أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نجيب غلاب - ثقافة جديدة من أجل مجتمع حُر: الوعي التقليدي في مواجهة العصر















المزيد.....

ثقافة جديدة من أجل مجتمع حُر: الوعي التقليدي في مواجهة العصر


نجيب غلاب

الحوار المتمدن-العدد: 2328 - 2008 / 6 / 30 - 10:26
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


المجتمعات المعاصرة غالبا ما يكون سلوكها منسجم مع ثقافتها، فالفعل الفردي أو الجمعي محكوم بالوعي الذي شكلته الثقافة، وواقع هذه المجتمعات في حالة من الحراك الدائم الباحث عن التجديد والإبداع بما يخدم حاجات الناس، ولا يعاني المجتمع المعاصر من تناقضات بين الوعي والواقع، فالوعي الفردي والمجتمعي يتحركان بانسجام مع حركة الواقع ، والسبب ان المجتمع يعيد صياغة ثقافته بحرية تامة بما يتوافق مع تطورات الواقع، فيصبح الوعي مطابق لحركة الواقع ولأن الحرية هي المحدد الجوهري لحركة الحياة فان المجتمع يسير في مسارات تقدمية لا تنقطع.
تبرز إشكالية التناقض بين الوعي والواقع في المجتمعات الهجينة التي تجمع بين العصر والتقاليد، وتكون الإشكالية واضحة عندما يؤسس الأفراد أو الجماعة في بيئة تقليدية أعمالهم بآليات معاصرة تم إنتاجها في بيئة ثقافية مغايرة للثقافة التقليدية، فتصبح الحركة على مستوى الواقع محكومة بآليات العصر، ولكن السلوك من حيث فهم عمل الآلة ووظيفتها والتعامل معها يتم وفق الوعي التقليدي المهيمن.
فالآليات السياسية الحديثة مثلاً كمدخل جديد على بيئة تقليدية، لا يمكنها العمل بشكل صحيح إلا وفق الوعي الذي أنتجها، ويمثل غرسها في بيئة ثقافية تقليدية مشكلة، ففي بداية الأمر حتى في حالة الرغبة التامة في التغيير تكون المؤسسة عاجزة عن القيام بوظائفها بشكل كامل، أما في حالة الخوف من التجديد وكبت الإبداع في المجتمع، فأن الثقافة التقليدية تصبح هي المتحكم في عمل المؤسسة وهذا ما يجعلها تبدو مشوهة وناقصة.
وعلى الرغم أن المؤسسة السياسية الجديدة أثناء تفاعلها مع الواقع تنتج ثقافتها، إلا أن التغيير في هذه الحالة يكون بطيئا ويأخذ وقتاً طويلا، وفي حالة ضعف القوى الجديدة المنفعلة مع الثقافة التي أنتجت الآلة، وفي ظل وجود قوى متخلفة وجامدة وعصية على التغيير فأن الثقافة المحلية تتغلب على المؤسسة السياسية الجديدة، وتحولها إلى أداة لترسيخ شرعية من يمثل التقاليد، وتعمل المؤسسة على إعادة إنتاج الوعي المجتمعي بصورته التقليدية.
لذا فأن التعجيل بعملية التغيير يتطلب بناء المؤسسة الثقافية الداعمة القادرة على صياغة وعي جديد متطور متوافق مع العصر، وهذا لا يعني مواجهة الوعي التقليدي الداعم لحاجة المجتمع وتطوره، أي أن الوعي الأصلي الراسخ الإيجابي سيظل ولا يمكن تجاوزه، وشرط بقائه هو قدرته على تطوير الواقع وخدمته بما يشبع حاجاته.
والثقافة الجديدة لن تكون فعالة إلا عبر مؤسسات ثقافية متوائمة مع حاجات المجتمع ومتفاعلة مع العصر، والمؤسسة الثقافية الجديدة هي فعل قصدي منظم تحمل في بنيتها نزعة التغيير، فالمؤسسات التعليمية، ومؤسسات الفكر، والجمعيات الإبداعية، ومؤسسات المجتمع المدني بكافة تشكيلاتها، هي الحامل القوي والناجح للجديد، على شرط ان تديرها نخب مؤهلة تحمل الفكر الجديد، وتعمل من خلال المؤسسة الثقافية على مقاومة القوى التقليدية للجديد القادر على خدمة المجتمع وتعظيم مصالحه كما تدركه وتعيه هذه القوى الجديدة.
مشكلتنا في الراهن أن القوى التقليدية قوية، وهي تعمل على إعادة إنتاج الثقافة التي تحافظ عليها وتحميها، وعندما تعجز عبر المؤسسات التقليدية، فإنها تستخدم الآليات المعاصرة، وتوظفها لحماية مصالحها، وتحولها إلى مؤسسات تعيد أنتاج التقاليد بصورتها المعيقة للتغيير الخادم للواقع.
فالقوى التقليدية عندما تؤسس المؤسسة السياسية أو التعليمية أو المؤسسة المدنية، وتعمل من خلالها فإن المؤسسة تحمل في بنيتها ثقافة المؤسس، فالشيخ القبلي أو الديني الذي يؤسس حزب سياسي أو منظمة مدنية، فأن كلاهما يغيّر من طبيعة المؤسسة ووظيفتها ومن خلالها يعيد أنتاج نفسه بالوعي التقليدي الذي يحكمه، فتتحول المؤسسات الحديثة كآلية إلى عوامل إعاقة تخنق التغيير وتعيد أنتاج الثقافة التقليدية.
المؤسسات الحديثة تكون فاعلة في التغيير عندما تحمل في أهدافها إبعاداً ثقافية تجديدية مقطوعة الصلة بالثقافة التقليدية، بشرط أن تسيرها قوى تحمل فكر جديد، حتى وأن كانت في سلوكها اليومي وطريقة تفكيرها مازالت راضخة بشكل أو بآخر للوعي التقليدي، إلا أن حركتها القصدية وفق الأهداف الجديدة يجعل من حركتها في الوسط التقليدي قوة ايجابية، والزمن أثناء الشغل والتفاعل مع الواقع كفيل بإعادة صياغة الوعي لصالح الثقافة التي أسست للمؤسسة.
ومن الضروري أن لا تحمل القوى المتنورة الباحثة عن الجديد عقدة خوف من الآخر، بل عليها أن تكون جرئيه وواثقة من نفسها عند انخراطها في العصر، ومن جهة أخرى لابد أن يكون لديها ثقة تامة بثقافتها الخادمة للواقع، وأن يكون تبنيها للجديد نتاج قناعة بجدارة الثقافة الجديدة، وأن تتحرك وفق رؤية متماسكة وإرادة قوية وآمال بمستقبل جديد.
والحراك المستوعب للواقع المحلي والعالمي يكون أكثر فاعلية وقوة في خدمة المجتمع، لانه يسهل للمجتمع الانخراط في العالم ومواجهته في الوقت نفسه، بعكس الحراك الذي يعمل على تأسيس بنية مؤسسية سياسية أو تعليمية أو مدنية وفق المنظور التقليدي، فمن يدير هذه المؤسسة مرتهن لثقافته التقليدية.
والملاحظ من تجارب المجتمعات أن القديم قد ينتصر على الجديد في بداية الأمر بحكم البيئة التقليدية، ويتم إعاقة عملية التغيير، إلا ان هذه الإعاقة عملها الوحيد هو جعل حركة الجديد بطيئة في تفاعلها مع الواقع، ولكن الزمن كفيل بمنح القوى الجديدة راية النصر في النهاية، بحكم طبيعة العصر وتطوراته المذهلة والذي جعل من العالم قرية واحدة، كما أن جمود القوى التقليدية سيجعلها عاجزة عن مواجهة مشاكل المجتمع، الذي يبحث عن رؤية مرنة قادرة على استيعاب ثقافة العصر حتى يكون قادرا على الحياة، ومع التطورات فأن المجتمع سينحاز للفعل الخادم لمصالحه والمستجيب لحاجاته.
من جانب آخر هناك إشكالية كبيرة أثناء الصراع بين القديم والجديد، فحواها أن القوى التقليدية في لحظة حضور العصر في الواقع، تقوم ببناء مؤسسات تحمل أهداف عصرية متشابه مع أهداف المؤسسات التي تديرها قوى التنوير، إلا أن الوعي الذي يتعامل مع المؤسسة وأهدافها المتوافقة مع العصر وعي تقليدي بامتياز، وتظل الغاية النهاية من هذا السلوك هو الحفاظ على فكر ومصالح القوى التقليدية، في هذه الحالة رغم ممارسة الخداع من خلال تبني آلية وثقافة الجديد، إلا أن هذا التحول في ممارسة الصراع مع الجديد، يخدم الجديد لان الأهداف الجديدة في بنية مؤسسة حديثة يديرها وعي تقليدي، تساعد القوى الجديدة خصوصا عندما تكون قوية ومنظمة على جرّ قوى التقاليد إلى ملعبها وتجبرها على تأسيس وجودها على القيم التي تنادي بها، أي ان تقوم القوى المتنورة بمواجهة القوى التقليدية بشعاراتها، ودفعها لتأسيس شرعيتها على أساس الشعار الذي ترفعه، وهذا سوف يساعد على تقوية الجديد في الثقافة الشعبية، ويجعل من القوى الجديدة مرجعية في تفسير تلك القيم، ومع الوقت تصبح القوى التقليدية مجبرة على تبني الجديد وتغيير وعيها حتى تكون قادرة على حماية مصالحها، ومع الوقت تقوى شوكة القوى الجديدة وتصبح من القوة بحيث يصبح مواجهتها أو خداعها صعبا، وتصبح القوى التقليدية مجبرة على اقتسام المصالح ولكن وفق الوعي الجديد.



#نجيب_غلاب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إشكالية السياسة في الايديولوجيات الأصولية
- إشكاليات التحول الديمقراطي في اليمن


المزيد.....




- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نجيب غلاب - ثقافة جديدة من أجل مجتمع حُر: الوعي التقليدي في مواجهة العصر