أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - ما الشعر















المزيد.....

ما الشعر


تحسين كرمياني

الحوار المتمدن-العدد: 2361 - 2008 / 8 / 2 - 06:47
المحور: الادب والفن
    


[ للشعر وظيفة التعليم ،كما أن له وظيفة إدخال السرور إلى النفس ] ( هو راس ).. لا أحد يشك بشاعرية (بوشكين) ومع ذلك يصرخ (مايكوفسكي) /اقذفوا ببوشكين إلى البحر / كان ذلك العام (1912 )،انتظر الأخير (12 ) عاماً قبل أن يطلق جوابه (قصيدة مرح ) (يألّه أستاذاً يتحدى القرون)..
ما الشعر ..؟؟
قد لا نجد جواباً شافياً،طالما يذهب( جاكوب كرج)في كراسته الممتعة (مقدمة في الشعر )* / الشعر يحتفظ دائماً بموقع مركزي في الثقافة الإنسانية/أنه جنس ساحر مغرىٍ،يشكل العمود الفقري لتمفصلات علم الجمال،إلى حد ما يشبه بنيان مرصوص ،مواده كلمات تحمل بين طيّاتها دلالات ،غايته ليس فقط المتعة والفائدة فحسب ،بل قراءة فلسفية تحريضية لماهيّة الأشياء، ما الذي يقيه من عث الزمن ..؟ لابد من معايير خالقة تهندس براعته وتسربله بالبهاء الساطع ليغدو فيما بعد عمارة كلماتية صامدة تقيم نغماتها ذاتياً وتساير بعناد شرس الأزمان اللاهثة ،الشعر أبن الواقع ورئة الوجود، الموسيقى الماثلة المتغلغلة المتناغمة مع الروح ،فالأقوام النائية عن ركب المدينية تتمسك بالشعر العفوي المستحلب من روتينيات حيواتهم كونه يشكل الحبل السرّي السامي والمحراب التطهيري والشفرة السرّية مع القوى الغيبية أوان الكوارث،وهو كما شاع عند الأقوام البدائية ،أيسر المسالك لتهذيب وتنشئة الأجيال ،كونه يمنح الكائن البشري زخماً معنوياً وثقافة حصينة في مبارزاته الحياتية ،ولكي تستقيم العلاقة وتتمركز في صلب الجمال ،لابد من تعامل حساس ورغبة حافلة بالحرص إذا ما رغب من تؤهله الظروف سفيراً للنطق أو حامل مشعل الكلام أن يدوّن ما تمليه عليه (ربة الإلهام ) مع تحفظنا الشديد على هذا المصطلح المستورد،فالدارسون يدركون جيداً أن أدنى شائبة يحقق (اللحن) وبالتالي يزيح المنظومة إلى خانة الكلمات العابرة ،هذا ما يدفعنا إلى ما قاله السلف / الشعر هو الرسم بالكلمات / وهذا ما أكده (أبو لينير) أيضاً / القصيدة والتشكيل متشابهان ،إن لم يكونا وجهين لعملة واحدة / ، يذهب (كرج) / الشعر استعمال فني وغير اعتيادي للغة / من خلال قراءة عمودية وأفقية لجنس الشعر نكتشف أنه كلام مؤثث أنزاح صوب الموسيقى كي يؤسس أو ينفرد بكيانه الخاص ليغدو من العلامات المؤسسة للوجود ويتعالى على لغة التخاطب ويسايرها في ذات الوقت دون أن يتقاطع أو يتدافع معها، وهو من أستبقى اللغة متفجرة حيوية بليغة متشظية متوالدة ،ومهما تعاقبت من تيارات ومدارس اشتغلت على تبديل ثوب الشعر اكتشفت أنها تمزق الثوب البهي وتعيد ذات الخيوط من جديد وعبر مغازل تدور حول رحم مقدس ،أنهم رسموا لوحات ودسوا أفكاراً وأتوا بمسميات ليست من قواميس الوجدان ،وظلّ الشعر القويم القديم يلامس القلب ويطربه ،يدغدغ العقل ويسكره ،أمّا ما جاء على أيدي التجريبيين وأصحاب النزعات التدميرية ،أبنية تتصدع أمام زحف الزمن ،خالية من الإضاءات والنسمات الشفافة ،ومهما استخدمت من وسائل حديثة وتكثيف في استعمال مؤثرات بصرية لتحفيز العقل أو جذبه ،نجد أن ما يسمى تجنياً (شعر) لا يلج (مخ) ولا يحقق في الذاكرة الجمعية قلامة ظفر اهتمام ، أن أهم مفصل لم ينتبه إليه أهل التحديث ،هو استخدامهم معاول البصر لا معاول البصيرة في حفرياتهم ،وكانوا مثل من يروم هدم الأهرامات التي صمدت بوجه أعاصير الأزمنة بغية بناءها من جديد ،متناسين أن العجائب الزمنية لا تتكرر وأن المطر بيته الشتاء وأن جاء في غير أوانه لا طعم أو خير فيه،لست أعني الكل طبعاً ، نخبة غير مؤهلة أو لا تمتلك المؤهلات الواجبة لقيادة هذا الألم الإنساني العذب ،فكتابة القصيدة عند (إبسن) /أشبه بإقامة جلسات تعذيب الروح/ يقول ( باونيس آلان) في كتابه الممتع ـ الفن الأوربي الحديث ـ / ما من إنسان بقادر على قرض الشعر الجميل إن لم يكن الإله قد أمسك به / فالشعر لغة الوجدان قبل أن يترجل إلى فضاءات الحياة ويحايث البشر في رحلته ،كان وما يزال لغة التنابز والتحدي والتعبير الأسمى عن مكنونات الذات ،به يسكت الرضيع في مهده وبه تحلق العاشقة في دنيا آمالها وبه تنفلق رؤوس الملوك وتتسع أطماعهم ،وليس من غريب القول أن الشاعر يدنو من مراتب الألوهية كونه فيلسوف له حق التنبؤ طالما مسك بمشعل اللغة وحمل حقيبة الآلام على كاهله ،هكذا وصلتنا التراجيديات والينابيع الفكرية عبر الملاحم والسيّر والمدونات من بشر كانت الكهوف مآويهم والذاكرة أراشيفهم ،ومن لم يستشرف المساحات الضوئية لحدود الأشياء ليس بوسعه الإتيان بشيء ،وربما أنبل ما وجده ( بودلير )يوم وصف الشاعر / يقف على سقف العالم / لقد كان الشاعر لسان حال قومه ،الناطق اللساني عنهم ،التاريخ الشفّاهي للقبيلة في سوح الحياة ،في معاركهم ومنابزاتهم ،حتى غدا الشاعر مصدر قلق للملوك وغراب الشؤم لتعريتهم طالما هم / مشعلو الحرائق في هشيم اللغة / على حد زعم (سارتر) ،الأمر الذي دفع أحد المفكرين أن يقول /الشعراء إناث قومهم / وليس هذا ببعيد من قول الباري عز وجل / يقولون ما لا يفعلون / ظلّ الشعر حاضنة للتنبؤات لذلك هاجم الأولون من أسانيد البلاغة الأنبياء والرسل ،واصمينهم (شعراء مجانين)،لأن الأعراف تشير أن المجنون لا يؤخذ على خروقاته وتصرفاته،والمجنون كما هو مألوف يأتي بلطائف وطرائف تسحر العيون والعقول ،ولا يختلف شاعر الماضي عن شاعر اليوم ،هذا بالنسبة في عيون الحكام ،وظلّ الشاعر اللعنة المرفرفة في كل مكان ،وظلّ الطريدة الواقفة على حافة قلقة ،أن يزل أو يصلب إن لم تحالفه الحظوظ وتختاره المنافي صقراً جريحاً ،يرى (هرمان هسة)أن الشاعر / هو ذلك الكائن الذي يسمحون له أن ينمو في داخلك ولكن