أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - الاممية الرابعة - ملف دروس الثورة الصينية















المزيد.....



ملف دروس الثورة الصينية


الاممية الرابعة

الحوار المتمدن-العدد: 773 - 2004 / 3 / 14 - 07:53
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


 (1925-1949)
العدد 11 مايو 1973
[إن الثورة الصينية هي بعد الثورة الروسية أهم حدث في قرننا وهي مليئة بالدروس حول مختلف قضايا الثورة في البلدان المتخلفة لا بد لأية حركة ثورية في المنطقة العربية من التمحص بها. إن الدراسة التي نقدمها، رغم طولها النسبي، لا تستطيع قط أن تشمل كافة جوانب التجربة الصينية، الأمر الذي يتطلب كتابا بكامله. وهي بالطبع محاولة أولى نبغي منها إثارة نقاش ونود لو تأتينا الملاحظات حولها.]

1- الثورة الصينية الثانية (1927 _1925)

بدايات الحزب الشيوعي الصيني
إنعقد المؤتمر الأول للحزب الشيوعي الصيني في شهر شتنبر (أيلول) 1921 –وكان هذا المؤتمر يضم 12 شخصا يمثلون 57 عضوا. ومن المتفق عليه أن الدور الأساسي في هذه المجموعة كان يعود إلى شن دوسيو وفي نسبة أقل إلى لي دازاو. أما ماو تسي تونغ، فرغم أنه حضر المؤتمر لم يلعب فيه دورا هاما خلافا لأساطير الدعاية الرسمية الحالية.
انتخب المؤتمر تشين دوسيو أمين سر الحزب وأصدر برنامجا. وقد تميز الحزب في هذه المرحلة بموقف ماركسي تقليدي (إغفال "الخصوصيات القومية") اقترن بموقف انعزالي عصبوي تجاه جميع القوى السياسية.
لم تنطرح مسألة التحالف مع الكومينتانغ إلا في أواخر 1922. فأكد الحزب الشيوعي الصيني على ضرورة جبهة ديموقراطية موحدة تضم العمال والفلاحين الفقراء والبورجوازيين الصغار.لكن الشروط التي فرضها صن يات صن للتحالف مع الشيوعيين (الخضوع السياسي والتنظيمي للكومينتانغ) جعلت شن دوسيو يرفض هذا التحالف. لكن أوامر موسكو في أواخر 1923 كانت صارمة. فرضخ تشن تمسكا بالانضباط اللينيني الأممي. كانت صيغة التحالف-الإنتحار تقتضي الانتساب الفردي للشيوعيين في الكومينتانغ أي حل الحزب الشيوعي. لكن الشيوعيين عرفوا كيف يحافظون على استقلاليتهم في التحرك والخط السياسي رغم هذه الصيغة، التي أقرها الكومنتانغ في أوائل 1924.

صعود الحزب الشيوعي
في منتصف العشرينات عرفت الصين اضطرابات اجتماعية متكررة. واستمر هذا المد الثوري الجماهيري حتى "حملة الشمال"  في 1927 التي أعطته زخما جديدا. وتشكل الثورة الصينية الثانية هذه (على اعتبار أن الثورة الأولى تمت في 1911) حدثا بالغ الأهمية في تاريخ الأمة الصينية.
كانت حركة 30 ماي (أيار)" (1925) أول منعطف في تاريخ الحزب الشيوعي الصيني. فكان الحزب في طليعة هذه الحركة المعادية للإمبريالية الإنكليزية (والتي كانت شرارتها قمع مظاهرة طلابية تحتج على مقتل عامل). فنظم الشيوعيون إضرابا عاما في الجامعة وقطاعي الصناعة والتجارة وكان أكبر إضراب عرفته الصين حتى تلك الفترة. أما مضمون الدعاية والتحريض التي قام بهما الشيوعيون فكان مضمونا قوميا معاديا للإمبريالية أكثر مما كان مضمونا اجتماعيا-طبقيا. كان هذا الإضراب أول مناسبة يركز فيها الحزب على المسألة القومية (تحرير الأمة وتوحيدها) هذا التركيز الذي يشكل إحدى أهم ميزات الحزب الشيوعي الصيني. ولكن هذا المنعطف كان في المقام الأول على الصعيد التنظيمي:
1921: 57 عضو
1925: 1000 عضو (2600 عضو في "الشبيبة الشيوعية")
1927: 57000 عضو ( 35000  عضو في "الشبيبة الشيوعية")
في سنة 1927 كان نشاط الحزب يشمل مجمل القطاعات الشعبية في المدن والأرياف المجاورة لها. عرفت الطبقة العاملة تجذرا سياسيا وقامت بإضرابات عديدة بلغت أوج مداها مع "حركة ماي (أيار)"
1922: 40 ألف عضو نقابي، يؤلفون "الإتحاد العام للعمل".
1925: 540 ألف عضو .
1926: 1240 ألف عضو.
وكان الحزب الشيوعي على رأس هذه الموجة العارمة وكان يسيطر على "الإتحاد" الذي شدد في مؤتمر في 1925 على الدور السياسي للإتحاد كما حدده الحزب الشيوعي في مؤتمره: "يجب على الطبقة العاملة، والصين شبه مستعمرة، الا تناضل من أجل مصالحها فحسب، بل أن تشترك أيضا في حركة الثورة القومية. وأكثر من هذا، عليها أن تتولى قيادة هذه الثورة.. ولن تنتصر الثورة القومية إلا إذا شاركت فيها الطبقة الأكثر ثورية بكل قواها وتولت قيادتها".
لم يتوجه الحزب الشيوعي الصيني إلى الفلاحين إلا خلال سنة 1925. وكان يصب جهده على مقاطعة "كوانتنونغ" الممتدة شرقي كانتون (مرفأ كبير في الجنوب)، وارتفع عدد المنتسبين إلى الاتحادات الفلاحية من 200 ألف إلى 600 ألف في ظرف سنة واحدة. لكن هذا "العمل الفلاحي" كان ضعيفا نسبة إلى سكان المقاطعة (35 مليون نسمة) ناهيك عن سكان الصين آنذاك (450 مليون). لكن "حملة الشمال" ستسهل ظروف بناء قاعدة فلاحية للحزب وسيستفيد من هذه المناسبة بعض القياديين في الحزب الشيوعي ومنهم ماو تسي تونغ (ولكنه لم يكن الوحيد).
انطلق الحزب الشيوعي الصيني في 1921 مجموعة من المثقفين إقتصر عملها على الدعاية الثورية. ولكن خلال خمس أو ست سنوات استطاعت أن تبني حزبا شيوعيا قويا يرتكز أساسا على قاعدة بروليتارية متينة وله نفوذ على بعض الفئات الفلاحين. وكان الحزب يبرز كإحدى القوى السياسية المقررة لمصير البلاد. وكان لابد أن يثير هذا الوضع هلع الكومينتاتنغ من ناحية وخوف البيروقراطية الستالينية من ناحية أخرى.

السياسـة الانتهازية للكومنترن
في سنة 1924 أعلنت "الإشتراكية في بلد واحد" في الإتحاد السوفييتي، أي تسخير الأحزاب الشيوعية في العالم للدفاع عن "وطن الإشتراكية" بمعزل عن مهام الثورة في بلدانها. كان تحالف ستالين-بوخارين يعتبر أن الحزب الشيوعي الصيني لم ولن يمثل أية قوة سياسية بإمكانها إحداث تغيرات في الوضع الصيني. وإلى جانب هذا التشكيك بقدرات الطبقة العاملة الصينية (وطليعتها وحلفائها) كان هذا التحالف يعتبر أن صعود الحزب الشيوعي سيؤدي إلى "مشاكل" مع البورجوازية الصينية وخاصة مع الإمبريالية الغربية، وإلى جانب ذلك قد يشكل خطرا على تمتين سيطرة البيروقراطية في الإتحاد السوفييتي. وسعيا وراء استقرار الوضع العالمي وتجنبا "للمشاكل" أقامت البيروقراطية "السوفييتية" تحالفا مع تشانغ كاي شيك (رئيس القوات المسلحة الصينية)، على حساب مصالح الجماهير الكادحة. وكان التبرير النظري لهذه السياسة الانتهازية يفترض نسف كل التراث البلشفي: فكان يقال أن الثورة الصينية "ثورة على مراحل" تفترض "ديكتاتورية ديموقراطية للعمال والفلاحين"، كمرحلة متميزة تأتي بين الرأسمالية (ديكتاتورية البورجوازية) وديكتاتورية البروليتاريا. وعلى "كتلة الطبقات الأربع" (عمال، فلاحين، مثقفين، برجوازيين) أن تنجز مهام الثورة الديموقراطية تحت قيادة البورجوازية القومية. وعلى الحزب الشيوعي الصيني أن يدعم هذه الطبقة "الثورية" (برأي ستالين وبوخارين) والا يقوم بأعمال تنفرها. وأتى مفهوم "الأحزاب الثنائية العمالية-الفلاحية" (أحزاب طبقتين !) كتعبير تنظيمي عن هذه الكتلة، وخلال 3 سنوات اعتبرت الأحزاب الشيوعية في العالم أن الكومينتانغ عدو لدود للإمبريالية وأن تشانغ كاي شيك "بطل" الثورة الصينية. ووصل هذا الغزل إلى حد أن أعتبر الكومينتانغ في 1926 "حزبا متعاطفا" مع الأممية الشيوعية وانتخبت اللجنة التنفيذية للأممية تشانغ عضوا شرفيا فيها( !).(1)
لكن نمو الحزب الشيوعي الصيني كان يزعج ستالين وبوخارين بقدر ما كان يزعج الكومينتانغ. وكان شن دوسيو قد طرح في أواخر 1925 ضرورة التهيؤ للانسحاب من هذا الحزب على أساس أن قوة الحزب المتنامية تدفع الكومينتانغ إلى كسر التحالف وضرب الشيوعيين والحد من توسعهم. لكن الأممية أصرت على المحافظة على التحالف مهما اقتضى الأمر. ونصحت الشيوعيين أن يفعلوا كل ما بوسعهم لتجنب الحرب الأهلية. فوافق الحزب الشيوعي على طرح الأممية وكان رأي تشن أقلية.
في شهر مارس (آذار) 1929 إثر حادثة، لا تزال تفاصيلها غامضة، وجه تشانغ أول ضربة إلى الشيوعيين: التزم الشيوعيين "بالصن يات صنية"،تسليم لائحة بكامل أسماء الشيوعيين، حظر على الشيوعيين المراكز القيادية وتحديد عددهم في الدولة والحزب بنسبة الثلث. منع الشيوعيين من تنظيم أنفسهم داخل الكومينتانغ. ضرورة نيل كل إرشادات الأممية والحزب موافقة لجنة مختلطة مؤلفة من الكومينتانغ والحزب الشيوعي. وعلى الصعيد العملي أعاق تشانغ نقابات في كانتون واعتقل شيوعيين. وأخيرا أعلن الأحكام العسكرية. إزاء هذا الوضع كانت ردة فعل شن دوسيو فورية. فطلب انسحاب الشيوعيين من الكومنتانغ وإقامة تحالف يحافظ على استقلال الحزبين على الأصعدة التنظيمية والسياسية والإيديولوجية والعملية. لكن بوخارين وجه له انتقادات شديدة اللهجة وأتت توجهات موسكو صارمة: المحافظة على التحالف بصيغته الحالية. فحاول شن دوسيو ورفاقه تنظيم قوة عمالية مسلحة بأفق حرب أهلية حتمية، لكن المستشارين السوفييت رفضوا هذا المشروع رفضا باتا (وكان طلب الشيوعيين الصينيين لا يتجاوز 5 آلاف بندقية).

"حمـلة الشـمال" والمـد الـثوري.
انطلقت "حملة الشمال" العسكرية في منتصف سنة 1926 وكان هدفها القضاء على سلطة "أمراء الحرب" في الشمال وتوحيد الصين على يد حكومة تشانغ التي كانت تسيطر على الجنوب والوسط. وقد أدى زحف جيش تشانغ إلى التهاب ثوري في كل المناطق (مدن وأرياف)، فشهدت الصين الوسطى والشمالية عصيانا شاملا. وكان الحزب الشيوعي على رأس كادحي المدن الذين شكلوا طليعة هذه التحركات الجماهيرية. كانت النقابات تؤسس بظرف ساعات. وتضاعف عدد الفلاحين المنتسبين إلى الاتحادات الفلاحية في خونان (حيث كان ماو) بظرف ثلاثة أشهر  وبلغ في يناير (كانون الثاني) من 1927 مليوني عضو. وفي بعض المناطق كان الفلاحون الفقراء قد استولوا على السلطة المحلية. (أنظر مختارات ماو –المجلد 1- تقرير عن خونان).
إزاء هذا الهيجان الجماهيري قام تشانغ "الوطني" بمنع الإضرابات والتظاهرات وأغلق بعض النقابات وقمع تحرك الفلاحين. فتدهورت علاقته مع الشيوعيين. فسافر تشن دوسيو إلى موسكو ليوضح خطورة الموقف (مد جماهيري عارم، حزب شيوعي في نمو) ويؤكد على ضرورة جبهة موحدة كومينتانغ-شيوعيين يكون جوهر برنامجها معاداة الإمبريالية وأمراء الحرب. فالإنعتاق من سلطة الكومنتانغ التنظيمية والسياسية سيسمح للحزب بدعم وترؤس الحركة العمالية في المدن والحركة الفلاحية في الأرياف، وأن يهيئ نفسه عسكريا في حـال ارتداد تشانغ كاي شيك على الحزب الشيوعي. لكن تشن دو سيو اصطدم، مرة أخرى، بجدار الانتهازية المعادية للثورة في موسكو. وكانت توجيهات ستالين وبوخارين للحزب الشيوعي الإعتدال والصبر والتعقل الخ والمحافظة على التوازن بين الحركة الفلاحية-العمالية والبورجوازية القومية (التي تعارض أي اضراب أو إصلاح زراعي).
في نونبر (تشرين الثاني) 1927 عرف الكومنتانغ تجذرا يساريا وأعطى للشيوعيين وزارتي العمل والزراعة حيث كانوا مقيدين وكانت مهمتهم الأساسية كبح التحركات العمالية والفلاحية.
وفي اجتماع اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية في أواخر 1926. قال وزير الزراعة بأن سياسة الأممية تؤدي للخضوع المطلق للكومينتانغ واقترح التهيؤ للنضال ضد الجناح اليميني (تشانغ) مع الكومينتانغ –لكن رأي ستالين وبوخارين حول "توطيد التحالف" نال الأكثرية.
كانت ساحة الصدام الحاسم بين الكومنتانغ والحزب الشيوعي مدينة شانغهاي، أكبر مدينة وأهم مركز اقتصادي في البلاد وقاعدة النفوذ الإمبريالي لكن هذا المرفأ كان قلعة الشيوعيين. دعا الحزب الشيوعي في 21 مارس (آذار) إلى إضراب شمل 800 شخص (عمال، تجار، حرفيين، وطلاب) استكملته انتفاضة أدت إلى سيطرة الشيوعيين الكاملة عبر المجلس البلدي. ومرة أخرى توجه تشن دوسيو إلى الأممية الشيوعية مبررا أهمية هذه الإنتفاضة –أكبر انتفاضة بروليتارية شهدتها آسيا في تاريخها- لكن موسكو لم تتمسك بموقفها فحسب بل طلبت من الشيوعيين أن يسلموا المدينة إلى تشانغ وأن يسلموه أيضا سلاحهم. فرغم حيرتهم التزم الشيوعيون بأوامر موسكو. وفي 12 أبريل (نيسان) 1927 شن تشانغ كاي شيك هجومه على عمال شانغهاي. وانطلقت هذه المجزرة الرهيبة من شانغهاي(2) وشملت 5 مقاطعات من الصين وبلغت ضحاياها 25 ألف شهيد (هناك إحصاء برجوازي صيني يقول بمقتل 40 ألف شهيد).

حـكـومــة ووهــان
قد يعتقد المرء أن الأممية الشيوعية قـد وعت لانتهازية سياستها لكن "العمى الستاليني" جعل الأممية تقول في أواخر أبريل (نيسان) أن الأحداث برهنت بشكل قاطع عن صحة خطتها ! ! ولكن رغم أن هذا الخط كان "صحيحا" فقد طرأ عليه تصحيح: على الشيوعيين أن يتحالفوا مع "الجناح اليساري" من الكومينتانغ وبالفعل كان الكومينتانغ منشقا إلى اتجاه "يميني" متمثل بتشانغ (رئيس الجيش) الذي يسيطر عن 5 مقاطعات، واتجاه "يساري" متمثل بالحكومة المدنية الرسمية في مدينة ووهان التي كانت تسيطر على 3 مقاطعات، وفي مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني الخامس (نهاية سنة 1927) تبنى الشيوعيون –رغم إرادتهم ولكن تنفيذا لأوامر موسكو- خط الأممية "المصحح"، أي البقاء داخل الجناح "اليساري" والالتزام بانضباطه التنظيمي وتجنب أي عمل "استفزازي". لعب الحزب في هذه الفترة دورا متأرجحا ما بين الكومنتانغ "اليساري" والاضطرابات الريفية الصاخبة. وفي نهاية المطاف أدت هذه السياسة إلى كبح الحركة الفلاحية وإلى إثارة تخوف حكومة ووهان وحذرها. وفي شهر ماي (أيار) قامت هذه الحكومة بقمع إضرابات عمالية –فتهجم تروتسكي على سياسة الأممية المؤيدة للووهان ودعا لتشكيل سوفييتات (مجالس عمال وفلاحين). ونتيجة امتداد الصراع الطبقي اقترح الحزب الشيوعي على حكومة ووهان جبهة متحدة ضد شيانغ. وكان جواب ووهان مجزرة جديدة ضد الشيوعيين والعمال (شهر يونيو (حزيران)). فلوحق الشيوعيون، واغلقت النقابات العمالية والفلاحية، وأعيد الحزب الشيوعي إلى السرية، وطهر الجيش والكومينتانغ من الشيوعيين المتعاطفين معهم، وفر المستشارين السوفييت من البلاد.
وسهل سحق الشيوعيين تقارب جناحي الكومنتانغ حتى عاد الحزب إلى وحدته(3). لكن "حملة الشمال" فشلت نسبيا، فبقيت الفوضى والتجزئة السياسية –الإدارية الميزتان الأساسيتان للصين. وفي أواخر العشرينات ثبت تشانغ كاي تشيك سلطته الفردية وديكتاتورية حزبه.

 دروس إخـفـاق ثـورة 1925-1927
يشكل إخفاق ثورة 1925-1927 حدثا هاما جدا في تاريخ الثورة الصينية. (بمثابة أهمية انتصار 1949 أو "الثورة الثقافية"). كان الحزب الشيوعي قد عرف نموا هائلا خلال فترة سنتين أو ثلاثة (1924-1927) وقد استطاع أن يحوز على تأييد قطاعات جماهيرية واسعة خلال فترة وجيزة رغم أنه كان حديث النشأة والتقاليد النضالية من ناحية وتكبيل موسكو له بقيود الكومينتانغ البورجوازية. إن الضربة التي وجهها تشانغ إلى الشيوعيين أدت إلى تصفية عدد كبير من كوادر الحزب وأعضائه القياديين وتحطيم شبكته التنظيمية وجهازه الصحافي، وإقفال أغلبية النقابات. وستؤجل هذه المجزرة انتصار الثورة الصينية إلى أجل غير مسمى وخاصة ستكون سنة 1927 بداية مرحلة من تاريخ الأمة الصينية تميزت بغياب الطبقة العاملة الصينية عن ساحة النضالين القومي والطبقي. فإخفاق الثورة الصينية الثانية سيفقد البروليتاريا أدواتها التنظيمية وطليعتها السياسية المنظمة. وكانت تجربة هذه البروليتاريا الفتية قد أكدت ما أكدته الماركسية حول دور الطبقة العاملة القيادي في أية ثورة في عصرنا لكن السياسة الانتهازية اليمينية التي اتبعتها الأممية تحت قيادة تكتل بوخارين-ستالين قد أدت إلى سحق هذه الطبقة على ساحة النضال منذ 1929 حتى 1949 لا يعود سببه إلى وصفها الموضوعي (ضعفها العددي، تخلفها الثقافي الخ) –وقد برهنت الثورة الصينية الثانية على العكس نماما- بل يعود إلى خيانة البيروقراطية الستالينية للثورة الإشتراكية في الصين من ناحية، وإلى إحجام الشيوعيين الصينيين في ما بعد عن تنظيم الطبقة العاملة لفترة عشرين عاما.
وأتت انتفاضة كانتون كتتويج لهذه السياسة الطفولية اليسارية. و أراد ستالين الإنتفاضة في منتصف دجنبر (كانون الأول) (1927) أي تاريخ إنعقاد المؤتمر الخامس عشر للحزب الشيوعي السوفييتي، لكي يموه إخفاق الثورة الصينية من خلال انتفاضة كانتون. لكن رغم أن المسؤول الشيوعي عن كانتون قال أن الوقت غير مناسب قطعيا لانتفاضة مسلحة فقد تمت الإنتفاضة ولكنها لم تستمر أكثر من يومين بينما دامت المجزرة أربعة أيام. وذهب ضحية تغطية البيروقراطية "السوفييتية" لنفسها 15 ألف نسمة. أتت مذبحة كانتون بعد مجازر شنغهاي وووهان كتتويج لسلسلة الضربات التي وجهت خلال بضعة أشهر من قبل الكومينتانغ إلى الوجود الشيوعي في المدن. وقد شلت خيانة البيروقراطية الستالينية البروليتاريا الصينية لفترة عشرين سنة.

"الحـكومـة السـوفييتية" والجيش الأحمر
لكن انتفاضتا ناتشانغ وموسم الخريف قد أفرزتا الجيش الأحمر، التنظيم المسلح للحزب الشيوعي الصيني، إحدى العوامل الأساسية لانتصار الثورة الإشتراكية في الصين. كان ماو تسي تونغ ومجموعته المسلحة في "قاعدة ثورية ريفية".فالتحق بهم تشونه وجيشه وثم وحدة عسكرية شيوعية من جيش الكومينتانغ: 10 آلاف مقاتل، وبندقية لكل خمسة منهم: هذه هي أول نواة للجيش الأحمر. إن الميزة الأساسية لهذه الفترة هي جذرية الإصلاح الزراعي الذي طبقه الشيوعيين. لكن، على الصعيد العسكري، لم تكن الاشتباكات الأولى بين الجيش الأحمر والجيش الحكومي لصالح الشيوعيين. فانحسر عدد الجيش الأحمر ولجأ ماو وتشو إلى جبال جيانغشي حيث سيستقران لفترة 6 سنوات. ولكن المجموعة الشيوعية المسلحة في المرحلة الأولى كانت مبعثرة. ومن الخطا نسب كل جهود بناء الجيش الأحمر (من حيث التنظيم والتثقيف والتدريب والتسليح) إلى فضل ماو وتشو إن الجهود لم تتوحد تحت قيادة مركزية إلا مع تأسيس الحكومة "السوفييتية" في نهاية 1931، (وكانت تحت سلطتها 10 ملايين نسمة).
علينا أن لا ننغش بهذه الحكومة التي لم يكن لها لم من "السوفييتية" سوى الاسم. فكانت السوفييتات المحلية، كما يقول ماو نفسه، "مؤسسات تهدف إلى التعبئة المباشرة للجماهير وإلى تنفيذ المهمات العملية" أكثر مما كانت أداة لإستيلاء الطبقة العاملة على السلطة. أي الشكل التنظيمي لديكتاتورية البروليتاريا المرتكزة على الفلاحين الفقراء.
ونعطي كأمثلة عن العلاقات البيروقراطية السائدة داخل الحزب والجيش "التطهيران" اللذان عرفتهما "الحكومة السوفييتية": حصل الأول في نهاية 1930، ورغم المعلومات الغامضة (ولهذا الغموض أسباب واضحة المعالم) حول "حادثة فوتيين" يمكننا أن نقول أنه قد برزت معارضة لماوتسي تونغ وخطه السياسي وانضمت إليها عناصر مشمئزة من الأساليب البيروقراطية التي يلجأ إليها ماو والتي تهدف إلى منع تشكيل أية معارضة لشخصيته. وذهب ضحية هذا التطهير عدة آلاف شيوعي أتهموا، كالعادة بالخيانةوالإنتهازية الخ. أما التطهير الثاني فقد تم بعد سنة من "حادثة فوتين" وذهب ضحيته 2500 شخص (فلاحين وشيوعيين). هذه التطهيرات إذا دلت على شيء فعلى هيمنة ماو تسي تونغ على الحزب والجيش وقد فرضها بشكل بيروقراطي (دموي) وفق خير الأساليب الستالينية. وقد أدت هذه التطهيرات إلى تصفية عدد معين من الكوادر والشيوعيين القدامى، من الذين كانوا قد التحقوا بالحزب الشيوعي منذ بدايته.
كان الإصلاح الزراعي في جبال جيانغشي أكثر ليبرالية من الذي سبقه فكان شغل الشيوعيين الشاغل الحصول على إنتاج محلي يفي بحاجات السكان والجيش. ولهذا السبب كان الحزب لا يريد تنفير الفلاحين المتوسطين والأغنياء والحرفيين. وبالتحديد يمكن سر صمود الحزب الشيوعي الصيني رغم وضعه العسكري الهزيل نسبيا في الدعم الفلاحي الذي حاز عليه. فقد شن تشانغ كاي تشيك 5"حملات تطويق وإبادة" (1931، 1931، 1931، 1932، 1934) كانت الثلاثة الأولى منها انتصارات ساحقة للشيوعيين. لكن الأخيرة انتصرت على عزيمة الجيش الأحمر وأجبرته على التراجع. وكأن هذا الانسحاب ملحمة فريدة من نوعها في قرننا: عنينا "المسيرة الكبرى" الشهيرة (من نهاية 1934 إلى 1935). أدت هذه "التجربة" إلى غربلة الحزب الشيوعي غربلة على الصعيد الجسدي والسياسي. فأغلبية الكوادر العليا للدولة والجيش والحزب (قبل الثورة الثقافية") كانت قد اشتركت في هذه المسيرة.
إن أهمية مرحلة جبال جيانغشي تكمن في أنها أعطت للحزب الشيوعي الصيني أهم ملامحه الأساسية: حزب شيوعي مؤلف من فلاحين يقودهم مثقفون، مرتبط بالاتحاد السوفييتي، مؤسساته جماهيرية اتحادات (فلاحية، نسائية، شبيبة الخ)، محور سياسته الإصلاح الزراعي وأساليب نضاله حرب العصابات والانتصار من خلال الجيش الأحمر. وميزة سلطة الحزب الشيوعي هي انعدام ثباتها الجغرافي لأنها لا تسعى لاستلام السلطة في المدن وبالتالي في كل البلاد (تصفية الطبقة المسيطرة وجهاز دولتها).
ومرحلة جبال جيانغشي هامة جدا بالنسبة للحزب الشيوعي والثورة الصينية من ثلاث نواح: أولا خلق وحدة كوادر و----بنفس القوالب من حيث طرق العمل والأساليب التنظيمية والمفاهيم الإيديولوجية(أنظر ماو –مجلد 1- ص153). ثانيا انحسار تدخل موسكو في شؤون الحزب الشيوعي الصيني. وثالثا انتخاب ماوتسي تونغ إلى أمانة السر في 1935.لكن يجب أن نفهم بكل وضوح أن مرحلة جبال جيانغشي انتهت بشكل كارثي على الصعيد التنظيمي. فهبط عدد أعضاء الحزب من 300 ألف عام 1933 إلى ما دون 40 ألف في 1937 أي كاد الحزب يقتصر على مقاتلي الجيش الأحمر.
كانت الثورة الصينية الثانية برهانا جديدا على صحة تعاليم لينين وتروتسكي، صحة تعاليم التراث البلشفي وخط الأممية الشيوعية في فترتها الثورية (1919-1923) قبل أن تسيطر عليها البيروقراطية الستالينية.
على البروليتاريا أن تستفيد من التناقضات الجزئية القائمة بين الإمبريالية والبورجوازية القومية. (الوطنية). ولكن تحالفها مع هذه الطبقة المالكة تحالف تكتيكي(4) مؤقت يجب أن يتم حول أهداف محددة. ويجب على تنظيم الطبقة العاملة السياسي أن يحافظ على استقلاليته التامة وعليه أن يهيئ للحرب الأهلية الحتمية من خلال تحالفه المتين مع الفلاحين الفقراء (الذين يشكلون القوة الأساسية للثورة من حيث عددهم) وتسليح الجماهير وتوعيتها. وعندما يسمح له ميزان القوى (الظرف الموضوعي ولكن خاصة مستوى وعي الجماهير الكادحة) عليه أن يقود الأمة المضطهدة ويقيم ديكتاتوريته الثورية ضد الطبقة البورجوازية والإقطاعية والإمبريالية. ومن المعروف أن شكل ديكتاتورية البروليتاريا المرتكزة على الفلاحين هي مجالس العمال والفلاحين، مجالس الشغيلة. ففي عصرنا ليس ثمة من وسيط بين سلطة العمال والفلاحين. لا كومينتانغ "يساري" ولا كومينتانغ "يميني"، اما ديكتاتورية البروليتاريا المرتكزة على الفلاحين أو الإضطهاد الإمبريالي وديكتاتورية البورجوازية.
وترى الماركسية الثورية أن "ثمة مهمتين مندمجتين في واحدة ينبغي أن تلتزم بهما الأحزاب الشيوعية في البلدان المستعمرة أو الشبه المستعمرة: من جهة النضال في سبيل حل جذري لمشكل الثورة الديموقراطية البرجوازية ومن جهة أخرى تنظيم الجماهير العمالية والفلاحية لتستطيع النضال من أجل مصالحها الطبقية الخاصة... إن كل محاولة لإستبعاد المصالح اليومية والمباشرة للطبقة العاملة باسم "التوحيد القومي" "والسلم الإجتماعي" مع الديموقراطيين البورجوازيين هي من أسوا الانتهازية... وبالعكس من خلال طرحها المطالب الاجتماعية تستطيع البروليتاريا تحرير الطاقة الثورية التي لم تكن لتجد مخرجا لها في المطالب البرجوازية الليبرالية (أنظر المؤتمر الرابع للأممية الشيوعية 1922 –دراسات عربية. سنة 1970 عدد 11). إن هذه المقاييس هي التي يجب اعتمادها في الحكم كذلك على تحالف سنة 1937.

2- القــواعـد الـريـفـيــة
إن البيروقراطية العمالية تتأرجح باستمرار بين البورجوازية والبروليتاريا وقد انعكس هذا التأرجح البونابارتي على الحركة الشيوعية العالمية. ففي المرحلة الأولى (1924-1927) انتهجت خطا انتهازيا يمينيا عبر عن نفسه داخليا بارتكاز البيروقراطية الستالينية على الفلاحين الأغنياء (الكولاك) وعالميا بتحالف الأممية مع تشانغ وبيروقراطية النقابات الإنكليزية على حساب مصلحة الثورة في هذه البلدان(من الطبيعي أننا نعطي أبرز الأمثلة فقط) لكن هذه السياسة قد أدت إلى تهديد البيروقراطية في الإتحاد السوفييتي، من خلال تقوية البورجوازية عالميا والكولاك داخليا. فانطلقت البيروقراطية بخط يساري متطرف وقامت بتصفية الكولاك وتجميع الأراضي بشكل عسكري وبدأت بأول خطة خماسية. وعلى الصعيد العالمي كان رمز هذه السياسة الطفولية اعتبار الأممية أن الإشتراكية-الديموقراطية الألمانية "اشتراكية-فاشية" وبالتالي رفض التحالف معها (جبهة عمالية) لصد الفاشية. وسنرى "الطبعة الصينية" لهذه السياسة المغامرة، التي فرضتها البيروقراطية "السوفييتية" على كل الأممية الشيوعية، من 1927 إلى 1931 –وأدت هذه السياسة إلى هزائم متتالية لسبب بسيط وهو أن الأعمال الثورية التي قام بها الحزب جاءت في فترة جزر ثوري نتيجة مذابح 1927.

الـمنعـطف اليـساري الطفـولي
في أوائل شتنبر (أيلول) 1927 انعقد اجتماع للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني وكانت أهم قراراتها: 1- إبعاد تشين دوسيو عن منصبه وتحميله كل مسؤولية الإخفاق.(5) 2-عودة التنظيم إلى السرية. 3-تبني خط الأممية "الجديد" الذي يقول بضرورة تحضير سلسلة انتفاضات فلاحية وتنفيذ إصلاح زراعي جذري. أما القرار حول "العمل العمالي" فكان شكليا بعد تصفية أغلبية النوى الشيوعية المدينية. 4- التعاون مع الكومينتانغ شرط "تثويره" من خلال دخول عمال وفلاحين إليه.
وقد نظم الحزب الشيوعي 3 انتفاضات. تمت الأولى في أول غشت (آب) في مدينة نانشانغ تحت لواء الكومينتانغ. وكان لا بد أن تفشل لأنه لم يكن للشيوعيين الدعم الكافي في جيش الكومينتانغ وفي المدينة نفسها. والنقطة الإيجابية الوحيدة في هذا الفشل هو خلق أول نواة للجيش الأحمر (تحت قيادة تشوته –الذي سيترأس الجيش الأحمر طوال كل الثورة).
أما الإنتفاضة التانية ("إنتفاضة موسم الخريف") فتمت في منطقة خونان-جيانغشي وكانت تحت مسؤولية ماوتسي تونغ- لكنها سحقت بعد 3 أشهر للأسباب التالية: غياب الدعم الفلاحي، غياب الكوادر والسلاح وأخيرا سوء التنظيم.

الحزب الشيوعي الرسمي
ومن الجدير بالذكر أن كل تجربة "حكومة العمالية والفلاحين" لم تتم خروجا عن توجهات الأممية الشيوعية فحسب لا بل أنها تمت خارج الحزب الشيوعي الصيني نفسه ! فقد عرف الحزب وضعا تنظيميا لم يعرفه أي حزب شيوعي في العالم: فمن 1927 (تاريخ عزل ماو عن منصبه في اللجنة المركزية) إلى 1933 (تاريخ انتقال الجنة المركزية إلى عاصمة "الجمهورية السوفييتية") عمل ماو تسي تونغ وتشوته بشكل مستقل عن "الحزب الشيوعي الرسمي" ! الذي كان لا يزال يلتزم بتوجهات موسكو وكان موجودا في المدن فقط.
كان لي لي سان منذ 1929 أهم عضو في اللجنة المركزية. في الحزب الشيوعي الرسمي وتمثل "اللي لي سانية" تكملة للخط المغامر اليساري الذي تبعته الأممية الشيوعية منذ 1927 –اعتبر الحزب أن الصين تعيش فترة "مد ثوري جديد"، فعلى الجيش الأحمر أن يقوم بأعمال عسكرية هجومية ليحتل المدن الكبرى. أما الردة الرجعية وضعف الجيش الأحمر العددي والعسكري وغياب الوجود الشيوعي القوي في المدن فكانت غائبة تماما عن ذهن موسكو والمكتب السياسي للحزب الشيوعي المحلي.
وفي صيف 1930 شن الحزب الشيوعي هجومه الشامل ضد ثلاثة مدن كبرى. وكان هذا الهجوم في غاية الطفولية المغامرة. فكان الجيش الأحمر يضم 75 ألف مقاتل والحزب 30 ألف مناضل بينما كان يسكن المنطقة التي شملها الهجوم حوالي 200 مليون نسمة. وكان من الطبيعي والمحتم أن تنتهي هذه المغامرة إلى فشل ذريع(6). وفي منتصف 1931 اجتمعت اللجنة المركزية وحاولت أن توافق بين أوامر الأممية الشيوعية (مد ثوري عارم) والواقع الصيني (جزر). لكن موسكو لم تكتفي بالنقد الذاتي الذي قامت به اللجنة المركزية، فكانت بحاجة إلى تحميل لي لي سان كل مسؤولية فسل الصيف. فانعقدت اللجنة المركزية من جديد وأكدت فيه على مسؤولية فشل الصيف. فانعقدت اللجنة المركزية من جديد وأكدت فيه على صحة توجهات موسكو" ( !) وعلى "انقلابية" لي لي سان "الذي اضطهد مؤيدي خط الأممية الشيوعية" وانتهج سياسته الخاصة "اللالينينية". ولكن في نفس الفترة وعي شوان لاي. أهم منفذي السياسة المغامرة بعد لي لي سان، أهمية تجربة جبال جيانغشي وبعد أن قام "بنقد ذاتي"، مما سمح له البقاء في المكتب السياسي(7)، التحق بماو وتشو.
وفي 1932، باتخاذ اللجنة المركزية عاصمة "الجمهورية السوفييتية" مراكز لها يكون "الحزب الشيوعي الرسمي" قد إندمج بالحزب الشيوعي

3   مرحلة الاحتلال الياباني
كانت أطماع اليابان في الصين من العوامل "التقليدية" للسياسة الوحيدة التي تصدت للجيش اليابان هي مقاومة "غير رسمية" في شانغهاي خاصة (1932). وأشعلت هذه المقاومة الشعور القومي لدى الفئات الدولية في الشرق الأقصى. وفي نهاية 1931 بدأت اليابان هجومها في الشمال الشرقي (مندشوريا) وخلق "دولة ماتشوكو" المصطنعة. إن المقاومة الفعلي.
البرجوازية الصغرى في المدن التي بدأت تتساءل عن مدى "وطنية حكومة تشانغ كاي شيك، وفي 1933 تابعت اليابان زحفها حتى احتلت خمسة مقاطعات وحاولت إقامة دولة أخرى تجمعها.

