قدست يا غيبهم..انهم يعبدونك

أغيلاس ياسين

الحوار المتمدن-العدد: 2552 - 2009 / 2 / 9 - 01:59
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

اه ما اقواك أيها " الغيب " يا فلسفة الجهلاء وبلسم كل يائس تعيس . يا ملاذ الدجالين وحجة من لا حجة له ..يا عزاء العقول النافقة على مر الدهور والأزمان. . قُُُُُُدّست أيها الغيب فانك الحجة والبرهان واليك يحتكمون .
من أ ين أتيت ؟ الى أين أذهب ؟ ما هو مآلي بعد أن أفنى ؟ ما هي الروح والنفس ؟ ما سرها ؟.... انها أهم ركائز الغيب ووقوده الذي لن يفنى . أسئلة ملحة اختارت لنفسها أن تتموضع حيث " اللا ادراك " فالحواس البشرية قاصرة عن تلمس السبيل الى ما قبل " البدأ " أو ما بعد " الفناء" والعقل البشري مهما كان محكما فانه على ادراك " العدم " أعجز . وهذا العدم هو كل غير مدرك من طرف الطبيعة البشرية أو معدوم للطبيعة الفزيائية المحددة للوجود الاعتيادي ذي الخصائص المحسوسة الذي يقابله العدم الغيبي بأنساقه المتعددة ( هناك غيب مفسر لما قبل " الولادة " .. هناك غيب مفسر لما بعد " الفناء" .. هناك غيب يختص في مجال " الروح والنفس " ...) هنا يتوقف العقل البشري ويلتمس دون هذه الأسئلة سبله للخلاص من هذا الالحاح القاتل ..لكن مهلا. فان طالبي " الخلاص " كثر وبائعوه أكثر
والتجارة في هذا الميدان لا تبور .
لقد عرف الانسان منذ الازل هذه الأسئلة كما نعرفها نحن اليوم وألحت عليه كما تلح علينا والتمس الخلاص كما نلتمسه وهنا كانت نشأة ومولد " الأنساق التعبدية " كمحاولة لادراك هذا " اللا ادراك" والعالم اليوم يعج بالطوائف والجمعيات الروحية التي حملت على كاهلها عبء ايجاد الأجوبة الشافية والمشبعة لجوع هذه العقول المستعجلة ادراك " السر الكبير " وما خلف الستار . غير أن سيد الساحة وجالب اليقين والطمأنينة المستكينة له ملايين العقول يبقى هو " الدين " . وما عليك الا أن تكشف فهرس أية ديانة حتى تجد الجواب مسطورا لكل ما يدور بخلدك وتود له حلا . تبدو الأمور حتى الان بسيطة رغم ما تحتويه من تعقيد ضمني فطالما الامر هكذا فان هذا سيكون بمثابة رياضة للعقل وتحفيزا لحب الاستطلاع .... لكن في لحظة ما وانت تتصفح بريدك الالكتروني تصادفك رسالة بها رابط لموقع أو وصلة فيديو لشخص بعد ذاق ما ذاق من أهوال " عذاب القبر " وكأن " نكير ومنكر " المزعومين قررا عولمة جلسات التحقيق التي يديرانها وادخال التقنية في مجالهما . وغير بعيد عن هذا الميدان تصادفك رسائل مطلسمة بشفرات دينية يُطلب منك فيها " النسخ-والتوزيع" وفعلك هذا سيجعلك بالطبع للجنة من الضامنين .. هذا فيما يسر من درجات استغلال الغيب أما في ما يخص من اطمأن لجودته فتجده يدعي " المهدية" ( نسبة للمهدي المنتظر ) أو " النبوة " هذا اذا لم يفق اطمأنانه الحدود ويدعي "الألوهية " ’ وهذه الاحداث بالطبع ليست بعيدة عن مسامعكم فهي تمر عليكم دائما وتعاينونها عن كثب هذا وقد يكون البعض منا عايشها ..في سنون خلت ليست بعيدة قامت جماعة من جماعات الاسلام السياسي في " المغرب " وهي جماعة " العدل والاحسان " الرجعية بالارتكاز على شعبة من شعب " الغيب " وهي " الرؤيا " ونحن نعلم غزارة الأراء البائرة التي تمجد هذا " النشاط العقلي اللاشعوري " وتصنفه في خانة " المبشرات " ..المهم في الأمر أن هذه الجماعة نشرت في اوساط نشطائها ومحدودي الثقافة من الشرائح العامية المغربية ما مفاده أن قادة الحزب الرجعي " العدل والاحسان " قد جاءهم النبأ العظيم بقرب الفرج والمخرج الذي هم له منتظرين (..) وبالفعل انخرط القوم في تأويل هذا " الأمر الجلل " واستحضار الأدلة على مصداقيته وما توفر من الحجج...أما هناك في " موريتانيا " فقد ظهر الممرض " همت ولد محمدو" شاهرا وجوده الجديد على أنه " المهدي المنتظر " وقد بشرته الهة السماء بأنه مخلص الأمة العربية من " كسادها العظيم " طالبا من القادة والزعماء مبايعته ليكون قائدهم في معركة الحسم النهائية .
قد أوردنا هذا وأسلفنا هذه الأمثلة في معرض المقال فقط للاخطار بجلل ما عليه أمر الغيب وسمو مكانته في " الأدبيات الرجعية " انه ضارب أوتاده ومشيدا القلاع والحصون في العقلية الدينية التراثية انه "فيروس " يقاوم المصل ويستعصي على كل ترياق ..ان مشروع التنوير في العالم العربي يصطدم بهذا الجدار الصلد فينتصر شوطا ويخر دون الفوز أشواطا خصوصا أمام عولمة الخرافة وميلاد " الاعجاز العلمي " ليسود الدجل عقول أمة أبصارها شاخصة الى السماء في انتظار أن تجود "الآلهة" بمعجزة أو بشارة أو كرامة أو كشف حجاب .
ان التحضر مهما كان قويا يعسر عليه أن يقود كل العقول جملة نحو النور لأن أغلب هذه العقول ضائع بين " عالم الغيب وعالم الشهادة " وربما حسم الأمر أحوج الى صرخة من خارج العدم ( الغيب ) أو من داخله .. ربما الأمر بحاجة لمآخاة الخصم واستغلال النقيض أو ربما نحن بحاجة لخطة مشابهة ل " حصان طروادة " لكن من أين لنا بالفرسان الأكفاء القادرين على قيادة هذه العملية ( الانتحارية ) قصد اختراق المنظومة الغيبية التي فرخت " القاعدة " و " حزب الله " و " حماس " و " الاخوان المسلمين " ..ان هذا " الغيب " الجبار يكسب كل يوم قطعانا جديدة وكتائب لا تعرف للحوار سبيلا سوى البارود والسيف وحور العين ....
ألا فقدست أيها الغيب انك بالفعل خصم يستعصي على الهزيمة .

#أغيلاس_ياسين (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات