أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - إدريس ولد القابلة - تداعيات الإرهاب بالمغرب - قراءة متعددة الزوايا -















المزيد.....



تداعيات الإرهاب بالمغرب - قراءة متعددة الزوايا -


إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)


الحوار المتمدن-العدد: 748 - 2004 / 2 / 18 - 06:17
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


بشهادة الجميع شكلت أحداث 16 مايو 2003 بالدار البيضاء حدثا استثنائيا ومفاجأ في تاريخ المغرب الحديث اعتبارا لدلالاته السياسية والفكرية، إنه حدث خلخل البلاد خلخلة عميقة تغذت بإفلاس سياسي عام، كما أن هذا الحدث الدرامي الذي أودى بحياة عدة أبرياء شكل مناسبة لفتح حوار وطني خص كل الفاعلين السياسيين والاجتماعيين والثقافيين بالمغرب، وهو حوار هم بالأساس مغرب الغد مادام أن اليأس أوصل جزءا من الشباب المغربي إلى تحويل أنفسهم إلى قنابل بشرية تقضي على أجساد أصحابها أجساد الأبرياء بدون ذنب اقترفوه ولعل ما لاحظه الجميع بامتياز هو التوظيف السياسي والحزبي الضيق لأحداث الدار البيضاء دون الاهتمام الوافي بالنظرة الإستراتيجية لمستقبل المغرب أو استثمار فاجعة الدار البيضاء في إعادة قراءة التاريخ المغربي الحديث، كيف لا وقد ساء خوف رهيب من الذهاب بعيدا في اتجاه استنطاق الأسباب الفعلية لما جرى بالدار البيضاء يوم الجمعة 16 مايو 2003 وما كان مقررا بالنسبة لمدن مغربية كبرى أخرى، كان الخوف من الدعوة لإعادة ترتيب الأوضاع وإعادة النظر في توزيع السلط وآلياتها والخوف من مساءلة القائمين على الأمور والفاعلين في الدولة والأحزاب السياسية.
                                                                                                       
لهذا اجتهد العد يدون إلى الترويج إلى الأطروحة القائلة بأن ما حدث بالدار البيضاء تعتبر نغمة نشار خارج السنفونية ولا جذور له لا اجتهادية ولا سياسية ولا ثقافية بالمغرب، ومع الأسف راجت هذه الأطروحة وسادت.

ومهما يكن من أمر فهناك الكثير من الأسئلة والتساؤلات صاحب أحداث الدار البيضاء الدامية، وأكثر هذه الأسئلة عملت – عن وعي أو بغير وعي – على إخفاء أسئلة وتساؤلات أخرى، وبذلك ساهمت في حجب إشكالات التي من شأنها إن تم الكشف عليها خلخلة البنية السياسية والاجتماعية والثقافية السائدة.

لقد قال الكثيرون أن تفجيرات 16 مايو 2003 لم تشكل فقط إلا الجزء المرئي والظاهر لقطعة الجليد العائمة، وما خفي وغاب عن العيون هو الأهم حجما ودلالة، وذلك بالرغم من أن الكثيرين اعتبروا أحداث الدار البيضاء الدامية حدث استثنائي يعرفه المغرب لأول مرة، إن لأول مرة يفجر مغاربة أنفسهم.

ولعل أول ملاحظة تستجوب الاهتمام هي أن كل الذين قدموا على تفجير أنفسهم يوم الجمعة 16 مايو 2003 كانوا من المهمشين، المهمشين مجاليا وتنظيميا ومعرفيا واقتصاديا، وقد تم تهميشهم عبر آليات ومن ضمنها آليات سياسية واقتصادية وآليات اجتماعية أبعدتهم عن المواطنة عن حقوقها وواجباتها، وهذا دعا إلى طرح عدة تساؤلات بعدد جملة من الإشكاليات، وعلى رأسها إشكالية الدمقرطة وعلاقتها بآليات التهميش الممنهج، وهي آليات بلورتها وطورتها أقلية مستفيدة لاتكاد تبين بفعل قلة أفرادها، وذلك للحفاظ على احتكار الموارد والمسؤوليات والمواقع.

وقد رأى البعض أن الجذور الفعلية لما حدث يزم الجمعة 16 مايو 2003 بالدار البيضاء تعود إلى فجر استقلال المغرب اعتبارا للاختيارات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المعتمدة منذئد وهي ذات الاختيارات التي جعلت أغلبية المغاربة من المبعدين عن المشاركة الفعلية في المساهمة في تقرير مصير البلاد واختياراته، وهذه الاختيارات بالذات هي المسؤولة بشكل أو بآخر عن فشل صيرورة الدمقرطة والتحديث، وتعمق هذا المسار أكثر بفعل فشل الدولة في مهامها الأساسية والشلل الذي أصاب الحركة الوطنية المؤدي إلى موتها الاجتماعي والسياسي وبالتالي التاريخي، ولعل أهم إشكالية في هذا المضمار هي صيرورة الإبعاد والتهميش الذي لحق بأغلب المغاربة، سواء فيما يخص المشاركة الفعلية في بلورة القرارات أو حتى فيما يخص من الاستفادة من تمار التنمية وخيرات البلاد والثروات الوطنية المضافة وبذلك يكون من الطبيعي جدا أن تشكل فضاءات الإبعاد المجالي والمعرفي والتنظيمي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي تربة لنمو العنف وركحا لاعتناق أي من شأنه تقديم بديل للخلاص من التهمي والأبعاد.

وحسب هؤلاء، فإن المجتمع المغربي بحكم القوى التي حركته منذ الاستقلال ما زال لم يتمكن بعد من الانخراط في الصيرورة الفعلية الدمقرطة والحداثة، وذك باعتبار أن جوهر الدمقرطة يمكن بالأساس في كونها أولا وقبل كل شيء مشاركة جماعية في تحليل وتشخيص وتوصيف المشاكل وفحص الحلول والاختيارات واقتسام الأدوار والمسؤوليات وترتيب المكانات والمواقع وتفعيل القوة الإقتراحية وإيجاد منهجية لتجاوز الصعوبات والعقبات، وهذا المنظور يرفض الوصاية، مهما كان نوعها، كما يستوجب الاقتناع الفعلي الراسخ أن المصير الجماعي يعتبر موضوعا وشأنا عاما للحوار والتفكير وكذلك للاختلاف الذي يفترض تجاوزه في إطار تعاقدي وبالتالي فإن النموذج يرفض احتكار التشخيص والتحليل والاقتراح ناهيك عن الإقرار وبلورة القرارات وتحديد الاختيارات وتوزيع الأدوار والمسؤوليات ولو باسم مبادئ تاريخية – يقال- أنها تعلو على التاريخ، ولأنها كذلك فإنها تقصي الأغلبية الساحقة من المواطنين من المشاركة الفعلية في تدبير الشأن العام للبلاد وتقرير مصيرها.

كما أن النموذج الموضح أعلاه يفترض كذلك تساويا بين المواطنين، جميع المواطنين، لاسيما فيما يتعلق بشروط التمكن من الانخراط الفعلي في تسلسل المشاركة في التدبير وتقرير المصير، وبذلك بقدر ما تنحصر هذه المساواة أو تغيب بقدر ما يضيق مجال المشاركة والإحساس بها، وبقدر ما تنسف الأحلام الجماعية وتغتال الإنتظارات.

وبذلك ظلت الوصاية هي التي تتحكم في مسار البلاد والعباد، وهي وصاية تم تثبيتها دستوريا من طرف دهاة القانون الدستوري، وبذلك ظل عنصر القرب أو البعد من مركز الوصاية هو الذي يحدد المكانة والموقع وكذلك مدى الاستفادة.

وهذا يؤكد من جديد أهمية الدمقرطة كأحسن آلية ابتدعتها البشر لتسيير الأمور وتدبيرها باعتبار أنها تفترض التساوي بين المواطنين وليس الوصاية عليهم، وباعتبار أن الوصاية في العصر تعتبر نوعا من احتقار المواطن وعدم الاعتراف له بالحق في الترقي ومس بكرامته. في حين أن الواقع الملموس الذي عاشه المغرب على امتداد أكثر من 4 عقود هو واقع الفرض والإلزام وأحيانا القهر وليس واقع المشاركة على أساس تعاقدي.

هذا على المستوى التطور العام الذي عرفته البلاد منذ الاستقلال أما برجوعنا إلى حدث تفجيرات 16 مايو 2003 بالدار البيضاء، فيتبين أن هناك مسؤولية تنظيمات إسلامية متشددة في فهمها للدين تدين الدولة وتكفر المجتمع وتبيح القتل والنهب والفتنة، وأن هناك ارتباط هذه التنظيمات بتنظيمات وتوجيهات وتمويلان خارجية وداخلية مع تعبئة إيديولوجية تعتمد على التجربة الأفغانية وسحقها لقوات الإتحاد السوفيتي، كما يتبين من جهة أخرى أن أغلب المشاركين في الأحداث الدامية بالدار البيضاء ينحدرون من أوساط شعبية مهمشة على جميع المستويات كان من السهل استقطابها وتجييشها.

إن هذا التوصيف يؤدي بنا إلى اعتبار جملة من الإشكاليات، إشكالية العلاقة بالعولمة وبمضامينها وإشكالية التنظيمات الإسلامية وإشكالية فهم الدين والمجتمع والتاريخ وإشكالية التهميش الاجتماعي بجميع مظاهره ومستوياته وإشكالية الانتماء كإشكالية جوهرية من شأنها تحديد التعامل مع مختلف الإشكالات السابقة.

وهذه الإشكالية الأخيرة (إشكالية الانتماء(  ترتبط ارتباطا وثيقا بالاستجابة لرغبات وحاجيات وإرادة المواطنين وببناء الروابط الاجتماعية والثقافية بمضمون المواطنة.

وفي هذا الإطار، فإن الذين قاموا بتفجير أنفسهم يوم الجمعة 16 مايو 2003 بالدار البيضاء كانت لديهم رغبة في قطع الصلة بمجتمعهم المغربي لأجل مجتمع "مغربي" آخر، لذلك فإن السؤال الأساسي الذي طرحته تفجيرات 16 مايو 2003 بالدار البيضاء هو سؤال الانتماء والإحساس بهذا الانتماء وفي واقع الأمر إن هذا السؤال ظل مطروحا على الدوام ومنذ زمن طويل، إلا انه تم تناسيه وعدم الاهتمام به بفعل شارع التطور التاريخي الذي فرض على المغرب بفعل الاختيارات المعتمدة منذ فجر الاستقلال السياسي في منتصف خمسينات القرن الماضي.

فمن المعروف أنه من المفروض أن يكون الوطن يشد إليه، باعتبار أنه تستوطنه رغبات وأحلام وآمال وانتظارات وإرادة المواطنين التي تترجم إلى حقوق وواجبات يقتنع بها الجميع، فهل بهذا المعنى وهذا المنظور أضحى المغاربة يفهمون الوطن والمواطنة والإحساس يهما؟

نلاحظ أن المغرب أضحى بلدا يريد شبابه أن يهجره بأي وسيلة ومهما كان الثمن، هناك كثير من الشباب المغربي يحلمون الآن بتركه على الفور إن توفرت الفرصة، كما أن هناك رؤوس أموال مغربية تهرب إلى الخارج وكفاءات علمية وتقنية تغادر البلاد في واضحة النهار وتحت جناح الليل، وحتى الأطفال القاصرين والنساء الحوامل يسعون إلى الهجرة، وهذا في وقت كثير فيه الحديث عن الديموقراطية ولإقرار دولة الحق والقانون بالمغرب، لكن الواقع المعيش يؤكد بما لا يدع مجالا لأدنى شك انتشار الرشوى بمختلف أنواعها وتلاوينها ومظاهر التسلط والتحكم في المصائر والثروات والاستمرار في الاعتماد على الاقتصاد الريعي مازال يساهم في اتساع نزيف الثروات الوطنية ولا يتراكم أي مجال للتراكم الرأسمالي المجدي ولا للتوزيع المقبول أي مجال يذكر، ويكفي الإطلاع على كمية الشكايات المنشورة على الدوام على صفحات الجرائد اليومية والأسبوعية المغربية الوطنية منها والجهوية والمحلية للتأكد من أن الحق لازال تائها بالمغرب، وهذا ما يؤكده من جهة أخرى تضارب المصالح ومناطق النفوذ الخاصة بالمجموعات النافذة، فكل قطاع وكل جهة وكل صاحب نفوذ أو امتياز يدافع عن حدود الاختصاص وعن مجال السلطة وعن فضاء الاستفادة انطلاقا مما يخصصه ويتصوره وليس انطلاقا من وحدة الدولة كمفهوم موجه للتنمية وللمشاريع التي تخدمها، وهكذا يتضح بجلاء بأن الوطن يعاني من الإختلالات عميقة وتفاوتات مهولة بين الجهات والأقاليم، وبين المدن والقرى وبين الأحياء داخل المدن وبين الفئات الاجتماعية.

