أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عزو محمد عبد القادر ناجي - أثر التمايز الاجتماعي في عدم الاستقرار السياسي في الدولة( الطائفية ، العشائرية ، الإقليمية ، طبيعة ، الشعب ، العوامل الشخصية، صراع الأجيال ).















المزيد.....



أثر التمايز الاجتماعي في عدم الاستقرار السياسي في الدولة( الطائفية ، العشائرية ، الإقليمية ، طبيعة ، الشعب ، العوامل الشخصية، صراع الأجيال ).


عزو محمد عبد القادر ناجي

الحوار المتمدن-العدد: 2190 - 2008 / 2 / 13 - 10:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إن هناك هامش للاختلاف والتباين الثقافي تفرضه عوامل طبيعية ، مثل اللغة أو الديانة أو العرق وغيرها أو عوامل اجتماعية مثل الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها الفرد ، وعلاقة ذلك بالمستوي الاقتصادي والحالة التعليمية وإن وجود ثقافات فرعية أثنيه ضمن إطار الثقافة الوطنية أو السياسة السائدة لا يؤثر سلباً في تماسك الجماعات الوطنية أو تلاحمها و لا يقوض وحدتها الوطنية لأن مثل هذا التنوع الثقافي إن أحسن توظيفه لا ينال من الثقافة الوطنية الشاملة الموحدة، بل يثريها ويغذيها ، فالثقافة بما فيها من معرفة ومعتقدات وفن وأخلاق وقانون وعرف وقدرات وعادات تجمعت في مركب عضوي، وأخذها الفرد كونه عضواً في المجتمع ، فلا يمكن أن تتطابق خلالها كل الجماعات الوطنية لاختلاف السمات الأساسية الروحية و المادية والفكرية والعاطفية ، وداخل كل جماعة وطنية توجد ثقافات فرعية فالانتماء إلى الثقافة الوطنية العليا هو أساس الانتماء إلى الجماعة الوطنية كونه قاعدة المساواة في الاشتراك في السلطة ، لأن هذه التفاوت الذي يقوم عليه في البداية العزل السياسي لبعض الجماعات ، والذي يتولد من فقدان ثقافة عليا مشتركة ، ولا تصبح الثقافة العليا شاملة وشمولية بالمقارنة مع الثقافات الدنيا ، إلا إذا كان محركها الأساسي هو بناء الدولة لا المذهب ، فقيام النظام السياسي بتبني سياسة واحدة وجامعة ونشرها على مجموع أفراد الجماعة الوطنية ، ودون تجاهل أو تجاوز الثقافات الأخرى الفرعية ، بما يخلق ثقافة سياسية شاملة ، لجميع أعضاء الجماعة الوطنية ، مع الحفاظ على الخصوصية الفرعية للجماعات الطبقية والأثنية والعرقية والإقليمية .. الخ ، سيسهل من عملية بناء وحدة وطنية ، وعدم تحقيق التلاحم والاندماج بين القيادة السياسية وبين أعضاء الجماعة الوطنية ( عموم الشعب ) سواء أكانوا من الأقلية أم من الأكثرية سيؤدي إلى عدم تحقق الوحدة الوطنية ،فالقيادة الغير شرعية والغير ملتحمة بالشعب من خلال التفاعل المستمر ، لا تتمتع برضى أو بقبول المحكومين لقرارات وسياسات القائد وفي ذلك يقول مونتسكيو:
" إن لكل مجتمع طابعاً خاصاً وأسلوباً خاصاً للتفكير ، وروحاً تكونت خلال العصور ، وهذه الروح ذات قدرة كلية وكل ما تفعله السلطات الحاكمة وموظفوها متصل بها، إنها روح الشعب التي لا تعلو عليها أي سلطة ، وما من سلطة إلا وتكون هذه الروح أساساً لها ، وهي تظل سائدة حتى يتم هلاك الجهاز الجماعي ، وكأنما هي محرك له ، وهي تبادله التأثير المستمر ... إن قوانين شعب ما ومعطياته النفسية لا تنفك تعارض بعضها البعض ، والخلافات التي تنشب خلال هذه الحركة الجدلية ، بين روح الجماعة والأشكال التي تأخذها القوانين ، يمكن تحفظها باستمرار ، كما يمكن أيضاً لهذه الخلافات أن تقود الشعوب إلى الدمار .... في وسعنا تتبع حياة الشعوب بتحليلنا التبدلات المستمرة التي تتم في تشريعها ، ولكن منذ أن تقوم الوحدة بين القانون وروح الشعب ، ومنذ أن تظهر بنية هذه الروح الإجمالية ، فإنها تستمر في تطورها ، وفق ما تعطيها هذه البنية من أشكال هي حركات تقدم أو تقهقر في حدود إمكانيات معينة ، ولذا فإنها مهمة شاقة أن نحذف هذه الحدود أو أن نغير رسمها ، ولابد للمشرع من مزيد من الحذر عندما يتصدى في أمة لتبديل القوانين الأساسية التي رسمها التاريخ وظل الشعب متخلفاً بها ".
فالنظام السياسي وفق ما سبق يجب أن يراعي في قوانينه ثقافات الشعوب التي تشكل مجتمعه ، وعدم مراعاته ستودي إلى عدم الاستقرار السياسي داخله ، رغم أن تغير الظروف قد يؤدي إلى تغير بعض القوانين في الدولة لكن يجب على النظام أن يكون دقيقاً، و حذراً جداً حيال ذلك، فالإرادة العامة للجماعة هي التي يجب أن تسن القوانين وتشرع للشعب بحيث تكون هذه الإرادة العامة هي المعبر عن الميول الخاصة للجميع و تخضع المصالح الخاصة للمصلحة العامة ، ويتحقق ذلك من خلال الفصل بين السلطات وتوازنها بحيث لا تظلم إحداهما الأخرى ، فيقول هيردورت في ذلك: " إن الحكومة أو الدولة توجد إن توافر فيها شرطان هما :1-الشعور الجماعي بحاجتها .
2-ثقة الجميع في عدالة القضاء وقراراته و أحكامه " .
فاختلاف الأفراد والجماعات في المجتمع المكون من بنى اجتماعية كثيرة وشرائح كثيرة من المجتمع أيضاً، مثل وجود السود و البيض في المجتمع يؤدي إلى صراع بينهم، حيث يطالب السود بحقوقهم أمام سيادة البيض الذين يحاولون الاحتفاظ بسلطتهم ، كما أن الفقراء يحقدون على الأغنياء عندما يكون هناك ظلم اجتماعي لذلك فينخرطون في جماعات تطالب بتوزيع الثروة ، أيضا تنوع الأديان والتعصب لها يؤدي إلى الصراع ، والمطامع الشخصية تؤدي إلى الصراع أيضا، فهتلر بمطامعه الشخصية عمل على فرض إرادته على جيرانه من خلال الحروب البربرية معهم ، فأي صراع في المجتمع يكون وليد التغيير فيه ، مثل العوامل الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية التي تكون في تطور مستمر ، وبالتالي فلا تطور لمجتمع بدون صراع يحدث فيه وعملية التفاعل بين الفرد وبيئته تؤدي إلى المطالب الداخلية لتغيير البيئة ، ومحاولة كبت هذه المطالب وعدم الاستجابة لها سيؤدي إلى توتر يقود إلى انفجار وعنف ، لكن إذا كان هناك نشاط سياسي قوى يستطيع احتواء هذا الصراع فتخف حدة الصراع ، ويرى ويلسون أن هناك ثلاثة عناصر تؤثر في حالة الصراع عند الأفراد في المجتمع ، وهذه العوامل هي عامل التنشئة الاجتماعية التي تعني الخبرة التي يكتسبها الإنسان من محيطه الخارجي، وعامل نشاطات المجتمع التي يتأثر بها ، وعامل الوراثة عند الإنسان ، ويرى أكشتاين أن العامل الرئيسي لعدم الاستقرار السياسي داخل المجتمع هو بسبب عدم الاتساق السياسي فعدم وجود أتساق بين الأفراد الذين يؤدون أدوارهم في المجتمع يخلق عدم تجانس في التنسيق المجتمعي ، فعلى سبيل المثال ، إن إصدار الدولة لقوانين وقواعد وعدم تحقيقها لها سيقود إلى الصراع وعدم الاستقرار السياسي ، وأيضا إن عدم قدرة صاحب القرار على الاستجابة السريعة للمدخلات الخارجية أو المطالب الداخلية بسبب ضعف التنظيم والإدارة ، سيقود إلى عدم الاستقرار السياسي ،وأيضا طبيعة العلاقة بين النظام من جهة والرعية من جهة أخرى سيؤدي إلى عدم استقرار سياسي ، لكن عملياً فإن امتلاك الفرد للسلطة المطلقة سيفرض عليه التضحية بالعدالة ، ليرضي أهواءه ومؤيديه ، وسيؤدي ذلك أيضاً إلى الصراع وعدم الاستقرار السياسي ، حيث سيزداد الصراع على المراكز والموارد في المجتمع، بيد أن الماركسيون يرون أن الصراع في المجتمع يساعد على تطوره ويزيل التعارضات والتناقضات فيه ، حيث أنه بوصول المجتمع إلى مرحلة الشيوعية سينتهي هذا الصراع ، لكن الليبراليون يرون أن الصراع والتنافس ظاهرة صحية وحيوية لبقاء المجتمع وتطوره ، بشرط ضمان قواعد يحددها نظام شرعي ، لأن الصراع يؤدي إلى التكامل والتطور في المجتمع نحو الأفضل ، بما يدعم الاقتصاد الوطني ، فالتنافس الاقتصادي والسياسي يجعلان الاقتصاد يزدهر ويصل إلى الحكم أفضل الناس ، وأكفأهم ، فيحكمون لصالح المجموع ، أما عدم شرعية النظام فسيؤدي إلى تحطيم السلطة ، ويسبب عبئاً كبيراً على الميزانية العامة للدولة ، فالنظام الأوتوقراطي على سبيل المثال يلجأ إلى وضع دستور يلائمه ، على أساس أن مصلحة الشعب والأمة تتحقق من خلال هذا الدستور .
وقد حدد كارل دويتش شروطاً لتحقيق شرعية النظام ومن ثم استقراره وبدونها فلن يتحقق استقرار لذلك النظام، وهذه الشروط هي :
1- تعترف الأحزاب والجماعات السياسية كلها بالقوانين .
2- تكون القوانين واضحة متناسقة لا تناقض بينها .
3- إيمان الجميع أن هذه القوانين غير متميزة .
