أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صائب خليل - الجوع والطعام الفاسد والأنف المتحيز















المزيد.....

الجوع والطعام الفاسد والأنف المتحيز


صائب خليل

الحوار المتمدن-العدد: 2418 - 2008 / 9 / 28 - 09:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كان العراقيون يتألمون وهم يرون العرب، وبخاصة الفلسطينيين، يقدسون جلادهم، جلاد العراقيين، خاصة بعد سقوطه، هذا الحال كان دافعي لكتابة مقالتي: "نسركم يقتات على الجيف ايها السادة!"(1).

يقولون إن "الجوع كافر"، فهو يجعل الإنسان مستعداً لإرتكاب كل المعاصي لإشباعه. ولعل الجوع إلى "الرمز" ليس أقل كفراً من جوع المعدة، فهو الآخر يجعل الإنسان مستعداً لإغتيال الكثير من الحقائق لإشباعه، ولا أحد ينكر أن الوضع المأساوي الطويل الذي تسبب به الإحتلال للفلسطينيين جعلهم يتضورون جوعاً إلى بطل ما يعطي أملاً.

الجوع إلى "البطل الذي يملك حلاً" قد يبلغ حداً في الإنسان يمكن له فيه أن يفقده عينيه وأذنيه ومنطقه وذاكرته إن تجرأت أي منها على محاولة سلبه هذا "البطل"، وسيهاجمها بشراسة الأسد الجائع أمام من يحاول أخذ طعامه منه. أن الشقوق التي احدثها زلزال زيارة مثال لإسرائيل ترينا أن الكثير العراقيين لم ينجوا من هذا الجوع بعد عشرات السنين من اليأس من حل، حتى بعد أن اعطيت الفرصة لـ "الديمقراطية". من له بعد ذلك أن يقنع المحتضر جوعاً أن اللحمة التي أمامه فاسدة؟

تخيلوا صفين من الناس: صف عراقي وصف فلسطيني ينظر كل منهما إلى الآخر باستغراب. نظر العراقيون إلى الفلسطينيين والعرب المعجبين بجلادهم (جلاد العراقيين) بألم ودهشة خليطة بالأسف والغضب من هذا "البشر الذي لاتنفع بإقناعهم ملايين الأدلة" وكل منها بحجم الجبل. تساءلوا: هل أصيب الفلسطينيون بالعمى؟
واليوم يقف الفلسطينيون في الصف المقابل، ينظرون وقد عقدت السنتهم الدهشة والذهول والإشمئزاز، إلى هؤلاء العراقيين المعجبين بهذا الذي ذهب ليصافح الوحوش التي ارتكبت بحقهم أخس الجرائم، والتي لاترى غيضاً من إعلان عنصريتها واحتقارها للعرب، ولا اطماعهم حتى في العراق. ذهب دون أن يكون مضطراً لذلك، فلا أرض مغتصبة له يحاول بمجاراتهم تخليصها ولا طائرات تقلع من تل أبيب يحاول بزيارته وقف هدمها للبيوت فوق رؤوس أطفاله، فما الذي يجبره على هذا؟

ولولا دخول صدام إلى الكويت لكان لدينا الآن صف ثالث من الكويتيين. فقبل احتلاله للكويت، كان شعراء وشاعرات ذلك البلد يتغنون به وكان الكويتيون يتابعونه بحب على شاشات تلفزيوناتهم. كانوا هم أيضاً يلتهمون تلك "البطولات" بتلذذ حتى اقتربت منهم كثيراً فأصابهم الهلع من رائحتها وجفلوا مبتعدين! لقد كانت الحقيقة أمامهم منذ زمن طويل لكن لم يكن مستعداً للترحيب بها مادامت ستعرقل التلذذ بتلك البطولة، وكان تلذذهم يصب الملح فوق جراح العراقيين.

ويقيناً لو أن الفلسطينيين أتاح لهم حظهم الإقتراب من "نسرهم" بما فيه الكفاية ليشموا رائحته كما فعل الكويتيون فيما بعد، لما كان حالهم بأفضل من حال هؤلاء. لقد كانت الحقيقة متوفرة لهم ومازالت، لمن يريد أن يعرفها: ألا يكفي ما يقوله العراقيون عنه؟ وإذا كان العراقيون كرهوا صدام لاسباب "سياسية"، فعاملهم صدام بالمثل وأكثر، كما يحلو للبعض أن يقول، فما قولهم بما جرى للكويتيين الذين كانوا يحبونه حباً جماً؟

إنها حماقة ونفاق وتهرب مخجل من الحقيقة، أليس كذلك يا أبناء وطني العراقيين؟ والآن السؤال لكم، او لبعضكم: ألا يكفي ما حدث ويحدث أمامكم للفلسطينيين لتعلموا من هي إسرائيل التي تتحمسون لصداقتها؟ اليست هذه "حماقة ونفاق وتهرب مخجل من الحقيقة" أيضاً؟ لو رأينا شخصاً يغتصب فتاة بعنف، هل نذهب اليه ونعرض صداقتنا، ببـ "براغماتية"؟ أم نبتعد عنه حتى إن لم تكن الفتاة تهمنا؟ هل الإبتعاد عن المغتصبين دفاع عن الفتاة أم عن أنفسنا؟

كل صف ينظر إلى الآخر مندهشاً!: كل يلتهم لحمته الفاسدة متلذذاً وهو يعجب من الآخر: كيف لايشم رائحة لحمته التي تملأ جيفتها المكان! العديدين أشاروا في تأييدهم لمثال إلى أن الفلسطينيين يعتبرون صدام بطلاً، فقالوا: المثل بالمثل، وكأن لسان حالهم يقول، مادمت أنت تأكل ما هو متعفن فلماذا تحرمني حقي من أن آكل طعامي العفن أنا أيضاً؟ هكذا صار التهام العفن حقاً يدافع عنه!

اعطى القدر العراقيين من جماعة مثال – إسرائيل الذين احتجوا بأشد ما يمكن على البرلمان العراقي "المجرم الطائفي العميل لإيران والمتخلف الذي ليس له ذرة من الديمقراطية" لأنه نزع الحصانة من مثال إثر زيارته لدولة عدوة، وحرمانه من حقه بالتصرف "كما يريد" وأنها "حريته الشخصية"، أعطاهم القدر أداة ممتازة لمقارنة مواقفهم وقياس أمانتها وموضوعيتها. الأداة هي حادثة مطابقة لها حين إسرائيل "جوهرة الديمقراطية في الشرق الأوسط" على نزع حصانة عزمي بشارة إثر زيارته لسوريا، فكيف يكون البرلمان متخلفاً لايعرف الديمقراطية لأنه قام بنفس العمل الذي قامت به جوهرة الديمقراطية؟ عزمي بشارة قال أن زيارته لسوريا كانت لرؤية أهل وأقارب، أي أنها زيارة شخصية وليست سياسية، فما يمكن لمثال أن يقول؟

ولم يبخل القدر بأداة مماثلة للفلسطينيين أيضاً، حيث تدور هذه الأيام رحى معركة إعلامية تشنها فتح للتشهير بحماس. وضمن هذه الحملة الواسعة نشر الفتحاويون افلام فيديو تمثل حسب قولهم اعضاء من حماس يلقون بفلسطينيين من فوق بناء ما إلى الأرض. ودعمت هذه الأفلام بسلسلة مقابلات لشخصيات فتحاوية علقت على الأفلام بأشد التعليقات نقداً. قال "محمود الهباش": أئتوني بأي مستند ...شرعي، ديني، أخلاقي، إنساني..يمكن أن يجيز مثل هذه التصرفات" ويمكن أن يجيز مثل هذه الجرائم" وتحدث بحماس عن الإسلام والقرآن والسنة التي يستند إليها.

لكن المشكلة هي أنه قد تبين أن هذه الأفلام مزورة ومفضوحة. فالسلطة الفلسطينية لم تكلف نفسها حتى بتزوير أفلام خصوصية لها وما أسهل ذلك، وإنما استسهلوا لحماقة مدهشة أخذ أفلام من تعذيب الأمن الصدامي للعراقيين السجناء بعد الإنتفاضة كانت (CNN) قد بثتها سابقاً، وبالطبع كان سهلاً جداً اكتشاف الفضيحة. (2)
لكن سؤالي ليس حول فضيحة السلطة، فلديها ما يكفي من الفضائح ويزيد، إنما سؤالي: الآن وقد عرف الفلسطينيون أن من كان يعذب السجناء ويلقي بهم من فوق بناية من ثلاث طوابق لينزل بهم أشد الأذى الممكن دون أن يموتوا، كان نظام نسرهم صدام، فهل مازالت هذه جرائم، أم سيكتشف الهباش "مستند...شرعي، ديني، أخلاقي، إنساني.... يجيز مثل هذه التصرفات" ؟

هذه هي حال ملتهمي "البطولات العفنة"، سواء كانوا من الفلسطينيين المؤيدين لصدام أو من الكويتيين أو العراقيين المتحمسين لمثال وإسرائيل: تناقض مبدأي وصدمات وإحراجات متتالية، لا يملكون أمامها دفاعاً سوى الإكتفاء بالشعارات والصراخ العالي وادعاءات تنفيها جبال من الحقائق.
إلا أن أكثر ما يثير الأسى عليهم أنهم رغم تشابه مواقفهم المبدئية وتطابق حوافزهم ومفاهيمهم فأنهم لايدركون ذلك، بل ينتقد أحدهم الآخر بشدة ويحتقره ويبقى مستغرباً مندهشا من حماقته وامتناعه عن شم رائحة طعامه النتنة التي تملأ الهواء!

من الواضح أن الإنسان لايشم عفن طعامه بنفس الكفاءة التي يشم بها عفن طعام غيره، وكلما كان جائعاً أكثر تاه القياس عن أنفه اكثر. لاحيلة للإنسان في أن يغير أنفه، لكن لعله من المفيد أن يعرف نواقصه، ويعرف أية ورطة يمكن أن تضعه فيها تلك النواقص، أن هو لم ينتبه لنفسه!


هوامش:
(1) نسركم يقتات على الجيف ايها السادة!
http://www.doroob.com/?p=6843

(2) فيديو كشف فضائية الاقصى لزيف أفلام تلفزيون فلسطين
http://www.youtube.com/watch?v=NZP6JHrG_fQ



#صائب_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نعم...مثال كان شجاعاً...والآن؟
- خطر المعاهدة القصيرة وفرصة الإفلات من فم الأسد
- تحليل المجتمع من أجل تمزيق مقاومته– تجارب يفصلها نصف قرن
- زيباري قال بوضوح -لن تروها- فماذا ينتظر المترددون من المعاهد ...
- مثال الآلوسي مقابل جنديين إسرائيليين: مقارنة إنسانية
- الشفافية كما يفهمها وزيرنا زيباري
- عندما لايتسع الوطن للقواعد والناس معاً
- أيهما الأقوى يا سعدون، النمر أم الإنسان؟ وهل ثمة أمل لأمثال ...
- كامل شياع لايريدكم أن تلعنوا -قوى الظلام-، هناك شيء آخر
- سيشيل – قصة صراع دولة صغيرة مع القواعد الأمريكية
- المعاهدة وليد سري غير شرعي يحمل الألغام لبلاده والعار لوالدي ...
- الأستاذ شاكر النابلسي ونظرية الحسد في تفسير التأريخ
- ايها الكرد نشكو لكم قادتكم
- أسبابي الأربعون لرفض المعاهدة
- مراجعة خفيفة لما جرى من أحداث ثقيلة حول كركوك
- لنتعلم الحكمة من الذين وقعوا معاهدات قبلنا
- بضعة أسئلة إلى الداعين الى عقد -معاهدة جيدة- مع أميركا
- الفريسة القاتلة
- مدرسة الأمريكتين – قصة معمل لتفريخ الدكتاتوريات والسفاحين
- أربعون سبباً لمعارضتي المعاهدة الأمريكية 1 – ألأسباب العامة


المزيد.....




- ?? مباشر: عملية رفح العسكرية تلوح في الأفق والجيش ينتظر الضو ...
- أمريكا: إضفاء الشرعية على المستوطنات الإسرائيلية في الضفة ال ...
- الأردن ينتخب برلمانه الـ20 في سبتمبر.. وبرلماني سابق: الانتخ ...
- مسؤولة أميركية تكشف عن 3 أهداف أساسية في غزة
- تيك توك يتعهد بالطعن على الحظر الأمريكي ويصفه بـ -غير الدستو ...
- ما هو -الدوكسنغ- ؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بالفيديو.. الشرطة الإسرائيلية تنقذ بن غفير من اعتداء جماهيري ...
- قلق دولي من خطر نووي.. روسيا تستخدم -الفيتو- ضد قرار أممي
- 8 طرق مميزة لشحن الهاتف الذكي بسرعة فائقة
- لا ترمها في القمامة.. فوائد -خفية- لقشر البيض


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صائب خليل - الجوع والطعام الفاسد والأنف المتحيز