|
إيساف .. قصة قصيرة
كريم عزمي
الحوار المتمدن-العدد: 2219 - 2008 / 3 / 13 - 06:42
المحور:
الادب والفن
** 1 **
اليوم هو عيد ميلاد كريم ، لم يحتفل كريم بهذه المناسبة منذ فترة طويلة ، فدوما كان وحيداً حزيناً يحيى صراعاته النفسية بعيداً عن الأخرين . و لكن هذا العام هناك شىء مختلف في حياته حيث لم يصبح وحيداً كما كان و يشعر بالإستقرار النفسي ، حيث يغمره الإحساس بالسعادة ، حقاً بدأ يشعر انه يحيى ، أنه إنسان
قرر كريم دعوة مجموعة من الأصدقاء المقربين له و كان عددهم قليل للاحتفال بعيد ميلاده في تلك الكافتريا التى اعتاد كريم الجلوس بها وحيداً لفترات كثيرة من حياته . ربما اراد ان يجعلها شاهداً على انه لم يصبح وحيداً بعد الآن و أنه اصبح سعيداً بعدما اعتاد الجلوس بها حزيناً يفكر في حياته و صراعاته و اختلافه عن باقي البشر ، و بالفعل حضر الأصدقاء داليا و نهى و علي و مصطفى . و بدأت الصديقتان في تجهيز كعكة عيد الميلاد . اخبرهم كريم ان يضعوا شمعة واحدة فقط في الكعكة ، و رغم تسأول الأصدقاء عن سبب ذلك إلا ان كريم تهرب من السؤال و لم يعطهم تبرير واضح عن سر تلك الشمعة الوحيدة
كان كريم من النوع المتحفظ في حياته ، لم يكن يتدخل في حياة الأخرين الشخصية و لا يحب ان يتدخل احد في حياته الشخصية ، و على الرغم من ان هؤلاء الأربعة يعتبروا من الأصدقاء المقربين لكريم إلا أن احداً منهم لم يكن يعرف تفاصيل حياة كريم العاطفية . لكنهم يشعرون بتغير ملموس في حياة صديقهم كريم مؤخراً ، حيث أصبح أكثر سعادة و إقبالاً على الحياة
بعدما جهزت الصديقتان كعكة عيد الميلاد و اشعال تلك الشمعة الوحيدة بها ، بدأ الأصدقاء في غناء بعض أغاني عيد الميلاد ، و ساد جو من المرح بينهم ، و طلبوا من صديقتهم داليا ان تغني ، حيث تتمتع داليا بصوت عذب ، دائما ما كان يطرب له الأصدقاء ، بالفعل بدأت داليا في غناء تلك الأغنية التى يعشقها كريم
... وحياتي عندك .. لو كان ليا عندك خاطر لتراجع قلبك قبل ما يجي اليوم و تسافر ...
داليا فتاة جميلة تتمتع بجمال مقبول و صوت عذب و أخلاق حميدة ، تعتبر داليا من أقرب الصديقات لكريم ، منذ تعارفها بكريم و هى تنجذب له عاطفياً و قد حاولت بالفعل أن تلمح له بذلك ، و لكن كريم لمح لها أنه يحبها كصديقة غالية عليه أو كأخت له و ليس حب عاطفي ، و على الرغم من ذلك فهي لم تستطيع ان تتخلص من تلك المشاعر التي بداخلها نحوه ، مع علمها الأكيد أن كريم لن يحبها الا كصديقة
و على الرغم من احساس داليا بأن هناك شخص أخر يحبها و يحاول دوماً ان يظهر حبه له بشتى الطرق ، الا انها لم تشعر أبدا بأي انجذاب تجاهه إنه علي __ كل كلمه يقولها تعبر عن حبه لها ، كل تصرفاته تقول انه يحبها . في البداية كان رقيق جداً معها ، دائم التفكير و الأنشغال بها و بما تحب و بما تكره و لكن دوما كانت داليا تصده و تعنفه على اهتمامه بها . لاحظ علي اهتمام داليا بكريم ، فبدأ حبه يظهر بشكل أخر . فبدلاً من الاعجاب الزائد بدأ يسخر منها و من تصرفاتها ، و يحاول ان يجعلها محور قفشاته و ضحكاته . بدأ حبه لها يخرج للناس بشكل معكوس انتقاماً منها . حتى علاقته بكريم بدأ يشعر انه يغير من كريم و بدأ يتكون داخله الاحساس بالكرهية تجاه كريم ، على الرغم من تأكده ان كريم لا يحب داليا و كثيراً عاتب نفسه على هذا و لكنه سريعاً كان يرجع سبب عدم حب داليا له هو وجود كريم في حياتهم
صفق الأصدقاء لداليا بعدما انتهت من الغناء ، و تسأل ابراهيم و هو ينظر الى الكعكة :
- ياله بقى يا جماعة مش هنطفي الشمع قصدي الشمعة ، انا جعت خلاص
ضحك الأصدقاء و طلب منه كريم الإنتظار قليلا ، حتي يصل صديقه إيساف ، فقال ابراهيم :
- طبعا يا سيدي ، لازم نستنى إيساف ما هو الأنتيم بتاعك و مش بتعمل حاجه من غيره
اضطرب كريم لهذه الكلمات ، فهو حريص ان لا يعرف أحداً من الناس طبيعة العلاقة التى تجمعه هو و إيساف ، حتى هؤلاء الأصدقاء المقربين لا يجب أن يكتشفوا تلك العلاقة التى تربط بين كريم و إيساف ، احداً منهم لن يقبله في حياته ، حينما يكتشفوا انه مثلي الجنس ، و هذا كان السبب الذي يجعله كتوماً لا يفضي للأصدقاء بأسراره العاطفية و يرفض ان يتدخل احداً في حياته ، كانت و ما زالت حياته سراً خاصاً به هو فقط
و حتى يخفي كريم تلك الأفكار التى اجتاحته و قلقه من تلك الكلمات التي ربما قيلت بدون قصد و لا تحمل أي معاني اخرى ، اخرج كريم الموبيل من جيبه كي يتصل بإيساف و يخفي ذلك الارتباك و يبعد عن مواجهة نظرات الأصدقاء في تلك اللحظة
كانت المكالمة قصيرة جدا خالية من أي كلمات حميمة ، فقط عرف كريم كم من الوقت باقي على وصول إيساف إلى الكافتريا ، خمس دقائق . و بعدما انهى تلك المكالمة نظر الي ابراهيم و قال له خمس دقائق فقط و يصل إيساف ، و انه يجب انتظاره لانه من العيب ألا ننتظره ، و مرة اخرى يطلب الأصدقاء من داليا الغناء و يبدأ صوتها الجميل في إنشاد أحلى أغنيات الحب
** 2 **
يظهر إيساف عند باب الكافتريا ، يحمل في يده لفافة صغيرة و بالطبع فهي هديته لكريم ، لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يلتقي بها إيساف بأصدقاء كريم ، فقد قابلهم مرات كثيرة قبل هذا ، لم يصيروا اصدقاء مقربين و لكنهم احبوه جدا و كانت علاقته بهم طيبة.. يصل إيساف الى مكان جلوس الأصدقاء ، يسلم عليهم و يعتذر عن تأخره ثم يجلس بجوار كريم و يعطيه الهدية قائلا :
- كل سنة و انت طيب يا كيمو
يشكره كريم و يأخذ الهدية و يفتحها بفضول ، و تظهر علامات الفرحة على وجه كريم قائلا :
- شيكاغو ؟!!! و كمان نيران صديقة !!! الله بجد متشكر انا فعلا كان نفسي اقراهم جداُ ، متشكر يا إيساف
ثم يتلفت إلى إيساف و يسأله عن سبب تأخره فيجيب إيساف انه تأخر لأن امه كانت مريضة و لم يكن هناك سواه في البيت لهذا انتظر حتى وصلت اخته و تركها مع امه المريضة ، اعتذر له كريم و تمنى الشفاء العاجل لها و كذلك فعل الأصدقاء
و هنا تدخل علي و طلب من كريم ان يطفىء تلك الشمعة التى قد قاربت على الإنتهاء ، بدأ الاصدقاء في غناء اغنية عيد الميلاد ( هابي بيرث داي تو يو ) و سريعا أطفاء كريم تلك الشمعة الوحيدة في كعكة عيد ميلاده
** 3 **
انتقل كريم و إيساف الى مكان اخر في الكافتريا بعيداً عن الأصدقاء بحجة انهم سيتناولون موضوع خاص بإيساف ، بعدما اخذ قطعتين من الكعكة له و لإيساف ، و بدأ الاثنان في تناول الكعكة ، ينظر كل منهم الى الأخر ثم ضحكا سوياً ثم بدأ ايساف بالكلام :