4- سهولة معرفة الخارجين على القانون .
5- إيمان الجميع أن هذه القوانين ستطبق على الجميع دون تمييز .
6- عدم تناقض القانون مع أعراف وتقاليد المجتمع الأساسية .
7- وصول القانون إلى درجة اعتباره قيمة اجتماعية محمودة من قبل الجميع .
8- يعترف الجميع بنيتهم تطبيق القوانين .
ويرى البعض أن الصراعات التي تحدث في المجتمع على فترات متباعدة هي صمام الأمان الذي يعمل على تصفية التوترات التي تختزنها المجتمعات وهي في حالة تطورها لأنه وسيلة إلى معرفة وتأكيد الذات للجماعات المتصارعة لتوحيد صفوفها أمام غيرها ، لذلك فهو يعد من أقوى الأسلحة النفسية لإحراز النصر في نهاية المطاف ، كما أن هذا الصراع يختلف تبعاً لاختلاف شخصية رأس الدولة وميوله ، كونه معتدلاً أو جماهيرياً أو يمينياً وغير ذلك ، فالكثير من المفكرين ( ) والمحللين الغربيين يرون بالعنف المسلح أسلوباً طبيعياً مقبولاً على مر التاريخ لحل النزاعات والصراعات الاجتماعية والسياسية في المجتمعات المتخلفة ، كونها تفتقد للضوابط المؤسساتية ، أي لانتقال السلطة بشكل اعتيادي متفق عليه ، من حاكم إلى آخر ، ومن جماعة إلى أخرى ، لذلك يلجأ أطراف النزاع إلى حله لمصلحتهم بالعنف أو بالتآمر أو بالاغتيالات وغير ذلك من الوسائل المتاحة ، ويرى أريك هوبسباوم أن الدين والقومية والتراث الثقافي عامل تفرقة لكيان الدولة لأنه يتجاوز الاختلافات الأثنية واللغوية والسياسية وغيرها ، فلم يكن وجود باكستان سوى بسبب رد فعل على الحركة القومية لعموم الهند والتي لم تمنح اعتراف كافي بالمشاعر أو المطالب الخاصة بالمسلمين، بينما حدث العكس لمسلمي الصين الذين يتجاوز عددهم المائة مليون نسمة، لأنهم يعتبرون أنفسهم قومية صينية ، بسبب أن القيادة الصينية لا تفرق بينهم وبين عموم سكان الصين، فالتراث الثقافي والولاء السياسي هو الذي شكل الأمة الصينية أو اليابانية، والانتماء إلى دولة تاريخية أو حقيقية حاضراً أو ماضيا ، يمكن أن يؤثر بشكل مباشر في وعي الناس العاديين نسبياً ، مسبباً إرهاصات النزعة القومية ، ومهما يكن من أمر، فإن مبدأ القوميات يظل مشروعاً عند ما يتحول إلى توحيد الجماعات المبعثرة من السكان في جماعة واحدة متراصة ، وغير مشروع على الإطلاق عندما يتجه إلى تجزئة الدولة ، وحل هذه المعضلة هو الديمقراطية السياسية التي تعبئ المواطنين وتجعلهم يعتبرون ما تعتبره الدولة في سياستها وقوميتها ، فبحسب تعريف الأمة فيما أوردته بيانات الثورة الفرنسية عام 1789 بأنها " كتلة من المواطنين لهم نفس الحقوق في البلاد " ، لكن هذا لا يتحقق إلا بالديمقراطية الحقة ، فالهند على سبيل المثال تتألف من قوميات عديدة ، لكن يجمعهم قالب اجتماعي واحد ، وقد عمل المؤتمر الوطني الهندي على تعريف يجعل جميع سكانها يدخلون في نطاقها حيث عرف الأمة بأنها : " هي التي اشتركت في النضال من أجل الحرية " ، فهذا التعريف يشمل كل سكان شبة القارة الهندية ، وبطبيعة الحال ، إن عدم وجود وحدة وطنية في دولة تحتوى العديد من القوميات سيؤدي إلى دعواتها الانفصالية مهما طالت مدة سيطرة القومية أو القوميات المهيمنة ، وفي ذلك يقول جورج زيمل :
" الجماعات وخصوصا الأقليات التي تعيش في حالة صراع غالباً ما ترفض التقارب أو التسامح من الجانب الآخر ، إذ أن الطبيعة المغلقة لمعارضتها التي بدونها لا يمكنها أن تستمر في القتال ، سوف تصبح مشوشة وضمن بعض الجماعات قد يكون من الحكمة السياسية ، حتى أن يرتب وجود بعض الأعداء ، لكي تكون وحدة الأفراد فعالة ، ولكي تظل هذه الجماعة واعية ، لهذه الوحدة باعتبارها مصلحتها الحيوية " .
وبناءاً على ذلك فالنزعة القومية التي تستبعد من نطاق سلطتها كل من لا ينتمون إلى أمتها الخاصة بها، على أساس أنها أمة تاريخية ، لا تكون ملائمة للمستقبل لأنها مجرد احتجاج على الوضع الراهن ، أو ضد الآخرين الذين يهدون هويتها ، وبالتالي تكون غامضة ومفتقرة إلى المضمون البرنامجي على عكس الأصولية ، أيضا الآراء التي ترى أن ما يجمع الناس إلى بعضهم البعض هو التشابه الأثني أو الديني أو اللغوي ، تقود إلى تطلعات انفصالية استقلالية للأقليات داخل هذه الكيانات القومية ، فمثلا في مولدوفيا مجموعة قوميات منها الأتراك والروس الذين يحاولون الانفصال عنها ، كما يؤخذ على الحركات القومية العربية أنها لم ترى أن هذه الأرض ليست للعرب وحدهم بل لهم شركاء فيها من الكرد والبربر والزنوج بالرغم من أن هذه الحركات تفاخر بصلاح الذين الأيوبي وإبراهيم هنانو و عبد الكريم الخطابي وغيرهم من ذوي الأصول غير العربية، إلا أنها أنكرت الأكراد والبربر والقوميات الأخرى ، و اعتبرت دعواتهم بالتمايز خيانة وانفصالية وشعوبية ، فيقول أحمد الربيعي حول القوميون العرب:
" إن القوميون يرفعون شعارات الوحدة ، ولكنهم لا يحركون ساكناً لحل مشكلات أقطارهم ، يهربون من مواجهة قضايا القطرية التي يمكن حلها بالإرادة الصادقة إلى طرح قضايا الأمة الكبرى ، معتقدين أنهم بذلك يحلون مشكلة ، وهم يزيدون مشكلة التجزئة ويعتقدونها ، ويطرحون وحدة الأمة بلغة الشعراء الذين يتغزلون بحبيبتهم المريضة ، ولكنهم لا يقدمون لها الدواء ".
لذلك فهم يتميزون بكرههم للآخرين، وعدم اعترافهم بآرائهم وبوضعهم الاجتماعي ، ويرون أن النظام الليبرالي الديمقراطي عقبة أمام التغيير لأن التغيير عندهم يشمل فقط القضاء على البرجوازية والإقطاع، وهذا ما أدى إلى ردة فعل عند القوميات الأخرى ، و الطبقات الأخرى ، مما أدى إلى عدم استقرار سياسي داخل المجتمع ، وبذلك أحدثوا ردة إلى العصور القديمة و الوسطى عندما عملوا على السيطرة بالقوة على السلطة ، مثلهم مثل حكام تلك الأزمنة – العصور الوسطى- التي كان يتم فيها الوصول إلى السلطة بقتل الحاكم أو إقصائه بالقوة ، من خلال أقليات قبلية أو دينية أو عرقية ، تعمد إلى تبني إحدى التيارات الفكرية الموجودة داخل المجتمع لتستخدمه كغطاء فكري يعبر عن حاجات المجتمع الذي سوف تحكمه ، وبالتالي تعمل على إقصاء الجماعات الأكثر تمثيلاً لذلك التيار ، و الأكثر تدقيقاً لما تنوى العمل به ، لذلك يكون المثقفون أول مستبعدين لها ، عن طريق التصفية بأنواعها المختلفة ، فلم يدخلوا السلطة إلا من خلال العنف ولم يكن خروجهم منها في بعض الدول إلا بالعنف ، لذلك يعمدون للحفاظ على وجودهم بإباحتهم للعنف، لذا من المستحيل عليهم أن يكونوا ديمقراطيين .
