أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هاني عواد - عندما يتحدث ابن خلدون عن التجريد... فكر الحداثة العربية: من السلفية الإسلامية إلى السلفية المتأوربة















المزيد.....

عندما يتحدث ابن خلدون عن التجريد... فكر الحداثة العربية: من السلفية الإسلامية إلى السلفية المتأوربة


هاني عواد

الحوار المتمدن-العدد: 2456 - 2008 / 11 / 5 - 08:45
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ما الذي يحدث عندما نفكّر؟ هذا السؤال طرحه ابن خلدون منذ ستة قرون توصل بعد إجابته إلى نبذ الفلسفة و"العقل المجرّد" والميل إلى "العقل التجريبي" الذي يعتبر الواقع ثمَّ الواقع ميداناً للنقاش دون الخوض في "معقولات" تجريدية يتوصل إليها المفكر عبر سلسلة من التجريدات التي تفصل الواقع عن الفكر.
ابن خلدون باختصار تحدَّث عن عدم مطابقة الفكر للواقع وعدم صحة نقل النظريات عبر مسافات زمنية وجغرافية لواقع آخر لأنها ببساطة مجردة من تفاصيلها التي تحكم سيرها في مكانٍ و زمنٍ محددين.
أحد العناصر الذي حللها ميشيل فوكو في آركيولوجيا المعرفة خاصته هو نموّ الفكر وتطوره اللانهائي بتغير المكان والأزمان؛ بمعنى أنَّ مجمل النظريات والمفاهيم الاجتماعية التي كانت مناسبة لتحليل حقبة ما (مكانية وزمانية) ليست بالضرورة أن تكون مناسبة لحقبة أخرى، الأمر الذي يدعو إلى إعادة قراءة الواقع الاجتماعي ومن ثم إعادة النظر في كافة المفاهيم والنظريات الاجتماعية من جديد لـ"تبيئتها" للواقع المطلوب تفسيره... أليس ماركس من قال:"ليس المهم بالنسبة للثوري فكرته عن الواقع، وإنما فكرة الواقع عنه"؟.
المفكر العربي محمد عابد الجابري أسهب في الحديث عن مفهوم "التبيئة" في معرض تحليله لمجمل النظريات التي استقدمها عرب عصر النهضة في القرنين التاسع عشر والعشرون من الغرب من أجل توصيف علاج فكري جاهز للعبور في قطار الحداثة التي ركبته أوروبا منذ زمن.
إشكالية القوم – كما يقول الجابري- أنهم استحضروا تركيبات اجتماعية وسياسية (كالعلمانية مثلاً)، ولفقوها قسراً للواقع العربي فما حصلوا على نتائجهم المرجوة وما كادوا يحصلون! لقد كان من الأفضل حقاً أن يستفيد أؤلئك من التجربة التاريخية الأوروبية ويتصرفوا بها وفق مقتضيات المكان والزمان العربيين الحاضرين.(1)
لهذا سبقنا ابن خلدون قبل قرون بالسخرية من الفلسفة، يعني هو تلك الفلسفة الثابتة التي رفعتها العصور السابقة له وجعلتها صيدلية لعلاج مشكلات الواقع اللا متناهية، وهو يعني بالتأكيد فلسفة أرسطو التي أخذت عقول المفكرين حتى عصر التنوير الأوروبي، وكان مما عابه عليها التجريد، والتجريد كما يشرحه صاحب المقدمة هو "الحصول من الموجودات المشخصة [أي الواقع المادي] صوراً عامة تنطبق على جميع الأشخاص، ومن هذه الصور الأولية أو "المعقولات الأوائل" يجردون معاني كلية، ومن هذه معانٍ كلية أكثر عمومية "إلى أن ينتهي التجريد إلى المعاني البسيطة الكلية المنطبقة على جميع المعاني والأشخاص" وبإضافة هذه المعاني البسيطة "بعضها إلى بعض ونفي بعضها عن بعض بالبرهان العقلي اليقيني" يحصل لهم، كما يزعمون، تصور الوجود، كما هو، "تصوراً صحيحاً مطابقاً" وذلك هو "السعادة" عندهم.(2)
وعندما تنتقل هذه المعاني البسيطة من الواقع التي صيغت منه (مثلاً في عهد أرسطو قبل 2400 عام) إلى عصر جديد فإنها تترك صورها المشخصة وتحاول أن تتزاوج قسرياً مع صور مشخصة من واقع جديد فيحدث الغلط، ويحصل الالتباس.
من الجيد أيضاً أن نفهم "مشاكسات" عمانويل كانت في القرن الثامن عشر عندما أنكر العلاقات التي ينشئها البشر في الوعي (العقل) مؤكداً أنها ليست مطابقة للواقع، فتصوراتنا – نحن البشر- عن الزمان والمكان لا يطابقها شيء في العالم الواقعي بل تدل على علاقات موجودة في الوعي فقط. وبرأي كانت تصبح التصورات عن المكان والزمان بمثابة النظارات التي نتطلع من خلالها إلى الأشياء.(3)
وفي هذا المجال أيضاً أكمل فيلسوف الطبيعة الإنسانية البديع ديفيد هيوم ما بدأه ديكارت من نقده للحواس والعقل فقال بأن الأفكار إما أن تستقر بـ"المخيلة" أو في "الذاكرة"، والتفريق الذي ابتدعه هيوم يعني أن الأفكار في الأول تكون باهتة مجردة وبعيدة قليلاً أو كثيراً عن الواقع، أما في الثاني فتحمل صفة الحيوية المدركة للتفاصيل والعلاقة بين الواقع والوعي.(4)
هذه الحقيقة يؤكدها المفكر العروبي نديم البيطار عندما لاحظ في دراسته للتجارب التاريخية الوحدوية كيفية تناقل عامة الناس للنظريات والمفاهيم كـ"رموز" دون النظر إلى تفاصيلها وعلاقاتها الداخلية المتشابكة التي هي الأصل الأول (أو الصور المشخصة بتعبير ابن خلدون) التي خرجت منه هذه النظريات.
ويشير البيطار إلى الفتشية (Fetishism) التي تحتل جزءاً من عقل البشر الذين لا يستطيعون فهم الواقع كما هو، بل يعجزون في الغالب على ملاحظة العلاقات الاجتماعية والسياسية المتشابكة مما يجعلهم يميلون إلى تجريد هذا الواقع إلى رموز وتعميمات تكون وسيطاً للفهم.(5)
