أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد البالي - وتركتَ يوسف وحيدا...















المزيد.....

وتركتَ يوسف وحيدا...


محمد البالي

الحوار المتمدن-العدد: 2415 - 2008 / 9 / 25 - 04:28
المحور: الادب والفن
    


أُنبئت برحيل درويش فقلت: مثله لا يرحلون، سيعيش محمود بيننا و بين التابعين وتابع التابعين ومن تبعهم بقطعة شعر أو لوعة قلب. لكن في قرارة الفؤاد انتابني خوف من يتم غريب..
في القلب شيء بين الموت و الحياة، اسألوا "الدكتور"المعاتِب الموزع بين ماضي درويش وزمن الهامبوركر. هذا القلب الكلب تضيء ناره بين جوانحي وتحرق ما تبقى لكني أقول: لا لم يمت..
ولما أحسست بحنين إلى حياته كان الصحاب في "تطوان" يعلّقون المساء والليل فوق سحاب مَلفوث، يَعصرون الذكرى كي تلين غُصة في الحلق، والدواء داء أصفر وكميت وماء..
أي محمود: كنا ننتشي كلماتك غير العابرة رفقة من نذروا للغد أحلاما ساخنة، صرنا وجوديين نَبتليك حتى نبتلّ: يمطر"رشيد" دعابة بين مدادك و أيامه، هذا الأنيق سليل التراث غريم الصّدح العربي وإليوت .. يمد "حسن" قلبه إلى الذكريات الحمر،قصب هيكله و تلك صورتها وهذا انتحار العاشق… وبين متعة النشيد ومرارة الفراق ينهمر"الحسن" بين مقاطع أمك، يكبر فيه الطفل على صدرها وصدرنا، يا اَللّــه ،آلله، يفقد الوقوف حتى يصلي، ثم يصلي... ليلة أخرى وتنهمر الشجون ، يلاعبها الرياضي، يداعبها "رشيد" بمواويل حلقه بين دقات الآهات والتواءات الكلام المزجول.
أ محمود، كيف احترفت كلاما لك فيه الحمد حين يهوس "حميد" بفتنة الصور المدمجة كأنها قرص نحل، كأنها الرحيق المنتشر الممتع، السهل الممتنع على الفيزياء، يحضنها بإحساس لغوي رشيق.
أمحمود: كيف سكنتنا ثلاثين عاما وظل "مصطفى"- الوارث لنصك ونصوص من عبروا في تاريخك وتاريخنا الغنائي والشعري- كما عهدته، وكما التقينا ذات مساء شعريٍِ، لا ينبض الكلام في غيبته ولا كلام يعلو في حضرته حين تجن بحبحة حلقه أو حين نجني ثمرات قراءاته الشائكة... وبين ثنايا الحديث وتمنّع النشيد يثور صدر "جعفر"، يتسلق حبال صوته ليعانق المتناسق الهادئ الثائر امتداد قصائدك عبر “خليفتك” و”قعبور”،، يساقي "عبد"ُ؛ قلبُه في أذنه يسترق سمع آياتك،سعيدا بـ "سعيد"حين ينقاد خفيف اللّغْو،على وجهه حزن محتشم وفي صدره وَجْد مضطرم،يؤرق جفن وسادته الخالية..
يا "لطيفُ"، يا لُطف المُكدّر أيام القلعة والزنازين،يحطّ الحمام بصحبتك،وبشقاء وعيك عقلْتَ الجنون المتربّص من فرط انفراط الأحبة والرفاق، يا بَلْسم هل تقدر على هذا الفقد..؟ صديقَ إمام حبيب إمام، أطلق عنان الغناء لتوجع ما تبقّى في القلب على غفلة من حَمْوة..، سلامتك حين تُخْصب الموال وحين تمد للذكرى الحبال، وحين تعاند الجبال، سلامة أمك الطاهرة، سلامة الورد المفتح، وسلامة من يمدك عمرا ويُهديك "أُنسا"
لم يبق سوى أنا وأنت... "يوسف" يمتطي صهوة الأنس، يعتلي حزن أيامك وأيامه، لم يبق لديه ما يعطيه لهذا الوجع المُلبَّد بالابتسام، وما زال لديه ما يعطي لهذا الأنام المكسَّر في المرايا... يوسف في أيام حزنه غير العادي، تشحب في وجهه ابتسامة، يبسم الشحب على سحنته وعيناه غارقتان في بريق شفق خجول... حزن على كمد على غربة ويموت محمود.. هل تقدر؟ لاأكاد أجنّ..أجن..
كيف تعُب كل هذا العلق؟ ألم كالألم أو هو الألم أو أشد،، كيف تصحو الكأس وهذا الأرق؟ كيف الحلق لا يحترق؟ كيف القلب لا ينفلق؟ هو المُشتت بيني وبيني، هو الموزََّع بيني وبينك؛ قلب الحصان أحمر قان يتغذى من دمه الممزوج بالعرق.
أنا يوسف يا أبي، يا أكثر من أخي كم كنتَ وَجدي... وكم تركتني وحيدا.. أما كفاك أنّا ابتُلينا: أنّا هوَينا وأنّا
هَوينا.. أنّا تعبنا وأنّا مشينا.. أنّا شِبنا وأنّا عُدنا..
أما كفاك الوجع المعتق في القراره؟
أما كفاك الموت المولع في العباره؟
أما كفاك ما سُجنا؟
أما كفاك ما شَربنا؟
أما كفاك ما يكفي الخساره؟
فاتركني في وحشتي إن كانت وحشتك أَماره، واترك هذا الحصان هذا البغل تحت العماره