إن بنية الدولة المختلفة عادة قائمة على حكم القبيلة والعشيرة والطائفة والمذهب والدين سواءاً كانت السلطة مدنية أم عسكرية ، فالطبقة الحاكمة تتصرف على أساسي عصبوي ، الأمر الذي يدفع المجتمع إلى الاحتماء بعصبياته ، فتنهار التسوية الشكلية بين الدولة الراعي والمواطنين الرعية ، وتنشأ مشكلة الأقليات ، فالأقلية حسب رأي عبد السلام إبراهيم بغدادي ، ليست الجماعة الأقل عدداً قياساً ببقية سكان الدولة ، وإنما الجماعة الأقل أهمية وذلك حسب المعيار السوسيولوجي أي معيار الأهمية، سواءاً على المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي ، حتى وإن شكلت هذه الجماعة الأكثرية العددية بين سكان الدولة ، ، وهذا يجعل الفرد في المجتمعات المتخلفة ( )يبدي الولاء للقبيلة أو الجماعة التي يعيش فيها ، فينشئ ولاء مزدوج عنده أوله الولاء لمجموعته الصغيرة ، سواءاً كانت عرقية أو دينية أو مذهبية أو غير ذلك ، وولاء يتجه للأمة أو للوطن ، لكن هذا يعيق الولاء للدولة القومية الجديدة وينفى وجود رأي عام موحد تجاه المشاكل الكثيرة ، وهذا سيؤدي إلى صراع أيديولوجي أثني عند الفرد ، يتحول إلى صراع يؤثر على الاستقرار السياسي في المجتمع ، لأن حجب القوى والتيارات الموجودة على الساحة من شرعية وجودها وعدم إتاحتها للتعبير عن نفسها في قنوات حزبية أو ثقافية أو ... الخ ، سيؤدي إلى عدم الاستقرار السياسي ، لكن وجود هذه القنوات سيعطيها حجمها الحقيقي ، فحينما تلجأ الحكومات إلى القمع للحفاظ على الاستقرار الهش داخلها ، وتحاول إجبار المواطنين على التعايش معها يكون هذا التعايش مؤقت ، لأن الدوائر التي تستفيد من الفساد تكون ضيقة وتتقاسم فيما بينها ثماره في ضوء محدودية موارد البلاد المختلفة ، ويظل
أسلوب العنف هو الأسلوب الوحيد لإنجاز التغيير السياسي والاجتماعي في ظل عدم وجود قنوات ومسالك شرعية ، وفاعلة لإنجاز التغيير بطرق شرعية ، لأن الاستبعاد السياسي وعدم المشاركة وأزمة الهوية ، هي من الأسباب الرئيسية للعنف وبالتالي لعدم الاستقرار السياسي وبناءاً على ذلك يقول هيرمان هيس ( ):" عندما يتداخل عصران وثقافتان وديانتان ، تتحول الحياة البشرية إلى معاناة حقيقية إلى جحيم ... هناك أوقات يحشر فيها جيل كامل في ذلك الطريق الواقع بين عصرين ، وأسلوبين للحياة فيكون نتيجة ذلك أن يفقد كل قدرته ، على فهم نفسه ، ويفقد المعايير والأمان وبساطة الرضى " ،
فمشكلة الشخصية الوطنية تتعقد بسبب الفجوة بين الأجيال وتزداد حدة ، بضعف الروابط والقيم التقليدية المستمرة من الأسرة الكبيرة والعلاقات المجتمعية الثابتة ، ويصبح الحوار بين الأجيال لا معنى له، فانهيار الاتصالات بين الأجيال كان له جذوره في عدم ملائمة الرموز القديمة لكثير من الشباب ، لذا فالجدل يتطلب القبول بإطار عام يمكن الرجوع إليه ، وبلغة مشتركة ، ولما كان هذا الإطار غير موجود ، لذلك سيصبح الحوار مستحيلاً بشكل متزايد ، فالصدام بين الأجيال ، بسبب أن الكثير من الشباب يرفضون قيم من هم أكبر منهم سناً ، كما أن بعضهم يتهربون من مسؤولية تحمل القيم، وبالتالي تصل أجيال من الشباب تدعي الخبرة ، وحقها في الاشتراك في سلطة الحكم ، على أساس أنها مدربة على أعمال متقدمة أكثر من الأجيال الأخرى، وبالمقابل يرى الجيل السابق أي الأقدم سناً ،أن له مصالح مكتسبة خاصة ، وطريقاً خاصاً في الحياة فيتولد الصدام بينهما وبنتيجة ذلك تتولد عدة قضايا ، فإذا لم يكن هناك منافذ للحوار الديمقراطي فينشأ عدم استقرار سياسي واجتماعي في المجتمع .
والدين له دور هام في حياة الشعوب ، فقد كانت الأيدولوجيا الدينية هي التي تهيج الجماهير وتجيشها ,لكي تنخرط في الحركات الكبرى مثل الحروب الصليبية، والدعاية العباسية التي قلبت الدولة الأموية وغير هذه الأمثلة , التي تؤكد مدى تأثر الأفراد والجماعات بالدين، لكن عندما أصبحت أوربا علمانية في العصور الحديثة حلت الأيدولوجيا السياسية محل الأيدولوجيا الدينية، في القيام بهذه المهمة ، وأصبحت على أساسها الأحزاب السياسية والنقابات هي التي تعبئ الجماهير وتجعلها تنزل إلى الشارع ، وحلت الحروب العلمانية بين الأحزاب الاشتراكية والأحزاب الليبرالية، وأصبحت تستغل الروح الجماهيرية المكونة من الانفعالات البدائية، والمكرسة بواسطة العقائد الإيمائية القوية البعيدة عن التفكير العقلاني والمنطقي بسبب خضوعها لتحريضات وإيعازات أحد المحركين أو القادة الذي يعرف كيف يفرض إرادته عليها ، وفي مثل هذه الحالة ينخرط كل شخص في الجمهور ، ويبدأ بتنفيذ الأعمال الاستثنائية التي ما كان مستعداً لتنفيذها ، لو كان في حالته الفردية المنطقية والواعية ، فالقائد السياسي أو الزعيم يستخدم الصورة الموحية والشعارات البهيجة بدل الأفكار المنطقية والواقعية ليستملك روح الجماهير التي لا تعرف مصالحها ، فقد قامت مظاهرات في الدول المختلفة تطالب بالإصلاح الزراعي أو بالتأميم أو بالتحالف مع الشيوعية ، أو الابتعاد عن الغرب أو الحياد ، لكنها لم تدرك ما سيؤول إليه وضعها بنتيجة ذلك، بعد أن أخضعت بلادها لهذه الإجراءات العنيفة من خلال مغامرين قصري النظر لمصالح بلادها وأهدافها ، وهذا ما يفسر ثوران الجماهير بعد الحرب العالمية الأولى باسم الفاشية أو النازية في بعض دول أوربا الغربية ، ولم تدرك فداحة خطأها عندما سلمت أمورها إليهم ، إلا بعد أن انهارت اقتصاديا وسياسياً وعسكرياً ، وخضعت بلادها لاحتلال الحلفاء ، فتبخرت أحلامها بأساطير النازية أو الفاشية ، وقد فسر لوبون نفسية الجماهير من خلال ثلاثة أبعاد قامت عليها وهي: ( )
1- الجماهير ظاهرة اجتماعية .
2- عملية التحريض هي التي تفسر انحلال الأفراد في الجمهور و ذوبانهم فيه .
3- القائد المحرك يمارس عملية تنويم مغناطيسي على الجماهير ، كما يمارس الطبيب على المريض .
وعلى ذلك فالجمهورغير مسؤول لأنه مغفل وبالتالي لا رادع له بعكس الأفراد الذين يحسون بالمسؤولية الفردية ، مما يجعلهم لا يقدمون على أعمال محظورة ، لأن هناك رادع يدركونه ، فالفرد المنخرط في الجمهور له عدة خصائص أساسية هي :
1. تلاشي الشخصية الواعية .
2. هيمنة الشخصية اللاواعية .
3. توجه الجميع ضمن نفس الخطأ بواسطة التحريض والعدوى للعواطف والأفكار .
4. الميل لتحويل الأفكار المحرض عليها إلى فعل وممارسة مباشرة .
فيكون الفرد غير منطبق على واقعة المنطقي الواعي ، وإنما يصبح عبارة عن إنسان آلي، لم تعد إرادته قادرة على قيادته ، وبالتالي فمن الممكن أن يقترف أعمالا مخالفة لمصالحه الشخصية ، فعلى سبيل المثال ، كان أعضاء الجمعية التأسيسية للثورة الفرنسية ، برجوازيين هادئين مسالمين ، لكنهم عندما اندمجوا مع الجماهير الهائجة أصبحوا هائجين متحمسين ، ولم يترددوا تحت تأثير بعض المشاغبين في أن يرسلوا الأشخاص الأكثر براءة إلى المقصلة ، وقد ساروا بذلك عكس مصالحهم الخاصة ، وتخلوا عن حصانتهم البرلمانية ، وأبادوا أنفسهم بأنفسهم ، فالأيدولوجيا التي يزرعها القادة أو الزعماء بالجماهير تكون هي المحرك الأساسي لهم، لكن تظل الأيدولوجيا الدينية المتوازنة لها دوراً كبيراً في التأثير على الجماهير في جميع العصور وهذا ما أكده نابليون بونابرت عندما خطب في مجلس الأمة الفرنسي قائلا : " لم أستطع إنهاء حرب الفاندي إلا بعد أن تظاهرت بأنني كاثوليكي حقيقي ، ولم أستطع الاستقرار في مصر ، إلا بعد أن تظاهرت بأني مسلم تقي ، وعندما تظاهرت بأني بابوي متطرف استطعت أن أكسب ثقة الكهنة في إيطاليا، ولو أنه أتيح لي أن أحكم شعباً من اليهود لأعدت من جديد معبد سليمان " ، كما يؤكد هذه الحقيقة عضو الجمعية التأسيسية بعد الثورة الفرنسية فوكروا بقوله :" إن الأغلبية الكبرى من الشعب بحاجة إلى الدين ، والشعائر والكهنة وقد جر بعض الفلاسفة المحدثين وجررت أنا شخصياً إلى نفس الخطأ عندما اعتقدنا بأن نشر التعليم في أوساط جماهير الشعب سوف تؤدي إلى تدمير الأحكام المسبقة ، والعقائد تشكل بالنسبة للعدد الكبير من البؤساء مصدر للعزاء ، وبالتالي فينبغي أن نترك لجماهير الشعب كهنتها وهياكلها وطقوسها ".
وبما أن لكل مجتمع : في العالم عدة ولاءات داخله ، إلا أن هذه الولاءات تكون ثانوية بالنسبة للولاء العام للدولة أو للأيدولوجيا التي تحملها الدولة بشرط أن تكون مستمدة من روح شعبها وحضارتها وتقليدها فقد كانت الإمبراطورية الإسلامية في جميع مراحلها بدءاً من العهد الراشدي وحتى العهد العثماني ، تضم شعوباً متعددة يربطها الولاء للإسلام أكثر من الولاء للدولة ، وقد ورثت هذه السلطة بغض النظر عن عصورها ونماذجها، عصبيات قبلية قوية ، ذات صلة ، وثيقة ، بطبيعة المجتمع الرعوي الصحراوي أو الجبلي ، وبما أن السلطة كانت تضم خليطاً من الأعراق والشعوب والأديان فلم تكن قادرة على تقديم أكثر من مشاركة تجاه رمزيين بها ومعها في حين كان الانتماء إلى الجماعة المحلية أو العائلية أو الطائفية ، هو الأساس بالنسبة للجماعة الفرعية ، فكانت الأمة الإسلامية -لا السلطة التي تحكمها- هي مركز التوازن والاستقطاب في مجتمع مشدود بين روابط الجماعة المحلية من جهة ، والولاء الشكلي لدولة رمزية لا قومية ، تستمد سيادتها من السيف قبل كل شيء وعلى هذا الأساس يرى برهان غليون أن الدولة العربية أو الإسلامية لا تستطيع تكوين علاقات اجتماعية بحيث تحقق المجتمع المدني ، وإنما هي واسطة لتحقيق بقاء الأمة واستمرار المجتمع ، وتحقيق الولاءات المختلفة خارجها ، فإذا ما تحطمت الدولة تفقد الجماعات داخلها الترابط ، كما تفقد مركز توازنها كجماعة سياسية ، وبالتالي لا تستطيع الجماعات بداخلها التعايش في إطار جماعة واحدة ، ويطرح التيار الإسلامي حلاً لهذا المشكلة من خلال رؤيته أن الإسلام هو دين ودولة من خلال تحويل الجماعة الإسلامية إلى جماعة سياسية ، وتحويل الولاء المحلي للجماعة إلى ولاء سياسي للدولة لذلك يردف تركي الحمد رأيه حول مشكلة الولاء في الدولة العربية بقوله :
" القبيلة والعشيرة والطائفة والإقليم والأقلية العرقية أو المذهبية والعائلة الكبيرة الممتدة ، هي الوحدات الاجتماعية السائدة في الأقطار العربية ، والتي يستمد منها أفراد ومواطنو هذه الأقطار هوياتهم ، وإليها تتجه ولاءآتهم ووفقا لآلياتهم يتحدد مجال حركتهم وتفاعلهم الاجتماعي والسياسي ، والدولة الوطنية هي عبارة عن شكل ظاهري يخفي في جوفه هذا التشرذم والتشعب ومن خلال السلطة المركزية يحفظ هذا الكيان، والمجتمع المدني حتى الآن لم يستطع صهر هذه التشرذمات في إطار هوية واحدة متجانسة قادرة على البقاء دون تدخل السلطة المركزية ، وأي ضعف في السلطة المركزية سيؤدي إلى ظهور الهوايات المستترة والولاءات المختفية على السطح مكونة كيانات أخرى جديدة ، أصغر فأصغر ...
ولا يمكن تكوين الولاء القومي ، لأنه ليس مسألة إرادية ولا يمكن أن يكون في أي وقت نريده ، وإنما يتكون بفعل عوامل ثقافية واقتصادية وسياسية ، عبر فترة زمنية طويلة .... إن التحالفات المنتظمة والمتجددة ، الاجتماعيات المنتظمة ، بين الجماعات غير كافية لإنشاء دولة ، ويلزم لإنشاء دولة ، اتصالات مستمرة ، ودائمة ، وليست متقطعة ، فالعيش والعمل لجماعة ما خلال عدة أجيال من الممكن أن يؤدي لإنشاء دولة ".
لذلك نجد أن الدولة العربية والدول المتخلفة بشكل عام هي دول عصبوية ، أي تتجاوز فيها الجماعات والأقاليم بفعل القوة القاهرة الرادعة وحدها، دون أن تكون بينها قاعدة تواصل وتفاعل مشترك ، من البيئة الحضرية الاقتصادية المتصلة الحلقات ، وسقوط السلطة المركزية القاهرة الموحدة يؤدي إلى تفرق هذه الجماعات ، لأنها تفتقد الامتداد والتواصل الحضاري والاقتصادي القادر على صهرها في بوتقة واحدة ، فهذه الدولة تختلف عن الدولة العصبوية التي تكون فيها الوحدة السياسية هي الوحدة التي يتشارك على امتدادها السكان في وحدة تفاعل حياتي ومعيشي كامل ، بحيث ينشأ فيها مجتمع متجانس قادر على البقاء والاستمرار حتى لو سقطت السلطة السياسية ، ولهذا السبب فإن اعتماد بعض الدول العربية في حكمها على اللاحضريين( البدو الصحراويين أو الجبليين المنعزلين ) يعيدها إلى الصفر ، لأن البدو والرعاة لا ينشؤون دولاً ، فالنخب التي حكمت وهي بهذه الأصول لن تستطيع إنشاء الدولة القومية ، لذلك عمدت هذه النخب على تبني مفهوم العروبة الرومانسي على أساس رفضهم الدولة الوطنية ، مما أدى لاصطدامهم بدعاة المذهب الوطني الذي يرى ضرورة بناء الدولة الوطنية في ظل غياب الدولة القومية، بأن تبني الدولة بشكل قومي ووطني في آن واحد ، لهذا السبب أصبح مفهوم الوطن مفهوماً ضائعاً بين الفكر القومي والفكر الوطني ، لكن نجد العكس تماماً في الصين والتي يعتبر الفرد فيها نفسه بأنه ينتمي ثقافيا وحضاريا لأمة صينية واحدة ، تمثل الدائرة الأولى التي سوف تستوعب الانتماء الثانوي أو الثالثي أو أكثر بحيث تشمل الدائرة الأولى جميع الولاءات الفرعية ، وأيضاً في أوربا يعتبر الفرد نفسه- بغض النظر عن قوميته ، سواءاً كانت فرنسية أو إنكليزية وما إلى ذلك -، ينتمي إلى حضارة واحدة ، تتضمن ثقافة وقيماً ومبادئ تختلف عن الولاء القومي بحيث أن هذا الانتماء يحفزه على الاندماج في دولته القومية ، والتي تعتبر جزءاً من حضارة وثقافة أوسع نطاقاً ، بحيث لا يوجد تناقص بين الولاء القومي للدولة القومية وبين الولاء الحضاري لحضارة وثقافة معينة ، لكن التلاعب بالولاءآت يؤدي إلى العنف ، فالولاء في العالم العربي أو الإسلامي على سبيل المثال ، يتكون من الولاءات الثلاثة الأساسية وهي الولاء العقائدي الديني ، والولاء العصبوي ( العشائري ، الإقليمي ، الطائفي .... ) والولاء القطري
( للدولة القطرية المصطنعة ) ، وأي تلاعب في هذه الولاءات سيؤدي إلى العنف وعدم الاستقرار السياسي في الدولة.

فالمجتمع العصبوي يعاني من صعوبة كبيرة في تحقيق الاندماج بين مكوناته خاصة الأقليات فيه ، فالأقلية بحسب تعريف اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة هي: " تلك الجماعة التي لها أصل عرقي ثابت وتقاليد دينية ولغوية وصفات تختلف عن بقية الشعب فيه ، ويجب أن يكون عدد هذه الأقلية ، كافيا للحفاظ على تقاليدها، وخصائصها ، كما يجب أن تدين بالولاء للدولة التي تتمتع بجنسيتها "، ولهذا السبب كانت مشكلة الأقليات من المشكلات الأساسية ، التي تعاني منها الدول المتخلفة ، لأن اندماج الأقليات هو الشرط الأساسي لقيام دولة مركزية ينعقد لها الولاء العام ، وتنصهر فيها كل المؤسسات الفرعية ، على اعتبار أن التجانس الاجتماعي ، يفرض على كل جماعة أن تتخلى ، ولو جزئياً عن ماهيتها وتنحل في الكل الاجتماعي ، وبالتالي فالمجتمع العصبوي هو فضاء لإفراز مشاريع دويلات صغيرة ، بعدد التنوع الاجتماعي العصبوي ويتسم بحمله بنية تحتية لإنتاج فتنة، وتزويد حرب أهلية بالطاقة اللازمة لها، فلم يكن التعايش ضمن الدولة العثمانية - على سبيل المثال- يبن الشعوب الخاضعة لها ، سوى بسبب اعتمادها على الولاءات الثانوية ، لذلك يرى محمد جابر الأنصاري ، أنه سيستمر احتمال حرب أهلية طالما ظلت الدولة العصبوية معتمدة على حكم القبيلة أو الطائفة أو المذهب ، على أساس عصبوي ، لأنه بسبب ذلك ستندفع بقية فئات المجتمع للاحتماء بعصبياتها ، خاصة في ظل التمييز بسبب الطائفة أو العرق ، فالتمييز العرقي أو الديني في إعطاء الوظائف في جنوب السودان على سبيل المثال - وذلك قبل عام 1954 وهي فترة الحكم المصري -، جعلت النزعة الانفصالية للجنوبيين تتولد إلى أن شكلت في النهاية حرباً أهلية بدأت عام 1955 وما تزال أثارها ماثلة حتى الآن، بعكس ما كان من مساواة وعدالة وحرية في إقليم كيوبك في كندا ، والذي يتألف من مجموعة متمايزة عرقيا ودينيا عن باقي سكان كندا ، لكن ما تحقق لهم من مساواة مع الآخرين جعلهم يرفضون أية دعاوى انفصالية ، فالسياسية ذات الطابع العرقي أو الديني تؤدي إلى العنف داخل المجتمع لأن العصبة هي إحدى أدوات الصراع السياسي والأيديولوجي , والتي يستخدمها البعض لتعبئة جزءاً من الجمهور السياسي وراءه أو لتشويه سمعة الخصم والإساءة إلى قضيته ، والتي تطرح لمواجهة القومية أو الوطنية أو كبديل لهما ، من خلال عناصرها المختلفة وهي :
1- تعدد الانتماءات الفردية داخل المجتمع الواحد ، وضعف الانتماء المشترك الناتج عن عدم الاندماج في بنية واحدة أو لحمة واحدة .
2- العصبية أو الانتماء الجزئي في المجتمع وارتباطها بالدين .
فهي تقوم على أساس التنافس بين الطوائف من وجهة نظرها ومصالحها الخاصة في توزيع السلطة واقتسامها ، وتلغي الولاء للدولة والمصلحة العامة ، المرتبطة بوجود المجتمع الكلي ، وتخضع هذه المصلحة للمصلحة الجزئية ، الطائفية مما يحول دون تطور الاندماج القومي ، وخلق دينامية تطور المجتمع ككتلة سياسية مجردة ، وموضوعية ، وهي تعتمد على التعبئة على الدين فتشكل النفي المطلق للقيم الدينية ، حيث تستغل التسامح الداخلي الذي يدعو ويبشر به الدين في سبيل وصولها للسلطة ، جاعلة من نفسها أنها الحامي لمصالح جماعتها ومن ثم تنتهي إلى خلق طبقة خاصة تحتكر الثروة والسلطة بقسميها المدني والعسكري ، ويكون ضحيتها هو القسم الأكبر من الطائفة نفسها سواءاً كانت في موقف الغالب أو المغلوب .
ويعود منشأ نظام الطائفية إلى اندماج مجموعتين هما :
1- المجموعة الأولى تتعلق بالدولة نفسها ، فتترافق الطائفية مع وجود الدولة التسلطية التي ينعدم فيها تداول السلطة وحراكها الاجتماعي ونفاق دورتها الطبيعية ، حتى لو ارتدت رداء البرلمانية ، فتبرز الطائفية كبديل للسياسة التي تتجلى في تحييد الدولة كمبدأ أخلاقي وقانون منظم للمجتمع ، بالسيطرة المباشرة والكلية عليها ، لوضعها في خدمة الأغراض الخاصة لفئة من الناس أو بالتلاعب بمؤسساتها وإفساداً لآليات عملها .
2- المجموعة الثانية ، بفرض المجتمع المدني بالطرق الملتوية لسوء تبادل سياسي مواز في نظام اجتماعي يحرم تبادل السلطة ، وفي ذلك يمكن خلق القيادات والأطر الاجتماعية ، ومعرفة قيم الأفراد وقدراتهم في إدارة الشؤون العمومية، فهي تشكل الرد الوحيد على آلية احتكار السياسة والسلطة التي تهدف إلى منع المجتمع من تجديد نخبته القائدة ، وما ينطوي عليها من تجسيد طرق إدارة شؤونه وسياسته لصالح استمرار النخبة القائمة ، وتخليد سلطتها.
فالطائفية تقوم بمهمتين هما :
1- إنتاج القيادة الاجتماعية الممثلة للجماعة الطائفية والمجتمع المكون منها والمسير لمصالحها
وشؤونها .
2- تحقيق مهام السلطة السياسية ، من خلال خلق شبكات ، وطرق التبادل المادي والمعنوي داخل المجتمع الكلي ، ورعايتها ، وكفالة نظم استمرارها ، بما في ذلك نظام التسليم بميزان القوى بين القوى الاجتماعية الأخرى ، داخل المجتمع الذي تنتمي إليه .
فالطائفية لا تتعارض مع المجتمع الكلي ، بل لا توجد إلا ضمن إطار مجتمع كلي متعدد الطوائف ، ولو حصل ونجحت الطائفة في الانفصال بنفسها وتكوين دولة مستقلة ، فلابد لها أن تنقسم على نفسها من جديد أو أن تموت وتنحل في قيادة تقليدية أو تعود للاندماج في مجتمع سياسي جديد ، لذلك تعمل القيادة الطائفية ( )، عندما تكون في مجتمع كلي إلى منع تداول السلطة على جميع الأصعدة ، سواءا على صعيد تجديد القيادة أو توزيع المسؤوليات والمواقع الاجتماعية داخل المجتمع ، وتحاول على الدوام تحطيم كل أشكال التضامن داخل المجتمع ، وفي كل المجالات ، حتى تحول الأفراد إلى جزئيات صغيرة ضعيفة ، لكن لا تجد لها مركز قرار إلا في التصاقها بالزعيم الأوحد ، الذي يجمع كل السلطات في يده ، ويحول جميع أفراد المجتمع إلى عبيد وآلات في يده ، وتصبح السلطة عدوانية تجاه الشعب ، وتضعف الدولة وينهار موقعها في النظام الدولي العام ، فتعمل على التعويض عن عبوديتها الفعلية لحمايتها ممن يهدد أمنها من الدول الكبرى ، باستعباد الشعب الذي تحكمه ، و الإكثار من إظهار هيبتها وسطوتها عليه، حتى يدرك ضعفها ويميل إلى الطمع بها ، فأساس مشكلة الطائفية هي إخضاع الدين لصالح مصالح السياسة الدنيا ، بسبب سياسة حب البقاء والمصلحة الذاتية و التطور على حساب الجماعات الأخرى ، مما ينتج عن هذه السياسية آثاراً سلبية كثيرة ، منها تدهور الحضارة ، وانحطاط الأخلاق ، واندثار معانيها، رغم محاولة دعاتها استخدام التراث المثالي لتحقيق أهدافهم الخاصة المادية ، التي ليس لها حدود ، كما أنهم ينكرون الدين بشكل عام ولا يمارسونه ، ولا يعتقدون به فعلاً ، فلا يكون لهم أي مثاليات ، بل يؤمنون بأن كل ما يقومون به هو سياسة محصنة ، وأن الدين ورقة يمكن اللعب بها طالما بقي هناك أناس حساسون لعقيدتهم الدينية ، وحريصون على الدفاع عنها ، فالتواصل بين الطوائف أو الفئات في هذا المجتمع هو تواصل صراعي ، لأنه مجتمع فاقد التوحيد السياسي والأيديولوجي والاقتصادي والاجتماعي ، ولا يوجد أي حل لمشكلة الأقليات والمسائل الطائفية إلا بتغيير السلطة واستيعاب الدولة للتطورات الدائمة التي تحصل على صعيد القوى الاجتماعية ، لأن سقوط الأنظمة الاستبدادية بحسب رأي تورين ينتج غالباً بسبب تفككها الداخلي ، وليس بسبب نجاح حركات المعارضة الشعبية إلا في القليل النادر ، لأن عقدة الأقليات أكثر ما تظهر في النظام الاستبدادي ، وقد عرفها جاك ليبسريا بأنها:" الريبة المرضية والجماعية التي تجعل الإشارة من قبل الجماعة المجاورة تبدو كأنها خطر أو تحد لمجتمع المرء ذاته ، والتي توحد كافة أعضاء الجماعة إزاء أقل سخط يرتكب ضد أي شخص من أعضائها "، ولهذا السبب نشطت الطائفية في البلدان المتخلفة ، فعلى سبيل المثال تعود أسباب الاختلافات الطائفية في لبنان إلى:
1-عدم الاتفاق حول القيم الأساسية ، القومية ، الشرعية ...
2-نقص الحوار بين الأطراف مما يجعل القضية الطائفية ، غامضة ، وتؤدي إلى سوء الفهم المتبادل بين الطوائف .
3-الولاء للجزء بدل الكل ، مثل الاعتزاز بطائفته والتمسك بها والانتماء إليها أكثر مما يفعل بالنسبة للولاء للوطن ككل .
4-التركيز الجغرافي للطوائف مما أبعد نقاط الالتقاء بينها .
5-تعدد النظم التشريعية والتعليمية ، حيث لكل طائفة تشريعاتها الخاصة بها في إدارة وتنظيم شؤونها ، واختلاف مناهج التعليم باختلاف الطوائف .
ورغم أن الطائفية حقيقة موجودة في المجتمعات المتخلفة ، إلا أن التعددية السياسية الفعالة في النظام السياسي لابد أن تحد من عدم الاستقرار السياسي في المجتمعات التي توجد فيها، حتى وإن لم يكن هناك عدم تجانس ثقافي وتبقى الطوائف معترف بها مادامت تعبر عن مشاعر نبيلة بين الخالق والمخلوق، ولكنها تظل دائماً مرفوضة ‘ إذا كانت وسيلة تفرقة ، والإقليمية التي تعني الانتماء لإقليم محدد داخل الدولة والولاء لهذا الإقليم، أو الانتماء لقطر من عدة أقطار يشكل مجموعها دولة الأمة ، تبقى معترفا بها مادامت تتعلق بعادات وطريقة عيش ، لكنها مرفوضة إذا كانت وسيلة تجزئة، وأما مبدأ حق تقرير المصيرالذي نصت عليه المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة ، فهو مرتبطا بمكافحة الظاهرة الاستعمارية في شكلها التقليدي مثل السيطرة الأجنبية ، أو التمييز العنصري ، ولم يقصد بها استقلال الأقليات بسبب التداخل الجغرافي بين الجماعات في نفس الدولة ، وعدم استعدادها لحكم نفسها ، وضعف مواردها ، وإمكانياتها ، كما أن إتاحة المجال لاستغلالها سيؤدي إلى الفوضى في النظام الدولي ، وإن وصول أحد الأحزاب الدينية والذي يمثل الثقافة الروحية للأغلبية ، لن يؤثر سلباً على تقدم المجتمع ، فبعد الحرب العالمية الثانية، استطاعت أحزاب مسيحية ( ) كثيرة الفوز بالانتخابات في معظم دول أوربا الغربية مثل بلجيكا ، وهولندا ، وألمانيا الغربية ، والنمسا وإيطاليا وغيرها، ولم يؤثر ذلك على استقرارها أو الحد من تطورها أو تقدمها ، لأن الوعي الثقافي لهذه المجتمعات جعلها ترفض النزاعات الطائفية أو الإقليمية أو العشائرية ، بسبب إدراكها أن إذكاء الخلاف بين الجماعات الثقافية في نطاق الدولة الواحدة من خلال سياسة الصراع المتوازن ، يعد وسيلة لإلهاء الجماهير عن مظاهر التردي في مشروعية القيادة السياسية ، ومدخلاً لاستقطاب جانب من الجماهير إلى صنعها ، أو تحييده على الأقل عند تسوية الخصومات والعداءات السياسية ، فدرجة انتشار التعليم تعتبر أهم عناصر البناء التحتي الذي يشكل القاعدة الأساسية لأي عملية تنمية اجتماعية اقتصادية حضارية .
كما تشكل علاقات الصراع بين المدينة والبادية التي تشمل الجبل أو الصحراء أثاراً سلبية على الاستقرار السياسي في المجتمعات المتخلفة ، لأن البادية تحتوي جماعات يربطها النسب وتشابه الوظيفة والروح العصبية والرموز والتنظيم الداخلي ، فهي تحتوي على علاقات العشائرية التي تعني التصرف أو التسبب في القيام بعمل بدوافع الانتماء إلى عشيرة أو عائلة معينة ، كما أنها تحوي الإقليمية بما فيها من تصرف في القيام بعمل بدافع الانتماء إلى إقليم معين ، لذلك يعمد أهل البادية إلى علاقات القوة والغلبة من خلال التناصر العام بين شيوخ ورؤساء العشائر ضد الآخرين ، وذلك حينما تكون السلطة المركزية قوية ، لكن عندما تضعف الدولة ، فتنقض عليها القبائل، وتفرض هيمنتها عليها ، وهنا تنتقل من العصبية الخاصة ، إلى العصبية العامة ، فقوة القبائل وهيمنتها السياسية تجعلان الدولة المركزية ضعيفة أغلب الوقت ، وإن الذي يدفع إلى الاتحاد والانتقال من العصبية الخاصة إلى العصبية العامة بعد غزوهم للمدن أمران هما :
1- الدين على أساس أنهم ينشرون مبادئهم الحقة أمام الآخرين البعيدين عن مبادئ الدين .
2- الحسد بسبب التفاوت الاقتصادي بينها وبين المدن الغنية بثرواتها، إضافة إلى احتقار النظام القبلي للحرف والمهن والتجارة .
وبذلك نخلص إلى نتيجة مؤداها أن عدم الاستقرار السياسي تساهم به عوامل التمايز الاجتماعي، بما تحويه من طائفية وعشائرية وإقليمية وثقافات دينية مختلفة ، وطبيعة الشعب ، والعوامل الشخصية ، وصراع الأجيال ، بما تحدثه هذه العوامل من اختلافات داخل النظام السياسي ، خاصة عندما تتواكب مع عوامل أخرى داخلية وخارجية .
