أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميشال شوسودوفسكي - المجاعة العالمية















المزيد.....


المجاعة العالمية


ميشال شوسودوفسكي

الحوار المتمدن-العدد: 2354 - 2008 / 7 / 26 - 10:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تواجه البشرية، في حقبة ما بعد الحرب الباردة هذه، أزمة اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة تؤدي إلى إفقار سريع لقطاعات عريضة من سكان العالم. تنهار الاقتصاديات الوطنية، و تتواصل البطالة. وتظهر مجاعات في أفريقيا جنوب الصحراء، وفي جنوب آسيا وفي بعض أقسام أمريكا اللاتينية. بدأت عولمة الفقر هذه، التي ألغت العديد من أوجه التقدم المميزة لحقبة نزع الاستعمار فيما بعد الحرب، في العالم الثالث مع أزمة الديون في مطلع سنوات 1980 وفرض إصلاحات صندوق النقد الدولي الاقتصادية المميتة.
يتغذى هذا النظام العالمي الجديد من فقر البشر ومن تدمير البيئة. ويؤدي إلى التمييز الاجتماعي، ويشجع العنصرية و النزاعات العرقية ويهاجم حقوق النساء وغالبا ما يدفع البلدان في مجابهات مدمرة بين القوميات. ويمتد منذ سنوات 1990، بواسطة " السوق الحرة" إلى كافة مناطق العالم ومنها أمريكا الشمالية وأوربا الغربية وبلدان الاتحاد السوفياتي السابق و " البلدان الصناعية الجديدة" بجنوب شرق آسيا والشرق الأقصى.
ان هذه الأزمة العالمية أشد تدميرا من الأزمة الكبرى لسنوات 1930. ولها عواقب جيوسياسية جسيمة، ويؤدي التمزيق الاقتصادي إلى حروب إقليمية، وإلى انفلاق المجتمعات القومية وفي بعض الحالات إلى القضاء على بلدان. وهي تمثل على نحو لا يقارن أخطر أزمة اقتصادية في الأزمنة الحديثة. ( كتاب ميشال شوسودوفسكي بعنوان : عولمة الفقر والنظام العالمي الجديد).
إن المجاعة نتيجة سيرورة إعادة هيكلة الاقتصاد العالمي إلى " سوق حرة" تجد أساسها في أزمة الديون في مطلع سنوات 1980. ليس ذلك ظاهرة حديثة، كما يوحي العديد من معلقي وسائل الإعلام الغربية، بالتركيز حصرا على عرض وطلب المنتجات الزراعية الأساسية في المدى القصير.
أن الفقر ونقص التغذية المزمن شرطان سبق وجودهما الارتفاعات الأخيرة لأسعار المواد الغذائية. وتصيب هذه الارتفاعات مباشرة سكانا مفقرين يجدون بالكاد ما يسدون به الرمق.
انفجرت تمردات جوع متزامنة في كافة مناطق العالم تقريبا:" ارتفع سعر المواد الغذائية في هايتي بالمتوسط بنسبة 40 % في أقل من سنة، مع كلفة المواد الأساسية من الأرز التي تضاعفت... وفي بنغلاديش (نهاية ابريل 2008) نزل زهاء 000 20 عامل نسيج إلى الشارع للتنديد بالارتفاع الصاروخي لأسعار المواد الغذائية وللمطالبة برفع الأجور. وتضاعف سعر الأرز بالبلد خلال السنة الأخيرة مهددا الأجراء الذين يكسبون أجرة شهرية لا تتعدى 25 دولارا أمريكيا. وبمصر هزت احتجاجات العمال المتعلقة بأسعار المواد الغذائية مركز صناعة النسيج بالمحلة الكبرى شمال القاهرة، خلال يومين في الأسبوع الأخير، حيث قتلت قوات القمع شخصين.
وجرى اعتقال مئات الأشخاص، وأرسلت الحكومة شرطة بلباس مدني إلى المصانع لإجبار العمال على العمل. وارتفعت أسعار المواد الغذائية بمصر بنسبة 40 % خلال السنة الأخيرة. .. وفي الشهر الجاري في كوت ديفوار سار الاف الاشخاص نحو منزل الرئيس لوران غباغبو صائحين " نحن مجوعون" و" غلاء المعيشة مفرط، إنكم ستقتلولنا".
وشهدت بوليفيا مظاهرات مماثلة وإضرابات ومواجهات، وكذلك في البيرو ومكسيك واندنوسيا والفلبين وباكستان وأوزباكستان وتايلاند واليمن و إثيوبيا وعبر القسم الأعظم من أفريقيا جنوب الصحراء (Bill Van Auken, Amid mounting food crisis, governments fear revolution of the hungry, Global Research, April 2008) .
سيؤدي ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية الجاري في فترة قصيرة، مع وجود أقسام كبرى من سكان العالم تحت خط الفقر، إلى نتائج كارثية. فملابين الأشخاص في العالم عاجزون عن شراء الغذاء للبقاء على قيد الحياة.
وتسهم هذه الزيادات على نحو فعلي جدا في "القضاء على الفقراء" عبر " القتل بالتجويع" . أي حسب قول هنري كيسنجر :" تحكموا بالبترول تتحكمون بالأمم، وتحكموا بالغذاء تتحكمون بالسكان".
وبهذا الصدد، كان كيسنجر بين من خلال " المذكرة الدراسية حول الأمن القومي في 1974: مستتبعات نمو سكان العالم على الأمن ومصالح الولايات المتحدة الأمريكية" أن المجاعات المتواترة قد تشكل فعليا وسيلة للتحكم بالسكان.
ارتفع سعر الحبوب (الزروع)، حسب منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، بنسبة 88% منذ مارس 2007. و ارتفع سعر القمح بنسبة 181% في فترة 3 سنوات. وارتفع سعر الأرز بنسبة 50 % في الأشهر الثلاثة الأخيرة ( انظر Ian Angus, Food Crisis: "The greatest demonstration of the historical failure of the capitalist model", Global Research, April 2008) ) :" كان نوع الأرز الأكثر شعبية في تايلاند يباع بسعر 198 دولار أمريكي للطن، وارتفع إلى 323 دولار السنة الأخيرة. وبلغ سعره 1000 دولار في أبريل 2008. و وبلغ الارتفاع مستويات أعلى في الأسواق المحلية، ففي هايتي تضاعف سعر كيس 50 كلغ أرز في ظرف أسبوع في متم مارس 2008. تنزل هذه الزيادات نزول الكارثة على 2.6 مليار شخص بالعالم يعيشون بأقل من 2 دولار أمريكي ويخصصون 60 إلى 80% من دخلهم للتغذية. إن مئات ملايين الأشخاص تعوزهم وسائل توفير الأكل." [المصدر ذاته]

