أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - سليمان يوسف يوسف - المنظمة الآثورية الديمقراطية تقيم حواراً حول إشكالية الهوية الوطنية في سوريا















المزيد.....



المنظمة الآثورية الديمقراطية تقيم حواراً حول إشكالية الهوية الوطنية في سوريا


سليمان يوسف يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 711 - 2004 / 1 / 12 - 05:00
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    


بدعوة من هيئة تحرير جريدة ( نشرو) النشرة المركزية الناطقة باسم (المنظمة الآثورية الديمقراطية) – في سوريا: قدم الكاتب ( سليمان يوسف يوسف) في الساعة السابعة من مساء يوم الخميس 8-1-2004  محاضرة بعنوان ( سوريا وإشكالية الهوية الوطنية) في مدينة القامشلي.  وقد ضم الحضور ممثلين عن حزب البعث العربي الاشتراكي وعن العديد من الأحزاب والقوى الوطنية (العربية والكردية والآشورية) السورية وممثلين عن لجان حقوق الإنسان السورية والمجتمع المدني وشخصيات سياسية مستقلة ونخبة من المثقفين والمهتمين مثلت مختلف الطيف السياسي والثقافي والاجتماعي في محافظة الحسكة.
هذا وقد شهدت أجواء القاعة حواراً ديمقراطياً ونقاشاً جاداً ومسئولاً حول الأفكار التي تضمنتها المحاضرة،   شارك به الحضور عبر مداخلاتهم القيمة والتي أغنت جميعها الموضوع وألقت الضوء على بعض جوانب المشكلة، طبعاً تباينت الآراء واختلفت المواقف من القضية المطروحة للنقاش ( إشكالية الهوية الوطنية)، لكن اجمع الحضور على أنها قضية جديرة بأن تناقش وتدرس بشكل واسع  وهي تحتاج إلى المزيد من الحوار حولها.

.........................................................................................................
                       سوريا وإشكالية الهوية الوطنية
* سأبدأ كلامي بقول للمهاتما غاندي، ربما يلخص موضوع محاضرتنا اليوم:(( لا أريد لداري أن تحيط به الأسوار من كل جوانبه وأن تسد نوافذه، أريد ثقافة البلاد كلها أن تهب على داري بحرية تامة، لكني أرفض أن تقلعني إحداها من الأرض)).
- بداية أحب  أن ألفت انتباه الحضور الكريم بأن ما نقوم به اليوم من نشاط ثقافي وما يرد في هذه المحاضرة من أفكار وأراء جميعها تأتي في اطار ممارسة حقنا في حرية إبداء الرأي والنقاش الذي يكفله الدستور السوري. حيث جاء في فصل ( الحريات والحقوق والواجبات العامة): المادة 26 (( لكل مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وينظم القانون ذلك)). كما جاء في المادة الثامنة والثلاثون : (( لكل مواطن الحق في أن يعرب عن رأيه بحرية وعلنية بالقول والكتابة وكافة وسائل التعبير الأخرى وأن يسهم في الرقابة والنقد والبناء بما يضمن سلامة البناء الوطني والقومي..... )).
- كما أحب أن أؤكد للجميع بأننا لم نأت إلى هنا لنزاود على أحد في الوطنية والمحبة للوطن ولا للتشكيك بوطنية أية جهة سياسية أو فئة اجتماعية في سوريا، فالشعب السوري بكل شرائحه وقومياته وأحزابه( عرباً وآشوريين، أكراداً وأرمن ،شراكس ويزيد وغيرهم) هو شعب معطاء محب لوطنه ومخلص لدولته، وقد شارك السوريون بكل فئاتهم وقومياتهم وفعالياتهم ، في تحقيق الاستقلال الوطني وفي بناء الدولة السورية وتقوية وحدتها الوطنية.
- كما أؤكد بأننا لا ندعي بأن ما نقوله هو صح بالمطلق كما أنه ليس خطأ بالمطلق، أنها باختصار افكار ووجهات نظر  يسعدنا أن نناقشها ونتبادل الحوار حولها معاً ضمن حرية الرأي واحترام الرأي الآخر.
  نص المحاضرة:
تسارعت وتيرة الأحداث والتطورات السياسية والعسكرية التي شهدتها المنطقة والعالم في السنوات الأخيرة، وقد تركت هذه الأحداث آثارها على الجميع، دولاً وشعوباً، إذ أنها أحدثت انقلابا في مواقف البعض وبدلت مواقع البعض الآخر، كما أنها غيرت الكثير من الأفكار والمفاهيم التي كانت سائدة ومقدسة لدى البعض. وتكمن الواقعية أو العقلانية السياسية اليوم في التعاطي الإيجابي مع هذه الأحداث والتطورات وإعادة النظر بأساليب التفكير وآليات العمل في هذه المرحلة وعلى ضوء ما يحدث في المنطقة والعالم .
ربما من أهم النتائج السياسية المباشرة التي أفرزتها هذه التطورات على دولة المنطقة، هي إبراز العديد من القضايا والمسائل المهمة على السطح السياسي، مثل قضية الديمقراطية وحقوق الإنسان ومشكلة الأقليات وقضية الهوية الوطنية، معظم هذه القضايا كانت مهملة وقعت  ضحية الأيديولوجيات القومية والسياسية والدينية في دول المنطقة، التي تتميز بالتنوع القومي والثقافي واللغوي والديني، حيث تتداخل الحدود السياسية والديمغرافية لهذه الدول التي رسمت في أعقاب الحرب (العالمية الأولى) من قبل الاستعمار الأوربي، فلم تأت الحدود السياسية لدول المنطقة متوافقة مع الحدود الثقافية أو مع الخريطة الديمغرافية للشعوب والقوميات التي ألحقت بها، لهذا فهي تواجه منذ نشأتها) إشكالية) في تحديد وتعريف هويتها الثقافية والوطنية، هذه الإشكالية مطروحة اليوم بقوة على الساحة السياسية وهي من أكثر القضايا إثارة للجدل والسجال بين المثقفين والسياسيين.
• طبعاً يعتبر المجتمع السوري من ضمن هذه المجتمعات التي تتميز  بالتنوع القومي والثقافي والغوي  والديني، لهذا سنتناول في بحثنا ودراستنا اليوم:

 (إشكالية الهوية الوطنية) في سوريا.
 لن أعود بالتفصيل إلى التاريخ القديم  لسوريا والمنطقة لأننا قد نختلف في نظرتنا وقراءتنا لهذا التاريخ، لكن ما أريد قوله هنا : إذا كنا نختلف معاً في فهمنا لتاريخ سوريا وماضيها الحضاري، علينا أن لا نختلف حول قراءة مستقبل سوريا ورؤية مصير هذا الوطن الذي يجمعنا و به يرتبط مصيرنا، فنحن اليوم جميعاً سوريون لأننا نعيش في سوريا وننتمي لها وننحدر منها.
 من هنا أرى أنه من الخطأ جداً أن تنظر شعوب المنطقة( عرباً وأكراداً وآشوريين وأرمن وأتراك وغيرهم) إلى ذاتها على أن كل منها هي أمة قائمة بذاتها أو قومية من سلالة عرقية نقية. إذ أن الانتماء لأية قومية في منطقتنا التي تقع ضمن خارطة (العالم القديم)، ليس له جذور عرقية أثنية خالصة، وإنما هي انتماءات ثقافية اجتماعية نمت في سياق تاريخي معين، بفعل تحولات حضارية عميقة مثل الإنسياحات البشرية(السكانية) التي حصلت في أعقاب الحروب الشاملة بين شعوب كثيرة جاءت من الشرق والغرب، كذلك بفعل التحولات الاجتماعية و الدينية والتبدلات الثقافية التي حصلت  في هذه المنطقة بعد مجيء الديانات الكبرى، لهذا بات من الصعب جداً اليوم الفصل أو التفريق التام  بين أقوام وشعوب هذه المناطق  وإن اختلفت ديانتهم أو لغتهم ذالك  بسبب التمازج والتزاوج بين هذه الشعوب عبر التاريخ.وفي هذا السياق يؤكد المؤرخ العالمي ( أرنولد توينبي) في كتابه تاريخ البشرية:((أن جميع المدنيات الإقليمية في العالم القديم (بلاد ما بين النهرين وبلاد الشام ومنطقة وادي النيل)، تعرضت إلى هجوم وغزوات شعوب همجية من الشمال والجنوب، وقد أدت هذه الاضطرابات إلى تنقلات هامة في السكان، وترتب على ذلك في النهاية تبدل واسع النطاق في الخريطة الديمغرافية وخارطة المدنيات لهذه الأقاليم)).
طبعاً يرى البعض في هذا التنوع( الثقافي والاجتماعي واللغوي) ظاهرة تاريخية صحية ويجدها مصدر غنى وثراء حضاري للمجتمع، ويرى البعض الآخر بأنها ظاهرة سلبية تعيق نمو المجتمع وتطوره، إلى هذا الخلاف والتباين في الرأي والموقف من ظاهرة التنوع في المجتمع يعود السبب الأساسي للإشكالية القائمة حول (الهوية الوطنية).
 لا شك هناك خلط كبير بين هذه الانتماءات(القومية والدينية والجغرافية والثقافية) من جهة  ومفهوم الانتماء الوطني من جهة أخرى، وهذا الخلط مصدره بالدرجة الأولى التعريف الحديث للعروبة القائل( يعتبر عربياً كل من يتكلم العربية ويسكن الأرض العربية ويقول عن نفسه إنه عربي) هذا التعريف ظهر  بعد الحرب العالمية الأولى، بهدف إدماج أو صهر جميع القوميات والأقليات الغير عربية والغير إسلامية في القومية العربية و بـ(العروبة السياسية) من أجل تعبئة الجميع ضد المستعمر العثماني.
لكن اليوم وبعد مضي أكثر من نصف قرن على استقلالنا الوطني، يبدو أن هذا التعريف، قد أخفق في تحقيق ما أريد منه. إذ  بدأ يشعر الكثير من السوريين بضرورة إعادة دراسة وتحديد مفهوم الانتماء الوطني و مفهوم (الهوية الوطنية) لسوريا، هذا المفهوم الذي أخطأت معظم القوى السياسية العربية( القومية والماركسية والدينة) في التعامل معه، حيث اعتبرته واقعاً بديهياً، وكشيء مثالي منجز قائم بدلاً من أن تدعوا إليه و العمل من أجل تطويره. وبصرف النظر عن الظروف التي رافقت نشوء الدولة السورية ، ما زالت هذه الدولة في طور التكوين وهي لم تتحول بعد من صيغة أو مفهوم الدولة إلى صيغة أو مفهوم (الأمة) السورية أو الوطن السوري والانتماء الحقيقي والنهائي له. إذ لو يسأل أحدنا من أنت؟ غالباً ما يأتي الجواب:( أنا عربي أو كردي ، آشوري سرياني أو أرمني، مسلم أو مسيحي... يزيدي أو شركسي...) ، قليلون هم الذين يقولون: أنا سوري. هكذا تأتي الأجوبة معبرة عن المشاعر الفطرية والانتماءات القومية أو الدينية وهي بمعظمها انتماءات ما قبل الدولة ودون الوطنية.
• الهوية السورية في مواجهة العديد من الهويات:

إن الغوص في الحالة (السيسيولوجية) السورية وقراءة دقيقة للمشهد السياسي والثقافي السوري الذي تحركه هذه الانتماءات والولاءات، ربما نتفاجأ بأن (الهوية الوطنية السورية) هي اليوم في مواجهة العديد من الهويات الإيديولوجية والانتماءات العرقية والدينية، بعضها ما قبل الدولة ودون الوطن، هذه الحالة تتجلى بشكل أكثر لدى الأقليات. وبعضها الأخر هي متجاوزة لمفهوم الدولة السورية ولحدود الوطن السوري. كما هي حالة الكثير من القوميين العرب والتيارات الإسلامية، الذين ينظرون  للدولة السورية على أنها كيان(قطر) مؤقت لا بد من أن يزول في الدولة العربية الواحدة المنشودة، هذا بالنسبة للقوميين العرب الوحدويين، أو أن يزول في وحدة الأمة الإسلامية بالنسبة للتيارات الإسلامية الأصولية،وبالنتيجة أن جميع هذه الهويات والانتماءات  تتعارض مع حدود الوطن السوري، كما أنها تتناقض مع مفهوم الانتماء الوطني والهوية الوطنية السورية (التي هي الأساس القانوني الفعلي والرسمي الذي تستند إليه الدولة الراهنة في ممارسة سياستها إقليميا ودولياً).
*  مما سبق يتبين أن (الهوية الوطنية) للدولة السورية لم تتحول بعد إلى مشروع سياسي وثقافي تعمل له جميع القوى الوطنية والأحزاب السياسية في سوريا، ويمكن القول أن الهوية الوطنية السورية اليوم تتنازعها  مجموعة من الهويات:
- الهوية الإسلامية: تسعى إليها تيارات الأصولية الإسلامية (حركة الإخوان المسلمين) فلا يطيب لها الحديث كثيراً حتى عن (الهوية العربية ) وإنما عن (الهوية الإسلامية) حيث تعمل الأصولية الإسلامية من أجل دولة إسلامية في سوريا وتقوم نظرتها على تذويب جميع الهويات الأخرى  في الهوية والثقافة الإسلامية. فهي لا تنظر للهوية الوطنية إلا من خلال الهوية الإسلامية. وقد ورد في (الميثاق الوطني) الذي صدر عن (المؤتمر الوطني) الأول للحوار الذي دعت إليه جماعة (الأخوان المسلمين) السوريين في لندن آب 2..2 ما يلي:(انتماء قطرنا إلى إسلامه،هوية ومرجعية ).
- الهوية العربية:وهي السائدة اليوم وتعمل الأصولية القومية العربية على تثبيتها من خلال تحقيق مشروعها السياسي المتمثل في إقامة الدولة العربية الواحدة، فهي لم تنظر إلي الهوية السورية إلا كجزء من هوية الدولة العربية الواحدة.
- الهوية السورية: وهي التي تسعى إليها الأقليات القومية الغير عربية، بحيث تأتي الهوية السورية معبرة عن جميع الهويات والثقافات التي يتكون منها المجتمع السوري. طبعاً بغض النظر عن المشروع السياسي لـ(لحزب السوري القومي الاجتماعي) والمتمثل بأقامة دولة (سوريا الكبرى) أو (سوريا الطبيعية) التي تضم أرض( الهلال الخصيب) وهي تشمل كل من (بلاد الشام وبلاد الرافدين وقبرص) على أساس أنها تشكل (أمة سورية) واحدة، يعتبرها الحزب جزءً من الأمة العربية. يمكن أدراج  هذا الحزب تحت هذا البند إذ جاءت أفكاره وأيديولوجيته أكثر تعبيرا عن حالة التنوع والتعدد الثقافي والاجتماعي التي يتميز بها المجتمع السوري. فمنذ تأسيسه  يطرح (الهوية السورية) كهوية جديدة حديثة هي حصيلة تفاعل وتزاوج مجموع ثقافات المجتمع السوري بكل تنويعاتها الاجتماعية وأطيافها الثقافية. 
هكذا يبدو أن الاندماج الوطني والمجتمعي الذي ظهر وتحقق خلال المرحلة التي تلت الاستقلال،  لم يكن أكثر من اندماج سطحي هش غير متجذر في أعماق المجتمع السوري، كما هو حال غالبية المجتمعات  العربية والإسلامية.طبعاً ،وكما نرى، يعود هذا التفكك المجتمعي والانقسامات العمودية في المجتمع، بشكل أساسي إلى التركيز على هوية وثقافة واحدة هي الهوية والثقافة العربية والإسلامية، باعتبارها هوية وثقافة وديانة القومية الكبيرة،  و استبعاد أو تهميش معظم الثقافات والهويات الإثنية والدينية الأخرى التي يتكون منها المجتمع السوري. فعندما تتبنى الدولة هوية وديانة وثقافة أية جماعة قومية أو أثنية عرقية دون غيرها حتى لو كانت هي الأغلبية هو عملياً استبعاد هوية الآخرين من الأقليات وإنقاصاً من مكانتها القانونية والوطنية، مما يعيق من دون شك عملية اندماجها في المجتمع الوطني وتفاعلها الايجابي معه وسيدفع بالأقليات إلى الانكماش على الذات، حتى وإن لم يكن هناك أي تمييز قانوني رسمي بين أبناء المجتمع الواحد، فأن الأقليات في حال استبعادها وتهميشها ستواجه من دون شك عقبة في طريقها إلى الاندماج الثقافي والاجتماعي والسياسي في الدولة والمجتمع، خاصة إذا مارست عليها الأغلبية سياسة الإستعلاء القومي.
  أنه لمن العبث أن ينتظر من أية جماعة أثنية أو عرقية أن تتخلى عن هويتها الخاصة وتتقبل هوية الأغلبية الحاكمة، إذ ستبقى كل أثنية تدافع عن خصوصيتها وتتمسك بها قدر ما تستطيع فهي تميل دوماً إلى الاستمرار في الوجود، لأن هذه الخصوصيات الثقافية نشأت في مراحل تاريخية طويلة، لا يمكن لها أن تمحى وتزول بقرار أو بالقفز فوقها وتجاهلها.
لا شك أن العروبة تشكل اليوم الفضاء الحيوي  ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً وسياسياً لسوريا. لكن في مثل حالة الدول ذات القوميات والإثنيات المتعددة، كما هو حال (المجتمع السوري) عادة يفتقر شعبها إلى وحدة الشعور القومي، وهنا يكون من الضرورة والأهمية أن تركز الدولة جهدها على تقوية وتعميق (الرابطة الوطنية) من خلال نشر الثقافة الوطنية الديمقراطية وإقامة مؤسسات المجتمع المدني، وأحياء جميع الثقافات الموجودة في المجتمع، التي تشكل جزءاً أساسياً من الثقافة الوطنية لسوريا، حتى يسمو الشعور الوطني والولاء له، على جميع الولاءات والانتماءات الأخرى، من قومية واثنية بما فيها الهوية العربية والارتقاء بالهوية   السورية كهوية وطنية لجميع فئات الشعب السوري، على جميع الهويات الأخرى.
• خلل في العلاقة:
إذاً ثمة خلل عميق ونقص كبير في العلاقة بين القومية العربية الغالبة والقوميات الأخرى في سوريا، وأكثر من يتحمل مسؤولية هذا الخلل في العلاقة هي (أحزاب وتيارات القومية العربية) في مقدمتها حزب (البعث العربي الاشتراكي) الذي يمثل أهم المدارس الفكرية والسياسية لمختلف التيارات وأحزاب القومية العربية،  فمن المعروف أن (سوريا)  كانت تسمى بـ(الجمهورية السورية) وعرفت دولة الوحدة مع مصر بـ(الجمهورية العربية المتحدة) وبعد الانفصال ومجيء حزب (البعث العربي الاشتراكي) للسلطة عام 1963 أبقى على كلمة العربية) لتصبح الجمهورية العربية السورية). ومنذ ذلك التاريخ تخضع سوريا لسياسية تعريب شاملة لجميع مناحي الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية والتربوية والتعليمية. هذا وقد سيطرت النزعة القومية على فكر والنهج السياسي لجميع الأحزاب القومية العربية ، حيث اهتمت بالقضايا القومية مثل قضية التجزئة والوحدة العربية وغيرها وأهملت أو أجلت القضايا الوطنية، وهناك من يعمل ويسعى لإبقاء سوريا دولة لقومية واحدة وبلغة واحدة وثقافة واحدة، وهو أمر يتعارض مع المبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات العامة. فمثلما للعرب الحق في تطوير ثقافتهم وتعليم لغتهم يجب أن يقر بهذا الحق لجميع القوميات الأخرى من دون تمييز أو تفضيل. ففي الوقت الذي تقوم سوريا ومعها جميع الدول العربية بتأسيس عشرات المؤسسات القومية والثقافية والاجتماعية في دول المهجر من أجل نشر الثقافة العربية بين أبناء الجاليات العربية ومن اجل الحفاظ على الهوية العربية وحمايتها من الذوبان في المجتمعات الأوربية،  تمنع القوميات الغير عربية من ( آشوريين وأكراد وأرمن وغيرهم) من تأسيس وإقامة مؤسساتهم القومية والثقافية لتعليم لغتها ونشر ثقافتها القومية الخاصة في وطنها الأم سوريا.
وقد أعترف السيد عبد الحليم خدام نائب رئيس الجمهورية، عن مسؤولية (أحزاب القومية العربية) في إهمال وتجاهل الواقع الإثني والثقافي في الدول العربية،جاءت هذه الاعترافات في كتاب صدر له مؤخراً بعنوان: (النظام العربي المعاصر، قراءة الواقع واستشفاف المستقبل)..يقول في كتابه:(( من الثغرات الهامة في مبادئ ومناهج الأحزاب والتشكيلات القومية العربية هي أنها لم تدرس الواقع الإثني في الوطن العربي الذي يتميز بوجود أقليات قومية لا تتكلم العربية شريكة العرب في تاريخهم وثقافتهم وحضارتهم وقيمهم سواء في مغرب الوطن العربي أو مشرقه)). ويضيف السيد (خدام) قائلاً :(( أن الوعي القومي العربي لا ينبغي أن يتناقض مع وجود أقليات قومية أو ثقافية أخرى في الوطن العربي ومن ثم لا يعيق إمكانية تعميق رابطة المواطنة المرتكزة على الانتماء للوطن وعلى التاريخ والثقافة المشتركة في كثير من جوانبها، وإذا لم نفعل ذلك نكون من حيث لا نريد قد ساعدنا على تمزيق وحدة الأمة بعربها وبأقلياتها القومية والثقافية الأخرى)).