موقف تشانغ كاي شيك
كان تشانغ يسجل مواقف الاستسلام والخيانة الواحدة تلوى الأخرى. فخلال الإحتلال لم يحرك قطعة عسكرية واحدة لصد الهجوم. وحافظ على علاقات سرية مع الإمبريالية اليابانية. وفي 1933 وافق على منطقة منزوعة السلاح بينه ودولة ماتشوكو وبالتالي اعترف ضمنيا بكيان تلك الدولة العميلة. وفي سنة 1935 أبرم معاهدة سرية مع اليابان تنص على اعتبار الصين الشمالية محايدة وتعهد تشانغ بقمع أي عمل أو قول معاد لليابان ( !). كان تشانغ يعرف أنه عاجز تماما عن تحقيق النصر على الجيش الياباني. وكان شعاره "التوحيد ثم المقاومة" أي ضرورة تصفية الشيوعيين قبل محاربة اليابان.
كان "الرأي العام" الصيني يدخل في مرحلة جديدة ستؤدي به إلى وعي عمق أزمة المجتمع الصيني وعجز الحكومة عن حلها. كان تشانغ في السلطة منذ حوالي عشر سنوات، وقد كان حكمه ديكتاتورية فردية مطلقة مقرونة بفوضى وتجزؤ البلاد (شيوعية وأمراء الحرب). وكانت الطبقات الوسطى قد ملت من ديماغوجية تشانغ خاصة أنها رأت أن الحياة الدستورية التي وعدها بها تشانغ ستبقى حبرا على ورق. وزد على ذلك أن في 1935 كان 70% من الرأسمال في الصين ملكا لأربع عائلات كبرى تسيطر على المصارف وبالتالي على الإقتصاد القومي. وكان هذا الاحتكار الكبير ينحصر في عائلة تشانغ (والتي كانت لها عدة وزارات في الحكومة.
خلاصة القول أن تشانغ كان معزولا سياسيا وحتى الطبقات الوسطى بدأت تبتعد عنه.
إن العامل الحاسم لعزل تشانغ كان الغزو الياباني. فكانت الأمة تتساءل حول أفضل وأسرع طريقة لصد الهجوم الياباني. ولم يستطع تشانغ أن يقنعها بضرورة تصفية الشيوعيين في البداية. وفي 1931 ونتيجة لتقاعس الحكومة الصينية نشأت حركة وطنية برجوازية صغيرة في المدن استطاعت بعد 5 سنوات تأسيس "اتحاد الخلاص القومي" وكانت هذه الحركة تنتقد الحكومة وتطالبها بإيقاف الحرب الأهلية وتوحيد جهود كل الأمة في سبيل مقاومة اليابان. (وكان المطلبين الأخيرين مأخوذين عن الحزب الشيوعي.

موقف الحزب الشيوعي
في 1931 أعلن الحزب الشيوعي الحرب على اليابان. لكن هذا الإعلان كان مجرد تسجيل موقف وفي بداية 1933 اقترح الحزب الاتفاق مع "أية قوة مسلحة" في الصين على أساس بعض الشروط (توقيف الأعمال العسكرية ضد الجمهورية السوفييتية، الديموقراطية) وكانت هذه "الجبهة المتحدة من تحت" أو "الجبهة المتحدة في القاعدة" تتفق وسياسة الأممية الشيوعية من حيث رفضها التحالف مع البورجوازية وحتى مع الإشتراكية-الديموقراطية وبالفعل فقد شدد الحزب على رفض تشانغ كاي تشيك في "الجبهة الوطنية الثورية المتحدة" (أنظر ماو، المجلد 1، ص223، تكتيك مناهضة الإمبريالية اليابانية –سنة 1935). وقد لاقت هذه السياسة تجاوبا. فقامت تحالفات عسكرية بين الجيش الأحمر وقواعد الكومينتانغ الوطنية في عدة مناسبات (أنظر ماو –مجلد 3- حول الحكومة الائتلافية- ص282-287) ما يهمنا في هذا الطرح محافظة الحزب على استقلاله التام وخوضه أعمالا عسكرية مشتركة مع ديموقراطيين وطنيين.
في 1936 غيرت الأممية الشيوعية سياستها مرة أخرى. فمن الطفولية اليسارية (مغامرة، عصبوية، رفض كل أشكال التحالف مع أي حزب) انتقلت إلى الانتهازية اليمينية )التحالف مع البورجوازية القومية والصغيرة على أساس برنامج بورجوازي صغير، سياسة "الجبهة الشعبية") وفي صيف 1936 بدأ الحزب الشيوعي الصيني يطرح "الجبهة المتحدة من فوق" أي "في القمة" وكان هذا التحالف يفرض التعاون مع تشانغ كاي تشيك خلافا للصيغة السابقة مما كان يفترض تخلي الحزب الشيوعي عن هيمنته على "الجبهة المتحدة".
في نهاية 1936 أوقفت قوات الكومينتانغ هجمتها ضد الشيوعيين. إزاء هذا الوضع طلب سفير اليابان من تشانغ أن يعاقب ضباطه "المتخاذلين" (أي الذين لا يتهجموا على الشيوعيين). وكان رد تشانغ بأن العمل سيؤدي إلى انضمام جنوده إلى الجيش الأحمر. وفي أوائل ديسمبر (كانون الأول) شن تشانغ "حملة إبادة" سادسة وجاء إلى مدينة شيآن ليترأس الحملة لكن الجنرال الوطني في شيآن اعتقل تشانغ وطلب من الحزب الشيوعي ماذا يجب أن يفعل... كان رد ماو وشو آن لاي أن تصفية تشانغ الجسدية ستساعد على نشوء شعبية وطنية عارمة. لكن توجهات موسكو جاءت معاكسة(9) وانتهت المفاوضات الثلاثية (الجنرال، تشانغ، الحزب الشيوعي) بتعهد تشانغ (حتى دون توقيع أية وثيقة) بالالتزام بمطالب الجنرال (توقيف الحرب الأهلية، ديموقراطية، كونغراس قومي).

معاهدة 1937
ومن الطبيعي أن هذا الإتفاق الكلامي تحت الضغط لم يكن لينفذ إلى شيء ملموس على المدى القريب فطالت المحادثات بين الكومنتانغ والشيوعيين من حادثة شيآن (أواخر 1936) حتى سبتمبر (أيلول) 1938 –وكانت هذه المحادثات تارة سرية وتارة علنية. كان الشيوعيون قد حددوا موقفهم في رسالة من لجنتهم المركزية إلى الكومنتانغ (انظروا –مجلد 1- ص11 ع الملاحظة 7 من "مهمات الحزب الشيوعي الصيني في مرحلة مقاومة اليابان"). كانت تنازلات الحزب الشيوعي عديدة: خضوع المناطق التي يسيطر عليها الشيوعيين لسلطة الحكومة المركزية، خضوع الجيش الأحمر للجيش الحكومي توقيف الإصلاح  الزراعي. وكان رد تشانغ كاي تشيك: دمج الجيش الأحمر في الجيش الوطني، دمج الإدارة "الحمراء" في الإدارة المركزية، توقيف الدعاية الشيوعية، تبني "مبادئ الشعب الثلاثة"ن رفض مبدأ الصراع الطبقي. لكن كلا الطرفين رفض برنامج لآخر.
ومما لا شك فيه أن المحادثات كان يمكنها أن تطول لولا أن شنت اليابان هجوما جديدا من جهة وإبرام اتفاقية عدم –اعتداء بين تشانغ والاتحاد السوفييتي في غشت (آب) 1938 من جهة أخرى. ولم يمض شهر بعد إبرام هذه المعاهدة حتى ثم الإتفاق بين الكومنتانغ والحزب الشيوعي. وكان البرنامج حدد ثلاثة أهداف (تحرير واستقلال وسيادة وطنية، ديموقراطية ومجلس وطني تأسيسي، تحسين الوضع الإقتصادي للجماهير) مقابل تنازلات من قبل الحزب الشيوعي (تبني مبادئ الشعب الثلاثة، الامتناع عن الإطاحة بالكومينتانغ والامتناع عن السياسة "السوفييتية" وعن مصادرة الأراضي، أي توقيف الإصلاح الزراعي "الحكومة السوفييتية" في سبيل توحيد النظام السياسي للبلاد، حل الجيش الأحمر وإعادة تنظيمه في جيش وطني تابع للرقابة المباشرة للحكومة القومية).
لكنه من الخطأ اعتبار هذه المعاهدة تعكس العلاقة بين الكومنتانغ والشيوعيين طوال "مرحلة حرب المقاومة ضد اليابان" (1937-1945) فسنرى في ما بعد مدى التزام الطرفين ببنودها.
ولكن يمكننا أن نلاحظ وهمية هذا التحالف منذ 1937-1938 إذ كانت محاور سياسة الحزب الشيوعية: التأكيد على تعبئة كل الأمة ومشاركة الجماهير في الحرب الثورية من خلال تنظيمها وتسليحها، وحدة الجيش والشعب المقرونة بالديموقراطية داخل الجيش الأحمر، كسر ديكتاتورية الكومنتانغ أي "إصلاح النظام السياسي" وأخيرا التشديد على "استقلالية الحزب الشيوعي والسياسة والأيديولوجية والتنظيمية" لا بل على "دوره الطليعي النموذجي" في الحرب الوطنية الثورية. (أنظر ماو –مجلد 2- "النضال في سبيل تعبئة كافة القوى لإحراز النصر في حرب المقاومة". ص29. "المهمات العاجلة عقب إقامة التعاون بين الكومنتانغ والحزب الشيوعي". "دور الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الوطنية". مسالة الاستقلال وحرية التصرف في الجبهة المتحدة –ص291). وذلك عائد إلى تجربة 1927 الدموية.
ومع ذلك كانت معاهدة 1937 أكبر خدمة قدمها الشيوعيون إلى تشانغ كاي تشيك حيث برز هذا الأخير كشخصية تسهر على مصلحة البلاد بكل إخلاص. فظهر تشانغ كشخص يضع أمته فوق أية مصلحة سياسية أخرى. وكانت هذه المعاهدة خير غطاء لسياسته اللاوطنية.

الغزو الياباني الثاني
امتد الغزو الياباني من صيف 1937 على خريف 1938 وأدى إلى احتلال خمس مقاطعات شمالية. ويمكننا أن نقول أن 1939 حتى 1944 لم تشهد الصين أية معركة كبرى (حرب مواقع) بين تشانغ والجيش الياباني(10). هذا وكان الجيش الغازي يحتل الشمال والوسط والساحل حتى كانتون في الجنوب (بالقرب من فيتنام !). وكانت كل المدن والمرافئ الكبرى والمنشآت الصناعية والتجارية والمناطق الكثيفة بالسكان إذن تحت الاحتلال الياباني.
وإثر دخول الولايات المتحدة في الحرب (عام 1941) ارتسمت ملامح مستقبل الحرب في ذهن تشانغ: لا يستطيع الكومنتانغ أو الشيوعيين أو الاثنين معا القضاء على النير الإمبريالي الياباني. لن يحرر الصين إلا انهيار اليابان الحتمي في الحرب العالمية. على الكومنتانغ إذن أن يهيئ نفسه للسيطرة على كل الصين بعد تحررها، أي الاستعداد لتصفية الشيوعيين. وهكذا كانت الأعمال العسكرية الوحيدة التي خاضها تشانغ خلال "حرب مقاومة اليابان" تهدف إلى محاربة الشيوعيين.(11)

تشانغ والشيوعيون
بدأت الاشتباكات الأولى بين قوات الكومنتانغ والقوات الشيوعية في نهاية 1938 في الشمال. وازداد عدد الاشتباكات وامتدت رقعت الصدام إلى الشرق والجنوب. كانت هذه الاشتباكات تشمل أحيانا عدة آلاف مقاتل وتميزت بشراستها ووحشيتها. وفي صيف 1939 شن تشانغ كاي تشيك حملته الكبيرة ضد الشيوعيين والتي كانت تهدف إلى تدمير جهازهم المدني والعسكري (إغلاق مكاتب عسكرية، تطهير الإدارة الحكومية والجيش من المتعاطفين مع الشيوعيين، احتلال بلديات شيوعية) وإلى محاصرة الحزب الشيوعي حصارا مستمرا على جميع الأصعدة (حصار اقتصادي صارم، منع الصحافة الشيوعية، قطع المعونة المالية عن جيش الشيوعيين، التصدي لكل محاولة شيوعية تهدف إلى تغلغل الحزب أو توسعه خارج مناطقه(12).
لكن أهم حادثة عسكرية هي دون شك "حادثة جنوبي آنخوي" في بداية عام 1941. وخلاصة الحادثة أن 70 ألف جندي من الكومنتانغ نبوا كمينا لتسعة آلاف مقاتل شيوعي وذهب ضحية هذه الخيانة ألف جندي من الجيش الأحمر. (أنظر ماو. مجلد 2. ص639". أمر وتصريح بشأن حادثة جنوبي آنخوي"). وعادت الأمور إلى مجراها الطبيعي حتى 1944 حيث توترت العلاقات من جديد بين الحزبين.

خــوض الجيــش الأحــمر للحــرب
في بداية 1939 بدأ الحزب الشيوعي الحرب الوطنية الثورية دون أية مساعدة من الإتحاد السوفييتي. ولا نستطيع التكتم عن هذه الحرب الشعبية التي كانت رائعة من حيث فعاليتها العسكرية وتماسكها الداخلي وتنظيمها وثباتها. وكانت هذه العمليات أفضل دعاية للحزب الشيوعي وسط الفلاحين، خاصة أنه كان الطرف الصيني الوحيد الذي كان يخوض معارك ضد الإمبريالية اليابانية. ومن جهة أخرى كانت معاملة الشيوعيين للفلاحين مختلفة تماما على معاملة جيش الحكومة لهم. كان الهدف الأساسي (ولم نقل الوحيد) للجيش الأحمر هدفا سياسيا: "تعبئة الجماهير، تثقيفها، تسليحها، تدريبها، تربيتها" (لكن توسع الحزب الشيوعي كان يتم على حساب الإدارة الحكومية أكثر مما كانت يتم على حساب الإدارة الموالية لليابان. وهذا ما كان يرعب تشانغ. فسلطة الحكومة المركزية على جيش الشيوعيين (كما نصت عنها معاهدة 1937) كانت سلطة وهمية تماما. فكل تأكيدات ماوتسي تونغ حول أن "الحزب يوجه البنادق" هي البرهان القاطع على وهم "التحالف" بين جيش البورجوازية والجيش الأحمر. لكن الحرب التي خاضها الجيش الأحمر بقيت على مستوى حرب الأنصار ولن تتطور إلى حرب نظامية (قواعد ارتكاز مناورات) إلا في مرحلة الحرب الأهلية. ولذا كانت فعالية الجيش الأحمر تجاه اليابان محدودة (وليست معدومة) ولكنها كانت كبيرة تجاه الجيش الصيني الموالي لليابان (حوالي مليون قتيل وجريح).
نرى إذن أن الجيش الأحمر عام 1945 كان مستعدا للحرب الأهلية: العلاقة الوثيقة بالجماهير (نظاميين، أنصار، ميليشيا)، الدروس العسكرية (تكتيك حرب العصابات(، كوادر سياسية وعسكرية صلبة، وخاصة قيادة سياسية ذات تجربة غنية.

"المنــاطق المحــررة"
كما أكد الشيوعيون على خضوع الجيش للحزب الشيوعي (وليس للكومينتانغ) فقد رأوا أنفسهم يؤكدون على قيادة البروليتاريا "الجبهة المتحدة". فتمسكهم بمعاهدة 1937 كان شكليا تماما ("جبهة متحدة". مجلس لمنطقة الحدود". "مجالس" في القرى. اكتفاء الشيوعيين بثلث المقاعد). فالسلطة الفعلية المحلية على جميع الأصعدة هي في يد الحزب الشيوعي دون غيره.
لكن علينا ألا يكون لدينا أوهام حول "الديموقراطية " السائدة في "المناطق الحمراء". فإذا كانت الديموقراطية موجودة في حدود القرية والمقاطعات الصغرى فإنها غائبة تماما على صعيد الهيئات العليا، "فمجلس منطقة الحدود" لم يجتمع إلا ثلاث مرات طوال سنوات الحرب التسع.(13)
ونلاحظ أن ماو قد شدد على استقلالية الحزب التامة (خلافا للمعاهدة) منذ 1938 لكي يحدد مجرى سياسة الحزب منذ البداية: "دور الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الوطنية" (1938) وخاصة "مسألة الاستقلال وحرية التصرف في الجبهة المتحدة" (1938) وأيضا "الثورة الصينية والحزب الشيوعي الصيني" (1939)...الخفي فترة المقاومة ضد اليابان تميزت سياسة الحزب الشيوعي الاقتصادية باعتدالها. فالإصلاح الزراعي اقتصر على تخفيض الريع العقاري (بنسبة 25% ) وتطبيق القوانين السائدة (التي كانت البورجوازية الريفية تتخطاها باستمرار) أما مصادرة الأملاك فانحصرت منذ صيف 1937 بحلفاء اليابان. وعلى صعيد البورجوازية الصغيرة عرفت "المنطقة الشيوعية" ازدهارا للحوانيت (التي تضاعف عددها 4 مرات بفترة 6 سنوات) وللإنتاج الحرفي (نسيج، ورقن ملح الخ). وكان هذا الإعتدال ينم عن حاجات "المناطق الشيوعية" لمنتوجات الفلاحين الأغنياء والبورجوازية الصغيرة. فكان الحزب مضطرا "لتجميد الصراع الطبقي" مقابل تأمين حاجات السكان ودعمهم السياسي والمادي.
من الواضح تماما أن مرحلة 1937-1945 كانت أهم مرحلة في تاريخ الحزب الشيوعي الصيني. ففي هذه المرحلة ارتفع عدد أعضاء الحزب من 40 ألف عضو إلى 1200 ألف. وكان تركيب التنظيم الداخلي يتميز بالنسبة للمرحلة وكان ترتيب التنظيم الداخلي يتميز بالنسبة للمراحل السابقة بأهمية المثقفين. فبروز الحزب كالمناضل الوحيد في سبيل تحرير الأمة الصينية أدى إلى جذب قطاعات واسعة من المثقفين. ولكن هذه الدفعة من المناضلين قد أضاعت في الحزب تجانسه التنظيمي والسياسي. فكان هدف حركة التصحيح التي امتدت من 1941 إلى 1943 تكوين هذا الجيل الجديد وأعادت للحزب تماسكه وانضباطه. لكن كان لهذه "الحركة" وجه آخر وهو تثبيت سلطة ماوتسي تونغ على الحزب من خلال تطهير 7% من أعضاء الحزب. (أنظر ماو. مجلد 2. "فلنصحح دراستنا". "فلنقوم أسلوب الحزب". "ضد القوالب الجامدة في الحزب"). وهناك حدث آخر يلفت النظر في المؤتمر السابع للحزب الشيوعي وهو "قرار متعلق بعدة مسائل من تاريخ حزبنا" صادر في أبريل (نيسان) 1945. فوفق الأساليب الستالينية التقليدية يحدد هذا القرار تاريخ الحزب حسب مصلحة قيادة الحزب وقتذاك. وفي هذا "التاريخ الرسمي" كانت أعمال ماو تسي تونغ مبرزة وشخصيته ممجدة، فأهمية هذه الوثيقة هي أنها أول مظهر "لعبادة الفرد".
انتهت الحرب على مشهد عجيب. رغم كل سياسته الرجعية ضد الشيوعيين والوطنيين ورغم موقفه المتخاذل وحتى المحايد تجاه اليابان، رغم الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، كانت كل الجهات الشعبية والدولية (باستثناء الشيوعيين طبعا) تعتبر تشانغ كاي تشيك المسؤول عن تحرر الصين بوصفه رئيس الجيش والدولة. فتحالفه مع الشيوعيين أعد له كل رصيده.
أما الحزب الشيوعي فكان الطرف الوطني الوحيد الذي ناضل عسكريا ضد اليابان. لكنه قد انتقل، بالنسبة للقوى البورجوازية، من تحالفات تكتيكية عسكرية مع القوات الوطنية، تحالفات للقيام بهدف محدد ولا تفترض أي تنازل برنامجي من قبله إلى تحالفات استراتيجية مع تشانغ تفترض جملة تنازلات. وقد كرست هذه التنازلات كما رأينا في مهزلة معاهدة 1937 (مهزلة إذ أن عمليات تشانغ الوحيدة كانت لضرب الحزب الشيوعي).
لكن هذا التحالف إن كان فعليا من حيث تنازلات الشيوعيين، فإنه لم يؤد إلى سحقهم من قبل البورجوازية ولم يلتزم الحزب الشيوعي بسلطة الكومنتانغ السياسية العسكرية. فتأكيده على قيادة الطبقة العاملة ("بواسطة حزبها" وذلك لغيابها هي عن الساحة) لـ"الجبهة المتحدة" وخاصة ممارسته لهذه القيادة سمحا له بالاستمرار ومن ثم بالحفاظ على وجوده المستقل (وبالتالي إمكانية الانتصار)، رغم هذا التحالف الانتهازي الذي أدى إلى خنق الثورة في بلدان أخرى (فرنسا، إيطاليا في 1945). وذلك راجع إلى حد كبير إلى أن الصينيين قد استفادوا من دروس تجربتهم المريرة عام 1927، والتي هي أفضل دليل على انتحارية الإستراتيجية الستالينية. وتبرز في هذا سمة مميزة لقيادة الحزب الشيوعي الصيني وهي الازدواجية ما بين ممارستها التجريبية وتبريراتها النظرية لهذه الممارسة، تبريرات مستمدة من التراث الستاليني الذي لم تتخلص منه قط.

4 الحــرب الأهلــية
تمتد المرحلة الأولى من "الحرب الأهلية الثورية الثالثة" من غشت (آب) 1945 إلى مارس (آذار) 1947 وكانت مرحلة المفاوضات رغم أنها عرفت عددا كبيرا من الاشتباكات ذات الطابع المحدد جغرافيا، كانت أهم مسألة عسكرية في 1945 الإستيلاء على المعدات العسكرية الضخمة للجيش الياباني. وفي هذا السباق كان النصر لتشانغ بسبب المساعدات العسكرية الأمريكية (نقلت له جوا نصف مليون جندي بفترة شهرين !) من ناحية وموقف الإتحاد السوفييتي الانتهازي من ناحية أخرى: ففي غشت (آب) 1945، في النهار نفسه الذي نصب فيه الحلفاء تشانغ السلطة الشرعية الوحيدة على الصين أبرم الإتحاد السوفييتي ميثاق تحالف صيني-سوفييتي هو بمثابة اعتراف بشرعية حكومة تشانغ دون غيرها على الصين. ومن ناحية أخرى كان الإتحاد السوفييتي يحتل مندشوريا في الشمال الشرقي. فنقل داخل بلاده كل البنية التحتية الصناعية (قيمتها 900 مليون دولار) وأخر انسحابه 5 أشهر مستجيبا لطلب تشانغ الذي لم يكن بعد مستعدا لاحتلال مندشوريا. لكن إذا لم يساعد الإتحاد السوفييتي الشيوعيين الصينيين فإنه لم يعرقل توسعهم الجغرافي في مندشوريا: هذه هي المساعدة الوحيدة التي تلقاها الحزب الشيوعي الصيني من الجيش الأحمر السوفييتي. لكن ماو لم يستطيع أن يحقق أربه: احتلال العاصمة بيكين ومدن الشمال الكبرى. فمرة أخرى لم يكن غياب الحزب الشيوعي في المدن ناتجا عن ارادته أو تنظيره بل فرضت الأحداث عليه وضعه. وكانت حصة الأسد على الصعيد العسكري لجيش تشانغ (زاد عدد جيشه بنسبة 66% وحصل على 500 طائرة).

المســاعي السلـمية
كانت المفاوضات بين تشانغ والحزب الشيوعي قد بدأت منذ عدة سنوات، وفي 1945 رغم عملية نزع سلاح الجيش الياباني، كانت هذه المفاوضات تتم على أعلى مستويات (تشانغ وماوتسي تونغ). وخاصة أن مبعوث الولايات المتحدة كان يشدد على الإسراع بهذه المفاوضات. لكن المفاوضات باءت إلى الفشل. في 1937 كانت الجبهة تجد مبد~يا مبرر وجودها بضرورة مقاومة اليابان. ورغم هذا لم تكن اتفاقية 1937 الى حد كبير سوى حبرا على ورق. أما في 1945 فالجبهة موجهة ضد من؟ ولأي سبب يريد بعض الحزب الشيوعي المحا فضة على "مناطقه المحررة" وجيشه؟" كان فشل هذه إذن أمرا حتميا: كانت في البلاد آنذاك قوتان سياسيتان وعسكريتان. حزب شيوعي قوي وممركز يسيطر على الشمال وحزب "بورجوازي-إقطاعي" متعفن وضعيف داخليا رغم المساعدات الأمريكية (بلغ سعر دفعة واحدة من المعونة الأمريكية مليار دولار). فما هي مصلحتهما المشتركة لتأليف "حكومة ائتلافية"؟ وكان الخلاف بدور حول تتابع مراحل الإتفاق. فالشيوعيون لا يريدون أبدا تكرار تجربة 1927 وبالتالي كانوا يطالبون بتأليف حكومة ائتلافية (سلطة تنفيذية) تدعو مجلسا قوميا (سلطة تشريعية) وأخيرا ينفذ وقف إطلاق النار (الوضع العسكري). أما تشانغ فكان يريد العملية بشكل معكوس.
من الواضح تماما أن الحزب الشيوعي قد قرر استكمال الثورة الصينية في القسم الثاني من 1946، وهناك دلائل أكيدة على هذا القول: أولا البدء بإصلاح زراعي جذري شبيه بإصلاح مرحلة جيانغشي (المرحلة "السوفييتية" اليسارية) في صيف 1946، إعادة تسمية الجيش "جيش التحرير الشعبي" في يونيو (تموز)، وفي نوفمبر (تشرين الثاني) عاد شوآن لاي، رئيس الوفد الشيوعي في المفاوضات، إلى "المناطق المحررة" وفي نفس الشهر تشبت الشيوعيون بمقترحات كان من الواضح أن تشانغ لا يستطيع أن يقبلها. وانتهت المحادثات في بداية مارس (آذار) 1948.

انتصار جيش التحرير الشعبي
من المستحيل تحديد الحرب الأهلية من حيث المكان والزمان، كل ما يمكن أن يقال أن الاشتباكات أخذت طابعا مكثفا ومدروسا (حرب موقع، محاصرة وإبادة) لأول مرة في الشمال (على منتصف الطريق بين بيكين وشنغهاي).
عرفت الحرب الأهلية كالمعتاد ثلاثة مراحل. في صيف 1947 كان زمام الأمور في يد القوات الحكومية ونتيجة تفوقها (من حيث العدد والمعدات) قد احتلت مساحات واسعة في شمال مندشوريا. ولم يستطع الشيوعيون سوى التراجع من المدن إلى الريف، قائمين بعمليات تدمير للعدو بينما كان تشانغ يمتد ويتمركز في المدن وعلى طرق المواصلات. تمركز الشيوعيون في القرى وبدأوا حرب العصابات ضد القوات العدوة المبعثرة والمشتتة. وفي نهاية 1948 كان الشيوعيون يمسكون بزمام المبادرة في مندشوريا ومقاطعتين في الصين الشمالية.
لكن السنة الحاسمة التي ستقرر مصير الحرب والصين ستكون 1948. بدأت المعارك في الهونان حيث استطاع الجيش الأحمر احتلال بعض المدن (وأعاد بالتالي علاقته مع البروليتاريا المدينية بعد 20 سنة). لكن المعركة الحاسمة يمت أولا في مندشوريا حيث احتل الجيش الأحمر تحت قيادة لين بياو كل مندشوريا بأقل من شهرين، وثانيا في هوياي-هاي (نوفمبر (تشرين الثاني) 1948-يناير (كانون الثاني) 1949). وخلاصة القول أن خلال أربعة أشهر فقد تشانغ مليون جندي والقسم الأكبر من معداته العسكرية يناير-مارس (كانون الثاني-آذار) 1949 تابع الجيش الأحمر زحفه نحو الجنوب. في أول نوفمبر (تشرين الثاني) 1949 أعلن ماو تسي تونغ تأسيس جمهورية الصين الشعبية من بيكين.

أسباب الانتصار
من الواضح أن الانتصار العسكري لا يرجع بالنسبة للماركسيين إلى عوامل عسكرية تكنيكية فقط بقدر ما يعود إلى أسباب سياسية واجتماعية. فحتى تركيب الجيش الأحمر وتكتيكه العسكري وحياته الداخلية الخ تعود إلى أسباب سياسية وإيديولوجية في التحليل الأخير. ونذكر بإيجاز أهم هذه العوامل العسكرية التي أدت إلى الانتصار الساحق: وحدة القيادة العليا وبالتالي استمرارها وخبرتها الطويلة. استراتيجية الحرب الثورية الشعبية. صلابة المقاتل الفردي... فكل هذه العوامل تعود إلى قيادة الحزب الشيوعي للثورة وإلى تأصله في الجماهير وتنظيمها وتسليحها ورفع مستوى وعيها السياسي. وعلينا أن نأخذ بعين الإعتبار أن الجيش الحكومي كان على عكس الجيش الأحمر من جميع النواحي (صراعات داخلية مستمرة، مرتزقة الخ).
إن حجر الزاوية في إنتصار "جيش التحرير الشعبي" بفترة سنتين هو الإصلاح الزراعي الجذري الذي قام به الحزب الشيوعي والذي كان الفلاحون الفقراء يطالبون به منذ فترة معينة. لكن جذرية هذه الثورة الزراعية كانت تتلاءم والمناطق حسب "قدم" أو حداثة"تحررها. ففي المناطق التي كانت تحت سيطرة الشيوعيين منذ عدة سنوات كان الإصلاح جذريا منذ بدايته. أما في المناطق "الحديثة" التحرير كان هدف الحزب أن يحوز على دعم الفلاحين من خلال تخفيض المحاصصات (أنضر ماو، مجلد 4، دار ابن سينا، ص77-1945) وكل المصادر الرسمية والغربية تؤكد على أن الفلاحين الفقراء كانوا يصرون على مصادرة أراضي الملاكين العقاريين والأراضي العامة. وأتى قرار ماي (أيار) 1946 ليطلق مبادرة هؤلاء الفلاحين من المنطقة المحررة قديما. وفي 1947 انعقدت "كونفرانس زراعية" عبرت عن احتداد الصراع الطبقي في الأرياف، وكانت قراراتها تنص بكل وضوح على مصادرة أراضي الملاكين العقاريين وأدوات إنتاجهم وحتى مصادرة الفلاحين الأغنياء الزائدة. (بظرف سنة واحدة وزعت الأراضي على ربع سكان الصين). ومن الطبيعي أن جذرية الثورة الزراعية هذه أدت إلى تخطي الحدود التي رسمها الحزب الشيوعي للفلاحين. وكل كتابات ماوتسي تونغ في هذه الفترة تظهر الفرق بين ماو "تقرير خونان" في 1927 (الذي يدعوا لقيادة الشيوعيين للثورة الفلاحية) وماو 1948 الذي يدعو إلى "الإعتدال". (نفس المصدر، "حول بعض المسائل الهامة من مسائل سياسة الحزب الراهنة"، تكتيكات مختلفة لتطبيق القانون الزراعي في مناطق مختلفة"، "صححوا أخطاء الانحراف "اليساري" في الدعاية للإصلاح الزراعي"، "نقاط أساسية في الإصلاح الزراعي في المناطق المحررة الجديدة"، "المسائل التكتيكية من مسائل العمل الريفي في المناطق المحررة"، "عمل الإصلاح الزراعي وتوطيد الحزب لعام 1948").
تكمن أهمية الإصلاح الزراعي ليس في تأمينها قاعدة فلاحية للحزب فحسب بل أيضا في كونها من الأسباب المباشرة للانتصار العسكري: التحاق الفلاحين بالجيش الأحمر. وهكذا لا نستغرب أن الإصلاح الزراعي أتى باكرا وجذريا في مندشوريا حيث انطلق الهجوم المضاد الشيوعي.
يشكل الإصلاح الزراعي الجذري الميزة الأساسية الوحيدة لسياسة الحزب الشيوعي في تلك الفترة. فعلى الأصعدة الأخرى لا تزال سياسة الحزب نفسها. فكان موقفه من الصناعيين والتجار يقول "بتطوير الإنتاج" وبضرورة التعاون بين العمال والرأسمال ("بصدد السياسة الصناعية (زمنها الطائرات والمدرعات)، وبعد فترة من "الاقتراحات السلمية" من من والتجارية 1948"). وأخيرا على صعيد المسألة القومية لا يزال الحزب يركز على تحرير الأمة الصينية وتوحيدها، مع هذا الفرق أن الإمبريالية الأمريكية حلت محل الإمبريالية اليابانية.

5  دينامية الثورة الصينية

الثورة الصينية والثورة العالمية
إن الثورة الصينية جزء لا يتجزأ من الثورة الإشتراكية العالمية. وانتصار الثورة البروليتارية في الصين هو انتصار للجماهير الكادحة في العالم الرأسمالي أجمع. إلا أنه من الخطأ اعتبار هذه الثورة نتاج الأوضاع الصينية فقط وأنها لا تفسر إلا انطلاقا من الخصوصيات القومية دون غيرها.
يبرز تحليل الثورة الصينية من منظور عالمي عاملين حاسمين في تاريخها: الأول تاريخي والثاني ظرفي. العامل الأول هو الثورة البلشفية ومن ثم الإتحاد السوفييتي كدولة عمالية متدهورة بيروقراطيا. وسنعود إلى هذه المسألة في ما بعد عند كلامنا عن الحزب الشيوعي الصيني. أما العامل الثاني فهو المد الثوري العالمي الذي شهدته نهاية الحرب العالمية الثانية: الطبقة العاملة في أوروبا الغربية، الجيش الأحمر في أوروبا الشرقية، "نضال" برجوازية المستعمرات المحدود، واخيرا الكفاح -------- تخوضه بعض الأحزاب الستالينية، ومن بين هذه العناصر -------الحاسم صعود الطبقة العاملة في أوروبا الغربية. فكان العمال المسلحون في فرنسا وإيطاليا يسيطرون على الوضع، وأتى تحالف البيروقراطية الستالينية والإمبريالية الأمريكية لإيقاف العملية الثورية. إلا أن تمركز القوات الأمريكية في أوروبا سمح بوجود حلقات ضعيفة (كوريا، يوغوسلافيا الخ) ومنها الصين حيث انتصرت الثورة بأقل من سنتين دون أن تستطيع الولايات المتحدة التدخل بشكل مباشر بهدف منع ربع الإنسانية من الانضمام إلى "المعسكر الإشتراكي".

الثورة الزراعية الإشتراكية
تشكل الزراعة في الصين اكثر المسائل تعقيدا بسبب انعدام التجانس في الريف الصيني نتيجة دخول الرأسمال إليها بشكل متباين حسب المناطق. وزد على ذلك عدد الدراسات المحدود وأحيانا تعارضها من حيث المعلومات.
ولا نهدف في نطاق هذه الفقرة إلى تحليل الوضع الزراعي حتى بخطوط عريضة. كل ما نبغيه البحث عن ديناميكية الثورة الصينية في فترة 1947-1948 الحاسمة. فما هي خصائص الريف الشمالي حيث انطلقت الثورة الزراعية التي تشكل العنصر الحاسم لفهم ديناميكية الثورة الإشتراكية الصينية قبيل انتصارها. 
إن أهم مميزات الريف الشمالي هي: من جهة ندرة الملاكين العقاريين الكبار حيث يملك أغناهم بعض الهكتارات (حوالي 7 هكتارات كمعدل واستثنائيا 10 هكتارات) ومن جهة أخرى تفتت الأراضي بشكل أن أكثر من نصف الفلاحين يملكون الأراضي التي يفلحونها.
في قمة الهرم الإجتماعي في الريف طبقة فريدة من نوعها نسميها طبقة الملاكين العقاريين رغم أن التسمية لا تعبر أبدا عن سمات هذه الطبقة التي تجمع بين الملكية والثقافة والسلطة السياسية المحلية. والدور الذي يلعبه أعضاء هذه الطبقة متعدد: مالك عقاري يشغل عنده فلاحين، موظف في الإدارة المحلية، تاجر حبوب وبالتالي محتكر، وأخيرا مرابي (تؤمن هذه الطبقة 80%  من التسليفات)، لكن الطبقة ككل وليس كأفراد تجمع بين جميع هذه الوظائف. ويجدر الذكر أن في الشمال كانت هذه الطبقة تحتل موقعا بيروقراطيا مدنيا وعسكريا في المقام الأول.
هناك نوعان من الفلاحين: الفلاح المؤاكر الذي يعمل على ارض المالك العقاري ويتلقى مقابل عمله الريع العقاري (أوالمحاصصة) التي تبلغ نسبتها 50% من الإنتاج نتيجة الضغط السكاني على الأرض. أما الفلاح المالك الصغير فيعمل على أرضه ويدفع الضريبة العقارية الفاحشة للبيروقراطي المحلي. ولكن أغلبية الفلاحين مزارعون ومالكون في آن واحد بينما نجد فقط 20% من المزارعين لا يملكون أرضا.
أما بالنسبة للشمال الشرقي (مندشوريا) فقد تميز بكثافة سكانية مرتفعة جدا وبيروقراطية مدنية وعسكرية تملك أراض شاسعة نسبة الى الريف الصيني.
هذا جانب من الموضوع. أما الجانب الآخر فهو متعلق بارتباط الريف بالإمبريالية. فالرأسمالية في البلدان المتخلفة تنمو دون القضاء على الإقطاعية بل بالعكس بالتدخل فيها. فتتخذ الرأسمالية بالتالي أشكالا هجينة تبقى السيطرة الرأسمال التجاري المرابي. وتقوم الإمبريالية الأجنبية بتحويل الشريحة العليا (الشبه إقطاعية-الشبه برجوازية) من الريف الى أداة لسيطرتها الخاصة. ومن ناحية أخرى أدى تغلغل الإقتصاد النقدي الرأسمالي إلى الأرياف إلى ربط الشرائح الريفية الغنية بالرأسمال الوطني والغربي. فكان الملاكون يعيشون في المدن تاركين إدارة أراضيهم إلى وكيل.
إن غياب فئة متميزة من الإقطاعيين من جهة وارتباط الملاكين العقاريين والفلاحين الأغنياء برأسمال المدن من جهة أخرى يجعلان من الثورة الزراعية في الصين ثورة اشتراكية معادية للرأسمالية وليست معادية للإقطاع (بما أن هذه الطبقة غير موجودة)، وفي الشمال كما في مندشوريا (الشمال الشرقي) لابد لحركة الفلاحين أن تصطدم بالسلطة البيروقراطية العسكرية-المدنية. فالثورة الزراعية تفترض تنظيم الفلاحين بشكل مستقل وفرض ديكتاتوريتهم الثورة على "البورجوازية" الريفية.
لكن الفلاحين بقواهم الذاتية لا يستطيعون حل المسألة الزراعية. باستطاعة الفلاحين أن يعوا لمصيرهم ولكن ما ينقصهم هو القطيعة النهائية مع "المجتمع القديم" وإيجاد الحل بالنسبة للمشاكل اللمطروحة، أي "البديل العملي". فعرفت الصين نفسها في القرن التاسع عشر حركة فلاحية ثورية استمرت عدة سنوات وكان برنامجها قوميا واجتماعيا. وألام انتهت؟ أدت الى إقامة إمبراطورية أخرى وسحقت بمساعدة الإمبريالية نظرا لسوء تنظيمها.
بالنسبة للينين وتروتسكي، لا يمكن للفلاح إلا أن يتبع البورجوازي أو البروليتاري. ودون الحزب الشيوعي الثوري لن تتوصل أية حركة فلاحية ثورية الى تحقيق مآربها. فقد أمن الحزب الشيوعي الصيني، بوصفه حزبا سياسيا عالميا، للحركة الفلاحية الوعي السياسي والتنظيم (الجماهيري والعسكري) وتماسكها الداخلي وأخيرا الآفاق السياسية.

مسار الشيوعيين الصينيين
جذبت الثورة البلشفية بعض الشباب المثقف الصيني نحو الماركسية بوصفها أداة فعالة لإخراج المجتمع الصيني من تخلفه. وكون التراث الماركسي (ناهيك عن التراث البلشفي) باللغة الصينية محدود جدا (ترجم البيان الشيوعي في 1920) والطبقة العاملة حديثة النشأة، كان على الأممية الشيوعية أن تساعد هؤلاء المثقفين لكي يبنوا الطليعة الثورية للطبقة العاملة الصينية على الصعيدين النظري والعملي. لكن هذا الارتباط الوثيق بموسكو أدى أولا إلى انتقال الحزب الشيوعي الصيني من اللينينية إلى الستالينية بكل سهولة وثانيا إلى ضرورة تحميل الأممية الشيوعية (تحت قيادة ستالين وبوخارين) كل مسؤولية إخفاق ثورة 1925-1972 [1927].
أجبر ستالين وبوخارين الشيوعيين الصينيين على تبني مقولات منشفية (ضرورة مرحلة النمو الرأسمالي –التحالف الإستراتيجي مع البورجوازية أي الذيلية لها) لا بل مقولات أكثر يمينية من المنشفية (انخراط الشيوعيين في حزب بورجوازي، حزب الطبقات الأربع، العلاقة بين الكومنتانغ والأممية الشيوعية). وخلال عشرة سنوات سار الحزب الشيوعي الصيني على طريق الفشل المستمر. لكن الشيوعيين الصينيين بدأوا، في منتصف الثلاثينات، يسيرون على خط نوعا ما مستقل نتيجة لانحسار تأثير موسكو عليهم وتبلور القيادة الماوية في اللجنة المركزية والعامل المهم في ذلك هو هزيمة الثورة الصينية الثانية. ولكن هذه الاستقلالية كانت محدودة بسبب ستالينية الحزب الشيوعي: يقول دويتشر ("الثورة غير المنتهية") أن الحزب الشيوعي عاش في الريف، معزولا ومنغلقا على نفسه ولم يعرف بالتالي ما عرفه الحزب البلشفي من نقاشات مع مختلف اتجاهات الحركة العمالية والثورية حول المسائل النظرية والعملية للاشتراكية. وخاصة أنه احتفظ بكل المفاهيم الستالينية الإصلاحية وأنه التزم "بكل طقوس العبادة الستالينية". هذا على الصعيد السياسي-الإيديولوجي. أما على الصعيد التنظيمي فكانت كوادر الحزب كوادر عسكرية وسياسية في الوقت نفسه وكانت حياتهم في أصغر تفاصيلها محكومة بمقتضيات الكفاح المسلح. كان للحزب طابع عسكري من حيث التنظيم والانضباط وطرق التفكير والتسيير اليومي للأمور. وهكذا لم يكن على ماو أن يكافح أية معارضة لينينية-بلشفية كما كان الوضع بالنسبة للحزب البلشفي (قبل أن يتدهور).
والسؤال الجوهري الذي ينطرح هو التالي: ما هي العوامل التي دفعت حزبا شيوعيا ستالينيا للقيام بثورة اشتراكية منتصرة واستلام السلطة؟ بينما شهد التاريخ جملة من الأحزاب الستالينية وجدت في وضع ثوري ملائم جدا لكن ستالينيتها منعتها من الإستيلاء على السلطة وأدت إلى تصفيتها.
إن العامل الأول هو الوضع المتجزئ للصين شبه المستعمرة (أنظر ماو. مجلد 1. لماذا يمكن أن تبقى السلطة السياسية الحمراء في الصين؟). إن العامل الثاني هو تجربة إخفاق ثورة 1925-1972 [1927]. فأبرزت هذه الثورة الخطر الفعلي الذي يمثله الكومنتانغ وأهمية الفلاحين (بوصفهم القوة الأساسية المحركة للثورة) وأخيرا أهمية التنظيم الشيوعي المسلح المستقل. العامل الثالث هو الظرف الاستثنائي للغاية الذي وجدت فيه الصين والعالم الرأسمالي عند نهاية الحرب العالمية الثانية. فلولا 15 سنة من الإحتلال الياباني وتمركز القوات الأمريكية في أوروبا وأخيرا اهتراء الكومنتانغ وهزالة البورجوازية الصينية لما استطاع جيش فلاحي أن يهزم جيشا برجوازيا مسلحا بعتاد ضخم من الأسلحة المتطورة، بفترة سنتين فقط. وهذا الانتقال الحاسم من الريف إلى المدن (14) كان شبه مستحيل لولا انهيار الكومنتانغ وجهاز الدولة البورجوازية في المدن الكبرى حيث لم يجابه الجيش الأحمر أية مقاومة فعالة، وأخيرا وليس أخرا هناك ضغط الفلاحين الفقراء وثورتهم الزراعية الإشتراكية التي تهدف الى استلام السلطة على الصعيد المحلي وضرب "البورجوازية الريفية". ولم يكن الحزب الشيوعي في طليعة هذه الثورة بل حاول في بعض الأحيان وبحدود معينة المحافظة على التوازن بين الفلاحين الفقراء وهذه "البورجوازية الريفية". ولكن ميزة القيادة الستالينية الصينية هي أنها في النهاية قد ركبت الموجة وانطلقت لتصفية الكومنتانغ بينما كانت تطرح التحالف معه منذ عشر سنوات، وهذه هي الخطوة الثورية التي لم تخطها أحزاب ستالينية أخرى.
وخلاصة القول ان القيادة الستالينية الصينية وجدت في ظروف تسمح لها باستلام السلطة ومن ناحية أخرى كانت هذه القيادة قد انعتقت عن الذيلية السياسية الفعلية لخط موسكو منذ فترة. فكانت تلتزم دائما بالمفاهيم الستالينية الأساسية على صعيد القول والكتابة –أما على صعيد الممارسة فكانت تحاول أن تجد خطا سياسيا يسمح لها بالاستمرار في الريف، وهكذا لم يتبلور "الخط الماوي" إلا بعد عقدين من الكفاح المسلح الثوري، عبر تراجعات مؤقتة، عبر تعرجات بلمسات عديدة. إن التجربة هي الميزة الأساسية لخط القيادة الستالينية الصينية الثوري.
من الواضح إذن أن مسيرة الحزب الشيوعي الصيني أتت نتيجة التأثير المتبادل بين عاملين متناقضين: التراث الستاليني الإصلاحي وسيرورة الثورة الصينية. وينعكس هذا التناقض في عدم التطابق بين كتابات ماوتسي تونغ (والمفاهيم التي تحويها) والمجرى الملموس للثورة الإشتراكية في الصين.

"ديموقراطية جديدة" أم سلطة العمال والفلاحين؟
انتصرت الثورة الصينية في 1949 بوصفها ثورة بروليتارية يشكل الفلاحون الفقراء قاعدتها الأساسية وقيادتها حزب ستاليني ذو ممارسة ثورية. أما كوادر هذا الحزب فهم (اجتماعيا) برجوازيون صغار تبنوا الماركسية في طبعتها الستالينية وشكلوا قيادة الثورة الزراعية الإشتراكية التي لم تكن لتنجح لولا توفر قيادة حزب عمالي شيوعي (ولو----
لم تكن ثورة 1949 ثورة ديموقراطية. ولم تكن حكومة ائتلافية (كومينتانغ –شيوعيين –وطنيين ديموقراطيين). ولم يكن نمو الصين بعد 1949 نموا رأسماليا يوفق بين الرأسمال والعمل. ولم تعرف الصين "ديموقراطية شعبية تحت قيادة الطبقة العاملة".
إن الحزب الشيوعي قد استلم السلطة بمفرده أما "حلفاؤه" فهم بمثابة دمى. وكانت سياسة الحزب الشيوعي بعد 1949 (إصلاح زراعي، تأميم تدريجي للصناعة الموجودة، تطوير القوى المنتجة تحت إدارة الدولة العمالية، التخطيط) تؤكد على أن الدولة الصينية دولة عمالية من حيث الجوهر (وان كانت بيروقراطية الشكل).
ولكن كل أطروحات ماو هي على الصعيد النظري نسف للتراث الماركسي واللينيني. فبالنسبة للينين ليس ثمة من وسيط بين سلطة العمال والفلاحين (ديكتاتورية الطبقة العاملة المرتكزة على الفلاحين) وسلطة الطبقة البورجوازية وكل من يقول بإمكانية خط ثالث بين الدولة العمالية والدولة البورجوازية، كلل من يقول بإمكانية ديكتاتورية أكثر من طبقة واحدة لم يفهم شيئا من المفهوم الماركسي الثوري للدولة.
ومهما كانت السمات البيروقراطية للدولة في الصين (غياب مشاركة الشغيلة عبر مجالس منتخبة تدير الإقتصاد والدولة على الصعيد القومي) فهذا لا يعني أنها رأسمالية دولة كما قد يستنتج البعض من ذلك، إنما دولة عمالية بيروقراطية.
وللبحث صلة...
فؤاد غالي

