أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زياد جيوسي - صباحكم أجمل غِمار الزهر















المزيد.....

صباحكم أجمل غِمار الزهر


زياد جيوسي
كاتب واعلامي


الحوار المتمدن-العدد: 2191 - 2008 / 2 / 14 - 09:52
المحور: الادب والفن
    



يعود إلينا المطر من جديد، فتحتفل به الأرض وتحتفل به رام الله، فهو يترافق مع حملة التشجير التي بدأت، حملة تقوم بها البلدية بالتعاون مع القطاع الخاص والفعاليات الشعبية، وتعد هذه الحملة أنموذجا يجب العمل على تطبيقه في المجالس والبلديات الأخرى، فهو ليس جهداً حكومياً لينتظر الجميع الحكومة لتقوم به، بل مبادرات ذاتية وشعبية يمكن لكل من ينتمي لوطنه أن يقوم بها، إن توفرت الرغبة في المصلحة العامة، والانتماء للأرض والوطن.
رغم صباحات رام الله الشديدة البرودة هذه الأيام، إلا أن مساءها يحمل في طياته دفئاً ثقافياً وفنياً، ففي مساء الأربعاء الماضي كنا على لقاء مع أمسية والكاتب أكرم مسلم في أمسية لطيفة قرأ لنا فيها بعض مما كتبه عن انطباعاته عن مدينة هامبورغ في ألمانيا، ضمن مشروع "مداد" الذي بادر إليه معهد غوته، وكانت أمسية جميلة في المركز الثقافي الفرنسي الألماني في مدينة رام الله، ومساء الخميس كنا على موعد مع الرائعة المسرحية "أبو حليمة" على خشبة مسرح القصبة، والتي جعلت الجمهور يضحك على طريقة شر البلية ما يضحك، فقد أبدع الفنان إسماعيل الدباغ وهو يتقمص شخصية أبو حليمة الذي يمثل حالات الفلسطيني، ما بين النكبة والشتات والمخيم والقسوة والأنظمة والجيوش والثوار، ليعود و"يبحث عن فلسطين في فلسطين ولا يجدها"، ومساء السبت كنا على موعد مع نادي القراءة في مكتبة بلدية البيرة شقيقة رام الله التوأم، ومحاضرة جميلة عن: "ما بعد الحداثة" للصديق الدكتور زياد الترتير، وان اضطررت للاعتذار والمغادرة حين أنهى أبو طارق الحديث وقبل المناقشة التي فاتتني لارتباطي بدعوة أخرى، والحقيقة أن أسلوب الدكتور زياد مميز وجميل، فهو متحدث في المحاضرة لا قارئ عن ورق، مما يجعل التجاوب معه مميزاً، ورغم أني كنت تعب يومي الجمعة والسبت ولم أغادر فراشي إلا للمحاضرة، إلا أني شعرت بالراحة هناك وتمنيت لو حضرت المناقشة، وإن لم يفتني أن أتحاور معه لاحقاً في سيرنا المسائي بعد الفعاليات التي نلتقي بها عادة، ونقوم بالسير رغم البرد على الأقدام، حتى أوصله قرب بيته وأعود لأكمل السير ومداعبة الغيوم والنجمات في سماء رام الله ونسماتها الباردة الجميلة، والتي رغم كل جمالها لا بد من الاحتياط بالملابس الثقيلة والتي بالكاد تتمكن من تخفيف حدة البرد.
ارتباطي الآخر كان دعوة من حزب وطني يساري لحضور جانب من دورة لشبيبة الحزب عن المؤسسات، والحقيقة شعرت بالسرور وأنا أرى هذا العدد من الشباب والشابات وهم يتناقشون ويتحاورون، فقلت في نفسي: آمل أن يكون شبابنا وشاباتنا جميعاً بهذا الوعي الجميل، ولعل من أجمل ما صادفني هناك أني التقيت مع صديقي الإذاعي نديم عبده، هذا الشاب النشيط بالإذاعة والتغطيات للأحداث، الدمث الخلق والطيب المعشر، وحين دعينا لتناول العشاء همست بأذنه: يا صديقي ألسنا بحضرة حزب يساري؟ فقال: نعم.. فقلت له: وهل حزب يساري يعقد دورة مثل هذه ويكون العشاء "هامبرغر" والمشروب الغازي "كوكاكولا"؟.. أليس الأجدر الانتباه لذلك والطلب من مطعم الفندق أن يقدم العصير من صناعتنا الوطنية، ويقدم عشاءً مرتبطاً بنا كوجبة "مجدرة" مثلاً، وكيف يمكن لهذا الحزب أن يقوي الانتماء الوطني بحس شبيبته، وهو يقدم لهم ضمناً ثقافة "الهمبرغر والكوكاكولا".
وأما مساء الاثنين الأول من أمس فكنت بدعوة من أحد المراكز الأهلية في جلسة حوارية حول مفهوم العنف واللاعنف، ويظهر أن هناك من يحاول استنساخ تجربة "المهاتما غاندي" إلى هنا، رغم أن كافة الظروف الذاتية والموضوعية مختلفة تماماً، فلا مجال للمقارنة بين الاحتلال البريطاني للهند الذي كان يهدف للسيطرة على الموارد، وبين الاحتلال الاستيطاني الإحلالي في فلسطين، الذي يستهدف إحلال شتات الأرض بدلاً من السكان الأصليين الضاربين الجذور في هذه الأرض المقدسة، احتلال يطرد السكان من أرضهم ويدمر مساكنهم وأشجارهم، ويعتبر وطننا "وعد الرب" لهم، فهناك فارق كبير بين الحالتين وفارق كبير بين الكفاح المشروع من أجل الحرية وبين تعبير "العنف".
ومن هناك كنت مرة أخرى في أمسية ثقافية في المركز الثقافي الفرنسي الألماني، على لقاء مع الأسير المحرر محمود الصفدي، والذي قضى في سجون الاحتلال ثمانية عشر عاماً متواصلة، والذي الهم الكاتبة والصحفية الإسرائيلية "أميرة هاس"، من خلال تواصل استمر خمسة شهور وهو بالمعتقل، أن تكتب مسرحية "همس" والتي تعرض منذ بداية العام بشكل يومي في فرنسا، ولا تجد في المسرح مقعداً شاغراً، فحدثنا عن تجربة الاعتقال الطويل وكيف يمكن للمناضل في الأسر أن يتمكن من محاصرة الحصار، وأن يحيل السجن إلى مدرسة وتجربة مميزة، فمحمود حصل على الشهادة الجامعية الأولى في السجن.
والملاحظ أن المركز الثقافي الفرنسي الألماني بدأ يفرض حضوره منذ فترة على الساحة الثقافية والفنية في رام الله، في ظل تراجع الأداء في العديد من المراكز الثقافية حتى باتت لا تقدم إلا فعالية واحدة بين الفترة والأخرى، مقارنة بفترة سابقة كانت بعض هذه المراكز تسيطر على الساحة ثقافياً وفنياً، وكان لها برامج شهرية تغطي الشهر تقريباً في النشاطات.
رغم دفء الأمسيات في رام الله ثقافياً وفنياً، إلا أن ليلها ما زال يشهد غزوات خفافيش الظلام، فمنذ أيام ولا تكاد ليلة تخلو من دخول قوات الاحتلال للمدينة بعد منتصف الليل، تعيث خراباً وتشن حملات اعتقالات وتخريب، ففي العديد من الليالي الماضية، كنت أصحو على أصواتهم وتفجيراتهم، فيطير من عيوني النوم وأنا أرى هذه الخفافيش التي تأتي بعتمة الليل، تعيث بليل المدينة الهادئ وتحيله إلى ليل طويل وأرق متواصل، فمن المستحيل أن نتعايش مع احتلال يصر على إبراز وجهه البشع دوماً بالقتل والأسر والتخريب، لكنه الاحتلال ليس له وجه آخر.
أقف لنافذتي وأستعيد الذكرى وراء الذكرى، أستعيد شريط طفولتي وانتقال من بيتونيا إلى منطقة تدعى "سطح مرحبا" في أطراف البيرة، إلى بيت جديد وجميل، ولعل من أجمل ما فيه أنه مرتبط بالشبكة الكهربائية، فكل سنواتي السابقة كانت بلا كهرباء، أدرس على "لمبة الجاز"، وأتناول الطعام على "صينية القش الملون"، الموضوعة على مائدة قصيرة الأرجل كنا نسميها "الطبلية"، نجلس حولها على "الحصير" المصنوع من القش، وأنام على "جنبية" مصنوعة من مزق الألبسة التي بليت، وأتعاون مع إخوتي على نقل الماء من البئر بواسطة "الدلو" المصنوع من بقايا دواليب السيارات، فالماء كان من الأمطار و غيث السماء يتجمع في البئر، لننقله بجهد كبير إلى الخزان الإسمنتي فوق سطح البيت في بيتونيا، ونطحن العدس والفول على "الجاروشة" الحجرية التي كانت ملكاً لجيراننا، وان بقيت في مدرستي في بيتونيا عام آخر، كنا نعاني خلاله من الحر والبرد وطول المسافة للوصول للمدرسة أنا وشقيقي جهاد والعودة منها، إلا أن هذا العام كرس في روحي حب رام الله أكثر وأكثر، فكنت اتأخر عن البيت في العودة وأنا أجول شوارعها، أرتاح تحت أشجارها وعلى حواف أسوار البيوت والشوارع، فلم تبقى شجرة إلا وعرفتها وربطتني بها صداقة ومحبة، أقرأ بمجلات أستعيرها، أو كتب من مكتبة المدرسة تحت ظلالها، لذا حين عدت لرام الله بعد غياب ثلاثين عاماً، كنت أبحث عما تبقى من أشجارها التي عرفتها، وأتألم على كل شجرة تقطع أو تموت، فأشعر بأني أودع عزيز وغالي.
صباح آخر بعد ليلة قلقة، الأمطار هطلت طوال الأمس والليل بحب وجمال، رام الله تمارس عشق الاغتسال بالمطر وتتطهر من آثار القدم الهمجية، طيفي تجول روحه في فضائي، فنجان قهوة تشاركني فيه روح طيفي الحلو الشقي وحروف خمسة لم تفارق ليلي القلق، فيروز تشدو ككل صباح:
"هون نحنا هون، لوين بدنا نروح يا قلب يا مشبك عالدهر، عا سنين العمر، وضو القمر مشلوح، عا أهلنا الحلوين، عا بيوت غرقانين بالعطر بغمار الزهر، هون راح نبقى نسعد ونشقى، ونزرع الشجرة حدها الغنية، وللدني نحكي حكاية الهية".
صباحكم أجمل..
زياد جيوسي
رام الله المحتلة 13-2-2008
http://ziadjayyosi1955.maktoobblog.com/
مدونة أطياف متمردة




#زياد_جيوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صباحكم أجمل رام الله بتحلى أكثر بشجرها الأخضر
- صباحكم أجمل ثلج ثلج
- -العشاء الأخير في فلسطين-
- صباحكم أجمل/ يا خوفي من عتم الليل
- صباحكم أجمل أعود لوطن الموج
- صباحكم أجمل الرحيل.. ردني إلى بلادي
- صباحكم أجمل انطلاقة وزهرة المدائن
- صباحكم أجمل القدس وحديث العندليب
- صباحكم أجمل دار قنديل وعيد وبيسان
- صباحكم أجمل ويكبر السؤال
- -خيبة- قراءة في نص للكاتبة: صونيا خضر
- -مغارة ماريا- فيلم للمخرجة الفلسطينية: بثينة كنعان خوري
- صباحكم أجمل تلال ضيعتنا
- -ملح وشرر وحب- في نص للكاتبة: راوية بربارة
- صباحكم أجمل زرع وعناقيد
- صباحكم أجمل مملكتي أنا..
- أبو الريش و -دائما إتطلع في عيونهم-
- صباحكم أجمل رشرش المرجان
- صباحكم أجمل رام الله دعيني أحبك أكثر
- صباحكم أجمل ليالٍ وذكريات


المزيد.....




- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زياد جيوسي - صباحكم أجمل غِمار الزهر