لا شك أنه من المؤسف جداً أن  تشكك بعض القوى العربية بوطنية الأقليات وإخلاصها الوطني كلما هي تحدثت عن خصوصيتها الثقافية والتاريخية وطرحت مسألة حقوقها الثقافية، والنظر إلى رغبة الأقليات في الاندماج في الدولة الوطنية السورية أو (العراقية أو اللبنانية أو الأردنية أو المصرية أو...... )، وليس في دولة (القومية العربية)، على أنه مشروع ضد الأمة العربية وأنه نقيض للحلم الرومنسي العربي المتمثل في إقامة (دولة عربية واحدة). وهناك بين القوميين العرب من يحمل مسؤولية إخفاق المشروع القومي العربي إلى الأقليات.
• مسؤولية أحزاب الأقليات:
 تحدثنا عن مسؤولية الأحزاب العربية، في إخفاقها وفشلها في بلورة وصياغة مفهوم مشترك واحد للهوية الوطنية يرضي ويرغب به الجميع في سوريا لا شك أنها مسؤولية كبيرة. لكن بالمقابل تتحمل أحزاب الأقليات قسطاً من المسؤولية عن هذا الإخفاق، وعن الخلل الحاصل في العلاقة بينها وبين الأحزاب العربية،إذ هناك ملاحظات ومآخذ عديدة على الخطاب السياسي والقومي لهذه الأحزاب.
 الأحزاب الكردية:
 تحتوي الساحة الكردية السورية العديد من الأحزاب والحركات السياسية،  تتباين هذه الأحزاب وتتمايز في طرحها السياسي وخطابها القومي.ويمكن لكل مراقب ومهتم بالشأن الكردي في سوريا أن يلامس حدوث تحول ملحوظ على مفردات الخطاب القومي لبعض هذه الأحزاب .  فمنذ سنوات بدأت تردد بعض (الأحزاب الكردية) ومعها العديد من الكتاب والمثقفين الأكراد في سوريا وخارجها تعبير (كردستان سوريا) على غرار( كردستان العراق وإيران وتركيا) وترسم خريطة لـ(كردستان الكبرى) وهي تضم غالبية أراضي (الجزيرة السورية) وكامل الشريط الحدودي مع تركيا. لا شك أن مثل هذا الخطاب والخرائط تشكل استفزازاً سياسياً ووطنياً، ليس لحزب (البعث العربي الاشتراكي) الحاكم فحسب، وإنما لجميع القوى الوطنية والحركات السياسية، بما فيها القوى السياسية الكردية المعتدلة، في سوريا لأن هذا الخطاب أو الطرح يتعارض ويتناقض مع (التاريخ السياسي) و (والواقع الديمغرافي) القديم والحديث لسوريا.إذ هناك خشية حقيقية من أن تخلق هذه الخرائط و هذا الخطاب الكردي المتطرف شعور لدى الإنسان الكردي في سوريا بأن ما يدعى بـ (كردستان سوريا) كان جزء من (كيان سياسي كردي) هو اليوم (محتل ومغتصب) من قبل الدولة السورية، مما سيقلل ويضعف الشعور الوطني لديه وقد يخلق عنده   نزعة انفصالية في المستقبل.  لهذا على جميع القوى الوطنية، بمن فيها الأحزاب الكردية التي تتميز باعتدال طرحها وخطابها الوطني، في سوريا أن تتنبه لمخاطر طرح مصطلح (كردستان سوريا) وتأثيراته السلبية على مسالة (الحوار الوطني) والهوية الوطنية في سوريا.
 الأحزاب الآشورية:
 لا أظن أن هناك خرائط سياسية آشورية في ذهنية القوميين الآشوريين أو على أجندة الأحزاب الآشورية لكيان قومي آشوري في بلاد آشور ،  لكن لا ننفي وجود بين الآشوريين من بقي أسير   الماضي الآشوري العريق ، ولم يتحرر بعد من عقدة سقوط (الدولة الآشورية) وضياع الوطن التاريخي للآشوريين في (بلاد ما بين النهرين)، منذ أكثر من 25قرناً، إذ يوجد داخل الأحزاب الآشورية ، خاصة الموجدة منها في المهجر، ممن يحن إلى ذاك الماضي الآشوري  ويعيش فيه ، يرفض التسليم بالحقائق والمعطيات الجديدة على الأرض السورية وفي (بلاد ما بين النهرين)، وعدم قبول بالواقع الجديد، حيث بات الآشوريون اليوم أقلية قومية ودينية في وسط قوميات وشعوب إسلامية.و (المنظمة الآثورية الديمقراطية)  وهي التنظيم  الآشوري الأساسي في سوريا  ترى أن الشعب الآشوري في سوريا بكل طوائفه هو جزء أساسي وأصيل من النسيج الوطني السوري، وهي ترى أن مصير هذا الشعب  هو من مصير الشعب السوري بكل فئاته.
الأحزاب الأرمنية:
هناك شعور عام لدى الأرمن في كل أنحاء العالم بانتمائهم إلى الوطن الأم (أرمينيا).وبالرغم من صغر الأقلية (الأرمنية) في سوريا لعب الأرمن دوراً مهماً، ربما أكبر من حجمهم في(الحركة السياسية الوطنية)، خاصة في (الحركة الشيوعية) في سوريا ولبنان، حيث كان الحزب الشيوعي (السوري اللبناني) موحدا حتى بداية عام 1944 . وقد دخل الكثير من المثقفين والكتاب الأرمن في الحياة السياسية العامة والحركة الثقافية والفنية في سوريا وانخرطوا في العديد من الأحزاب، لكن بالنسبة للأحزاب الأرمنية بقيت خارج الحياة السياسية في سورية وانحصر نشاطها فقط في الأوساط الأرمنية.وبعد استقلال (الجمهورية الأرمنية) حديثا عن (الاتحاد السوفيتي) المنهار بدأ ينظر الكثير من الأرمن لوضعهم في سوريا كوضع الجاليات الأجنبية، أو هكذا يراد لهم أن يبقوا ويفكروا ويعيشوا.
• سمو الانتماء الوطني:

لا شك أن سمو الانتماء الوطني يرتبط بتنامي الاتجاهات الوطنية في المجتمع السوري، فلا مستقبل لهذا   الوطن، ما لم يرتق الجميع إلى مستوى الانتماء الحقيقي للوطن، وما لم يخرج الجميع من الدهاليز والأنفاق المظلمة للتاريخ والتخلي عن الأوهام القومية والأساطير الدينية لصالح الثوابت الوطنية، والتحرر من الانتماء للماضي لصالح الانتماء لسوريا الحاضر والمستقبل. فالجميع أمام لحظة الاختبار الوطني، عليهم التعبير عن إرادتهم الوطنية بالتغيير نحوى ثوابت وطنية يجمع عليها الجميع، تحفظ وتحترم حرية وكرامة وحقوق الجميع دون تميز أو تفضيل على أساس الانتماء القومي أو الديني أو السياسي.
 أن التأسيس لهوية وطنية سورية تعبر عن جميع المكونات الثقافية والاجتماعية والحضارية الموجودة في المجتمع السوري لتكون مقبولة ومرغوبة من قبل الجميع تتطلب أولاً الإقرار بالتعددية الثقافية واللغوية في المجتمع السوري و إلغاء كل (التسميات القومية) من القاموس السياسي السوري والاكتفاء بالتسمية السورية، وحل جميع الأحزاب القومية لجميع القوميات، والبدء بالتمهيد لتأسيس أحزاب على أسس ومفاهيم وطنية سورية خالصة ونقية، وبهذا نكون قد حققنا خطوة كبيرة ومتقدمة باتجاه الاندماج المجتمعي  لجميع القوميات والإثنيات في المجتمع السوري. إذ يستحيل أن نبني وطناً حقيقياً يشترك فيه الجميع، ما لم نتحرر جميعاً من الانتماءات  البدائية الفطرية التي تقوم على رابطة الدم  والعرق والأرض والعشيرة أو القبيلة، والانتقال إلى الانتماءات المدنية والحضارية، من ثقافية وفكرية، وما لم نخرج من شرنقة الهويات الطائفية والعرقية والإثنية والدينية. وطناً علمانياً نحقق فيه، ليس فصل الدين عن السياسية فحسب، وإنما فصل الهوية الثقافية الوطنية للدولة عن جميع الهويات العرقية (الإثنية) وتأصيل الانتماء للوطن لا للقومية، وهنا يبرز دور النخب الثقافية والسياسية في التحرر من العصبيات الموروثة والانتماءات الضيقة، إذ كثيراً ما يضر التعصب بمصالح الجماعة نفسها، كما هو يضر بمصلحة وأمن المجتمع ككل.
• الديمقراطية والتعددية الثقافية:
 كثيراً ما نتحدث عن الديمقراطية، وغالباً يتمحور حديثنا حول العملية الانتخابية وكأن الديمقراطية هي فقط في الذهاب إلى صناديق الاقتراع وانتخاب من نريد. حقيقة أن هذه ليست سوى إحدى آليات العمل الديمقراطي، ربما أبسطها. فالديمقراطية هي نظام حياة وآليات عمل وتفكير وممارسة يومية على جميع الأصعدة السياسية والثقافية والفكرية والاجتماعية والتربوية والاقتصادية. والديمقراطية لا ترتبط فقط بالنظام السياسي وإنما بالنظام الأخلاقي وبالموروث الثقافي والاجتماعي للشعوب أيضاً. الديمقراطية تقوم على قبول الآخر والاعتراف به وبخصوصياته الثقافية والدينية والاجتماعية، أنها نظام يقوم على الإقرار بالتعددية السياسية والثقافية، وبحق الاختلاف في الرأي.إذا كانت الديمقراطية تعني قبول الأقلية بحكم الأغلبية، لكنها لا تعني على الإطلاق أن تهيمن الأغلبية، قومياً وثقافياً وسياسياً على الأقلية أو الانتقاص من حقوقها، لأن الهيمنة هي نقيض الديمقراطية وتنفيها.
* في لقاء مع كاتب ومثقف سوري أعترف بأنه لم يكن يعلم بالتعدد الإثني والقومي في سوريا إلا في السنوات الأخيرة وبعد انتشار القنوات الفضائية وشبكات الانترنيت. أليست مفارقة أن يمضي المثقف  السوري حياته من غير أن يعرف شيئاً عن التركيبة الاجتماعية والثقافية والإثنية في سوريا، في حين أنه يعلم الكثير عن الوضع في الشيشان وكشمير وأثنيات أندونوسيا. طبعاً هذا الجهل بالواقع السوري يعود إلى مسؤولية الدولة في وضع المناهج الدراسية والتعليمية في سوريا التي تتجاهل وجود أقليات قومية واثنية محلية ودور هذه الفئات في تاريخ وحاضر المجتمع السوري، في حين تتحدث هذه المناهج عن الكثير من شعوب العالم شرقاً وغرباً وتعرف المواطن السوري بهم.كما أن الإعلام السوري( المسموع والمرئي والمقروء) يتجاهل كلياً هذا الواقع، حيث يقوم  التلفزيون السوري بتقديم برامج ثقافية  ليعرف مشاهديه  بثقافة وعادات العديد من  شعوب العالم، في حين أن هذا الإعلام  يتجاهل ثقافات وعادات  الآشوريين  والأكراد وغيرهم من فئات الشعب السوري.
لقد دخلت البشرية عصر العولمة والانفتاح على جميع الثقافات والحضارات وبات العالم أشبه بقرية صغيرة، فكيف لنا نحن في سوريا(مهد الحضارات) أن ننغلق على ثقافاتنا وحضاراتنا ولغاتنا الوطنية العريقة والمتنوعة. لقد استبشرنا خيراً في السنوات الأخيرة، حينما أدرجت الأغنية الأرمنية والآشورية(السريانية) في مهرجان مسابقة الأغنية السورية الذي يقام سنوياً في حلب، وكان المنتظر توسيع هذه المشاركة وتطويرها وإدراج الأغنية الكردية والشركسية في هذا المهرجان، لكن بالرغم من تواضع هذه الخطوة في مسيرة الانفتاح على الثقافات المحلية والتراث السوري المتنوع ، كانت المفاجئة حرمان الأغنية(الأرمنية والسريانية) من الاشتراك في المهرجان الثامن  والتاسع لعام 2002 و2003 .
لا شك إن (الثقافة العربية)  تشكل اليوم أحد المكونات الأساسية للثقافة الوطنية في سوريا. لكن هناك روافد مهمة أخرى لهذه الثقافة، فوجود سوريا هو وجود قديم يعود بقرون عديدة إلى ما قبل الإسلام والعروبة، فسوريا ((مهد الحضارات)) كانت تسكنها شعوب قديمة يعود تاريخها لأكثر من خمسة قرون قبل الميلاد، مثل (الآشوريين)السريان الآراميين و الفينيقيين وغيرهم. و مازال الكثير منهم يتكلمون بلغتهم السريانية (لغة سوريا القديمة). فالوجود الآشوري( السرياني) في سوريا قديم، قدم سوريا ذاتها التي تحمل أسمهم.  
وهناك اليوم إلى جانب الآشوريين (السريان) والعرب، الأكراد والأرمن والشراكس  واليزيد وقلة من التركمان. لهذا فأن اختزال كل هذا التاريخ الحضاري لسوريا بالتاريخ العربي الإسلامي، ما هو إلا انتقاص من تاريخ وحضارة سوريا العريقة و ينطوي على نفي الآخر.فتاريخ سوريا لم يبدأ مع العرب ولم ينتهي عندهم.
جدلية العلاقة بين الهوية الوطنية والوحدة الوطنية:
 بقدر ما تتحرر هوية وثقافة المجتمعات التعددية من هيمنة الأغلبية  ، بقدر ما تتحقق الديمقراطية وتمارس الحريات الفكرية والسياسية، حيث باتت القضية المركزية أو المحورية في الدول والمجتمعات التي تتميز بالتعدد القومي والثقافي واللغوي كالمجتمع السوري،   هي مسألة أنجاز (هوية وطنية توافقية) تعبر عن رغبة جميع القوميات والإثنيات والثقافات والعقائد الدينية في المجتمع التعددي، وإن درجة تحقق هذه الهوية التوافقية، تعكس بشكل أو بآخر مستوى الوعي الوطني الديمقراطي في المجتمع. وعليها تتوقف قضية الوحدة الوطنية والتعايش أو العيش المشترك بين مختلف هذه الفئات والكيانات المجتمعية. إن تحصين المجتمعات التعددية تستدعي توطيد أواصر العلاقة بين الأقليات من خلال الإقرار بهذه التعددية وبحق الاختلاف والاعتراف المتبادل بالحقوق المتساوية للجميع في الوطن المشترك. أن الانتماء الوطني لا يعني أبداً أن تتخلى الأقلية عن الخصوصية والحقوق، وإنما قبول الآخر الشريك الكامل في هذا الوطن الواحد. كما أن التوافق على هوية وطنية مشتركة لا بد من أن تتجسد في نظام سياسي واجتماعي يتوافق ويناسب بنية وتركيبة المجتمع التعددي، وقانون ودستور يعزز هذه الهوية ويقدم الضمانات الكفيلة باستمرارها وحمايتها. مع تأكيدنا على أننا نرفض أن تتحول خصوصية هذه الكيانات المجتمعية أو الثقافية السورية إلى حالة أو كيانات سياسية متميزة ومتعصبة داخل الكيان السياسي للدولة السورية. كما أن تأكيدنا على أهمية الإقرار بالتعددية القومية والثقافية إلى جانب التعددية السياسية في سوريا وفي هذه المرحلة ينبع من خيارنا الوطني الديمقراطي ومن إيماننا العميق بأن هذا الإقرار يعزز الوحدة الوطنية ويحصنها في وجه التحديات والتهديدات الخارجية التي تتعرض لها.
مفهوم الوطن والوطنية :
لا شك أن مفهوم الوطنية ليس  شيئاً جامداً ثابتاً منجزاً بشكله النهائي أو المطلق، إنما هي حالة ثقافية سياسية اجتماعية تاريخية تخضع لقانون التطور. بمعنى آخر هي  مشروع سياسي يقوم على مبدأ التطور والتفاعل المستمر بين جميع الثقافات القومية والدينية والإثنية في المجتمع،لا يكتمل هذا المشروع إلا بالولاء المطلق من قبل هذا الخليط الثقافي والطيف السياسي للوطن الواحد (سوريا) بحدودها السياسية المعروفة. فالوطنية ليست مجرد جنسية تمنح لرعايا الدولة، و لا تحدد  ببطاقة شخصية عليها بضع كلمات،أنها رابطة حضارية/أخلاقية/ وروحية، تجمع مختلف الشرائح الاجتماعية  والقوميات  وجميع  مكونات المجتمع الواحد   وتوحد بينهم. هكذا فأن مفهوم (الوطن) والوطنية يجب أن يتحرر من الفكر المنغلق للقومية والمفهوم الضيق ( للدولة القومية)، و التي غالباً ما تقوم على العنصرية العرقية والتعصب القومي. فقد أظهرت الكثير من التجارب السياسية على مدى تاريخ البشرية مدى خطورة النظريات القائمة على التفوق القومي أو العرقي .
 تأسيساً على ما تقدم ذكره أرى أن للخروج من إشكالية الهوية الوطنية وتعدد الانتماءات علينا في سوريا إعادة النظر بمسألة (الهوية الثقافية والحضارية) للدولة السورية، والعمل على تثبيت وإبراز جميع ألوان الطيف الحضاري والثقافي في الهوية السورية، من عرب (وكلدوآشوريين) وأكراد وأرمن وتركمان وشراكس ويزيد، باعتبارها ثقافات وديانات وطنية لسوريا التاريخية، فيمكن لنا جميعاً أن نكون سوريين، لا بل يجب أن نكون سوريين، لكن لا يمكن للآشوري أو الكردي أو الأرمني أن يكون عربياً أو بالعكس.وهنا يجب الانتباه وإدراك أهمية إرساء هوية وطنية منفتحة على جميع الثقافات السورية، تأخذ منها وتعبر عنها جميعاً، هوية بعيدة عن هيمنة  أية ثقافة أو هوية قومية  ، إذ لا يمكن أن تتحقق الوحدة الوطنية المنشودة  في سوريا، وفي أية دولة أخرى، إلا  على أساس وحدة(   الهوية الوطنية)  والانتماء الحقيقي للوطن السوري.
ختاماً:
لقد شكلت العلاقة مع مختلف القوى السياسية والحركات الوطنية في المجتمع السوري واحدة من الاهتمامات الرئيسية لـ(المنظمة الآثورية الديمقراطية) في سوريا، حيث كانت تنتظر الفرصة والظروف السياسية  المناسبة لتظهر على السطح السياسي وتعمل وتتنشط وهي بكامل الثقة بنفسها ونهجها الوطني، بعد مرحلة صعبة من العمل السياسي السري الذي فرض عليها، وقد تعمق هذا التوجه وبات نهجاً سياسياً ثابتاً بعد المؤتمر العام العاشر الذي عقد في شهر آب الماضي(2003) في مدينة (القامشلي) رمز للعيش المشترك والتآخي القومي في سوريا. فمنذ انطلاقة المنظمة الآثورية الديمقراطية في عام 1957  نبذت العنف بكل أشكاله واتخذت من العمل السياسي الديمقراطي نهجاً سياسياً ومن الولاء للوطن خيارً وطنياً لها إيماناً منها بخيار ( العيش المشترك) بين مختلف فئات وقوميات المجتمع السوري على قاعدة التساوي في الحقوق والواجبات بين الجميع وبما يضمن وحدة الدولة وأمن المجتمع.

سليمان يوسف يوسف      سوريا.....  كاتب مهتم بمسألة الأقليات



#سليمان_يوسف_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المشكلة القبطية في مصر
- الآشوريون في سورية
- المجتمع المدني بين قلم المثقفين وسلطة الدولة


المزيد.....




- قصر باكنغهام: الملك تشارلز الثالث يستأنف واجباته العامة الأس ...
- جُرفت وتحولت إلى حطام.. شاهد ما حدث للبيوت في كينيا بسبب فيض ...
- في اليوم العالمي لحقوق الملكية الفكرية: كيف ننتهكها في حياتن ...
- فضّ الاحتجاجات الطلابية المنتقدة لإسرائيل في الجامعات الأمري ...
- حريق يأتي على رصيف أوشنسايد في سان دييغو
- التسلُّح في أوروبا.. ألمانيا وفرنسا توقِّعان لأجل تصنيع دباب ...
- إصابة بن غفير بحادث سير بعد اجتيازه الإشارة الحمراء في الرمل ...
- انقلبت سيارته - إصابة الوزير الإسرائيلي بن غفير في حادث سير ...
- بلجيكا: سنزود أوكرانيا بطائرات -إف-16- وأنظمة الدفاع الجوي ب ...
- بايدن يبدى استعدادا لمناظرة ترامب


المزيد.....

- الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية / نجم الدين فارس
- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر
- محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي ... / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - سليمان يوسف يوسف - المنظمة الآثورية الديمقراطية تقيم حواراً حول إشكالية الهوية الوطنية في سوريا