ُبعدان مترابطان

ثمة بعدان مترابطان في الأزمة الغذائية العالمية الجارية، التي تلقي ملايين البشر عبر العالم في المجاعة والحرمان المزمن، و في وضع حيث ليس لمجموعات سكانية كاملة ما تشتري به الغذاء.
ثمة أولا سيرورة تاريخية طويلة الأمد من الإصلاحات الماكرواقتصادية وإعادة الهيكلة الاقتصادية ، أسهمت في خفض مستوى المعيشة بكل مكان في العالم، بالبلدان المتطورة وتلك النامية على السواء.
ثانيا، تفاقمت الشروط التاريخية للفقر الجماهيري القائمة أصلا بفعل الارتفاع الحاد الأخير لأسعار الحبوب ( الزروع) الذي أدى في بعض الحالات إلى تضاعف سعر تقسيط المواد الغذائية الأساسية. وارتفاع الأسعار هذا ناتج إلى حد بعيد عن المضاربة البورصوية بالمواد الغذائية الأساسية.

الارتفاع المضاربي المفاجئ لأسعار الحبوب

أسقطت وسائل الإعلام الرأي العام في الخطأ حول أسباب ارتفاع الأسعار بالتركيز حصرا على مسألة تكاليف الإنتاج، والمناخ وعوامل أخرى أدت إلى خفض العرض ومن شأنها أن تسهم في تضخيم أسعار الأغذية الأساسية. لكن تلك العوامل ليست، رغم إمكان تأثيرها، قادرة وحدها على تفسير الارتفاع الهائل لأسعار المواد الأساسية.
ان تصاعد أسعار المواد الغذائية ناتج بنسبة كبيرة عن تلاعب بالسوق. فهو ُيعزى إلى حد كبير إلى المضاربة البورصوية في أسواق المواد الأولية. لقد تضخمت أسعار الحبوب بشكل مصطنع بفعل المضاربة على نطاق واسع في عمليات الأسواق البورصوية بنيويورك وشيكاغو. ومن المهم ملاحظة ان (Chicago Board of Trade (CBOT اندمجت مع Chicago Mercantile Exchange لتشكلا أكبر كيان بالعالم يتاجر في المواد الأساسية ولديه تشكيلة واسعة من أدوات المضاربة
(les options, les options sur contrat à terme, les fonds indiciels, etc.).

يمكن ان تجرى معاملات مضاربية على الأرز أو القمح أو الذرة دون معاملات فعلية بهذه المواد.
ليست المؤسسات التي تضارب حاليا في أسواق الحبوب بالضرورة منخرطة في بيع أو تسليم تلك الحبوب. إذ يمكن ان تجري المعاملات بواسطة صناديق indiciels تتيح المراهنة على الارتفاع أو الانخفاض العام لتغير أسعار البضائع.
ان " حق اختيار البيع" يعني مراهنة على أن الأسعار ستنخفض، و"حق اختيار الشراء" مراهنة على ان الأسعار سترتفع. وبفضل التلاعب المتفاهم عليه يقوم الفاعلون المؤسساتيون و المؤسسات المالية برفع الأسعار. يوظفون عندها رهاناتهم على ارتفاع سعر مادة بعينها. وتؤدي المضاربة إلى الطابع المتطاير للسوق. ومن جهته يشجع اللاستقرار المترتب عنه مواصلة النشاط المضاربي.
تتحقق الأرباح عند ارتفاع الأسعار، لكن عندما يكون المضارب short-selling يتحقق الربح عندما ينخفض السعر.
أدى الارتفاع المضاربي الأخير في أسعار المواد الغذائية إلى سيرورة عالمية لخلق المجاعة على نطاق غير مسبوق.
ما كان أن تؤدي هذه العمليات المضاربية عمدا إلى المجاعة. فما يسبب المجاعة هو غياب طرائق تنظيمية للتجارة المضاربية (les options, les options sur contrat à terme, les fonds indiciels ). ان تجميدا للمعاملات المضاربية على المنتجات الغذائية الأساسية سيسهم في السياق الراهن ، إن أُعلن بقرار سياسي، في خفض فوري لأسعار المواد الغذائية.
وجلي ان ذلك ما لم يقترحه صندوق النقد الدولي والبنك العالمي.

دور صندوق النقد الدولي والبنك العالمي

قدم البنك العالمي وصندوق النقد الدولي خطة عاجلة، بقصد زيادة نمو الزراعة بوجه "الأزمة الغذائية" . لكنهما لم ياخذا بالحسبان أسباب هذه الأزمة.
يصف روبير زوليك رئيس البنك العالمي هذه المبادرة بما هي " نيو ديل"، " خطة عمل" لزيادة الإنتاج الزراعي على الأمد الطويل" تقضي، ضمن أمور أخرى، بمضاعفة القروض الزراعية للمزارعين الأفارقة.
" يجب ان ننفق أموالنا حسب الحاجات الفعلية" (We have to put our money where our mouth is now so we can put food into hungry mouths) روبير زوليك رئيس البنك العالمي BBC 2 مايو 2008. )
ليس "الطب الاقتصادي" للبنك العالمي وصندوق النقد الدولي "الحل"، إنه إلى حد بعيد "سبب" المجاعة بالبلدان النامية. بقدر ما يقرض البنك العالمي وصندوق النقد الدولي "لإنماء الزراعة" بقدر ما ترتفع مستويات الاستدانة.
تقوم "سياسة قروض" البنك العالمي على إعطاء قروض بشرط تطبيق البلد للأجندة السياسية النيوليبرالية التي ساعدت منذ مطلع سنوات 1980 في انهيار الزراعة الغذائية المحلية.
أدى " التثبيت الماكرو اقتصادي" وبرامج التقويم الهيكلي التي فرضها صندوق النقد الدولي والبنك العالمي على البلدان النامية ( كشرط لإعادة التفاوض على ديونها الخارجية) إلى إفقار مئات ملايين الأشخاص.
ان الوقائع الاقتصادية والاجتماعية القاسية خلف تدخلات صندوق النقد الدولي هي أسباب الارتفاع المفرط لأسعار المنتجات الغذائية، والمجاعات على الصعيد المحلي، والتسريحات الكثيفة للعمال بالمدن والموظفين، وتدمير البرامج الاجتماعية. انهارت القدرة الشرائية وأغلقت المصحات والمدارس، وحرم مئات ملايين الأطفال من الحق في التعليم الأولي.

رفع القيود عن أسواق الحبوب

منذ سنوات 1980 رفعت القيود عن أسواق الحبوب بإشراف البنك العالمي، واستعملت فوائض الحبوب بالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي بشكل منهجي لتدمير الفلاحين وزعزعة استقرار الزراعة الغذائية الوطنية. وبهذا الصدد تشترط قروض البنك العالمي رفع الحواجز التجارية على واردات المنتجات الزراعية الأساسية، مؤدية إلى إغراق السوق المحلية بفوائض الحبوب الأمريكية والأوربية؟ دفعت هذه الإجراءات، وأخرى غيرها، بالمنتجين المحليين إلى الإفلاس.
تدمر " سوق الحبوب الحر"، المفروضة من صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، الاقتصاد الفلاحي وتضعف " الأمن الغذائي" . كانت ملاوي وزيمبابوي من قبل بلدانا مزدهرة بفائض في الحبوب، وكانت رواندا تقريبا مكتفية ذاتيا غذائيا حتى 1990، السنة التي أمر فيها صندوق النقد الدولي بإغراق الأسواق المحلية بفوائض الحبوب الأمريكية والأوربية، ملقيا بذلك صغار المزارعين إلى الإفلاس. وفي 1991-1992 ضربت المجاعة كينيا، البلد الذي كان يشهد نجاحا بفوائضه في الحبوب. كانت حكومة نيروبي قد ُوضعت على لائحة سوداء بسبب عدم إطاعة أوامر صندوق النقد الدولي. كان رفع القيود عن سوق الحبوب إحدى شروط إعادة جدولة الدين الخارجي لنيروبي إزاء الدائنين الرسميين بنادي باريس. ( كتاب ميشال شوسودوفسكي، "عولمة الفقر والنظام العالمي الجديد").
في أفريقيا برمتها، وكذا في جنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية، استخدم نموذج " التقويمات الهيكلية" في الزراعة تحت وصاية مؤسسات بروتن وودز على نحو لا لبس فيه لإلغاء الأمن الغذائي. وجرى تعزيز التبعية للسوق العالمية ، مؤديا إلى ارتفاع واردات الحبوب التجارية، وكذا إلى ارتفاع تدفق "المساعدة الغذائية".
وجرى تشجيع المنتجين الزراعيين على التخلي عن الزراعة الغذائية والتحول إلى زراعات ذات " قيمة عالية" بقصد التصدير على حساب الاكتفاء الذاتي الغذائي في الغالب. وتم دعم المنتجات ذات القيمة العالية والزراعات الموجهة للتصدير بقروض من البنك العالمي.
إن مجاعات زمن العولمة ناتجة عن هذه السياسات. ليست المجاعة ناتجة عن نقص في الأغذية، بل على العكس تماما: الفوائض الغذائية العالمية مستعملة لزعزعة الإنتاج الزراعي بالبلدان النامية.
ان هذا العرض الفائض، المنظم بصرامة من طرف الصناعة الزراعية العالمية ملائم في الأخير لركود إنتاج واستهلاك المنتجات الغذائية الأساسية، و لإفقار المزارعين في العالم. وفضلا عن ذلك ثمة، في زمن العولمة هذا، صلة مباشرة بين برامج التقويم الهيكلي لصندوق النقد الدولي والبنك العالمي و سيرورة تطور المجاعة لأنها تضعف على نحو منهجي كل أنواع النشاط الاقتصادي بالمدن والقرى التي لا تخدم مباشرة مصالح السوق العالمية.
ان مداخيل المزارعين بالبلدان الغنية وبالبلدان الفقيرة عرضة للتقليص من طرف حفنة من رجال الصناعة الزراعية العالمية يتحكمون في الآن ذاته بأسواق الحبوب، و بالمواد المستعملة في الزراعة وفي البذور وفي تحويل الأغذية. تتحكم الشركة العملاقة Cargill Inc مع اكثر من 140 فرعا وشركة مرتبطة عبر العالم بقسم كبير من تجارة الحبوب العالمية. ومنذ سنوات 1950 أصبحت ٍ Cargill المتعاقد الرئيسي لأجل " المساعدة الغذائية" للولايات المتحدة الأمريكية الممولة بالقانون العمومي 480 (1954)
باتت للزراعة العالمية لأول مرة في التاريخ القدرة على تلبية الحاجات الغذائية للكوكب برمته، لكن طبيعة السوق العالمية لهذا النظام لا يسمح بتحقيق ذلك. إن القدرة على إنتاج الغذاء هائلة، لكن مستويات الاستهلاك الغذائي تظل ضعيفة جدا لأن قسما كبيرا من سكان العالم يعيش في شروط أقصى فقر وحرمان. علاوة على أن سيرورة "تحديث "الزراعة" أدت إلى نزع ملكية الفلاحين ورفع مستوى تدهور الأراضي والبيئة. أي بعبارة أخرى، القوى ذاتها التي تشجع الإنتاج الغذائي العالمي على التطور تشجع أيضا خفض مستوى المعيشة والطلب على الأغذية.

