سر العجوز

اعنيبة محمد

الحوار المتمدن-العدد: 2224 - 2008 / 3 / 18 - 07:18
المحور: الادب والفن
    

العجوز والغول، حكايات الزمان العجائبي الغرائبي، أين الأطفال من كل ذلك؟
يستمعون في كل الأزمنة، ويصرخون في كوابيسهم، رؤوس سبعة عشرة ...ألف، وعصا الفقيه الأصلع تنهال على رؤوسهم الصغيرة إذا شردوا عن حفظ المكتوب على اللوح المستعصي على الحفظ، رؤوس الأغوال تتأرجح في الفضاء ولا تموت إلى أن يظهر البطل الخارق القادر- وبيد واحدة- على نزع السيف المغروس في عين الماء، فتتطاير الرؤوس، ويفرح الأطفال.
من الحكايات يطلون برؤوسهم المتشعثة، وأياديهم الملوثة بمرق زنخ، من أنوفهم يتدلى مخاط أصفر، أخضر، يمتزج بالتراب، فيلتصق على الشفاه المشقوقة بلسعات برد أيام شباظ وآذار، وبالتحديد:أيام العجوز كما قال الأقدمون.
هكذا يخرجون من قمقم الحكايات الطريفة المزعجة، يحملون في أيديهم قطع الخبز وهم يتلهون و يلوحون بها، الخبز مفخرة، الخبز ملهاة، بعد سنوات عجاف التهمت بقرات عجاف، وسنابل فارغة إلا من أحلام الفلاحين.
آشتا تتا تتا.
.............
طيبلي خبزي بكري.
........................
إطيح الفار يتزوا.
...ودائرة الأطفال السبعة تتموج، وتنحدر نحو الجانب السفلي للزقاق حيث المنحدر الشديد نحو الوادي، وهم يلوحون بقطع الخبز، الخبز مفخرة، الخبز ملهاة، بعد أن أنعم الله وكثر الخبز في البيوت حتى أصبح – كايقطع الطريق- !
أين الطرقات المنقطعة ؟
أين إشارات:« طريق منحرف»،« أشغال إزالة الخبز المتراكم »؟
أين الأطفال؟ تساءل الآباء بعد أن افتقدوا أبناءهم، ولم يعد لهم أثر في الزقاق.
من نفس الحكايات تطل عجوز قد هرملت، تلعن علنا الحكايات التي لا تمنح رواتها إكسير الحياة، مع نضارة التقاسيم.
لماذا تفقد المرأة نضارتها بسرعة خلاف الرجل؟
آه أيها الضلع الأعوج ما أعوجك، ما أتعسك!.
من حي إلى حي تترجل متوسلة بعقافة، لم يعد أحد يتذكرها، المقاومة، المسيرة ...كان لها أثر في كل ذلك، لكنها الآن عجوز فقط، نكرة موغلة في الإبهام.
لماذا ينكر التاريخ صانعيه؟
لماذا لا يطرب أبناؤنا لسماع الحكايات المردومة لأمجاد بطولاتنا الوطنية، وتستهويهم حكايات الأغوال والجنيات المزعومة؟
من حي إلى حي تترجل متعلقة بتلابيب ماض لا ينسى،منقوش في ذاكرتها وعلى جدران بيتها الوجار الشاهد على العصر،الفقير إلا من حصير من الدوم بال، وصور مزقها الحنين إلى تلك الأيام الخوالي، و أواني مهترئة لم تطبخ نعمة منذ أيام. تتمدد وتستجمع أطراف الحكايات، وبصعوبة يائسة تتنهد، و تتلمظ بشفاهها اليابسة، والأطفال شاخصي الأبصار ينتظرون، و قطع الخبز لا تفارق أياديهم النحيلة:
«...كان يا ما- كان ، في قريب الزمان، غول بسبعة رؤوس يكتسح القرى، و يزهق النفوس، وكان ينصب فوق كل قرية يغزوها راية ترفرف لمجده المرصوص، إلا قرية يدافع عنها الأهالي من حصنهم المنيع بالبنادق الضعيفة والفؤوس. وحدث ذات مرة أن وجد الغول عجوزا نحيلة مثلي تحتطب خارج الأسوار، فأخذها إلى مخبئه، ولما هم بالتهامها قالت: إذا التهمتني انتهيت، وإذا تركتني أفدتك بخدعة تسهل عليك إسقاط القرية الصامدة...».
أين الأطفال؟ لا زال الآباء يتساءلون، والأمهات يهرولن في الأزقة عاريات الرؤوس.
حضر رجال الدرك، والشرطة، والقوات المسلحة وغير المسلحة، الكل يبحث في الأزقة المجاورة، في الشوارع والوديان، الغابة مكتظة بالباحثين والكلاب المدربة وغير المدربة ....
البحث جار على قدم وساق. في الأخبار التلفزية قالوا: اختفى زوال هذا اليوم أطفال سبعة، قد يكون الأمر اختطافا من جهة غير معلومة، سنوافيكم بمستجدات النازلة !
الأطفال في بيت العجوز! وفوهات بنادق التدخل السريع مصوبة صوب الباب، والأفئدة تضطرب.
الأطفال ميتون! لا إنهم يفحون في نوم عميق، وقطع الخبز لا تفارق أيديهم.
عانق الآباء أبناءهم، وزغردت الأمهات، وانتفخت أوداج قائد عملية الاقتحام التي تمت بسلام ،
والعجوز نائمة، بل ميتة، وفي ثوبها قطع صغيرة من الخبز منزوعة من القطع الكبيرة التي يتلهى بها الأطفال، وإذا تساءلوا عن مصير العجوز والغول ذي الرؤوس السبعة، كان اختلاق نهاية ترضي فضول الأطفال أمرا هينا على الآباء، لكن السؤال الذي حيرهم:
لم ماتت العجوز وفي ثوبها قطع خبز من خبز أطفالهم؟
أهي مجنونة؟ ساحرة؟ أم....؟.

#اعنيبة_محمد (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات