أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية - نجيب غلاب - إشكاليات التحول الديمقراطي في اليمن















المزيد.....



إشكاليات التحول الديمقراطي في اليمن


نجيب غلاب

الحوار المتمدن-العدد: 2338 - 2008 / 7 / 10 - 10:34
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
    


الواقع السياسي لليمن يؤكد أن التحولات الديمقراطية قوية وفاعلة، وما يتخللها من مشاكل مسألة طبيعية، فالقيم والمبادئ والآليات الديمقراطية كبناء معاصر عندما تعمل في دولة تنتمي إلى دول العالم الثالث وفي دولة عربية إسلامية، والبيئة التقليدية غالبه، فلابد من وجود إشكالات كثيرة، والوقت كفيل بمعالجة كل المشاكل، ويمثل خوض التجربة الديمقراطية واستمرارها، مع وجود قوى مدافعة عنها في الحكم والمعارضة ومستقلين قوة ايجابية فاعلة ومؤثرة لتجاوز الإفرازات السلبية للتحول الديمقراطي أثناء تفاعله مع البيئة اليمنية.
وبملاحظ الواقع الراهن نجد أن التحولات الديمقراطية قد فتحت آفاق عميقة للتغيير بإبعاده المختلفة، وشكلت قنطرة من خلالها أقتحم المثقف والسياسي والمواطن العادي الشأن العام بقوة وثقة، ومنحت الجميع حرية أعادة لهم اعتبارهم، وأصبحت القوى الوطنية قادرة على مواجهة المشاريع المتناقضة مع فلسفة المشروع الوطني والقيم الإنسانية الخادمة للتغيير نحو الأفضل.
إلا أنه يمكن القول أن اليمن مازال يعيش حالة من الصراع والتناقض بين الإرادات والمصالح، وكل طرف في الساحة اليمنية يغالب الآخر بكل قوته، ويحاول فرض رؤيته كأنها الحق المطلق، بما يناقض أسلوب الطرح الليبرالي الغالب على مقولات الجميع.
ومن الواضح أن الحرية وغيرها من القيم الديمقراطية على اختلاف التفسيرات المقدمة واختلاف فهم طبيعتها وطرق التعامل معها، أصبحت محدد جوهري في خطاب كل التيارات السياسية في الساحة، باستثناء الحركات الماضوية كالسلفية التقليدية والحركات الدينية الظلامية كالحوثية.
وفي المقابل يمكن القول أن الانفتاح السياسي قد أفرز سلبيات كثيرة، فالسلوك السياسي لبعض الإطراف السياسية يهدد التحولات من خلال استغلال المناخ الديمقراطي بما يناقض الديمقراطية ويهدد الدولة، ويمثل التعامل مع الواقع بطريقة مناقضة لفلسفة المشروع الوطني، من المخاطر المهددة للأمن والاستقرار، وللقيم التي أسست لها الحركة الوطنية اليمنية بكافة تشكيلاتها السياسية والفكرية والاجتماعية.

إشكاليات التحول الديمقراطي

سنحاول في هذه المقالة الطويلة ان نتناول بعض الإشكاليات المعيقة لعملية التحول الديمقراطي في التجربة اليمنية، مع ملاحظة ان التناول سيركز على العوامل التي لها تأثير قوي في الوقت الراهن على التحول الديمقراطي وهو في بداياته الأولى، أما القضايا التي تحتاج إلى عملية تاريخية طويلة لتحقيق شروط عمل الديمقراطية فتحتاج إلى أبحاث واسعة ومعمقة.

يمكن إجمال هذه الإشكاليات في النقاط التالية:
الإشكالية الأولى: الولاءات الدنيا ومقاومة الدولة

تواجه الدولة اليمنية تحديات كثيرة لعل أهمها أن بعض قوى المجتمع مازالت تقاوم مفهوم الدولة اليمنية الحديثة، لصالح قيم وانتماءات ماقبل الدولة، والأخطر من ذلك توظيف الانتماءات الطبيعية داخل المجتمع في الصراع السياسي، والعمل على تحويل الانتماء المقبول بحكم تعدد واختلاف المجتمع إلى ولاء سياسي يدار من خلاله الصراع مع الدولة، وهذا بطبيعة الحال يضعف الدولة وقيم العيش المشترك وكل القيم الحديثة المرتبطة بالدولة كإطار جامع لكل أعضاء المجتمع بصرف النظر عن انتماءاتهم الفكرية والسياسية والاجتماعية والثقافية.
وتعدد الولاءات داخل الدولة وتفعيلها في الصراع السياسي يجعل المجموعات تنزع نحو الاستقلالية، ويجعلها تسعى لمحاولة فرض رؤيتها ومصالحها بما يناقض القيم المؤسسة للدولة الحديثة، فبعض القيادات المتحكمة بهذه الجماعات، تقوم توظف قوة الطائفة أو القبيلة أو الانتماء المناطقي، في مواجهة الدولة لتحقيق مصالحها، وفي حالة عجز الدولة عن الاستجابة أو في حالة سعيها لمقاومة هذا السلوك الغير طبيعي في الصراع السياسي، فأن تلك القيادات تلجأ إلى القوة وممارسة العنف للضغط على الدولة، وهذا السلوك يُدخل الدولة في مواجهات لبسط سيطرتها ونفوذها وتفعيل التزام المجتمع بالنظام والقانون، وهذا بطبيعة الحال في حالة ضعف القوى الحديثة وسيطرة التقاليد يضعف الدولة ويخلق سواتر بين المجتمع ودولته.
مع ملاحظة أن مواجهة الدولة للولاءات الدنيا وان لعب دور ايجابي في قدرة السلطة المركزية على فرض سيادتها على الإقليم إلا أنه من جانب آخر يجعل دورها في بناء الاندماج الوطني بين مختلف الفئات الاجتماعية اقل مما هو مفترض، فصراع الدولة لمقاومة نقائضها في المجتمع، يولد مقاومة من المجتمع، ويجعل أصحاب المصالح الأنانية قادرين على توظيف هذا الصراع لصالحهم، خصوصا وأن قيم الولاء المحلي لظروف تاريخية مازال أقوى من الولاء للدولة، وهذه المقاومة التي يبديها المجتمع للدولة يضعف الدولة وتتحول الدولة إلى إطار للغنيمة يتصارع عليه الجميع.
وهذه الإشكالية في غاية الخطورة على التحول الديمقراطية ففي حالة تعمقها واستفحالها فأن الآليات الديمقراطية وقيم الانفتاح السياسي تتحول إلى قوة سلبية، لأن التنافس مثلا لا يتم بناء على البرامج والرؤى السياسية ولكته يتم على أساس القيم التقليدية، كما أن الصراع السياسي يبرز بقوة في الساحة وتصبح التحالفات التي تتم تستند على أساس ولاء ماقبل الدولة، وهذا يعمق فكرة الولاء للانتماءات الدنيا، وتصبح الديمقراطية أداة تؤسس للانقسام بين أبناء المجتمع الواحد وربما تقود إلى الصراع السلبي وبأشكاله العنيفة.
ولتوضيح الفكرة سنحاول عرض بعض الأمثلة التوضيحية، فالحركة الحوثية مثلا كان قائدها يمارس اللعبة الديمقراطية، وقد فاز بمجلس النواب باسم الحزب الحاكم، وانتخابه في المنطقة تم بناءً على الانتماء الأولى لا لانه يمثل حزب سياسي له رؤية سياسية ومشروع يدافع عنه، من جانب آخر رغم تعامله مع الآليات الديمقراطية، ولكنه كان يعمل على بناء قوة منظمة بإبعاد مناقضة لفكرة الولاء للدولة، بل أسس لتنظيم قوي، تحدى شرعية الدولة، ومارس القوة لفرض سيطرته على مناطق تواجده، وأخرج الأفراد من ولائهم للدولة وجعل من ولاء الأعضاء للقائد وتنظيمه جوهر وأصل الولاء بل الولاء للدولة كفر، وأياً كان الهدف الذي تسعى إليه الحوثية، فأن طبيعة تركيبها التنظيمي والفكري يرفض فكرة الدولة لصالح الجماعة، وقد نتج عن سلوك التنظيم الحوثي إدخال الدولة والمجتمع في حالة صراع سلبي، كان له دور كبير في عرقلة مسار التنمية، وبعث قيم مناقضة لفكرة الدولة وقيمها الحديثة.
والنخب القبلية كمثل آخر تستغل الولاء القبلي وتوظف أبناء القبيلة لمقاومة سلطة الدولة ومقاومة سياساتها وتحدي شرعيتها، واستغلال قوة القبيلة في الصراع على السلطة والثروة، وتعمل تلك النخب على حجب الثقافة الحديثة وترسيخ وعي القبيلة ليصبح هو المحدد لسلوك الأفراد وفي هذه الحالة تصبح الدولة مجبرة على التعامل مع تلك النخب على أساس أنها تمثل قبائلها وهذا يسهم في تعميق الإشكالية لان النخب القبلية تعزل الدولة عن المجتمع وتبدأ في بث الوعي القبلي حفاظا على مصالحها وحتى تكون قادرة على مقايضة الحاكم في صراعها على غنائم الدولة.
وفي حالات كثيرة يتم استخدام التعبئة المناطقية من قبل بعض النخب لإدارة الصراع السياسي وخدمة لمصالحها، وبعث روح الولاء للمنطقة من قبل النخب هدفه الضغط مواجهة من يحكم الدولة، وهذا وان حقق مصالح النخبة المناطقية، وساعد الحاكم على ضمان ولاء الناس في المناطق نتيجة إشباع رغبات النخب، إلا أن هذا السلوك يضعف الدولة وفكرة المواطنة والتضامن الاجتماعي، ويؤسس لثقافة انتهازية تقبل مسألة استغلال الدولة خدمة للمصالح الأنانية.
كل ذلك يضعف الدولة وهي الحاضن الفعلي للديمقراطية في ظرفنا اليمني، فنجاح التحولات الديمقراطية يتطلب دولة قوية، ومجتمع متضامن متعاون تحكمه فكرة المواطنة، وحتى تترسخ الديمقراطية لابد أن يكون الولاء السياسي في الدولة بصرف النظر عن انتماءات الفرد التي تظل مقبولة بشرط أن تكون الدولة في ظل التنوع هي الإطار الجامع.
والبعض قد يبرر سلوكه المناقض والمتحدي لفلسفة الدولة، بسبب سلوكيات سلبية ناتجة عن وجود أفراد في الحكم يعملوا على توظيف مواقعهم لخدمة مصالحهم، أو نتيجة حقوق مسلوبة، ومما لاشك فيه ان هناك سلبيات في إدارة الدولة، وهذا يفرض على الجميع مقاومة الأخطاء بما يخدم بناء الدولة، والعمل على تفعيل الآليات القادرة على حماية الدولة من الاختراق، وبالوسائل والآليات التي تؤسس لها قيم الدولة الحديثة، وهذا السلوك واجب وطني يتحمل مسئوليته الجميع، أما تحدي الدولة ومقاومتها وبعث قيم متناقضة مع الدولة لمواجهتها وللدفاع عن الحقوق، فأن هكذا سلوك يؤسس للفساد والتخريب، وهو أشد خطرا وفتكا بالمجتمع والدولة من سلوك الانتهازي الفاسد داخل مؤسسات الدولة.

الإشكالية الثانية: قوة التقاليد وضعف القيم الحديثة

الملاحظ في المجتمع اليمني أن القيم التقليدية مازالت هي اللعب الأساسي في تحديد خيارات الأفراد، ورغم المحاولات الجادة من قبل الدولة والقوى الحديثة في التأسيس للقيم المدنية الحديثة، إلا أن مستوى نمو وتطور الثقافة الوطنية المؤسسة على تلك القيم مازال ضعيفا، وتعمل قوى مجتمعية وسياسية في المجتمع والدولة من اجل إضعافها، وعلى الرغم من الاختراقات التي حققتها القيم الحديثة على كافة المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، إلا أن البنية التقليدية بقيمها مازالت فاعلة وقادرة على أضعاف البنى الحديثة المختلفة وإعاقتها.
فالثقافة التقليدية بإبعادها السلبية تشكل من عوامل إعاقة بناء الدولة الحديثة، وما يرتبط بها من قيم، فالديمقراطية في ظل الثقافة التقليدية المسيطرة، يجعل الفكر الذي تطرحه النخبة المؤيدة للتحول الديمقراطي عاجز عن التفاعل مع المجتمع بما يخدم قيم التحول وأهدافه.
فالمجتمع المدني مثلا والذي يمثل الطاقة الأكثر فاعلية في عملية التحول مازال ضعيفا وتأثيره في حدوده الدنيا بل يكاد ينعدم دوره في الأرياف وفي حالات معينة يعمل بطريقة متوافقة وخادمة للتقاليد المتناقضة مع طبيعته ويتحول إلى أداة بيد القوى المتصارعة في الساحة السياسي، ويتم تأسيسه في حالات كثيرة بطريقة تخدم وترسُخ ثقافة المجتمع التقليدية، وأحيانا يعمل بطريقة تقود إلى الفوضى مما يفقده الكثير من الهيبة والقدرة على توظيف نفسه في خدمة التحولات.
فالأحزاب السياسية وهي الجزء الاكثر أهمية في الراهن في المجتمع المدني مازالت ضعيفة ، وهي لا تحمل مشروع سياسي وثقافي قوي ومتماسك، بل أن المشروع الثقافي الهادف لبناء ثقافة وطنية قوية وراسخة غير موجود، وهذا ربما يفسر تعاملها مع القضايا المختلفة، فسلوكها السياسي يقع في خانة الصراع على السلطة والثروة، وهذا جعل تلك الأحزاب تعبر عن مصالح نخبها في صراعها على موارد البلاد المحدودة، كما ان التضخم الإيديولوجي لدى بعض الأحزاب افقدها فاعلية فهم المجتمع والتعبير عن مصالحه، فأصبحت أحزاب معزولة عن نسيجها الاجتماعي الذي تعمل فيه.
وفي تصوري اذا لم تعيد ترتيب أوراقها وتنقد منهج تعاملها مع القضايا وطبيعة مشاريعها وتغير من سياساتها فان مصيرها إلى الفشل، وهذا يشكل عائق كبير أمام التحولات، فأحزاب المعارضة مثلا إما إنها كانت في السلطة وتعتمد عليها كليا كالحزب الاشتراكي أو أنها كانت ملحقة بالسلطة كالإصلاح وهذا جعل منها أحزاب ضعيفة وغير قادرة على تشكيل قوة موازية للحاكم.
وفيما يخص القوى الديمقراطية نجد أنها لا تملك حتى الآن رؤية إستراتيجية للنضال من أجل التحول، فالمثقف الحديث والمجدد كمثال، أما أن يكون منخرط في مقولات الايدولوجيا، أو انه مثالي في طرحة ومتعالي عن الواقع، وهذا بطبيعة الحال عزله عن واقعه وعن التأثير، أو ان يبالغ المثقف ـ العامل من أجل قيم الدولة والتي تشكل الديمقراطية عمودها الفقري ـ في تفكيك الواقع إلى درجة المطالبة بالتغيير الجذري والشامل، والمطالبة بمشاريع عدمية تقود إلى الفوضى والدمار، أو أنه منخرط في مصالحه الأنانية.
كل ذلك افقد القوى المدنية الحديثة قدرتها على الفاعلية لصالح المثقف التقليدي بصورته الدينية أو المجتمعية الذي يعمل بجد ويعيش في قلب المجتمع، ولديه قدرة على التحرك في المجتمع بفاعلية، وهو أكثر نجاحا في فرض رؤيته على المجتمع من المثقف المجدد، والقوى التقليدية في رؤيتها لا تؤسس للقيم الداعمة للتحول، وهذا يراكم ويعقد إشكاليات التحول الديمقراطي.

الإشكالية الثالثة: التيارات السياسية الدينية

بعض التيارات ذات النزوع الأصولي في اليمن، أما أنها مازالت ترفض الديمقراطية قولا وسلوكا، وتعتبرها من المحرمات، فهي حسب البناء الفكري الحاكم لها متناقضة مع أصول الدين ومستوردة من الكفار، وضررها على المجتمع سلبي، وهي الوجه الآخر المؤسس للعلمانية، ونتائجها تعددية فكرية وسياسية، وهذا يناقض رؤيتهم التي تؤكد جازمة ان الحقيقة واحدة ولا يمكن أن تتعدد فالدين واحد وعلى الأمة ان تتحرك في مسار واحد وفي اتجاه الحقيقة الدينية المتجسدة في الرؤية التي يضعها هذا التيار أو ذاك، مع ملاحظة أن مبررات الرفض تختلف من تيار ديني إلى آخر، فالسلفية ترفضها لأسباب قد تختلف عن الحوثية.
أما التيارات الدينية التي قبلت الديمقراطية فإنها تعيد تفسيراها وتبرر ضرورتها بطريقة قد تصل بها إلى الرؤية الأولى الرافضة للديمقراطية، فالديمقراطية مهمة لإدارة الاختلاف الفكري والسياسي، فالتعددية الفكرية والسياسية هي لب فاعلية الديمقراطية، ولكن البعض يرى في الديمقراطية أداة اجرائية لتنظيم الصراع على السلطة بين قوى متفقة في الفكر والمنهج.
فالأصولية الدينية بوجهها السني الاخواني أو الزيدي أو حتى الصوفية تتعامل مع القيم الديمقراطية كالحرية والمساواة وحتى تكافؤ الفرص ووظيفة السلطات السياسية بالطريقة التي يؤسس له المنتج الفقهي والسياسي التراثي المنتج في الأزمنة الماضية، وهذا يشوه المعاني والدلالات التي تحملها، وعلى نفس المنوال يتم التعامل مع الدولة والقيم المرتبطة بها بطريقة مناقضة لفكرتها كاطار جامع للمجتمع الذي تعبر عنه الدولة، فالانتماء للدولة مثلا وربط ولاء الفرد بها لا يمثل الأصل فالولاء مرتبط بالجماعة، حتى في حالة سيطرتها على الدولة فأن الولاء يظل مرتبط بها، فالدولة بصورتها الحديثة ليست إلا بنية وآليات لا يمكن منحها الولاء السياسي، إلا في حالة ان تصبح معبرة بشكل كامل عن العقيدة الدينية بالتفسير المقدم من التيار الاسلاموي، فالولاء لدولة تتعامل مثلا بالربا أو متأثرة قوانينها بالمناهج الوضعية أو تحكمها نخبة سياسية لها أفكار متناقضة مع فكر الجماعة...الخ ولاء مناقض لفكرة العقيدة، وعليه فان ولاء الفرد أولا وأخيرا لابد ان يظل محصور بالجماعة على الأقل في ظل جهادها من اجل تغيير الدولة الحالية، وهذا الفكرة المستبطنة في المنتج الفكري للفكر الأصولي يجعل التعامل مع الديمقراطية ومنتجات الفكر السياسي الحديث تعامل سطحي انتهازي.

الإشكالية الرابعة: تضخيم السياسي على حساب الثقافي

الصراع من أجل الراهن وتجاهل التأسيس الثقافي وغياب المثقف من ابرز الاشكاليات التي تواجه التحول، فالمثقف في الجامعات والصحف ومراكز البحث وداخل الأحزاب وفي منظمات المجتمع المدني يكاد حاله حال النجم في ليلة ظلماء فالمتابع للندوات والحوار والنقاش والكتابات الصحفية والفكرية والبيانات والمعارض والفن والأدب والتقارير الإستراتيجية...الخ يجد أنها متضخمة بلغة السياسي الذي يفكر بالراهن والسطحي ولا هم لها بالتأسيس والبناء الثقافي والفكري.
أن غياب المثقف واستمرار الوضع لصالح الحرب بين مثقفي السلطة والمعارضة يؤسس للمناكفات السياسية والحروب الإعلامية التي لا تغني ولا تسمن من جوع ويجعل العمل السياسي مجال للصراع الضار وعليه فأن ضبط العمل السياسي وتأسيسه على قيم أصيلة وحقيقية يحتاج إلى إعادة الاعتبار للمجال الثقافي القادر على خلق توازن حقيقي في حرب داحس والغبراء اليمنية.
فالمتابع للحراك السياسي يلاحظ أن القوى السياسية في الساحة تناضل من اجل الديمقراطية بطريقة سطحية، فمثلا يعتقد البعض انه بمجرد تغيير بنية المنظومة الدستورية، فأن ذلك كفيل بتحقيق الديمقراطية، بل وكفيل بمعالجة كل المشاكل التي يعاني منها الواقع، ويتم تجاوز كل العوامل المؤثرة عل التحول والنتيجة تكون سلبية، لان التركيز على منظومة الحكم يقود إلى الصراع على السلطة والثروة خصوصا في المراحل الأولى للتحول.
ففي اليمن المشكلة التي تواجه التحولات ليست مرتبطة بتغيير تركيبة وآلية إدارة الحكم كما يعتقد البعض رغم أهمية ذلك وضرورته، فالتحول الديمقراطي كما يؤكد أكثر الباحثين مسألة اجتماعية وثقافية وسياسية واقتصادية وجيوسياسية وعليه فان نجاح التحول يتطلب فهم وتطوير العوامل المختلفة المؤثرة على التحول، ويمثل الاهتمام بالجانب الثقافي والفكري العامل الأكثر جدوى في ترسيخ التحولات من الصراعات السياسية على المواقع والمصالح بشعارات الديمقراطية، لأنها لا تؤسس للديمقراطية بل تذكي الصراع وتهدد التحولات.

إشكالية الخامسة: الاندفاع نحو الديمقراطية بعد رفض طويل

ظل الفكر العربي ومشاريعه الكبرى التي أنتجتها فترة الاستقلال يرفض الديمقراطية ويتعامل معها كقيمة سلبية، وتأثرت التيارات السياسية اليمنية بهذه الرؤية وظلت الديمقراطية مستبعدة في الفكر النخبوي وفي السلوك العملي، فالتيارات اليسارية اليمنية المتأثرة بالطرح الماركسي اعتبرتها بنية فوقية تستخدمها القوى المسيطرة لخدمتها، أما التيارات الدينية فجعلتها في خانة الكفر، والتيارات القومية جعلتها معيقة لتحقيق النصر التنموي في الداخل والعسكري في الخارج، ورغم وجود تيارات قبلت الديمقراطية ولكنها أجلتها أو رمتها في سلة القضايا الثانوية.
فالمعارضة السياسية الراهنة من القوى اليسارية والقومية والإسلامية اليمنية تناضل من اجل الديمقراطية مثلا دون نقد لتجاربها السابقة الرافضة للديمقراطية ولم يخرج مثقف من أوساطها ينتقدها حتى تكون قادرة على تكييف نفسها مع التحولات وقادرة على بناء مشاريع فكرية متماسكة ومستجيبة للواقع وحاجاته.
ولكنها فجأة انتقلت إلى الديمقراطية بمفهومها الليبرالي ورفعت شعار الديمقراطية، وتم وضعها في سلم الأولويات دون نقد للمنتج الفكري السابق الذي مزال فاعلا في الوعي ولم تنتقد التجارب السياسية الرافضة للديمقراطية بل أن البعض يحن للماضي ويعتبر الراهن رغم التحولات يقع في خانة السلب مقارنة بالماضي، ولكن على مستوى الخطاب الظاهري أصبحت الديمقراطية طريق لحل كل المشاكل، وأصبحت هي الطريق للتقدم والتطور، وتم التعامل معها كقيم منجزة قابلة للتطبيق في البيئة اليمنية، وأنه بمجرد تطبيقها تحل كل المشاكل.
وهذه القوى عندما تفهم المشاكل ناتجة عن الممارسة الديمقراطية واستمرار قضايا التخلف بطريقة عجيبة فهي لا تنتقد تجاربها ولا فكرها ولا القراءات المقدمة للديمقراطية، وبدلا من ذلك توجيه الاتهام إلى القوى السياسية المنافسة وتتهمها بالعجز وعدم رغبتها في تحقيق هذه القيمة السحرية، ويتم تجاهل المشاكل الحقيقية والأسباب الفعلية وراء معانات الواقع.
وهذا التعامل أنتج إشكالية سياسية في الساحة اليمنية جعل المعارضة تنتج مشروع سياسي يعالج الواقع بطريقة جعلت السياسي أو لنقل تفعيل القيم الديمقراطية بوجهها الليبرالي كفيل بحل كل المشاكل، وهذا افقدها القدرة على امتلاك مشروع متماسك وقوي مبني على فهم حقيقي للواقع، ونتيجة لفقدان مشروع أصيل جعلها تنخرط في القضايا الآنية بعقلية تحكمها المواجهة والتحدي للحاكم، ولكنها في حالة سكون وجمود فيما يخص بناء أفكار تجديدية لمواجهة مشاكلها ومشاكل الواقع، فهذه النخب رغم انها تنادي بالقيم المؤسسة للديمقراطية ولكنها تفتقد لأي تأسيس ثقافي وفكري لتلك القيم كالحرية كما أن القراءات المقدمة للثقافة المحلية بأبعادها العربية والإسلامية والإنسانية المتعلقة بالجانب الديمقراطي ضعيفة وتكاد تكون منعدمة حسب حدود علمي.
وتمثل التصورات والأفكار التي يحملها الخطاب السياسي للرئيس صالح في مسألة التحولات الديمقراطية أكثر نضجا وإبداعا من ناحية البناء الفكري في فهم الممارسة العملية والقدرة على خلق التوائم بين المنتج المستورد مع البيئة المحلية من القراءات المثالية التي قدمتها المعارضة، ولعل السبب يعود إلى تجربته السياسية الطويلة، وفكره السياسي المنفتح الذي يحمل في بنيته قيم سياسية ايجابية متوافقة مع القيم الديمقراطية، ناهيك عن نخبة داعمة تملك توجهات واضحة فيما يخص التحولات، وتتحرك في أطار مشروع وطني متماسك واضح الملامح يتم قراءته وإعادة بنائه باستمرار بما يتوافق مع المتغيرات العالمية والتحولات الداخلية دون أخلال بجوهر القيم التي يحملها.

كيف يمكن تحقيق تحول ديمقراطي آمن في يمننا الحر قادر على تجاوز الانتكاس أو التراجع؟
الإشكاليات السابقة هي أمر طبيعي في ظرفنا اليمني، وهذه الإشكاليات يمكن مواجهتها خصوصا والديمقراطية لم تعد محل خلاف لدى أغلب القوى السياسية على الأقل على مستوى الخطاب المعلن، فالحاكم كقيادة ونخبة يعملوا من أجل التحول الديمقراطي، وهو هدف جوهري في حركة النظام السياسي، والتحول أيضا محل إجماع وطني رغم التناقض في المصالح والاختلاف حول الطريقة المثلى لنجاح التحول، إلا أن الملاحظ أن الأطراف السياسية خصوصا المعارضة تتجاهل واقع التحولات وطبيعتها لذا تتحدث عن الاستبداد وترفض واقع التحولات ويعود الأمر في تصوري إلى قصور في الفهم المنهجي والعلمي للتحول وإلى غلبت الأنا والمصالح الذاتية.
وعلى الرغم أن هناك اشتراطات مسبقة للديمقراطية وضعها مفكرو العالم الغربي والثالث إلا أن هذه الاشتراطات تحولت إلى قوة استخدمتها الأنظمة المستبدة لتبرير رفض خوض تجربة الديمقراطية، ولكن هذه الأطروحات تم تجاوزها من قبل المدخل الديمقراطي الجديد الذي يطالب بتفعيل القيم الديمقراطية في الواقع بحيث يحدث تأثير متبادل بين بنية الواقع والقيم الديمقراطية بهدف تهيئة الأوضاع لصالح إنضاج الاشتراطات بواسطة القيم الديمقراطية التي تعمل بدرجة قد تكون ضعيفة في المراحل الأولى للتحول ولكنها مقبولة، ومن جانب آخر يتم تعديل الديمقراطية بما يتوافق مع البيئة التي تعمل فيها بشرط أن لا تفقد جوهرها، ونجاح التحول مرهون بالطلائع المثقفة في الحكم والمعارضة والمجتمع المدني.
والسؤال الأكثر أهمية في عملية التحول يركز على كيفية دعم عملية التحول الديمقراطي؟