الصين الشعبية، نظاما وإيديولوجية
&بقلم: ناهويل مورينو&
(ننشر فيما يلي فصلين من دراسة حول الثورة الصينية أعدها الرفيق ناهويل مورينو، وهو عضو قيادي في حزب الشغيلة الثوري، الفرع الأرجنتيني للأممية الرابعة)
*(الفصل الثامن) – الصين الشعبية:
عرفت الطبقة العاملة نهوضا جديدا في المدن الكبرى بعد الحرب (العالمية التانية. المترجم)ن لكنه قمع بوحشية. ونتيجة لذالك لم يلعب هذا النهوض أي دور في هزيمة تشانغ وظفر ماو. لقد وأعلنت جمهورية الصين الشعبية في نهاية عام 1949 كنتيجة للتطور غير المتساوي للحركة الجماهيرية: الثورة الزراعية، ثورة الفلاحين الفقراء في الشمال الذين يمارسون سلطتهم على اتحادات الفلاحين الفقراء إلى جانب الثورة على الإقطاع والرأسمالية البيروقراطية والإمبريالية الأمريكية في الجنوب. وكانت العمليتان وثيقتي الارتباط لكن الأولى أوتيت قدرا أكبر من الاهتمام. لقد جهدت قيادة ماو لإبقاء الثورة ضمن حدود ثورة ديموقراطية. لكنها عجزت عن ذلك، بالرغم من مساعيها، بسبب منطق الثورة   الإشتراكية في الريف التي خلقت [دوام حكومة] عمالية-فلاحية. إن هذا تعريف اجتماعي للنظام، إذ أنه من الناحية السياسية نظام بونابارتي نموذجي، نظام فردي مستند إلى الحزب والجيش.
وبالرغم من ذلك، كانت هذه الدكتاتورية البونابارتية ثورة وليست مضادة للثورة كالديكتاتورية الستالينية. ذلك أنها لم تستند الى انتصار الثورة المضادة بل استندت الى التطور غير المتساوي للعملية الثورية ذاتها، الذي لم يترك الوقت لبروز أدوات سلطة تمثل البروليتاريا الصناعية. ففي هذه العملية استطاعت القطاعات شبه البروليتاريا في الريف وحدها أن تطور أدوات سلطة تمثلها وهذا على الصعيد المحلي فقط . تاركة الأصعدة الإقليمي والقطري لسلطة الجيش.
ان البيروقراطية الماوية ظاهرة سياسية لها أسباب سياسية واجتماعية عميقة : تخلف الفلاحين المعدمين، التأثيرات البرجوازية الصغيرة، ضعف الماركسية الثورية، هبوط البروليتاريا الصناعية وضغط الستالينية، وليست البيروقراطية الماوية كالروسية، فئة ذات امتيازات اقتصادية جاءت الى السلطة كانعكاس للثورة المضادة العالمية، بل هي بصفتها حكومة بونابرتية ، تعكس التناقضات بين مختلف الطبقات وتحاول بدورها إبقاء هذه الفرو قات حية حتى تستطيع لعب دور الحكم. فخلال مقاومة قوى الاحتلال اليابانية تأرجحت (القيادة الماوية) بين الملاكين العقاريين والبورجوازية الزراعية والفلاحين الفقراء، وبعد انطلاق الحرب الأهلية تأرجحت بين البرجوازية الزراعية والفلاحين الفقراء. ان هذه السياسة المتأرجحة بين الفلاحين الفقراء والأغنياء فشلت في الشمال حيث فرض الفلاحون الفقراء ثورتهم، لكنها طبقت بنجاح في سائر أرجاء الصين.
ليس هناك شيء اكبر تعبيرا عن هذا من الحماسة التي حاولت بها جماعة ماو ان تحول دون تكرار ما حصل في الشمال مرة ثانية في الجنوب. فعندما بدأ تطبيق الإصلاح الزراعي في جنوب الصين عام 1950 ، اصدر الزعماء أوامر صارمة لاجل حماية الفلاحين الأغنياء وصد أي عمل يقوم به الفلاحون الفقراء : "كانت الإدارة الرئيسية لاعادة توزيع الأراضي الاتحاد الفلاحي وكان يجب ان يتألف ثلث هذه التنظيمات من الفلاحين المتوسطين، بما فيهم الفلاحين الأغنياء"  " وقد سمح ايضا القانون رسميا باستخدام الشغيلة "(1) لكن العملية الثورية التي أتمها الفلاحون في الشمال تطورت ايضا في الجنوب ، لكن ببطء اكبر. ولقد تعزز دور النظام في الوساطة ببداية نمو وانتظام الطبقة العاملة وبظهور قطاعات صاحبة الامتيازات، النموذجية في الاقتصاد الانتقالي – أي البيروقراطية، وايضا بمحاولات النظام كسب تأييد البرجوازية الديمقراطية ("ان مهمة نظام الديمقراطية الجديدة الذي ننادي به هي، على وجه الدقة، ...اعطاء ضمان لأبناء الشعب الغافرين في ان يطوروا بحرية مبادراتهم الفردية في حياتهم المشتركة، وان يطوروا بحرية تلك الاقتصاديات الرأسمالية الخاصة التي لا "نسيطر على معيشة الشعب" بل تعود عليها بنفع ، وحماية كل الممتلكات الخاصة الشرعية(2)")
لقد كانت ثورية النظام في توحيده الأمة للمرة الأولى وتحريرها من الإمبريالية. وباستناده الى تعبئة جماهيرية، وضع حدا للتضخم المالي و بالتالي ضبط دوران الاقتصاد و أزال المجاعة من الصين. وبحكم منطق الثورة التي حمليه الى السلطة، بدأ النظام تنظيم الحركة العمالية في المدن، وطبق إصلاحا زراعيا خجولا في الجنوب ، وصادر أملاك الرأسماليين البيروقراطيين واضعا الصين بذلك على عتبة التحول الى دولة عمالية،فمنذ البداية افصح النظام عن ثوريته كما عن بونابرتيته بمكافحة الرشوة والتبر جز وتبقرط كوادره.
وبعد مجيئه الى السلطة بفترة قصيرة، كان على النظام ان يجابه الإمبريالية في كوبا. فدفعت هذه المجابهة بسياسة النظام الى اليسار وحملته على مجابهة بقايا البرجوازية في البلاد. عندما بدأت المحاكمات الكبرى لعملاء الثورة المضادة ومصادرة معظم المؤسسات الرأسمالية في الصين أو تحويلها الى شركات مختصة هكذا ثم تحويل أكثر دول العالم سكانا الى دولة عمالية. وفي حين يعني ظهور دولة عمالية ان النظام اصبح دكتاتورية البروليتاريا، فهذا لا يبدل من طابعه البونابارتي. بل على العكس من ذلك، وبفعل بداية مرحلة التراكم البدائي الاشتراكي، تعزز هذا الطابع.
هكذا أصبحت الصين دولة عمالية ذات تشوهات بيروقراطية عميقة لكن نظامها بونابارتي ثوري، وليس نظاما بونابرتيا مضاد للثورة كما في الاتحاد السوفياتي. ان تشوه الدولة العمالية الصينية هو نتيجة التطور غير المتساوي للثورة، التي لم تلعب فيها حركة العمال الصناعيين أي دور.
*(الفصل التاسع)- الماوية:
يمكن النظر الى الماوية من عدة زوايا، وإحدى أهم جوانبها هو المساهمة الضخمة التي قدمتها نظريتها السياسية- العسكرية- الاجتماعية في حرب العصابات الى برنامج الثورة الدائمة. "هذه الوحدة تصل الى أعلى تعابيرها في حرب العصابات ضد القوى المسلحة للإمبريالية والدولة البورجوازية، التي اتبتت نفسها عاملا نضاليا قويا وعامل تنظيم سياسي لا يقل قوة.
"ان العصابات من هذا النوع لا يمكنها أن تعيش وتنمو وتنتصر الا إذا كانت مؤلفة من أفراد ذوي معنويات ثورية عالية جدا وإذا كانت مرتبطة بجماهير البلاد. أي أنها تميل الى أن تصبح طليعة مصطفاة تصوغ  وتنفذ سياسة منسجمة مع مصالح الجماهير.
"والى  جانب أهميتها السياسية الحيوية، أثبتت العصابات أنها شكل حربي "اقتصادي" يتطلب فقط  عددا محدودا  من الكادرات وعددا ضئيلا من الفرق المسلحة ومعدات قليلة، ومع ذلك فهي قادرة على شل قوى كبيرة للعدو."(3).
تمثل الماوية الى حد ما تكرار لوضع النارودنيين. فهؤلاء الآخرون ساهموا في الماركسية من خلال تأثيرهم على تكون المفهوم اللينيني للحزب المركزي المؤلف من ثوريين محترفين.
ومع ان الماوية ليست التروتسكية أي الماركسية الثورية، فقد ساهمت في مواد برنامجية من برنامج الثورة الاشتراكية العمالية.
ويمكننا ايضا النظر الى الماوية ----------- البارزة. فمن هذه الناحية هي إقليمية ومتخلفة وتجريبية وذراءعية، جانب منها إصلاحي وآخر ثوري، ذات إيديولوجية "يعقوبية" وستالينية وماركسية في ان واحد، وهي تمارس الكفاح المسلح، كما إنها عبادة محنقة لشخصية ماو، متسمة بمظهر أبوي.
لا شيء من هذا هو الماركسية. علينا ان ندرس نمو ودينامية الماوية لكن نتمكن من فهم مساهماتها وخصائصها وأزمتها. ان لتطور الماوية أربع مراحل واضحة المعالم مبينة كالاتي:
-التأثير الإيديولوجي للحزب الشيوعي حتى عام 1927.
-الاتجاه الاشتراكي الثوري الزراعي حتى عام 1935.
- القيادة الرسمية للحزب الشيوعي وحكومة المناطق المحررة التي عكست حركة المقاومة الوطنية الزراعية للإمبريالية اليابانية، الستالينية العالمية حتى عام 1945.
- حكومة الصين الشعبية التي حملتها ثورة الفلاحين الفقراء الىالإنتصار.
ان المرحلتين الأولى والثانية من المراحل الأربعة هذه قديمة جدا. مع هذا فإن مساهمات الماوية في الماركسية متأتية من هاتين المرحلتين نعني المفهوم الجغرافي السياسي لحرب العصابات كشكل للصراع الطبقي في الريف ممهدا لإستلام البروليتاريا للسلطة.
والماوية الحالية هي نتيجة للصراع والانتصار في المناطق المحررة من الاحتلال الياباني. وقد نشأت في هذه المناطق دولة شعبية منطوية على نفسها ذات اقتصاد بدائي حيث مارس العقاريون وأغنياء الفلاحين نفوذا ومع إنها كانت مرتبطة الستالينية العالمية، ظلت هذه الدولة مستقلة تماما عن الإمبريالية. وكانت حكومة ماو والحزب الشيوعي في تلك المنطقة  ثورية وبونابرتية وكانت الضامنة لوحدة جميع الطبقات ونضالها الموحد ضد الاحتلال الياباني.
في تلك المرحلة انتقل ماو إيديولوجيا وتنظيميا الى الستالينية.
فقد قبل بمفهوم الثورة على مراحل القاضي بان تكون المرحلة الاولى ثورة ديمقراطية تقوم بها كافة الطبقات القومية ضد الاقطاع والإمبريالية، أما المرحلة الثانية الاشتراكية فتترك للمستقبل البعيد اما من الناحية التنظيمية فقد عزز ماو حزبا ستالينيا  نموذجيا يفتقر الى الديموقراطية الداخلية وترأسه أوليغاركية حزبية. إلا ان هذا لا يعني ان الحزب كان تحت سيطرة الكريملين إذ انه  بقي مستقلا وقد ساعد غياب السيطرة الإمبريالية  وغياب ديمقراطية محلية في اعطاء النظام والحزب  الماويين طابعا شديد الاستقلال، جاء ---معالمها البدائية والمتخلفة والريفية واليعقوبية-الريفية. ومركزية هذا النظام وبونابرتيته ليستا متأتيتين من دوره كحكم بين الستالينية والجماهير وفيما بين مختلف الطبقات الريفية فحسب، بل ايضا من تبعثر الفلاحين.
ونتيجة لعزلتها ودورها كحكم فيما بين الطبقات والشرائح الطبقية والفروقات الإقليمية، اصبحت الماوية بدورها بناءا فوقيا، مرهونا بقاؤه بتلك الأوضاع فيميل الى الإبقاء عليها.
الماوية هي نتيجة التراجع والتفاوت في سير الثورة العالمية مما سبب اولا، انعزال المقاومة الثورية للاحتلال الياباني ومن ثم انعزال ثورة الفلاحين الفقراء عن عمال الصين وآسيا والمراكز الرأسمالية . فكانت الماوية في مجرى الثورة العالمية، تركيبا عرضيا مؤقتا عزز نفسه وكون جهازا.
هذا ما يفسر التشابه والتباين بين الماوية من جهة الستالينية والكاستروية من جهة أخرى . إذ انه على عكس ما يعتقده الكثيرون من المعلقين على الثورة الصينية فان تبرير ماو لستالين ليس بخطأ تكتيكي. فالميزات الستالينية متأتية من تطورها في الفترة الستالينية ومن طابع الحركة الجماهيرية الصينية في تلك الفترة ومن التأثير العميق الذي تركه انحصار الحركة العمالية العالمية وتبايناتها على الستالينية ناتج عن دورها في قيادة عملية حرب عصابات ثورية ضد اليابانيين أولا ومن ثم حرب فقراء الفلاحين ضد تشانغ وما يمثله ..
وتباينها عن الكاستروية  ناتج عن ان الكاستروية(4) تطورت في مرحلة ثورية مباشرة غير مقيدة بالستالينية المضادة للثورة أو بتطور الرجعية العالمية. لذا فان دينامية الكاستروية اقل إقليمية واقل قومية وذات طابع اقل بيروقراطية وبونابرتية. فالمراحل التي شهدت تطور هاتين الحركتين تفسر الفرو قات العميقة والأساسية بينهما كما تفسر نقاط الشبه : فالحركتان تعكسان التقدم الثوري لجماهير المستعمرات المتبع أسلوب حرب العصابات.
خلاصة التحليل ان الستالينية هي نتيجة ضغط مضاد للثورة على ثورة عمالية منتصرة ، بينما الماوية هي نتيجة تركيب مؤقت بين الستالينية المضادة للثورة والتطور غير المتساوي للحركة الجماهيرية الصينية، اما الكاستروية فهي نتيجة مباشرة لتقدم الثورة العالمية.   



#الاممية_الرابعة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ملف حول تشيكوسلوفاكيا 1968
- سنوات تأسيس الأممية الرابعة IV 1933 - 1938


المزيد.....




- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري
- باي باي كهربا.. ساعات الفقدان في الجمهورية الجديدة والمقامة ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - الاممية الرابعة - ملف دروس الثورة الصينية