لا يدعونك أن تكونه/ أمّا (أبو لينير) يجد أن / الشعراء ليسوا أناس الجمال وحسب،بل هم أناس الحقيقة إلى ذلك الحد الذي تسمح لهم بالتغلغل في عوالم المجهول / ومهما تبدلت الأقنعة وتغيرت سبل المعيشة لا يتنازل الشعر عن ثوبه التعليمي والتحريضي وضخ التنوير الجمالي وحكمته البليغة في تفسير الأشياء ،فهل من الممكن أن ننظم جحافل الأرق ومواجيد إنكساراتنا تحت إجناسية الشعر ،وهل من الجائز أن نغفل / قيمة الشعر لا تكون في الكلمة نفسها بل بالطريقة التي تستخدم فيها هذه الكلمة /كما يذهب (كرج) فالشاعر كما يقول (أبو لينير) / هو من يبتكر فرصاً للفرح جديدة حتى لو كان تحملها عذاباً / وعليه / أن يضع نصب عينيه تجنب الكلمات التي تحمل مغزى غير مناسب / استجابة لتعاليم( كرج) أيضاً،أن من يكتب أو يمارس الكتابة الشعرية ،لابد أن يضع نصب عينية السؤال ..ما الشعر ..؟ قبل أن يسمح لقلمه أن يجرفه تقيح الواقع ،وليس من الأنصاف تحويل قطار الموهبة من سكة إلى أخرى ،فالشعر الموزون ما زال لا يتزحزح طالما الحياة كر وفر ،ما الذي يجري الآن في سوح الشعرية ..؟ هل باتت المسميات الجديدة هي صحوة أم أنها دليل إفلاس وفقر المواهب وضحالة الثقافة المعرفية ،أم وراء ذلك نزعات تريد تدمير البنى التحتية للتراث ..؟؟ ثمة من يحاول إدخال الشعر إلى ورش بغية خياطة أسمال لستر عورات وقباحة أصحاب السيادة ،هؤلاء تنطبق عليهم مقولة أعرابي يوم سأل عن /اختلاف الحب عمّا كان/ أجاب بحصافة فلسفي / لقد كان الحب في القلب فأنتقل إلى المعدة/ والشعر لم يسلم من مقصلة الاستجداء وبالتالي حصلت ثغرات أدت إلى ولوج أرهاط كان همهم الارتزاق ولو على حساب الذات ،ومن العلامات الحاسمة لكسب الهوية الشعرية (الصورة) فأي نص لا يعبر السيطرة الذهنية ما لم تكتمل صورته ،وحسناً عبّروا التصويريين الروس / الصورة ..النفثالين الذي يحفظ من عث الزمن / يرى (أبو لينير) أن الشعر له ثلاثة بوابات / بوابة التقليد والمحاكاة ـ بوابة السخرية ـ بوابة العويل والمناحة / أمّا (جاكوب كرج) ينظر إلى الشعر باعتباره ثلاث أفكار / فكرة أن الشعر استعمال فني وغير اعتيادي للغة ـ فكرة أن الشعر طريقة متقن من الكلام يمكن طرحها نثراً وبوضوح ـ فكرة أن الشعر كثيراً ما يعّبر عن عواطف مؤثرة ومبالغ فيها / أن كل هذه البوابات والتصنيفات ما هي إلاّ إفرازات تمخضت من تناثر الشعر العربي وعبر عصوره المزدهرة ،لم كل هذا الهدر في الطاقات ..؟ وهل ينبغي أن نحتفل في هذا العصر المتشظي بأننا حولنا الخواطر من أفقية إلى عمودية ..!!