم الصالح و الحكامة الجيدة.
هناك تحدي ثالث، و هو تحدي التكامل الإقليمي، فليس من قبيل المبالغة القول بأن النظام الإقليمي يمثل أكبر مفارقة في تحليل النظم الاقتصادية في النصف الثاني من القرن العشرين بين كثافة وجود العوامل المدعمة للاتحاد و التكامل بين حجم الإنجاز و مستوى الأداء، فربما لا توجد مجموعة أخرى من الدول المجاورة التي جمعت بينها عناصر مشتركة مثل التاريخ و اللغة و الثقافة و الدين بقدر ما توافر للدول العربية و مع ذلك فإن الإنجاز الذي تحقق في مجال التكامل السياسي و الثقافي أقل بكثير مما حدث في أقاليم أخرى لا تتوفر لأعضائها نفس عناصر التكامل.

التحدي الرابع و هو تحدي الأمن القومي: فالدول العربية تواجه تهديدات خارجية و داخلية تؤثر على الأمن القومي، و تهدف هذه التهديدات إلى تفتيت العالم العربي و إضعاف قدراته الشاملة حتى لا يشكل كتلة واحدة لها مقوماتها و قدراتها التي تمكنها من التحكم في المنطقة عليا و أهم هذه التهديدات :
ــ على المستوى الداخلي : الخلافات العربية- العربية ، ظاهرة الاستقطاب الدولي لبعض الدول العربية ، عجز الجامعة العربية، قضايا الديمقراطية و الحرية و حقوق الإنسان.
ــ على المستوى الخارجي: الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية ، قضية المياه، قضية الديون الخارجية، التهديدات الإقليمية للمنطقة( إيران، تركيا، إيتوبيا).
و لمواجهة هذه التحديات أصبح لزاما على الدول العربية وضع ترتيبات أمنية ترتكز على ما يلي:
ــ أن تكون ترتيبات بناء نظام أمني عربي نابعة من الدول العربية ذاتها دون تدخل أجنبي و في هذا الإطار ينبغي أن تلعب الجامعة العربية دورا رئيسيا.
ــ أن يكون الأمن بمفهومه الشامل أي بأبعاده الداخلية و الخارجية و مكوناته الجيوبوليتيكية و الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية و العسكرية.
ــ أن المكون الاقتصادي للأمن هو العنصر الرئيسي في نظرية الأمن في ظل التكتلات الاقتصادية الكبرى الحالية.
ــ الاعتماد على الذات في التنمية الاقتصادية للدول العربية مع بعضها البعض.
و مجمل القول فإن النظام الإقليمي العربي،وصل إلى حالة من التجزئة و الانقسام لم يسبق لها مثيل ، و ذلك بسبب تعارض مواقف القادة حول القضايا الأساسية و المصيرية للدول العربية، و عدم التزامهم بتنفيذ القرارات التي يتم اتخاذها على مستوى القمم ، و خير دليل على ذلك هو عدم تنفيذ القرارات التي اتخذت في قمتي بيروت و شرم الشيخ بخصوص العراق، حيث تم الاتفاق بعدم تقديم أي من الدول العربية للمساعدات أو التسهيلات أو فتح أبوابها و أراضيها لتمركز القوات الأمريكية و البريطانية، إلا أن الواقع أظهر عكس ذلك حيث لاحظنا أن هذه القوات تنطلق من الأراضي العربية .
إذن لا يمكن بناء اتحاد عربي موحد قادر على مواجهة على التحديات التي يطرحها النظام الدولي بكل تجلياته السياسية و الاقتصادية و العسكرية إلا بوجود إرادة سياسية فاعلة قادرة على ممارسة أدوار طلائعية سواء فيما يتعلق بشؤونه الداخلية أو فيما يرتبط بمواجهة النظام الدولي و ليس كوحدات منفصلة.



#سعيد_الهوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- شاهد: تسليم شعلة دورة الألعاب الأولمبية رسميا إلى فرنسا
- مقتل عمّال يمنيين في قصف لأكبر حقل للغاز في كردستان العراق
- زيلينسكي: القوات الأوكرانية بصدد تشكيل ألوية جديدة
- هل أعلن عمدة ليفربول إسلامه؟ وما حقيقة الفيديو المتداول على ...
- رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية يتهرب من سؤال حول -عجز ...
- وسائل إعلام: الإدارة الأمريكية قررت عدم فرض عقوبات على وحدات ...
- مقتل -أربعة عمّال يمنيين- بقصف على حقل للغاز في كردستان العر ...
- البيت الأبيض: ليس لدينا أنظمة -باتريوت- متاحة الآن لتسليمها ...
- بايدن يعترف بأنه فكر في الانتحار بعد وفاة زوجته وابنته
- هل تنجح مصر بوقف الاجتياح الإسرائيلي المحتمل لرفح؟


المزيد.....

- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب
- اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد ... / علاء هادي الحطاب
- الاستراتيجيه الاسرائيله تجاه الامن الإقليمي (دراسة نظرية تحل ... / بشير النجاب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - سعيد الهوسي - التدخل الأمريكي في سياسات الدول: دراسة لتأثير واشنطن على السياسة المغربية