- بتضحك ليه ؟ - مبسوط قوي و سعيد جداً - يا رب ديماً ، بس أيه السبب ؟ - قاعد مع أحلى إنسان في العالم كله - في العالم كله مرة واحدة ؟ - عندك شك في ذوقي و لا ايه ؟
يضحك ايساف ثم يكمل الحديث :
- على فكرة أنا فهمت ليه التورتة فيها شمعة واحدة بس - بجد ؟ طيب ليه ؟ - لان دي أول سنة نكون فيها مع بعض - عندك حق ، أنا حاسس إن حياتي ابتدت من يوم ما عرفتك - طيب يا سيدي عقبال ما يبقى عندك 100 سنة و احنا سوا - 100 سنة بس - كفاية قوي ، دا انت طماع بشكل
يضحك الاثنان ، و يلتفت ايساف حوله و يكمل حديثه :
- كفاية بقى ، احنا قاعدين في مكان عام - اه نسيت .. قولي انت هتيجي تبات عندي الليلادي ؟ - يا ريت ، بس مش هقدر لان ماما تعبانه و مش هقدر ابات بره البيت الليلادي - ( بحزن ) طيب اوكي و لا يهمك - كريم انا متهيالي لازم امشي دلوقتي - بسرعة كده ؟ - معلش حبيبي انت عارف الظروف - طيب ، خلي بالك من نفسك و من ماما - انت كمان
يسلم ايساف على كريم و الأصدقاء و يغادر الكافتريا
** 4 **
يخرج إيساف من الكافتريا تاركاً كريم ، ينتابه ذلك الشعور الذي يجتاحه بعد كل لقاء مع كريم ، احساس بسعادة و فرحه و اشتياق و حزن لتركه و انه ترك جزء منه خلفه ، كم يشعر بحب كريم داخله ، يشعر انه اصبح جزء منه
لم تكن حياة إيساف تختلف كثيراً عن حياة كريم قبل لقائهما سويا ، كان إيساف وحيداً حزيناً ، يشعر بالخوف و عدم وجود أمل في الحياة . و يشعر بالظلم لانه خلق مثلي الجنس في مجتمع لا يعترف بإنسانية المثليين ، كانت تجتاحه مظاهر الغضب تجاه الدين و الناس و أوقاتاً تجاه الله الذي خلقه هكذا ، الله الذي شرع كل الأديان التي تحرم تلك المشاعر التى لم يختارها
كان عقل إيساف مشغول بحياته و كيف تغيرت بعد حبه لكريم ، نعم كم غير كريم من حياته ، اصبح اكتر استقراراً ، بدأ يحب نفسه لأن كريم يحبه ، بدأ يحب الناس جميعاً ، بدأ يري الدنيا من منظور مختلف ، بدأ يكون له هدف في الحياة . كم يتمني ان يستقل بحياته في شقة صغيرة يشاركه كريم العيش بها ، انتفض قلبه عندما تخيل انه يحيى هو و كريم في مكان واحد
كم يتمنى ان يعترف هذا المجتمع بحبه و علاقته بكريم ، و ان يصبح الزواج بينهم مشروعاً ، و لكن سريعاً يطرد تلك الأفكار عن عقله و يصيح لماذا أهتم بالناس ، الأهم انني وجدت كريم ، ينظر إيساف إلى السماء ليشكره الله و يتكلم بصوت مسموع قائلا - الحمد لله
تذكر إيساف كيف كانت علاقته مع الله ، و كيف كان بعيداً عنه قبل كريم ، نعم تقرب منه في الماضي طالباً منه أن يغيره ، أن يصلح ذلك العيب الذي خلق به ، ان يجعله يهيم عشقاً بالنساء و ليس بالرجال ، و لكن لم يستجب الله له ، لم يحدث هذا التغير . لهذا بدأ يعاتب الله و يلومه على ما يشعر به من ألم و احساس بالغربة و الخوف و الوحدة و الأحساس بالدونية حتى امام اقذر البشر مرتكبي اقذر الجرائم ، و لكن الحال الآن تغير فهو عاد إلى الله يعبده و يتقرب له و يشكره لانه هو الخالق و لأن عبادته واجب علينا ، مرة ثانية ينطق إيساف بصوت مسموع - الحمد لله
و يعبر إيساف الطريق و ما زال عقله مشغول بالتفكير ، ، و اذ بسيارة مسرعة تأتي من بعيد ، لم يراها ﺇيسـاف عندما قرر عبور الشارع ، و قبل ان يلحظها ﺇيسـاف ، جاءت السيارة مثل البرق صدمت ﺇيسـاف الذي ارتفع في الهواء ، و سقط على الأرض فاقدا الوعي
