أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هشام محمد - ملاحظات على الهامش















المزيد.....

ملاحظات على الهامش


هشام محمد

الحوار المتمدن-العدد: 2508 - 2008 / 12 / 27 - 09:23
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


-1-
يخيل لي أن العقل العربي / الإسلامي مصاب منذ ألف واربعمائة عام ونيف بتشوهات بنيوية عميقة. عقل تحكمه الانفعالات، وتدغدغه الغرائز. عقل مولع لا بإضاءة الأسئلة الفلسفية، ولا بتتبع الحقائق بتجرد وموضوعية الباحث النهم، بقدر ما هو مولع بالانغماس في سجالات كلامية واجترار حوارات بيزنطية. يطلبك أحدهم للحوار، لا لغرض تلاقح فكري بريء، ولا لاكتشاف نقاط التقارب والتباعد بينكما، بل لغرض التحقق من سلامة إيمانك من الخدوش العقائدية، وحصانة عقلك ضد الأفكار الأجنبية. الحوار مع أي منهم أشبه بجلسات استتابة، يجبرك على الجلوس فيها كي يجلدك حتى يطرد الشيطان الرجيم المقيم في اعماقك، ويردك أيها الضال إلى الصواب، ويعيدك إلى تلك الحضيرة المملوءة بأبقار بشرية لا تكاد تميز أحدها من الآخر. وياليت هذا المتعطش للحوارات يملك من العلم والثقافة والأدب ولو نزراً يسيراً. وياليت هذا المتحفز لتلك المنازلات الفكرية يملك قدراً من الشجاعة للوقوف على أفكار جديدة، والانفتاح على ثقافات أخرى. يخاف أن يمسك بكتاب قد يزرع بذور الشك في داخله، ويعرض اليقينيات الباردة التي شربها منذ الصغر للأسئلة الحارقة. يخشى أن تمزقه الشكوك، وتطحنه الظنون، فيفقد لذة الخمول، ويخسرهدوء البال. ما أتعس أن تستهلك قواك، وتهدر طاقتك في الحديث إلى عقل كهذا، عقل متشظي ومبعثر في كل الإتجاهات!



تكشف له عن عواهن الشريعة، فيطعن في العقيدة اليهودية والمسيحية. تحدثه عن ثقافة حقوق الإنسان، فيذرف دموع التماسيح على القتلى من الهنود الحمر. تتألم على تلك الأرواح المتلاشية كرماد في تفجير إرهابي، فيبكي على ضحايا الحملات الصلبية. إن قنابل الدخان التي يرميها هنا وهناك ليست موجهة لك، ولكنها موجهة له، حتى لا يرى في كلامك ما قد يجرح رومانسية الصورة الوردية. إنه يفر من ذاته قبل أن يفر منك، حتى لا يلحق الأذى بالفكرة المقدسة التي حفرت في لاشعوره منذ نعومة أظافره. لا يمكن لحوار مع هذا أن تكتمل فصوله، وأن تُستنفَذَ أغراضه، لأنّ الفكرة المقدسة التي ينافح عنها أصلاً قد توقف نموها منذ مئات السنين، منذ أن أجهض مشروع المعتزلة العقلي، وساد الفكر الأشعري. لن يمضي أي حوار إلى ما هو أبعد من منتصف الطريق حيث سينقطع هناك حبل المقدس. أما النصف الآخر من الحوار فعليك أن تتحمل نصيبك من الشتائم، وربما عليك أن تستعد لخوض ما يعرف بالمباهلة، كما لو كانت ركلات ترجيحية لحسم المنتصر في حوار الطرشان!



-2-

إحدى المستشفيات الأهلية الشهيرة في الرياض تضرب على زوارها حصاراً دينياً رهيباً. فجدران الممرات وغرف المرضى وغرف الإنتظار والمصاعد والمكاتب الإدارية مشغولة بالآيات والأحاديث والأدعية والأذكار. أشعر أني سأخرج كل مرة حاملاً في يدي اليسرى كيس الدواء، وفي يدي اليمنى نخلات، وحور، وولدان، وحسنات من كثرة ما قرأت طوعاً أو كرهاً. أقف أمام موظف الإستقبال، فأقرأ على الجدار وراءه كلاماً عن الرقية الشرعية (!) أجلس على كرسي الانتظار، فأمد يدي لأقلب المطبوعات المنثورة على الطاولة فلا أجد غير كتيبات عن الحجاب والنقاب، وتوحيد الألوهية والربوية، وفضل الصيام، وما إلى ذلك. أعيدها بامتعاض إلى مكانها، وأمد ناظري إلى الشاشة التلفزيونية الكريستالية المثبتة على الجدار، فيعانقني وجه ملتحي في قناة المجد أو منافستها قناة اقرأ. أكثر ما أضحكني هناك تلك اللوحة الأنيقة عند مدخل قسم الولادة، وجاء فيها: "عن أبن عباس قال: مر عيسى عليه السلام على بقرة قد اعترض ولدها في بطنها، فقالت: يا كلمة الله أدع الله لي أن يخلصني مما أنا فيه، فقال: يا خالق النفس من النفس ويا مخلص النفس من النفس ويا مخرج النفس من النفس خلصها. قال: فرمت بولدها فإذا هي قائمة تشمه". من المؤكد أن الكثير من النساء اللاتي يجدن القراءة ستحفظ تلك الكلمات اليسوعية، وسترددها في سرها أكثر من مرة حتى لا يلحقها ما لحق تلك البقرة من الآم، كل هذا دون أدنى ألم بأن كرامتها قد جرحت لتشبيهها بالبقرة!



-3-

جاء في الملحق الديني في جريدة الاقتصادية (!) من يوم الجمعة المباركة بتاريخ 19 من ديسمبر من هذا العام جوابٌ شافٍ لفضيلة الشيخ الدكتور إبراهيم الخضيري قاضي محكمة التمييز بالرياض عن حكم الشرع في ما يعرف بالعلاج بالموسيقى. قال فضيلته "إن علاج الأمراض النفسية هو القرآن الكريم، يقول الله تعالى (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين)، ويقول (فيه شفاء للناس) أي فيه علاج لهم، ويكون العلاج أيضاً بالحجامة والكي، وبما دل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة المطهرة، وبالتجارب الطبية التي أباحها الله، وليس بما حرم الله، أما القول أن الموسيقى علاج نفسي فهو مأخوذ من المدارس الغربية، فالغربيون يستخدمون الموسيقى ليهدئوا جنهم وشياطينهم وليحضروا من شاء منهم ويغيبوا من شاءوا منهم، فيزعمون أنها تحدث لهم نفعاً، وهي ليست كذلك، بل هي مسكنات يعقبها هزات وعواصف وهلاك ودمار. أما المؤمن فإنما تسكن نفسه وتحصل له الطمأنينة والسكينة بذكر الله، قال الله تعالى (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب)..."



الآن فقط عرفت أن حالة الوجد والحب التي تجعل من قلبي كوكباً أخضراً يتسع لكل البشر كلما استمعت إلى فيروز وعبدالوهاب وعمر خيرت وياني وسيناترا وموزارت كانت في الأصل مشاعر شيطانية بعد أن حسبتها ملائكية. والآن فقط فهمت لماذا سلط الله سوط عذابه على بلاد عبدة الصليب وأكلة الخنزير، فأصابهم بالهزات الاقتصادية وبالكوارث الطبيعية وبالأمراض الفتاكة. سأعتزل الغناء، وسأهجر الموسيقى، وسأقرأ القرآن فقط، وربما سأفكر بجدية في الحجامة والكي إذا استدعى الأمر. ولكن لدي هنا سؤال هامشي: هل كل سور القرآن الكريم بلا استثناء تدخل الطمأنينة والسكينة إلى القلب؟ بكلمات أخرى، هل تتساوى الآيات التي تتحدث عن التسامح، والقبول بالآخر بالآيات التي تحرض على قتل الكافرين، وتلعن أبا لهب وزوجته حمالة الحطب، وتصف لنا فضائعية عذاب أهل النار؟ أرجو أن يتسع صدر شيخنا الكريم لهذا السؤال كما تتسع صدور مشائخنا لباقي الأسئلة الأخرى عن حكم الاختلاط، وصلاة الحائض، وزكاة الأبل، وحلق اللحى، وتشقير الحواجب، وتهنئة الكفار بأعيادهم، وبلع الريق في نهار رمضان.




#هشام_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماذا لو لم يبعث محمد؟
- احجار الدومينو وأبو هريرة وابن عباس
- الكلام المحظور عن ختان الذكور (2/2)
- الكلام المحظور عن ختان الذكور (1/2)
- الشيخ غازي... وزوبعتان في فنجان
- مدينة الشيطان ترحب بكم
- ولا عزاء للقطط والكلاب
- وداعاً.....أيها العقل
- كيف سيكون الاسلام بلا معجزات؟
- الذباب ينهش لحم شاهين
- ملتحون ولكن لصوص
- رحلة في عقل وهابي


المزيد.....




- صابرين الروح جودة.. وفاة الطفلة المعجزة بعد 4 أيام من ولادته ...
- سفير إيران بأنقرة يلتقي مدير عام مركز أبحاث اقتصاد واجتماع ا ...
- بالفصح اليهودي.. المستوطنون يستبيحون الينابيع والمواقع الأثر ...
- صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها ...
- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هشام محمد - ملاحظات على الهامش