صندوق النقد الدولي: العلاج بالصدمة

تاريخيا، كانت موجات ارتفاع أسعار المواد الغذائية بالتقسيط تندلع بفعل انخفاض قيمة العملات، الذي كان دوما نتيجة ثابتة لوضع تضخم فائق. مثلا في أغسطس 1990 بالبيرو، و بأمر من صندوق النقد الدولي، تضاعف سعر الوقود بين عشية وضحاها 30 مرة وتضاعف سعر الخبز 12 مرة :" في كل مكان بالعالم الثالث، أصبح الوضع وضع يأس اجتماعي و فاجعة للسكان المفقرين بفعل تفاعل قوى السوق. وتعرضت التمردات ضد برامج التقويم الهيكلي والانتفاضات الشعبية لقمع وحشي: في كاراكاس في 1989 قام الرئيس كارلوس اندريس بيريز، بعد أن ندد بفصاحة بممارسة صندوق النقد الدولي" لاستبداد اقتصادي لا يقتل بالرصاص بل بالمجاعة"، بإعلان حالة الطوارئ و أرسل وحدات المشاة وفرق كوماندو البحرية إلى الأحياء الفقيرة (barrios de ranchos) على التلال المطلة على العاصمة. اندلعت أعمال التمرد المناهضة لصندوق النقد الدولي على اثر زيادة بنسبة 200% في سعر الخبز. و تعرض رجال ونساء وأطفال لطلقات الرصاص بلا تمييز :" وصلت أخبار تفيد أن مستودع الأموات بكاراكاس يضم 200 جثة لأشخاص ُقتلوا في الأيام الثلاث الأولى... وأبلغ المستودع ان التوابيت نفذت. وبصفة شبه رسمية أعلن أن أكثر من ألف شخص قتلوا . وفي 1984 اندلعت في تونس إعمال التمرد بإيعاز من الشباب العاطل للاحتجاج على ارتفاع أسعار المواد الغذائية. وأدت تمردات طلابية في نيجريا في 1989 ضد برامج التقويم الهيكلي إلى إغلاق الجيش لست جامعات بالبلد. وفي المغرب عام 1990: إضراب عام وانتفاضة شعبية ضد إصلاحات الحكومة المملاة من صندوق النقد الدولي." ( ميشال شوسودوفسكي ، مرجع مذكور).