** 5 **
يسمع كريم و الأصدقاء صوت فرملة السيارة المرتفع خارج الكافتريا ، يجري معظم رواد الكافتريا الى شرفة الكافتريا المطلة على الشارع ، ينظر كريم فيجد إيساف ملقي على الأرض ، تظهر علامات الرعب عليه و ينقبض قلب كريم ، و تمر عليه ثواني يشعر كريم انه غير قادر على الحركة ، الا انه سريعاً يجري ناحية باب الخروج و يقفز درجات السلم و يتبعه الأصدقاء للخروج الى الشارع
يصل كريم الى ﺇيسـاف الملقى على الأرض ، كان ﺇيسـاف فاقداً الوعي و ينزف من اماكن متفرقه من جسده ، لا يعرف كريم ماذا يفعل ، يجلس بجواره على الأرض في حالة ذهول ، يمسك يد ايساف ، اراد ان يرفعه من الأرض ليضمه إلى صدره لكنه خاف الناس و تذكر كلمات ايساف له بأنه يجب ان يراعي تصرفاته امام الناس ، يشعر بالعجز التام ، لا يعرف ماذا يفعل ، فالانسان الذي احبه ملقى الآن امامه على الأرض ، يلتف الأصدقاء و الكثير من الناس حول ﺇيسـاف ، حيث يصرخ البعض و يتصل البعض بالنجدة و الاسعاف ، ، حتى يقطع هذا الزحام صوت سيارة الاسعاف
** 6 **
يقف كريم و الأصدقاء أمام حجرة العمليات حيث يوجد إيساف ، لم ينطق كريم بكلمة منذ وقوع الحادثة ، يبدو على وجعه الفزع و الخوف ، و عقله لم يتوقف عن العمل منذ وقوع الحادثة ، لا يستطيع ان يتخيل أن يحيى بدون إيساف ، كيف و لماذا هو ، إن حياته لم تبدأ إلا عندما قابل إيساف و دخل حياته ، إنه اليوم يبلغ عامأً واحداٌ كإنسان ، سوف تتوقف حياته اذا حدث مكروه لإيساف ، يحاول ان يبعد أي افكار مأثوية من عقله و يقنع نفسه أن إيساف سوف يعود مرة أخرى ، كثيرون يصدمون و تحدث لهم حوادث مشابهة ، و يعودون كما كانوا . سيعود ، سيعوده الله من أجلي و من أجل أمه المريضة
و يبدأ كريم في مناجأة الله و الدعاء سراً بأن ينجي إيساف من تلك الحادثة و أن يعود سليماً منها ، حتى يخرج طبيب من الحجرة المجاورة و خلفه شاب يبدوا عليه الخوف و الفزع محاولاً ايقاف الطبيب قائلاً :
- و النبي يا دكتور ، ابوس ايديك ( يحاول حقا ان يقبل يد الدكتور الذي يسحب يده ) اعمل اي حاجة ، خد الكلية بتاعتي المهم انها تعيش - يا ابني مينفعش ، خلاص الحالة دي هوبلس كيس ، الكلية توقفت عن العمل و الجسم خلاص اتسمم - حرام عليك ، حرام عليكم ، اعيش ازاي من غيرها - يا ابنى الاعمار دي بايد ربنا ، احنا مش ف ايدينا حاجة ، روح انت اقعد جنبها و شوفها عاوزة ايه اعملهولها ، اكلها و شربها اللى نفسها فيه
ينصرف الطبيب تاركاً فارس خلفه يبكي حيث لا وجود أمل في شفاء حبيبته ، يمسح فارس دموعه قبل أن يدخل باب الحجرة التي تنام بها حبيبته ينظر الأصدقاء لبعضهم البعض بعد هذا المشهد ، و يبدأ ابراهيم بالكلام :
- لا اله الا الله ، واحد حبيبته بتموت قدام عنيه ، ده اصعب موقف في الدنيا
ترد نهى على ابراهيم بتأثر قائلة :
- أه فعلاً ربنا يكون في عونه ، حاجة صعبة جداُ
ينظر كريم إليهم فقط ، لا يستطيع لسانه بنطق أي كلمة ، فهو الآن في نفس موقف هذا الشاب ، الفرق بينهم ان ذلك الشاب قادر ان يعبر عن حزنه و خوفه و لهفته تجاه من يحبها ، اما كريم لا يستطيع ان يظهر هذا الخوف و الحزن على من يحب ، ينظر كريم الى الأرض و يخفي حزنه داخله و يعود لمناجاة الله لينقذ إيساف
** 7 **
يدخل فارس الى الحجرة حيث ترقد شيماء فوق السرير ، يبدو عليها اﻹعياء الشديد ، يقترب منها فارس و يحاول ان يبدو طبيعيا راسماً على وجهة الابتسامة و يقول :
- على فكرة الدكتور طمني جدا عليكي و قالي ان التحاليل بتقول ان الكلية دلوقتي بقت تمام و انك هتبقى كويسة قريب قوي و انك لازم تكلي اللى نفسك فيه علشان جسمك يقوي و تخفي بسرعه ، نفسك ف ايه بقى ؟
ترد عليه شيماء و هي تتألم و يظهر الضعف في صوتها :
- انا عارفة انك بتكدب عليه ، و ان الدكتور قالك انى خلاص هموت - انتى ليه بتقولي كده ؟ بعد الشر عليكي ، ربنا يخليكي ليه ، انتى متعرفيش انا ممكن يجرالي ايه لو حصلك حاجة ، انا مقدرش اعيش من غيرك ، احنا ما صدقنا ان اهلنا وافقوا على ارتباطنا ، ياله بقى شد حيلك علشان نتجوز - يظهر انى ماليش نصيب انى اكون ليك ، في الأول كانوا رافضين عشان انت مكنتش لاقي شغل و لما لقيت شغل ، اديني اهو بموت - ( بحزن شديد و يحاول فارس ان يخفي دموعه ) متقوليش كده يا شيماء ، انا مقدرش اعيش من غيرك ، يا ريت كنت أنا - بعد الشر عليك ( يظهر عليها الأعياء اكثر ) هي ماما فين ؟ - وصلت لحد البيت بتجيب حاجة من هناك و راجعه على طول ، أنا موجود معكي أهو قولي بس انتي عاوزة أيه و أنا هعملهولك
ثم يقوم فارس بإحضار طبق به بعض التفاح و يقوم يتقطيعه إلى شرائح و يحول ان يطعم شيماء و لكن شيماء ترفض أن تتناول أي شىء
** 8 **
ما زال كريم و الأصدقاء واقفون امام باب الحجرة التي بها إيساف حيث يحاول الأطباء انقاذه ، تمر الدقائق على كريم كأنها ساعات من القلق و الخوف في انتظار اخبار عن حالة إيســاف ، يخرج طبيب من داخل الغرفة ، يسرع الأصدقاء و في مقدمتهم كريم ناحية الطبيب قائلاً :
- انتوا اللي مع الشاب بتاع الحادثة
يجب كريم سريعاً :
- ايوة يا دكتور ، هو عامل ايه دلوقتي ؟ - للأسف يا جماعة حالته سيئة جدا ، تقدروا تدخلوا تشوفوه
ينقبض قلب كريم و يظهر الرعب على وجهه و يحاول ان يداري خوفه ويلتفت الى الأصدقاء متسائلاً :
- هو فين الحمام ؟
** 9 **
ينهار كريم تماما بمجرد ان يغلق باب الحمام خلفه ، و تسيل دموعه التى حبسها امام الناس و يلتصق بجدار الحمام و يضرب بيديه و يعلو صوت بكائه الشديد ، و تبدأ صور إيســاف تظهر أمام عينيه متقطعة و سريعة ، يتذكر إيساف في أول لقاء لهم و عندما أخبره بحبه له ، يتذكر ابتسامته و ضحكته و حتى بكاءه ، يتذكر عندما كان يأخده في حضنه و ذلك الحنان الذي كان يشعر به معه ، و بدأ يسمع صوت إيساف و هو يغني له بصوته الدافىء الجميل تلك الأغنية التي عشقها بصوته :
... لو تعرفوا بنحبكم و نعزكم كده اد ايه ... لتقدروا حتى التراب اللي بنمشي لكم عليه .... الحب له احوال كتير ... و حبنا اكبر بكتير ... لانه الحب الكبير اللى ما فهش ازاي و ليه .. لو تعرفوا .... و يزداد بكاء كريم و يستمر صوت إيســاف في اذن كريم و تستمر صورة إيســاف بالظهور امام عيني كريم ، الى ان يسمع كريم صوت طرقات على باب الحمام ، انه ابراهيم :
- كريم ياله بسرعه إيســاف عاوز يشوفك - حاضر ثواني
يغسل كريم وجهه بالماء ليداري اثر بكائه و يخرج من الحمام .