وهذا يجرنا إلى الحديث عن الروابط الاجتماعية القائمة بالمغرب وهي في واقع الأمر إلا نتيجة منطقية لخلل بنيوي على مستوى التجهيزات الأساسية الضامنة لشروط الحياة الكريمة ولو في مستواها المقبول.

وهذا بدوره يجرننا إلى التأكيد على ما سبق تسيطره أكثر من مرة في كتابات سابقة أن المغاربة لازالوا في حاجة ملحة إلى تعاقد بخصوص الاختيارات التنموية الملائمة لحاجياتهم وطموحاتهم من أجل التوصل إلى تجسيد انتظارا تهم منذ حصل المغرب على استقلال في منتصف خمسينات القرن الماضي فلا بد من الاختيار من طرف الجميع هو الشرط الذي يجعل الوطن يوطن ويستوطن، ويجعله يولد الروابط الإجتماعية والثقافية كعوامل للإنتماء السياسي والثقافي والإجتماعي والإقتصادي واللغوي، وهذا ما يشكل فعلا جسد وروح الوطن، وبذلك نقول هل يمكن للوطن أن يكون وطنيا إن لم يكن قادرا على توطين أبنائه داخله؟ إنه تساؤل مخيف جدا بالنسبة للمغرب وهو تساؤلا يجرنا إلى إشكالية التطير المؤسساتي.لاسيما وأن هناك إجماع على أن الأحزاب والهيئات السياسية فشلت في تأطير الشباب، وقد تمظهر هذا الفشل الذريع على شكل العزوف عنها، وهذا العزوف كان نتاجا موضوعيا لصيرورة طويلة بدأت بمحاصرة الأحزاب والتنظيمات المعارضة بالمغرب منذ فجر ستينات القرن الماضي، وقد تحملت أجهزة الدولة مسؤولية كبيرة في هذا الشأن. إلا أن هذا لا يعفي الأحزاب السياسية المغربية من نصيب وافر في المسؤولية – لاسيما مسؤولية بناء الانتماء الاجتماعي والثقافي عبر وبواسطة الانتماء الحزبي.
وفي هذا الإطار شكلت المسألة التنظيمية أحد الأسباب البارزة لفشل الأحزاب السياسية المغربية في تأطير الشباب. والمسألة التنظيمية هذه لا تقتصر على الهيكلة وآليات ودواليب العلاقات وإنما تشمل كذلك روح النظرية وفحوى الإيديولوجية التي تدافع عنها تلك الأحزاب وتتبناها. وقد تميزت أغلب الأحزاب السياسية المغربي، إن لم تكن كلها، في هذا الشأن، بالتحجر والجمود.حيث تميزت مسيرتها عموما بالإقرار والتقرير في دوائر السر وفرض الأمر الواقع أو الفرض بالمفاجأة دون اشتراك ومشاركة. وبذلك شعر المناضلون بالأبعاد والتهميش والإهمال وبوطأة وصاية الزعيم باسم المشروعية التاريخية أو الرؤية الثاقبة للقيادة. وهذا ما يفسر الانشقاقات كثيرة متكررة والمتواترة التي عرفتها كل الأحزاب السياسية المغربية بدون استثناء.وبذلك انسدت أبواب المجتمع أمام مبادرات وتفاعل الأحزاب. وهكذا فشلت أحزابنا في تشكيل قدوة اجتماعية وسياسية فاعلة في المجتمع وفي المعيش اليومي، سواء من حيث مصداقية التأثير أو من حيث التأثير الفعلي على مسار اتخاذ القرار.

وبذلك تكون الأحزاب السياسية المغربية قد أخلفت موعدها مع التاريخ أكثر من مرة ولم تستطع اعتماد دمقرطة حياتها الداخلية باعتبارها الطريق الأكثر جدوى وفعالية لبناء الانتماء الحزبي بناء فعليا من خلال وعبر التنشئة على التشخيص والتحليل والنقد والمبادرة والاقتراح والاستعداد الدائم لتحمل تحمل المسؤولية وتنفيذ الاقتراحات والقرارات والالتزام والعمل بها وقبول مراجعتها إن اقتضى ذلك والاقتناع الفعلي والمسؤول بالتراتبية الحزبية المبنية على أساس الكفاءة والنزاهة وليس على أساس الولاء الأعمى والزبونية والمحسوبية والقبلية والعشائرية والوشاية وهكذا ظلت روح الأحزاب السياسية المغربية روحا عتيقة في عمقها رغم ديكورات الخطابات الحداثية والتلويح بالمفاهيم المبتكرة حديثا، كما ظل خطها التنظيمي مجبولا على الوصاية الأبوية، وبذلك أعلنت أحزابنا عن فشلها الذريع – وبامتياز قل نظيره في العالم- عن عدم إمكانياتها الكلية على اعتماد وتطبيق الديموقراطية كنهج ومنهج وتصور داخلها، لذلك وإن ظلت على هذا الحال، فإنها لن تحلم يوما على امتداد حياتها، أن تجعل أكبر عدد من المواطنين ينخرطون في مسلسلها، ولا سبيل لها إلى ذلك حاليا إلا عبر قبول التشبيب، باعتبار أن زعمائها وشيوخها عليهم تقبل بروح رياضية فشلهم وترك مكانهم للخلف، وكذلك عبر قبول اعتماد الدمقرطة الفعلية باعتبارها ضرورة تنظيمية حاليا لتوسيع مجالات التداول والمساهمة والتعدد.

هذا من ناحية الأحزاب السياسية، أما من ناحية الإعلام، فقد ساهمت أحداث 16 مايو 2003 بالدار البيضاء في طرح أكثر من تساؤل حول دور الإعلام في المجتمع، لاسيما في ظل اجتيازه لمرحلة انتقالية، باعتبار أن الإعلام لا يقتصر على نقل الحدث وإنما يساهم كذلك في صناعته ونحت دلالاته وإسقاط خلفياته في ذهن المتلقي.

ففي مساء يوم الجمعة 16 مايو 2003 أدرجت القناة الثانية أسفل الشاشة، وهي ترسل فيها إيرانيات إشارات عاجلة لوقوع انفجارات بالدار البيضاء.
أما القناة الأولى فاكتفت فقط ببث تصريح وزير الداخلية، أما الصحافة لم تشرع في تتبع الأحداث إلا ابتداء من 18 مايو، عبر المواكبة الإخبارية واستكناه ظاهرة الإرهاب وتتبع المحاكمات المارطونية كما أن الدولة وأجهزتها سارت في نفس الاتجاه، خلافا للسابق، ولأول مرة انتظم مثول وكيل الملك في الدار البيضاء أمام الصحافة لبيان وتتبع سير التحقيق، بل حدثت جملة من التسريبات المدروسة لفائدة وسائل الإعلام مختارة بإمدادها دون غيرها بمعلومات دقيقة عن سير التحقيقات مع الواقعين في قبضة أجهزة الأمن.

وفي البداية كان التركيز على الفكرة القائلة أن " الإرهاب ليس صناعة مغربية" وأن هناك أيادي أجنبية وراء ما حدث بالدار البيضاء إلا أنه ابتداء من يوم الاثنين 19 مايو 2003 تبين بجلاء أن كل الانتحاريين مغاربة منحدرين من أحياء مهمشة تتراوح أعمارهم ما بين 19 و23 سنة، وبذلك توضح أن الحدث مغربي وهو راجع في جذوره وخلفياته إلى شروط الواقع المعيش وهكذا برز أن هناك بؤرتين لفكر التطرف بالمغرب وجماعة السلفية الجهادية وجماعة الصراط المستقيم.

وفي 25 مايو 2003 كانت مظاهر الدار البيضاء ضد الإرهاب والتي لا يسمع لأعضاء حزب العدالة والتنمية المشاركة فيها باعتبار أنهم كانوا من الذين تسامحوا مع مروجي أفكار التطرف، كما تم استبعاد هذا الحزب من المشاركة في النقاش بوسائل الإعلام السمعية البصرية بالمغرب.
وفي هذه الفترة عرفت عدة دراسات وتحليلات حول خطر التطرف طريقها إلى النور والنشر عبر مختلف وسائل الإعلام المغربية وأكد الخطاب الملكي ليوم 29 مايو 2003 على التعايش في ظل المشروع الديموقراطي الحداثي الذي لا رجعة فيه.

وبعد ذلك اعتكفت وسائل الإعلام المغربية على مواكبة المحاكمات التي شملت ما يناهز 1050 متابعا من بينهم أكثر من 630 متورطون مباشرة في تفجيرات 16 مايو 2003 بالدار البيضاء إذا عرضت ملفاتهم على عشرين محكمة عبر التراب الوطني " الدار البيضاء، الرباط، فاس، تطوان، آسفي، القنيطرة، تازة، سلا، اليوسفية وغيرها ".

وكل هذا صب في اتجاه واحد لاثاني له، وهو التساؤل بصدد الواقع الفعلي للمجتمع المغربي والظرفية العامة للبلاد، هذا الواقع المتميز بعجز بنيوي حاد عمر أكثر من 4 عقود منذ الاستقلال، وهو عجز مختلف المستويات، لأنه عجز في قدرة المجتمع المغربي وأجهزته وآلياته على تحسين الأوضاع عموما، والاجتماعية منها على وجه الخصوص، ولا أدل على ذلك التصاعد المتزايد للفقر المادي والتقلص الفظيع لقاعدة الفئات الوسطي التي أضحت هي كذلك متضررة من جراء الفقرقراطية.

ولا يخفى على أحد أن الفقر كلما احتد وتحذر في أوصال المجتمع فقد هذا الأخير حصانته إزاء الإجرام والانحراف والتطرف، لاسيما في ظل غياب تأطير مجدي للهيئات السياسية، ومن هنا يبرز أحد العوامل لترعرع التيارات المتطرفة الحركية خلال السنوات الأخيرة، وما هذا في واقع الأمر إلا تعبير من تعابير فشل السياسات العمومية في مختلف الميادين الاقتصادية والاجتماعية وفي التأطير السياسي والإيديولوجي للمجتمع، وهذا الواقع ساهم بشكل كبير في تجمع الشروط وفسخ مجالا واسعا لشيوع وإشاعة أفكار دينية راديكالية في الأوساط المهمشة، وكلها أفكار مؤسسة على اليأس من الإصلاح الاجتماعي والمجتمعي الذي انتظره المغاربة منذ الإعلان عن الاستقلال في منتصف خمسينات القرن الماضي.

ولهذا دعا البعض إلى استئصال أسباب التطرف بالمغرب، بدل الاكتفاء على الحلول الزجرية والعقابية باعتبار أن منفذي تفجيرات 16 مايو 2003 بالدار البيضاء ما هم إلا مجرد نتاج لوضع مأسوي اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا من جراء اختيارات سياسية على امتداد أكثر من 4 عقود.
إن المتتبع للخطاب الرسمي منذ أواخر تسعينات القرن الماضي قد يعتقد أن المغرب يعيش في رخاء ونعيم وذلك بفعل مغالطات الوسائل الرسمية للإعلام وبفعل مكر السياسة وسياسة المكر، لاسيما ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي – كانت دائما تكشف على أرقام ومؤشرات دالة على درجة كبيرة من الخطورة سواء على الصعيد الأمني أو على صعيد مستقبل البلاد.

فكل المؤشرات تؤكد بها لا يدع مجالا لأدنى شك أن المغرب بلد الفقراء،  والفقر بالمغرب هو نتاج، ليس عن انعدام الثروات والثروات المضافة، وإنما ناتج عن سوء التدبير وسخف المؤسسات العمومية والغلو في الاستغلال وانتشار اقتصاد الريع والاستكانة إلى معايير التزلف والولاء والزبونية في تصريف الشأن العام والمرافق العمومية، وكانت النتيجة هي شيوع ظواهر اليأس والإحباط.