البذور المعدلة جينيا

حدث تغير تاريخي هام آخر في بنية الزراعة العالمية مصادفا إنشاء المنظمة العالمية للتجارة في 1995.
في اطار عقد المنظمة العالمية للتجارة، حصل عملاقة صناعة الأغذية على كامل الحرية في دخول أسواق حبوب البلدان النامية. كما يشجع امتلاك شركات الصناعة الغذائية "حقوق الملكية الفكرية" الحصرية على الأنواع النباتية تدمير التنوع الإحيائي.
وباسم حفنة من تكتلات التكنولوجيا الإحيائية، جرى فرض بذور معدلة جينيا على المزارعين، غالبا في إطار "المساعدة الغذائية". فمثلا سُلمت في أثيوبيا حقائب بذور معدلة جينيا للمزارعين الفقراء لتجديد الإنتاج الزراعي بعد جفاف كبير. لكن تبين بعد ذلك للمزارعين أنه لا يمكن إعادة زرع البذور المعدلة جينيا دون دفع حقوق لشركات مونسانتو و ارش دانيال ميدلاند و آل. وفيما بعد اكتشف المزارعون ان البذور لن تنبت إلا باستعمال المواد الزراعية أي الأسمدة ومبيدات الحشرات ومبيدات الأعشاب التي تنتجها وتوزعها مقاولات الصناعية الغذائية للتكنولوجيا الإحيائية. لقد بات الاقتصاد الفلاحي كله فصاعدا بين أيدي تكتلات الصناعة الغذائية.
مع تعميم البذور المعدلة جينيا، حدث انتقال كبير في بنية وتاريخ الزراعة منذ ظهورها قبل 10000 سنة.
جرى الإخلال بإعادة إنتاج البذور على صعيد القرية وعند منتجي البذور بسبب استعمال البذور المعدلة جينيا. وتم تحطيم الدورة الزراعية التي تتيح للمزارعين تخزين البذور الإحيائية وزرعها لاستخلاص المحصول المقبل منها. هذا المفهوم المدمر، الذي ينتج المجاعة على نسق واحد، أعيد إنتاجه في كل مكان، بلدا بعد بلد، مؤديا إلى زوال الاقتصاد الفلاحي العالمي.

===============
ميشال شوسودوفسكي كاتب " عولمة الفقر" المنشور بـ 11 لغة. أستاذ الاقتصاد بجامعة اوتاوا بكندا، ومدير مركز الأبحاث حول العولمة. ومتعاون مع الموسوعة البريطانية. صدر آخر كتبه بعنوان America`s War on terrorism , 2005. كتب ايضا الحرب والعولمة ، الحقيقة خلف 11 سبتمبر. http://www.ecosociete.org/t065.php و العولمة والفقر والنظام العالمي الجديد
المصدر : http://www.mondialisation.ca


تعريب : جريدة المناضل-ة




#ميشال_شوسودوفسكي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- سموتريتش يهاجم نتنياهو ويصف المقترح المصري لهدنة في غزة بـ-ا ...
- اكتشاف آثار جانبية خطيرة لعلاجات يعتمدها مرضى الخرف
- الصين تدعو للتعاون النشط مع روسيا في قضية الهجوم الإرهابي عل ...
- البنتاغون يرفض التعليق على سحب دبابات -أبرامز- من ميدان القت ...
- الإفراج عن أشهر -قاتلة- في بريطانيا
- -وعدته بممارسة الجنس-.. معلمة تعترف بقتل عشيقها -الخائن- ودف ...
- مسؤول: الولايات المتحدة خسرت 3 طائرات مسيرة بالقرب من اليمن ...
- السعودية.. مقطع فيديو يوثق لحظة انفجار -قدر ضغط- في منزل وتس ...
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة نفط بريطانية وإسقاط مسيرة أمير ...
- 4 شهداء و30 مصابا في غارة إسرائيلية على منزل بمخيم النصيرات ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميشال شوسودوفسكي - المجاعة العالمية