** 10 **
يسير كريم و ابراهيم في الطرقة متجهين الى حجرة إيســاف ، و لكنهم ما ان يخطوا بجوار حجرة شيماء حتى يصدر صوت صرخة عالية لفارس ، فقد ماتت حبيبته .
- لااااااااااااااااء ، مش ممكن تموتي ، انا هعيش ازاي من غيرك ، ااااااااااااااااااااااااه
يتدخل بعض الناس لتهدئة فارس و اخراجه من الحجرة و لكنه يستمر في الصراخ و البكاء على حبيبته التي ماتت أمام عينيه
يتوقف كريم مكانه لثواني ، فقد انهارت كل قواه لا يلتفت لما يحدث خلفه حيث صراخ فارس و الناس التي تسانده ثم يكمل مسيرته الى حجرة إيســاف ، يقف امام باب الغرفة ثواني يستجمع فيها كل ما تبقى داخله من قوة و شجاعة لمواجهة الموقف
** 11 **
يدخل كريم إلى الحجرة و تفتش عيناه الحجرة سريعاً بحثاً عن أغلى الناس في حياته ، حبيبه الذي على مشارف الموت . يرقد إيساف فوق السرير محاطاً بمجموعة من الاجهزة و المحاليل و مناطق كثيرة من جسده ملفوفة بالشاش الملون باللون الأحمر . و يلتف باقي الأصدقاء حول السرير يدارون حزنهم . ينقبض كريم لهذا المنظر الذي به حبيبه ، كادت أن تفر الدموع من عيناه و لكنه تماسك و حاول أن يرسم ابتسامه باهته على شفتيه و قال :
- ايه يا عم إيســاف ، ديما كده قلقنا عليك ، ما انت زي الفل اهو .. شوية جروح خفيفة و خلاص ، و هتقوم بكرة زي الحصان ، شوف البنات كلها زعلانة علشانك ازاي ، ابسط يا عم ، معجباتك كتير
قال كريم كل تلك الكلمات بدون ان ينظر لعين ايساف ، فقد كان يتهرب من أن تلتقي عيناهم سوياً فهو يعرف انه لن يستطيع الصمود أو التمثيل أكثر من ذلك ، لكن إيســاف مد يده على شفتيي كريم . فصمت كريم عن الكلام و نزلت يد إيساف فوق يد كريم . في تلك اللحظة إنهارت تلك الشجاعة التى دخل بها كريم ، و نظر كل منهم في عين الأخر دون أي كلام و كأنهم يتكلمون بعيونهم بدلأ من ألسنتهم . لم يفهم أي من الموجودين ما الذي يدور و لكن كان هناك حوار صامت بين كريم و إيساف ، لا يسمعه سواهما . حيث قال إيساف :
- انت كويس ؟؟
بحزن شديد يجيب كريم :
- انا كويس ، المهم انت ؟ - انا بحبك
تنهال الدموع من عين كريم و يكمل الحوار الصامت بصوت باكي :
- انا بحبك اكتر - هتوحشني يا كريم .. خلي بالك من نفسك
لا يتكلم كريم ، فقط يعلو صوت بكاءة الشديد
ينزل كريم الي يد إيســاف ليقبلها ، في تلك اللحظة يموت إيســاف ، يرفع كريم رأسه عندما يربت احد الأصدقاء على كتفيه ، ينظر كريم الى إيساف فيجده قد فارق الحياة و يعلو صوت بكاء الأصدقاء ، فينهض كريم تاركاً الحجرة ، يخلو وجهه من أي تعبير و لكن الدموع تسيل من عينيه ، يسير كريم خطوتين ثم يسقط على الأرض .
#كريم_عزمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المثلية الجنسية و التدين
-
التفاح الأخضر و التفاح الأحمر و المثلية الجنسية
المزيد.....
-
وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف
...
-
-الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال
...
-
-باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
-
فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
-
مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
-
إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر
...
-
مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز
...
-
الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
-
اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
-
نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|