ثالثا : الصراع الحزبي و الإيديولوجي والطبقي وأثر العامل الاقتصادي

إن الصراع الحزبي مرتبط بالصراع الطبقي وبالنزعة الأيديولوجية السياسية أو الدينية عند أعضاء التنظيمات الحزبية المختلفة ، ومن الصعب الفصل بين هذه العناصر لأن ذلك سيكون غير موضوعي ، وهذه العناصر جميعها مرتبطة بالعامل الاقتصادي لأنه المحرك الطبيعي للنظام داخلياً وخارجياً ، وأي اختلال في هذه العناصر سببه الاختلال في النظام الاقتصادية للدولة بشكل رئيسي ، و هذا سيقود إلى اختلال في النظام السياسي ومن ثم إلى عدم استقرار سياسي فيه ، فاختلاف الأيديولوجيات الحزبية حول كيان الدولة في الشرق الأوسط مثلاُ ، أهي دولة أمة أم أنها هي الأمة التي تمثل الدولة ، واتجاه القيادات السياسية على الأخذ بمشروع الأمة كشيء يعيق إقامة الدولة، أو العكس، في ظل الدولة المصطنعة الموجودة في الشرق الأوسط ، كونها لا تعبر عن ثقافة تلك البلدان ، مما أدى إلى تفكيك البني الاجتماعية فيها وساهم في عدم استقرارها ، فعدم قدرة النظام في المجتمع على مواجهة متطلبات الأغلبية الساحقة لأفراد المجتمع وإشباع حاجياتهم الأساسية سيؤدي إلى بروز ظاهرة التطرف السياسي المنظم ، فتعثر النظام عن مواجهة المشكلات الداخلية والخارجية ، وطول مدة هذه التعثر ، سيؤدي إلى تفاقم المشاكل على النظام القائم ، حيث سينتهي الأمر بأعداد كبيرة من الشعب ، أن هناك خللاً أساسيا ، إما في جوهر وفلسفة النظام أو في أدائه أو فيهما معاً، ومن هنا يبدأ البحث عن بديل يخرجهم ويخلص مجتمعهم من المشكلات المتفاقمة وكلما اشتدت حدة هذه المشكلات وتحولت إلى أزمة أصبح البديل مختلفاٌ تماماً عن النظام القائم ، وكلما زاد اختلاف البديل المطلوب عما هو موجود فعلاً ، أصبحنا بصدد ما يسمى بالتطرف الذي يقود إلى العنف ومن ثم الانقلاب الذي هو انعكاس لتعثر النظام السياسي الاجتماعي في مواجهة الأزمات الداخلية والخارجية ، لأن الفشل يولد الإحباط ، والإحباط يخلق داخل الأفراد شحنات انفعالية عدوانية ، وهذه العدوانية قابلة للتحول إلى عنف خارجي فردي وجماعي، لذلك يرى إبراهيم سعد الدين أن أهم أسباب العنف السياسي هي:
1- أتساع الفجوة بين الأمل والواقع ، فحينما يخلص الأفراد في المجتمع إلى أن الفجوة اتسعت بحيث أصبحت غير طبيعية ، فيتولد عندهم إحساس بالفشل والإحباط ، وبالتالي يتولد عندهم شحنات عدوانية داخلية ، قد يستسلمون لها ، ولكن إذا خلصوا أن السبب في هذا الفشل يعود إلى التركيبة السياسية والاجتماعية السائدة في المجتمع الذي ينتمون إليه ، فإن الشحنات العدوانية التي يحملونها ، تتحول إلى تهيؤ واستعداد لاستخدام العنف ضد النظام السياسي الاجتماعي القائم ، ويصبح هدفهم البحث عن تكييف أيديولوجي ، وتنظيمي وعن وسائل لتغيير هذا النظام .
2- عدم العدالة التوزيعية ، فالمعادلة التي يستخدمها الأفراد بوعي وبدون وعي هي :
العدالة التوزيعية = حجم الاستثمارات المادية والمعنوية
= نصيب الفرد من الثروة والسلطة .
وهي تعني أنه عند ما تتساوى استثمارات الفرد ( مجهوداته ) مع استثمارات الآخرين ( مجهوداتهم ) ، فمن الطبيعي يتوقع أن يكون عائده من الثروة والسلطة والتقدير المعنوي متساويا مع ما يحصل عليه غيره من أبناء المجتمع ، فإذا كانت مجهودات الفرد ضعف مجهودات غيره فمن الطبيعي أن يتوقع حصوله على ضعف عائدات الآخر ، وإذا كانت مجهودات الفرد نصف مجهودات الآخر ، فسيكون من الطبيعي أن يتوقع حصوله على نصف عائدات الآخر وهكذا .. فأي اختلال في هذه المعادلة أو القاعدة التوزيعية سيؤثر على شعور الأفراد بالظلم والسخط مما يؤدي بهم إلى العنف وبالتالي حدوث عدم استقرار في المجتمع .
3- الحرمان النسبي ، حيث أنه قد تتحسن أحوال الفرد في المجتمع ، لكنه يجد نفسه نسبياً أقل من التحسينات التي طرأت أو تطرأ على الفرد في المجتمعات الأخرى الشبيهة بمجتمعة ، وهذا يؤدي به إلى السخط المؤدي إلى اعتناق الأفكار النافدة للنظام الاجتماعي السائد والداعية إلى التمرد من خلال العنف ، وهذا يفسر سخط الفئات الفقيرة والمتوسطة الوافدة من الريف إلى المدينة ( ) للدراسة أو للعمل، حيث تشعر بتناقضات المجتمع الهائلة وإحساسها بالدونية والضياع والاستغراب فتلجأ إلى الأحزاب الراديكالية اليمينية واليسارية لتعبر عن شعورها ، فالانقسام بين الريف والمدينة ساهم في زيادة عامل عدم الاستقرار في المجتمع بسبب العامل الاقتصادي بالدرجة الأولى ، رغم أن البداوة غير قادرة على القيام بدورها السياسي والاجتماعي أي على بناء حضارة إلا إذا عززتها دوافع روحية معينة مثل عامل الدين، بسبب أن اللاحضريين يتسمون بالفوضى ولا يتقيدون بالنظام ، ويعملون على زعزعة الأمن في المجتمع الحضري ، لكن احتكاكهم بالمجتمع الحضري لابد أن يؤثر على أخلاقهم وعاداتهم وسلوكهم حتى وإن كان هذا التأثير محدوداً بدون العامل الروحي، لأن أهم هدف للبدوي هو أن يصبح متمدنا ، لذا فهو يسعى لهذا الهدف ويصل في النهاية لهدفه ، فيسيطر على المدينة اقتصادياً وسياسياً ، رغم أن هؤلاء الريفيين وصلوا إلى حالة الفقر بسبب طبيعتهم وليس بسبب تأثير المدينة عليهم ، فالمدن بما تتسم به من تقسيم للعمل يوفر فائض يصرفه أهلها على الترف، ويتميزون بالتماسك والتعاون والمجهودات الأكبر من الريف ، واكتساب الثروة فيها يعتمد على الجاه الذي يتمتع به أعيان المدينة، فالحضري عندما يعظم غناه وأملاكه سيصاب بالحسد من قبل غيره ،و الذين سيسعون لانتزاع ما بيده ، خاصة أن المجتمع المديني معروف بأنه مجتمع طبقي ، وحسب رأي ابن خلدون ، فان الطبقة المترفة تودي بها رفاهيتها إلى أخلاق فاسدة في حياتها ، من تبذير وترف ، وتقاعس الأفراد عن العمل ، فتحدث أزمات اقتصادية تقود إلى نار الفتنة والتمرد بين الطبقة الفقيرة التي تتهم الطبقة الغنية بمسئولياتها في الأزمات الاقتصادية وبين الطبقة الغنية التي تسعى للحفاظ على نفسها ، فيودي في النهاية إلى انهيار الدولة .
كما أن زيادة السكان ( )في الدولة وفق متوالية هندسية بينما زيادة الموارد وفق متوالية حسابية ، حسب نظرية مالتس ، سيوصلنا إلى حالة الندرة، التي تصيب الوحدات الاجتماعية والسياسية، وتؤدي إلى صراع وعدم استقرار اجتماعي وسياسي في المجتمع ، وتجاهل الحكومة نتيجة أزماتها بعض المشكلات الملحة مثل الإسكان ،التعليم ، الأجور ، الحقوق ، الحريات العامة ، سيشدد السخط عند الطبقات الفقيرة التي ترى أن السلطة هي سلطة أصحاب الامتيازات وحدهم ، فتلجأ إلى التمرد واستخدام العنف ، كما أن عدم تفهم الأفراد لقدرات ، وموارد الدولة ، ومطالبتهم بأكثر ما تستطيع ، سيساهم في سخطهم أي عدم الاستقرار في المجتمع الذي يساهم في عدم الاستقرار السياسي ، والأيمان ببعض الإيديولوجيات التي تحرض على التمرد مثل الماركسية مثلا، والتي يفسر فيها ماركس بنظرية القيمة الفائضة ، المنحى الاقتصادي للشركات الخاصة في الدولة على أساس أن رب العمل يسرق القيمة الفائضة من العامل ولا يعطيه سوى أجرة عمله التي حددها له، بينما يذهب الجزء الآخر والذي سماه القيمة الفائضة إلى رب العمل ، كما يرى الباحث عبد الرحمن خليفة ، أن زيادة التخطيط والتنمية وتحقيق التطور الاقتصادي السريع يزيد التوترات في المجتمع ، وبالتالي فرص الصراع ، لأن هذا التطوير السريع يميل إلى قلب الأطر التقليدية ، وبذلك يشعر الأفراد بأنهم قد تغيروا على ما كانوا عليه ، مما يؤدي إلى وقوعهم في حيرة من أمرهم ، والتطور الاقتصادي للوسائل التكنولوجية سيزعزع القيم والمبادئ الحضارية السائدة، فالثورة الصناعية في أوربا خلقت أمراضاً اجتماعية كثيرة ، مما أدى إلى قيام حركات متعصبة في الرأي والسلوك ، ويفسر ذلك كرين برينتون بأن المجتمع يشبه الجسم البشري المتكامل الأعضاء ، وكل عضو فيه متوازن مع الآخر ، حيث ينال ما يحتاج إليه من موارد تجعله راضياً ، وكل حوافز جديدة تؤدي إلى استجابة جديدة، فإذا نشأت حاجات أو ظهرت رغبات جديدة ، تكيفت العادات والمؤسسات معها ، أما إذا عجزت عن التجاوب مع الحاجات الجديدة ، أختل توازن المجتمع ، وانفجرت الثورة وتفجر الصراع ، أيضا الكبح الذي يمارسه النظام على الجماهير لتحقيق الاستقرار القسري يجعل الجماهير عاجزة عن أي مبادرة سياسية - حسب وجهة النظر الماركسية-، وبالتالي يصبح هدف الجماهير التمسك بتلابيب الحياة معتمدة على أيديولوجية الذل في مواجهة الطبقات المسيطرة والخضوع لها ، وتبقي غير مندمجة معها ، وتعيش علي هامش المجتمع المحترم ، وتكون استجابتها للعمليات الإصلاحية الديماغوغية التي تقوم بها الطبقات المسيطرة ، استجابة قليلة جداً ، وقد تقدم الدعم للنظام القمعي ، وهذا دليل ضعفها ، لكنه ضعف مؤقت وعجز سياسي عابر منها ، ريثما توحد صفوفها وفق حاجتها الأساسية، ومن ثم تعلن الثورة ،و ذلك عندما تسنح لها الفرصة المناسبة ، لتثأر لنفسها ويكون حقدها الوطني كبيراً ، بسبب ما عانته من الذل والخضوع من الطبقات المستغلة ، التي تحاول امتصاص غضب الجماهير من خلال أشكال من التنظيم السياسي الشرعي ، لكن الطبقات المقهورة ترفض أي مصالحة مع السلطة لأن الوقت قد فات وانتهي بالنسبة لها، وبما أنها مقيدة بأجهزة القمع ومفصولة عنها وعن النظام ، فهذا يجعلها قوة قادرة على إدانة هذا النظام مباشرة ، ومواجهة عنفه بعنف مضاد قادر على التدمير الثوري ، وهذا ما يفسر الثورة الفرنسية عام 1789 ، والثورة الروسية عام 1917 والثورة الصينية عام 1949 .
وبالنسبة للأنظمة الوريثة لنظام الطبقات التقليدية الذي كان سائداً قبل اعتلاء النظام العسكري البرجوازي للسلطة ، فقد غير من استراتيجيته بحيال الطبقات الأخرى ، من خلال تجنب القمع المكشوف ، فعمل على تبني أيديولوجية لمصلحة الطبقة الجديدة المسيطرة ، وذلك بتأميمه لوسائل الإنتاج لمصلحته واستخدامها لقهر الطبقات المعدمة ، وإخضاعها لشروط الاستغلال الرأسمالي لتسلب منها الحد الأدنى من الأرباح الشخصية ، متبعة نفس الأسلوب الذي كانت تتبعه الطبقات المنتهية ، ولذلك فبرجوازية الدولة التابعة لن تقبل بترك السلطة إلا بثورة شعبية ، لأن الإمبريالية الغربية والبرجوازية الوطنية القديمة التي احتفظت ببعض سلطاتها لا مصلحة لهما بسقوط البرجوازية الجديدة ، المسيطرة على الاقتصاد والجيش وقطاعات الدولة الأخرى ، ورغم ذلك حدث عدم استقرار سياسي في هذا النظام وتعود أسباب ذلك إلى تضارب المصالح بين الطبقة الصاعدة ، والطبقة التقليدية ، ذات المصالح الحيوية من التجار والمستثمرين وكبار الملاك وغيرهم من رؤوس الأموال ، ففي ظل التأميم والإصلاح الزراعي لم يعد المستثمر يستثمر من أجل التنمية في ظل أوضاع لا تناسبه، لأنه أصبح يشعر أن هذه الدولة ليست دولته ، والحكم ليس حكمه ، كما أن السلطة الطبقية الجديدة ، استبعدت رجال الاستثمار من كل أجهزة الدولة البيروقراطية ولم تعط المستثمر أي ضمانات تشريعية ، ضد التأميم والمصادرة ، والوضع تحت الحراسة وغيرها من الإجراءات ، كما أن المستثمر لم يعد يثق بالحكومات التي من الممكن أن تغير رأيها بعد فترة ، وأن تقوية الدولة لإحكام سيطرتها على الاقتصاد والمجتمع بحجة منع السيطرة الإمبريالية ، على موارد الدولة ، أثبتت أنها حجة واهية ، لأن الدولة أصبحت شريكا للإمبريالية في السيطرة على موارد الدولة والمجتمع ومصالح الشعب ، وفي ذلك يقول رئيس وزراء أستراليا روبرت هواك: " إن حكومة اشتراكية مثل حكومتي ، إذا أرادت أن تقدم للمعوزين الكثير ، فيجب عليها أن تمتلك اقتصاداً ينمو بسرعة ، ولذلك يجب أن يكون لديك قطاع خاص ينمو فهو المحرك الأكبر للاستثمار وفرص العمل "، كما يقول وزير الاقتصاد السويدي :" إن آلية اقتصاد السوق في التغيير والتطور ، وبالتالي في النمو الاقتصادي أنجزت أكثر في التغيير في عملية إزالة الفقر من أي تدخل سياسي في اقتصاد السوق والتوزيع "، ورفض جواهر لال نهرو الإصلاح الزراعي لإبعاد البلاد عن فتنة داخلية قد تحدث بسبب ذلك ، وقامت استراتيجية النهوض اليابانية ( ) بتنمية الإقطاعيات وتواصلها مع بعضها مع ربط ولاء السكان فيها بوحدات كيانية أكبر من المحلة والعشيرة، ثم عملت على التحول التدريجي نحو المركزية بخلق بني ونظم إدارية بيروقراطية ، وتنظيمات عسكرية ، ثم بتنمية الاقتصاد من خلال سوق قومية مشتركة ، مهدت لبدء المرحلة الرأسمالية بعد إنجاز التوحد القومي ، ثم تحقيق العمران الحضاري من خلال التقدم العلمي والمهني والحرفي ، وازدهار تعليمي وثقافي ، بفضل تنافس الإقطاعيات اليابانية فيما بينها لإبراز النهضة اليابانية, فالإقطاع هو الذي مهد لقيام الرأسمالية اليابانية ، من خلال تحويل الإقطاع المجزأ إلى إقطاع مركزي ، ثم أخذت الإقطاعيات الكبيرة والقوية والفعالة ، تضم تدريجيا الإقطاعيات الأصغر والأقل نجاحاً وفعالية ، مما أدى في النهاية إلى الوحدة القومية ، فالإجراءات العنيفة للإصلاح الزراعي والتأميم تحطم الاقتصاد ، إذا لم تكن محسوبة ومدروسة بشكل كبير ، تقود حتماً إلى عدم استقرار سياسي في الدول التي تصدره ، ويرى جون كاوتسكي أن الفلاحين في المجتمعات المتخلفة لا يساهمون بأي تغيير في المجتمع لأن الفلاح في هذه المجتمعات مرتبط بالأرض ، ولا يرغب في التغيير كونه معتمدا على اقتصاد كفافي فقط ، واتصاله مع العالم الخارجي أي خارج قريته ، هو اتصال ضعيف جداً ، ونسبة الأمية منتشرة فيه كما لا يوجد تراكم رأسمالي في هذه المجتمعات المختلفة ، و لهذه الأسباب يكون التغيير التكنولوجي محدوداً ، فيظل الفلاح يعتمد على الوسائل القديمة في عمله، ويظل محافظاً على عاداته وتقاليده وطرق حياته ، فيرى الفلاح أن أي تغيير لا يعني له شيئاً ، فالصراع في هذه المجتمعات هو بين الأرستقراطية القبلية الإقطاعية و ركيزتها الأساسية لحسم الصراع هو الجيش ، حيث يكون قسماً من الضباط مواليا لبعض هذه الأسر ، وقد يحصل صراع بين الضباط للسيطرة على السلطة رغم كونهم من الطبقة الوسطى ، لأن طموح الطبقة الوسطى للوصول إلى السلطة يحذوها إلى الاشتغال بالسياسة ، مستغلة تناقضات المجتمع القديم المتفشي في الطبقة الدنيا ، بسبب المعاشات المتدنية ، إضافة إلى الانتشار الكبير للفساد في هذه المجتمعات ، كما أن تشكل مجموعة من الرأسمالية الصناعيين ( البرجوازيين ) ، في اتحادات أرباب العمل أو الجمعيات التجارية ، أو غرف التجارة أو داخل الشركات الفردية ، يستخدمون نفوذهم وتأثيرهم بشكل يتناقض مع مصالح الأرستقراطية المسيطرة ، فيزداد الصراع بينهما عندما ينتجون - البرجوازية الصناعية - ، بضائع استهلاكية للسوق المحلية ، بدلاً من مواد أولية خام معدة للتصدير ، فتزداد القوة الشرائية لدى الفلاحين ، ويرتفع مستوى المعيشة عندهم ، لذلك يؤيد البرجوازيون الصناعيون الإصلاح الزراعي لرفع القوة الشرائية عند الفلاحين ، كما أنهم يطالبون بتعريفات وقائية لصناعاتهم الوليدة ، لكن الأرستقراطية الإقطاعية ، تقاوم ذلك على أساس أن ذلك يتعارض مع مصالحها في تصدير منتوجاتها الزراعية ، وهذا الصراع سيساهم على المدى البعيد في عدم الاستقرار السياسي ، كما أن التطور الصناعي بما يولده من تحقيق لزيادة التعليم للفئات الصاعدة ، سيؤدي أيضا إلى عدم استقرار سياسي .