لكن المشكلة الكبرى عندما يتغير هذا الواقع وتبقى الرموز محفوظةً في الكتب أو الذاكرة ثم لا تعي الأجيال الجديدة هذا التغير الحاصل فتصطدم بعلاقة الواقع الجديد بالرموز القديمة، فتلجأ إما إلى التأويل المغلوط للرموز أو إلى تطوير هذه الرموز وإعادة تبيئتها...ترى هل نصيب عندما نقول بأن وظيفة الثوار والمجددين هي تطوير الرموز التراثية من جديد لجعلها تلائم الواقع؟!
أينبغي التذكير بتعميم الماركسية للميتافيزيقيا على كل منهج يعتبر الواقع ثابتا لا متغيراً ثم يدّعي بأنّه يملك نظرية تفسّر الماضي والحاضر والمستقبل؟ وعندما نستحضر الماركسية هنا فإننا نستحضرها كمنهج لا أنطولوجيا نصية جامدة، يقول عبد الصمد بلكبير الكاتب الماركسي المعروف في معرض نقده للتجربة الماركسية اللينينية:"لنتذكر المبدأ الأول في المعرفة العلمية، هو العمل ما أمكن على توفير علاقة أكثر ما يمكن مباشرة وبدون توسطات بين العقل والواقع، دون مسبقات ودون مصادرات ودون تأثيرات خارجية".(6)
نقول ذلك ونعلم بأن كتاباً عرباً كثر قد وجدوا في النصوص التي خلدها كارل ماركس في النصف الثاني من القرن التاسع كتاباً مقدساً مخلّداً فكانوا "سلفيين" مثلهم مثل رجال الدين أصحاب الحقيقة المطلقة؛ فهذا –على سبيل المثال لا الحصر- الأديب الفلسطيني غسان كنفاني قد سطّر كتابه عن ثورة 1936 ملفقاً بين الواقع والنظرية (الرمز) فكان مثالاً للتجريد والتسطيح التاريخي الفجّ.(7)
في المقابل فإنَّ ماركسياً مثل غرامشي طالب باستبدال "البروليتاريا" بمفهومٍ حديث أسماه "الكتلة التاريخية" ذلك أن النقلة الاقتصادية وتطور القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج في القرنين العشرين والحادي والعشرين قد برْجزت العمال فأصبحت الطبقة المُستغلّة خليطاً من العمال والبرجوازيات الصغيرة مختلفة الأشكال والألوان، وليس من الضرورة أن نستدعيَ النقد العميق الذي وجهه المرحوم إدوارد سعيد للماركسية الهاضمة لإرث الاستشراق التاريخي.(8)
الطريف بأن هذا الجدل بين الماركسيين الكلاسيكيين والنيوماركسيين نجده في الحضارة الإسلامية قبل ما يقارب الثمانية قرون وإن كان في مجالٍ آخر! فابن حزم الأندلسي ثار على الطبيعة الأنطولوجية لعلماء المسلمين التقليديين (المذاهب الأربعة وغيرها) ورفض عمليتي القياس والتعليل التي تجمّد واقع اليوم وتشابهه بواقع السلف الغابر، لقد رفض ابن حزم هذا المنهج، وانتقل مع النظرية الإسلامية إلى خيارات أخرى كرّست بروز ظهور تيار المقاصديين بقيادة الإمام الشاطبي. (9)
أسفاً نقول بأنَّ الإسلام السياسي في القرن العشرين ارتد عما ثار من أجله علماء الأندلس وعاش في الماضي تماما كما عاش الكثيرون الذين افتتنوا بالرموز وجمدوها في مكانها دون تطويرها كما ينبغي لكلِّ رمزٍ أو نظريةٍ أن تُطوّر... لهذا يصح أن نشعر بأن المسلمين يعيشون في الوقت الحاضر ارتداداً فكرياً يثير القلق.
هذا الارتداد ينسحب أيضاً على الحداثيين الكلاسيكيين الذي استحضروا رموزاً أوروبية وحاولوا أن يزاوجوها قسراً مع الواقع العربي المختلف كما أسلفنا. إنهم سلفيون بالمعنى العام للسلفية، أي أنهم يقدسون رموزاً تنتمي إلى زمان وواقعٍ آخرين ظناً منهم أنها ستحلُّ لهم إشكالية النهضة العربية المسلوبة. ولعله من المناسب جداً أن نستدعي إحدى أطروحات الموسوعي الكبير ألبرت حوراني الذي بيَّن في كتابه "الفكر العربي في عصر النهضة" خروج معظم المدارس العلمانية والقومية من عباءة الشيخ محمد عبده زعيم تيار التجديد في القرن التاسع عشر وهذا الأخير كان من ثمار حركة ديلاكتيكية كان أحد رموزها رفاعة الطهطاوي.(10)
وخلاصة القول فإنه وإن وقع الإسلام السياسي بعد (وقبل) نكبة فلسطين عام 1948 في عصر ردةٍ نحو الجمود والانحطاط، فإن الحركات السياسية الأخرى: علمانية كانت أم قومية أو يسارية كانت في معظمها مسلفنة منبهرة بالرموز وغير مكترثة بفكرة الديالكتيك التي تقتضي الصراع مع الأفكار التراثية القديمة للحصول على أفكار جديدة متمايزة خاصة بالواقع العربي-الإسلامي.
وبعد...
فإنَّ الراشدين من أبناء الفكر العربي بحاجة إلى تشكيل كتلة تاريخية تحدد أولويات الفكر العربي المعاصر المجدد للرموز التراثية والمستفيد من الخبرات التاريخية الحداثية، فالصراع ليس صراعاً بين "دشداشة" و"ربطة عنق" بقدر ما هو حركة تحرر وطني حقيقية نحو الاستقلال والحداثة والحرية.
إن القفز إلى مصطلحات مثل "الديمقراطية" لا ولن يحدث قبل التخلص من الطبقات الكمبرادوية التي تخادع الشعوب بلغتها التجريدية فتبتدع لها إشكاليات وهمية لا علاقة لها بواقعها والمصيبة الكبرى انسياق حركات الفكر العربي من اليمين إلى اليسار لممارسة ذات التجريد الذي يجعل الجمهور، وهو بسيط ليس له الوقت لوزن المعارف السياسية والاجتماعية، يجعله غير قادر حقيقةً على التمييز ما بين كتلة التحرر الوطني وكتلة الجمود والانحطاط واللا تنمية.

هوامش
1- للمزيد أنظر: محمد عابد الجابري، في نقد الحاجة إلى الإصلاح، مركز دراسات الوحدة العربية، وانظر أيضاً: محمد عابد الجابري، المسألة الثقافية، مركز الدراسات الوحدة العربية.
2- محمد عابد الجابري، نحن والتراث: قراءة معاصرة في تراثنا الفلسفي، مركز دراسات الوحدة العربية، ص 348.
3- في المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية، مجموعة مؤلفين، دار التقدم ص96.
4- أشرف منصور، مقالة: ديفيد هيوم، موقع الحوار المتمدن على الإنترنت.
5- نديم بيطار، من التجزئة...إلى الوحدة، القوانين الأساسية لتجارب التاريخ الوحدوية، مركز دراسات الوحدة العربية، ط5 1986، ص315.
6- مجموعة مؤلفين، الفكر العربي وتحولات العصر، رؤى وأفكار من وجهات نظر ماركسية مختلفة، الفارابي، ص114.
7- للاضطلاع على كتاب كنفاني: أنظر غسان كنفاني،خلفيات وتفاصيل وتحليل ثورة 1936 في فلسطين، دار كنعان للنشر.
8- أنظر على سبيل المثال لا الحصر: إدوارد سعيد، الاستشراق: المعرفة، السلطة، الإنشاء، وأنظر أيضاً إلى ما تبعه من تعقيبات على الاستشراق.
9- بالأساس هذه أطروحة محمد عابد الجابري في مشروعه الكبير: نقد العقل العربي المكون من أربعة كتب بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من المقالات.
10- للمزيد من المعلومات أنظر: ألبرت حوراني، الفكر العربي في عصر النهضة (1897-1939)، دار نوفل.






#هاني_عواد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هاني عواد - عندما يتحدث ابن خلدون عن التجريد... فكر الحداثة العربية: من السلفية الإسلامية إلى السلفية المتأوربة