يمكن إجمال بعض العوامل المتفق عليها في دعم التحول الديمقراطي في النقاط التالية:
 خوض التجربة، لان القيم الديمقراطية حتى تتراسخ فهي بحاجة الى خوض التجربة والعمل على اعادة بنائها من قبل النخبة، فانزال قيم الديمقراطية إلى الواقع المجتمعي يساعد الناس على استيعابها مع الوقت تصبح جزء من النسيج الاجتماعي، وعملية تغيير ثقافة الناس لصالح القيم الديمقراطية أمر ضروري لدعم التحول فالقيم اذا لم تتحول الى ارادة مجتمعية فانها تفقد هيبتها وفاعليتها وقيمتها وتموت مع الوقت، ولا يمكن ان تتحول الى ارادة الا بتوافقها مع المجتمع وطبيعته وحاجته للتغيير. ولهذا فأن التحولات بحاجة إلى نخبة متحمسة ومستوعبة وقادرة على فهم المجتمع، ولديها شعور بالمسئولية، فتعمل على نشر الثقافة الديمقراطية لتصبح جزء من القناعات السياسية، وفي هذه الحالة تصبح القيم محمية بارادة المجتمع.
 تمثل التنمية المستدامة ضرورة مهمة لدعم التحولات.
 العمل على نشر الثقافة الديمقراطية من خلال النظام التربوي والتعليمي وداخل الأسرة والمسجد وفي المؤسسات المختلفة، وأيضا ممارسة قيم الديمقراطية من قبل الشرائح والفئات الاجتماعية حتى تأخذ تلك القيم إبعادها الثقافية والسياسية والاجتماعية، فتحققها في مؤسسات الدولة غير كافي بل قوة التحول تكون بانتشار قيم الديمقراطية باقي المؤسسات المختلفة السياسية والاجتماعية والثقافية..الخ.
 الصبر والتعامل بتعقل ومرونة مع التحولات التي لا يمكن ان تتحقق بسهولة فالتحولات تحتاج إلى نفس طويل لتحقيقها وهي عملية تاريخية معقدة وطويلة ومتشابكة وتحتاج إلى فترة زمنية طويلة.
 ما تم تحقيقه يمثل منجز لا يستهان به، ولتحقيق نقلة نوعية ومواجهة الحركة المضادة للتحولات فأن ذلك تحتاج إلى تحالف وطني من جميع القوى الديمقراطية في الساحة السياسية لدعم التحول.
 تقديم دراسات علمية منهجية للتحول في جوانبه المختلفة ويمثل دراسة الصعوبات والعوائق التي تواجه الديمقراطية والعوامل المؤثرة على التحول والعوامل الداعمة للتحول من الموضوعات المهمة.
 تدعيم علاقات التضامن المدني التي تكاد تختفي لصالح الولاءات الدنيا حتى في عالم المثقفين.
 معالجة المشاكل التي تواجه المجتمع كالفقر والأمية وتدعيم فكرة انتاج الثروة فالموارد محدودة والانفجار السكاني كبير.
 محاربة ومكافحة الفساد فانتشار الفساد في مؤسسات الدولة يعيق التحولات ويعيق بناء الدولة القوية.
 التركيز على التعليم، وتنمية الموارد البشرية، وتفعيل النشاط الثقافي، والحرية الفكرية، ودعم مراكز الأبحاث، والندوات والمؤتمرات، والمحاضرات، والتثقيف السياسي.
 التحديث الثقافي، ومعالجة إشكالية ممارسة السياسة باسم الدين وتحديد العلاقة بوضوح فيما يخص السياسي والديني، وترسيخ الحريات والحقوق، استكمال بناء الدولة، تحسين أوضاع الناس الاقتصادية، وتحسين وضع المرأة، ونشر الثقافة الديمقراطية، وقيم التحديث السياسي.

وفي الختام يمكن القول أن القناعات الراسخة بالديمقراطية وحتميتها لدى المؤيدة للنظام، والتأكيد بأن التراجع عنها هو المستحيل عينة، إضافة إلى النمو المتزايد للقوى الديمقراطية في أحزاب المعارضة وفي المجتمع المدني، فأن كل ذلك يشكل عامل إيجابي يمكن من خلاله بناء جبهة وطنية واسعة تناضل من اجل تفعيل التحولات والوصول بها إلى غاياتها المثلى.





#نجيب_غلاب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- السعودية.. الشرطة تتدخل لمنع شخص بسلاح أبيض من إيذاء نفسه في ...
- فيضان يجتاح مناطق واسعة في تكساس وسط توقعات بمزيد من الأمطار ...
- إدانات ألمانية وأوروبية بعد تعرض نائب برلماني للضرب
- مقتل مراهق بأيدي الشرطة الأسترالية إثر شنه هجوماً بسكين
- مجتمع الميم بالعراق يخسر آخر ملاذاته العلنية: مواقع التواصل ...
- هايتي.. فرار عدد من السجناء ومقتل 4 بأيدي الشرطة
- الشرطة الإسرائيلية تعتقل أحد حراس القنصل اليوناني أثناء مراس ...
- قتيلان في هجوم استهدف مرشحا لانتخابات محلية في المكسيك
- محلل سياسي مصري يعلن سقوط السردية الغربية حول الديمقراطية ال ...
- بيلاروس تتهم ليتوانيا بإعداد مسلحين للإطاحة بالحكومة في مينس ...


المزيد.....

- واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!! / محمد الحنفي
- احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية / منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
- محنة اليسار البحريني / حميد خنجي
- شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال ... / فاضل الحليبي
- الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟ / فؤاد الصلاحي
- مراجعات في أزمة اليسار في البحرين / كمال الذيب
- اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟ / فؤاد الصلاحي
- الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية / خليل بوهزّاع
- إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1) / حمزه القزاز
- أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم / محمد النعماني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية - نجيب غلاب - إشكاليات التحول الديمقراطي في اليمن