وزاد الطين بلة مع استفحال الإشكاليات الاجتماعية الأخرى. ففي ميدان التعليم تمت معاينة التراجع تلو التراجع والتدني تلو التدني، وفي المجال الاقتصادي تم الكشف على هروب الرساميل نتيجة لثقل وتعقيدات الإدارة وعدم فعاليتها واستشراء الرشوة والفساد بين طهرانيها كما تبين بشكل مفضوح – يكاد يكون مخزيا – أن الثروات الضخمة لا تؤدى عنها الضرائب وغض الطرف على الخلط بين الملكية الخاصة وممتلكات الدولة بالنسبة للقائمين على الأمور وأصحاب النفوذ أو المحتلين للمواقع البارزة. وهذا في وقت يعد فيه الدخل الفردي للمواطن بالمغرب أدنى دخل في المغرب العربي، كما أن أكثر من أربعة ملايين من المغاربة يعيشون في فقر مدقع وأكثر من 50% من سكان البلاد يعيشون فقر نسبي دائم ومستديم، ولا يتوفر كل واحد من ثلاثة سكان نشيطين على العمل بالمغرب.

وتزيد الصورة قتامة إذا علمنا أن التغطية الصحية منعدمة وأن سكان البادية متروكون لحالهم ولمصيرهم من جراء الضعف المخزي في التزويد بالماء الشروب والكهرباء والمرافق الصحية والطرق وهذا يجعل كل الميادين ذات أولوية بالمغرب حاليا اعتبار للتأخر المتراكم على امتداد عقود خلت وظفت بالأساس في تخريب البلاد عوض إرساء دعائم التنمية.

هذه هي التربة التي نشأ فيها التطرف بالمغرب، وكانت تربة ملائمة بامتياز، واستكملت الشروط بتهور الولايات المتحدة الأمريكية باعتمادها منطق الانتقام والعقاب كرد فعل على أحداث 11 شتنبر 2001.

فمن المؤكد أن التيار الحركي ذي مرجعية إسلامية بالمغرب يرتكز بشكل خاص على الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفقا لتصور محدد لهذين المبدأين الأساسيين، واعتبارا للهوة بين العقيدة الرسمية للدولة من جهة وبين جملة من الممارسات المجتمعية المخالفة للشرع الإسلامي نصا وروحا والتي تشكل – في رأي البعض – استفزازا يوميا للعديد من المسلمين الملتزمين بتعاليم الشرع.

وإذا كانت الصرامة الأمنية مطلوبة في إطار التلاؤم مع مقتضيات القانون والمكتسبات الحقوقية
إلا أن المقاربة الأمنية لا يمكنها أن تكون كافية بأي وجه من الوجوه، لأن هناك كذلك الأمن الاجتماعي والأمن الثقافي والأمن الاقتصادي، وكلها تعبيرات عن الأمن الحقيقي الرامي لانقاد المغاربة من الفقر وذل البطالة، وهذا علاوة على الأمن الأخلاقي والأمن السياسي والمؤسساتي، ولعلها من أهم الجوانب الأمنية اعتبارا لحساسيتها ويعتبر البعض أنه لامناص من إعادة النظر في المقتضيات الدستورية بشكل يكفل عقلنة الاختصاصات مسؤوليات الأجهزة ويضمن توازنا أكبر بين السلط الدستورية ويقوي الطابع البرلماني للنظام ويجعل الحكومة مسؤولة فعليا عن تدبير وتسيير الشأن العام، وذلك لتدعيم مختلف جوانب الأمن المذكورة سالفا.

ومهما يكن من أمر، قد يكون للتصرف الإرهابي منطلقات عديدة ومتعددة، منها السياسية والدينية والإيديولوجية والظرفية، إلا أن له تداعيات اقتصادية سواء من حيث التمويل أو استهداف بنيات تحتية، علاوة على أن التصرف الإرهابي له كلفة اقتصادية ومالية وكذلك نفسية وهذا ما أدى إلى بروز ما يدعى الآن باقتصاد الإرهاب، وهو علم في طور التكوين يسعى بالأساس الآن إلى رصد قنوات تمويل الأعمال الإرهابية وتبعاتها المالية وقد شكلت أحداث 11شتنبر 2001 بالولايات المتحدة الأمريكية مرحلة كشفت بجلاء عن حجم المخاطر المهددة للسلم والأمن العالميين. فبمجرد ذيوع خبر الأحداث بدأت تلوح في الأفق بوادر الركود الاقتصادي، ولم ينتظر الكونغرس الأمريكي ليرخص بنفقات مستعجلة ومن ضمنها الرفع من الميزانية العسكرية والأمنية لتحريك عجلة الاقتصاد الأمريكي من خلال خلق فرص الشغل والرفع من حجم الصفقات العمومية من أجل تعويض تراجع الاستثمارات الخاصة.