الزمن ما يزال يشكل المسرح الأمين ولا مكان للمصابيح العاطلة ،/ المبدأ الأساس للإبداع هو البقاء للأصلح / هكذا يصرخ (كولن ولسون) ،حتى من لم يتعلم القراءة والكتابة يدرك بفطرته أن السراب ماء في الأفق يغري العطشان إلى ما لا نهاية ،لا يجب أن يخطأ شاعر اليوم طالما أتته الأشياء مشذّبة ومهذّبة ،أتته عصارة الحقائق وفرشت الحياة كنوزها أمامه ،ناس سهروا وقدموا تضحياتهم من أجل إنارة الطريق أمام الأجيال اللاحقة ،إذ ليس من الجائز نبذ جهودهم والبدء من جديد ،يوم سأل (أديسون) عن سبب صرفه أموال طائلة وهدره للوقت وهو يكتشف (عشرة آلاف) عملية فاشلة ،قال لهم /أن على الأجيال اللاحقة أن تتجنب هذه العمليات وبالتالي وفرت لهم الوقت والمال / لم لم يستفد الشاعر من إخفاقات السابقين ولم يلهث لرص الخاطرة تلو الخاطرة..؟؟أن الشعر العربي أهّل ـ فراهيدياً ـ واحداً لحمل رسالته وـ سيّاباً ـ مسانداً ومن يروم وصل الشعر عليه أن يقتدي بهما ،ومن يجد أن فوضى الحياة تقترح موازنات متناسقة وسبل تعبير مراوغة ،لا يأتي بشيء ،أنه يدفع الحياة خطوة نحو الانفجار، / كلما تعمقت فوضى الحياة ،كلما ازدادت الحاجة إلى قول الصدق بكلمات منتقاة بحذر شديد / هذا الكلام للشاعر (رفائيل ألبرتي) ،ليس وحده الشاعر يتحمل مسؤولية التدهور الحاصل ،لا بد من يقوم بالتعضيد وتمهيد المسالك ،فتمر قوافل الكلمات إلى سلة النسيان ،ويبقى الشعر مهما حصل ويحصل يتوهج من مكان مكين أمين ،يعرف أين مستقره ومقامه ،خلفاء يتعاقبون لحمل الأمانة ،وغالباً ما نجدهم صفوة متواضعة نهت النفس عن بيع ماء الوجه رغم قسوة الضغوطات الحياتية ،هل يجدر بنا أن نصف قصيدة اليوم بأنها (لا وجدانية) كونها وليدة عملية قيصرية للغة من منطلق ( الشعر هندسة كلمات)كما يقول أحدهم ،وشعر اليوم مؤهل كونه لا يبالي بمقص الرقيب ليقص ما لا يتناسب أو ينسجم مع المساحة التصميمية للصفحة الثقافية ،طالما النص بلا صورة ولن يحصل أي تشويه إن تم إزاحة شطور منه،فالشعر الواضح،أصيل النغم ،متناسق الإيقاع،عربي الحسب والنسب ،فراهيدي ، سيّابي ، خرج من معطف المعلقات،لا يمكن تمرير ذرة لحن فيه ،والشعر (عروس) مهرها غالي ،ومن يجد مؤهلاته لا تسمح بتجهيز جهاز العرس عليه أن يرجأ مشروعه لوقت مناسب قبل أن تبتلعه مراكب الموجات البائسة ..!!
* * *
** مقدمة في الشعر/ جاكوب كرج/ ترجمة :رياض عبد الواحد / الموسوعة الثقافية (5 )دار الشؤون الثقافية العامة ط 1 (2004 )



#تحسين_كرمياني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لغة الثقافة ولغة السلطة..تاريخ شائك بالتحديات
- أصل الكورد والبحث عن الهوية


المزيد.....




- بعد فوزه بالأوسكار عن -الكتاب الأخضر-.. فاريلي يعود للكوميدي ...
- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...
- فرنسا: مهرجان كان السينمائي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في تد ...
- رئيس الحكومة المغربية يفتتح المعرض الدولي للنشر والكتاب بالر ...
- تقرير يبرز هيمنة -الورقي-و-العربية-وتراجع -الفرنسية- في المغ ...
- مصر.. الفنانة إسعاد يونس تعيد -الزعيم- عادل إمام للشاشات من ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - ما الشعر