-1-
أنا يوسف يا أبي كم كنتَ وجدي ...أنا يوسف يا أخي كم صرتُ وحدي...
أنا يوسف يا أخي وتركتَني.. وتركتني في هذا الكون، في ساعة قالت غزة لأختها: رُدّي بعض عقلي أعش به.. وسقطت ذراع أخيك بسيف أخيك... لم يكن لك وطن، لم يكن لك منفى، لم يكن لك غير قلب أحياك ليقتلك... لم يكن لك سوى أمك وسميح والناس أجمعين.. كان في كل بيت قلب لمحمود صار في كل قلب بيت لدرويش...
أذْكر، حيث الآن لاتذكر أصدقاءنا الصُّدّح: "أميمة" تداوي عصفورا نبتت بين أصابعه النار؛ "مرســول" الحرية الرافض مجزوء الجليل، و"شيخك" غاب ولم تطلع شمس تُسمى فلسطين،و"عَزّة" في يوم أرضها مَتْبولة القلب، و"نجم" يرفض الموت قبل هذا الأوان... فهل تشهد؟ هل تشهد أم تعلن للذين رحلوا في غسق تاريخنا، للذين أحببناهم ونحبهم أننا ها هنا بائسون...؟
أخبر الموت أننا أموات لما طوينا بيان الانتفاضة ونثرنا بلاغات الإخوة الأعداء، مدادها من دم الطريد والشهيد والوليد..
قل للمَنيّة، إنهم أحياء محنّطون ما زالوا يعبدون كراس خشبية أو معدنية.. إنهم وأبناءهم يعبدون الأصنام والإسمنت والورق المزركش.. إنهم ها هنا قاعدون بائدون صامدون..
قل لمَثواك، إن شعبك العربي يُجَوّد في الزحام ويَنمّ في المساجد...مقرف في الأفراح مسرف في الأتراح ..إنه، إنهم وآلهتهم وما يعبدون حَمّالو أوجه تحسبهم أيقاظا وهم رقود.. قليلٌ في النعيم وكثيرٌ في الجحيم.. فقراء وسعداء، تعساء وأمراء، وأين الملوك ذوو تيجان؟ رؤساء وزعماء ، عرب وطاعوا رومهم، عرب وباعوا روحهم، عرب وضاعوا...
كِلْني لِهَمّ، ذَرْني والفلاة.. صحارى من نفط ومن قحط ومن سراب ومن ظلام.. وهذه المدن رمال سياراتها بعير وشوارعها إسطبل لمعبوداتنا الحديثة...
وتركتني وحيدا، لاتقل لي هي الغربة تزوجتْ غريبا، فبداخلي اغتراب وشوق مذبوح... أشبّهك بِحالي لكن اغترابي فوق اغترابك.. أنا اليوم أزحف في انكسار، أنا اليوم بين الموت والموت ميْت، وأنا الحصان وأنا السرج وأنا اللجام وأنا... وأنا الوهم...
أنا الغائب مع غروب الشمس وفراق الطير.. أنا الوحيد في وحشتي ، أنا الوحيد في وحدتي والوحيد في عشرتي... طار العشّ حيث القمح مُرّ والماء مالح.. أنا المُوزَّع بين الذات والذوات.. أنا الواحد في تعدد الصفات.. أنا الحالُّ في الترحال وأنا المهاجر في الأحوال... قد أخسر الذكرى، قد أفقد البشرى.. لكني ثابت في اللاءات...
أنت المحمود وأنا الدرويش، عشتَ بالقلب متَّ بالقلب خلدت في القلوب.. وأنا ناتئ الصخر وليت لي قلبا كالصخر.. كم كنتَ وحدك يا ابن عمري وكم توحد حولك العاشقون والحالمون.. وكم كنتُ في الوحدة وحدي، وكم صرتُ وحدي،وكم..
أنت لاتذكر التفاصيل، لكني أذكرك في الزنزانة، في المجامع، في الخلوة، في الضوضاء، في السرو العلن كنا نعلنها ثورة تمحو عار الوطن قبل أن يضيع العمر والوطن هدرا.
كيف رافقتنا ورافقناك ثلاثين حَوْلا لم نسأم..؟ ثلاثين حولا تُلَقح الكلمات.. ونحتمي بالكلمات، تقفز الذكريات،، تتلون الساحات،، تتبدل الغايات،، ومازال في القلب متسع للأمل القاسي وللألم الآسي..
يا ابن أجمل الأمهات التي انتظرَتْك طويلا، يا ابن أنبل الأمهات التي ودعتك عليلا، يا ابن امرأة لم تقلع الدموع من جذورها ودثرت بالخلود الغياب.. يا غصن زيتون بأرض تمزج دمعا بدم وينام البرتقال حزينا تحت قمر لبنان يغني في زرقة الفجر مقاما لتفّاحة البحر... فهل تطيق وداعا أيها الرجــــــل ؟ ! ..
أنا لا أبكيك، لا تسعفني عَبْرة وفي القلب جمرات.. أنا لا أرثيك، كيف يَحيا بُعدك الشعراء؟ أنا أشتهيك قريبا مني بعيدا عن "البال" تتلو زعْترك على الأحياء إن عاشوا في مؤتمراتهم أو ماتوا..
أنا لن أودّعك، لن أودّع قلبي…
أنا لن أودعك، لن أودعك قلبي...
• اعتذار: كدت أوهَم بغرابة موتك حتى أيقظني أخ لك – لم تلده أمك – أن الغرابة في وضعنا هي الحياة.



#محمد_البالي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد البالي - وتركتَ يوسف وحيدا...