وفي نفس الاتجاه، كان البعد الاقتصادي حاضرا بالنسبة لأحداث 16 مايو 2003 بالدار البيضاء وللمخططات الإرهابية التي كان مقررا تنفيذها في مدن مغربية أخرى، علاوة على أن هجمات الدار البيضاء تستجمع مختلف المقومات الاقتصادية للعمل الإرهابي، بدءا من طرق التمويل ومرورا باختيار الأهداف كلفت مدبريها ما يتراوح بين 500 و700 ألف درهم " 50و70 ألف دولار" علما أن منفذي العمليات ينحدرون من أوساط فقيرة ويمارسون أنشطة هامشية، الشيء الذي يدعو أكثر من تساؤل حول قنوات التمويل التي كانت وراءها.

وفي هذا الاتجاه صادق البرلمان على قانون محاربة الإرهاب، وتضمن مقتضيات وأحكام ذات علاقة بتمويل الإرهاب، وذلك لقطع الطريق أمام التنظيمات الإرهابية للإستفاذة من التسهيلات التي توفرها المعاملات المالية والبنكية، كما ألزم هذا القانون الأبناك بالتصريح بالأموال المشتبه في ارتباطها بالإرهاب.

وهكذا يبدو البعد الاقتصادي لهجمات 16 مايو 2003 بالدار البيضاء سواء اعتبارا لما هو مرتبط بالعمليات نفسها أو بانعكاساتها أو بمجال التصدي إليها. 



#إدريس_ولد_القابلة (هاشتاغ)       Driss_Ould_El_Kabla#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -الإهانة في زمن الميغا- أمبريالية- للمهدي المنجرة في طبعتها ...
- لا يمكن الاستمرار على هذا الحال
- التعامل مع الفساد بالمغرب
- اغتصاب الأطفال
- الأحزاب المغربية والغباء السياسي
- حول كتاب ترجمة معاني القرآن للأمازيغية
- الحقل السمعي البصري بالمغرب السياق والمآل
- المخدرات: زراعة القنب الهندي بالمغرب
- حوار الحضارات يستلزم رؤية واضحة المقاصد
- الكشف عن الحقيقة ، كل الحقيقة ، لاشيء إلا الحقيقة هو مطلب ال ...
- آليات الفساد مازالت حاضرة بالمغرب
- الشرخ الرقمي بين دول الشمال ودول الجنوب
- أوراش 2004 بالمغرب
- السياسة الأمنية الجديدة بالمغرب
- القطاع السمعي البصري بالمغرب وتحديات المستقبل
- جماعة العدل والإحسان قوة اقتراحية بامتياز
- الإصلاح الجامعي بالمغرب
- الفراغ الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي هو سبب مشاكلنا ...
- الشباب والسياسة بالمغرب
- الاستثمار الإشهاري بالمغرب من الكولسة إلى الشفافية


المزيد.....




- -حماس- تعلن تلقيها رد إسرائيل على مقترح لوقف إطلاق النار .. ...
- اعتصامات الطلاب في جامعة جورج واشنطن
- مقتل 4 يمنيين في هجوم بمسيرة على حقل للغاز بكردستان العراق
- 4 قتلى يمنيين بقصف على حقل للغاز بكردستان العراق
- سنتكوم: الحوثيون أطلقوا صواريخ باليستية على سفينتين بالبحر ا ...
- ما هي نسبة الحرب والتسوية بين إسرائيل وحزب الله؟
- السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية تسوق للحج التجاري با ...
- اسبانيا تعلن إرسال صواريخ باتريوت إلى كييف ومركبات مدرعة ودب ...
- السعودية.. إغلاق مطعم شهير في الرياض بعد تسمم 15 شخصا (فيديو ...
- حادث جديد يضرب طائرة من طراز -بوينغ- أثناء تحليقها في السماء ...


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - إدريس ولد القابلة - تداعيات الإرهاب بالمغرب - قراءة متعددة الزوايا -