ويعود نشوء برجوازية الدولة التابعة إلى عملية الاتصال بين الفلاح والعالم الخارجي , عبر الطبقة المتوسطة من البرجوازية التجارية الدائنة للفلاحين الذين استغل قسم منهم عدم قدرة الفلاح على الوفاء بالتزاماته المالية، إضافة إلى حاجاته ، فاستولوا على أرضه عبر معاملاتهم التجارية ، بشرائها منه، إضافة إلى زعماء القبائل والقرى الذين استولوا على الأراضي المشاع في الريف واعتبروها خاصة بهم ، فقامت الإمبريالية العالمية باستغلال هذه التناقضات لأحكام سيطرتها على هذه المجتمعات ودمجها ضمن متطلبات النظام الرأسمالي العالمي ، من خلال ضرب الطبقات الأرستقراطية ، مع البرجوازية التجارية والصناعية الوليدة المدعومة من قبل الطبقة المتوسطة من المثقفين الذين تعلم قسماً منهم في الغرب ، كما يستغلون سخط الفلاح على الطبقة الأرستقراطية، فيحدث الصراع مؤدياً لانقسامات حادة في المجتمع ، وتستغل الطبقة الوسطى في تحالفها الأولى مع البرجوازية والطبقة الفلاحية والعمالية مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والمساواة والعدالة الاجتماعية ، لتقويض سلطة الطبقة الأرستقراطية ، فتطالب بالاصلاح الزراعي ورفع المستوى الاجتماعي للفلاحين ، على أساس أن ذلك سيؤدي إلى نهضة صناعية كبيرة ، كما يستغلون مفهوم القومية ، فيصبحون قوميون اشتراكيون ، ويصبح عدوهم الأساسي هو طبقة الأرستقراطية ، فيتحالفون مع ضباط وجنرالات في الجيش ويصلون من خلالهم إلى السلطة ، عندئذ يعمدون من أجل استمرار سلطتهم إلى التهويل من العدو الخارجي عن طريق خلق صورة غير حقيقية بواسطة الدعاية أو باصطناع تهديد خارجي حقيقي عبر سياستهم الخارجية، فسوكارنو مثلاً استثار تهديد هولندا في نيوغينيا بغية إبقاء أتباعه متحدين ، وفي مرحلة لاحقة تتحالف الطبقة الأرستقراطية للحفاظ على وجودها مع الطبقة الوسطى الحاكمة لمواجهة متطلبات الطبقة العاملة ، بسبب عدم مقدرتها - الطبقة الحاكمة - على المنافسة الخارجية ، بسبب استراتيجيتها في الاقتصاد ، فتعمد إلى النموذج السوفيتي أو الصيني كونه أكثر إغراءا لها ، باعتباره يضع المثقفين في القيادة ويعطيهم فرص غير محدودة للسيطرة على موارد البلاد ، بالرغم مما يحمله هذا النموذج من مجاعات وسوء تغذية ومرض وأمية ، وفقدان لحقوق الإنسان ، وعند وصول هؤلاء المثقفين إلى الحكم وتبنيهم هذا النموذج بما فيه من توليتارية، تسعى لحماية مركزهم بدون الاهتمام بالتصنيع أو التطوير ، بل بتبعيته للخارج ، مسببا ركوداً اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً ، بسبب خلفيتهم العسكرية التي تعتبر النهب والسلب عملها المناسب ، لذلك فهي تمجد الحرب والحياة العسكرية ، وقد تتورط في حروب مع جيرانها ، وقد تندمج التوليتارية مع الفاشية من خلال ربط فئات المجتمع الفقير من عمال ، وفلاحين وجنود بها من خلال النقابات ورجال الدين وأجهزة الدولة المختلفة ، محاولين بذلك تسريع عملية التصنيع ، لكنه يكون تصنيع استهلاكي هدفه كسب المزيد من الأفراد ، وتحويل الفلاحين إلى عمال في المصانع ، لتعريضهم لنظام صناعي قاسي ، أما ما تبقى من الفلاحين فتكون مهمتهم ، تأمين الحاجات الغذائية للآخرين فقط ، كما يعمل هؤلاء المثقفين على إضعاف القوى التقليدية ومن ثم إزالتها ، ولا يمكن للطبقات التي ساهمت في وصولهم إلى السلطة ( فلاحين ، عمال ، مجندين ، صغار كسبة ) استعادة الديمقراطية منهم ، لأن حلفاءهم الجدد ، سيكونون هم الطبقات القديمة المنقرضة ، وقد سمى ماركس هذا النمط من الإنتاج الذي يصله المجتمع في هذه المرحلة بنمط الإنتاج الخراجي الذي تكون الغلبة فيه للأيدولوجيا بعكس النمط الرأسمالي الذي تكون الغلبة فيه للاقتصاد ، لكن يرى فيتفوكل ( ) أنه لا يوجد صراع طبقي في المجتمعات المتخلفة في ظل الدولة الاستبدادية، وإنما يوجد فقط خصومات وعداوات بين فئات محدودة قليلة العدد ، ولا تمثل صراعاً اجتماعياً ، لأن الدولة المركزية الاستبدادية لا تسمح بظهور تنظيمات سياسية مستقلة عنها إطلاقا ، وبالتالي فهي لا تسمح بتطور صراع طبقي يتمثل بالعمل الجماهيري لحسم الخلافات والنزاعات ، ولهذا السبب لا تتطور الانتفاضات والتمردات إلى حركات ثورية ، وإذا ما تطورت في هذا الاتجاه ، فنادراً ما تستهدف تغيير الحكام المستبدين الطغاة إلا لتستبدلهم بآخرين على شاكلتهم ، لتعود الدورة من جديد ، لكن يرى كارل ماركس أن الدولة لا تقوم إلا بوجود الطبقات وأنها تدخل في الصراع الطبقي كوسيلة بين الطبقة الحاكمة أو المهيمنة اقتصاديا فعدم وجود طبقات داخل الدولة يعني برأيه عدم وجود الدولة ، وهذا مناقض للواقع حيث توجد دولة لكن سمتها أنها دولة تابعة للمركز ، وانتقالها من النمط التقليدي الذي يحوي الطبقات الثلاث إلى النمط الجديد أي رأسمالية الدولة التابعة ، كان بحسب متطلبات النظام العالمي أي الرأسمالية في المركز ، وما كان للأيدولوجيا اليسارية أن تنضج في هذه المجتمعات لولا ازدياد حدة الصراع الطبقي فيها ، فمنذ العهد العباسي للدولة الإسلامية كانت ثورة الزنج ( 869 – 883 ) م ، التي كانت ثورة طبقية ، بسبب الظلم الاجتماعي ، الذي جعل ثوارها ينبذون الأيدولوجيا الدينية ، وقد صرح زعيمهم محمد المتيم حول ذلك بقوله : "مادمت فقيراً فإني يقيناً لن أعبد الله ، لنترك العبادة للشيخ الجليل ، وإلى رئيس الجيوش ، إلى الذين تنتفخ أقبيتهم بالكنوز ، ولكن لماذا علي أن أعبد الله ؟ هل أنا قوى جبار ؟ وهل عندي قصر وملابس ثمينة ، وأخرى ذهبية ؟ لو عبدت الله وأنا لا أملك بوصة واحدة من الأرض لكنت أكبر المنافقين ".
لهذا يرى خلدون حسن النقيب أن عدم تحقيق الخلاص من التبعية والتخلف وعدم تحقيق العدالة في توزيع الدخل القومي والمشاركة السياسية والضمانات الدستورية ، وإزالة المعوقات السياسية والمالية والتشريعات التي تعرض المؤسسات والهيئات التي تقوم بالاستثمار والإنتاج والتوزيع ، وهذا ما أكده روبرت ماكنمار في كتابة جوهر الأمن بقوله:
" الأمية والمرض والجوع وانعدام الأمل تؤدي إلى الهبوط بمطامح الإنسان وآماله فيلجأ إلى العنف والتطرف ، والأمن معناه التنمية وليس توفر المعدات العسكرية، وإن كان يتضمنها ، والأمن ليس النشاط العسكري التقليدي وإن كان يشمله ، وبدون تنمية لا يوجد أمن ، فالدول النامية التي لا تنمو نمواً حقيقياً ، لا يمكنها أن تظل آمنة ، وكذلك مواطنيها لا يمكنهم أن يتخلوا عن طبيعتهم الإنسانية و كلما زادت التنمية زاد الأمن ، وإذا تمكنت دولة ما إن تنظم مواردها لإمداد الشعب باحتياجاته ، ورغباته ، وأن تتعلم اللجوء إلى الحلول الوسط السلمية وسط المصالح الوطنية المتقاربة للدول الأخرى ، فإن مقاومتها لتهديدات الاضطرابات والعنف تزداد ... ويرتبط العنف الداخلي الذي حدث خلال العشر سنوات الماضية – كتاب كان عام 1962 – بالتوترات المتفجرة نتيجة للفقر ، فهنالك ارتباط مباشر ومستمر بين العنف والحالة الاقتصادية للدول ، فمن 38 دولة فقيرة عانت 32 دولة من العنف الداخلي ، وفي الحقيقة فإن هذه الدول مرت بأزمتين داخليتين ، بنتيجة العنف خلال ثمان سنوات ".

كما يؤكد زبغينيو برجنسكى أنه لو تحقق للبلدان المتخلفة استقرار سياسي وسلم نسبي فتزاد فيها معدلات التنمية ، وكلما زادت التنمية زاد الاستقرار ، والسلم ، وتفسير ذلك أن انخفاض التنمية بسبب ضعف الاقتصاد سيقود إلى ثقافة سياسية منخفضة ، وضعف وعي جماهيري ، يؤدي إلى عدم استقرار سياسي ،
وتقبل الأيدولوجياالقومية أو الدينية أو غيرها من قبل الشعب بشكل رومانسي ، سيولد حالة من الصراع مع السلطة القائمة ، رغم أن بعض الأيديولوجيات قد لا تتوافق مع عادات وتقاليد المجتمع مثل الأيديولوجية الشيوعية في مجتمع إسلامي أو مسيحي أو يهودي ، وبالتالي ستولد نتيجة وجودها معارضة أيديولوجيات أخرى مناقضة لها كونها تتوافق مع طبيعة المجتمع ، كما أن استبداد أيديولوجية ما بالحكم و ابتعادها عن الديمقراطية والمشاركة السياسية سيحدث أزمات تؤثر على الاستقرار السياسي ، لأن اختلاف التيارات الأيديولوجية في المجتمع سيولد الصراع فيما بينها ، فالتيارات التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية في المنطقة العربية هي:
1- التيار العلماني الليبرالي : الذي يدعو إلى فصل الدين عن الدولة ، وتدريب العقل وتنظيمه بالإقبال على العلوم الوضعية والتجريبية ، ويكون الإصلاح عن طريق التطور ، ويعتمد على مبادرة القادة الذين يدفعون الإصلاح إلى الأمام .
2- التيار الديني الذي ينطلق من التسليم بعظمة الدين كعقيدة وكشريعة، و انتصاراته نتيجة للأفضلية الروحية على المادية .
3- التيار الراديكالي ، الذي يدعو إلى ثورة شاملة تحدث تغيرات جذرية في جميع مجالات الحياة في المجتمع .
لكن يرى رئيس الوزراء الأردني سعد جمعة أن الانقسام في المجتمع العربي ليس بين يمين ويسار وتقدمي ورجعي وشعارات أخرى زائفة ، و إنما بين مؤمنين بتراثهم الفكري والحضاري الغابر ، وبين تابعين للمعسكر الشرقي أو الغربي أو خونه للأمة ، الذين يرون القضية تجارة ينتفعون بها ويجعلونها سلعة في سوق المساومات الدولية ، وبين أولئك الذين يرونها قدراً ومصيراً ويعتنقونها مبدأ وغاية ونخوه وحمية ، فلا قيمة للأيدولوجيا إذا لم تستطيع أن تصمد أمام العدوان الخارجي أو التهديدات الخارجية .
وحسب رأي موريس دوفرجيه فإن وجود مؤسسات سياسية يجري ضمنها الصراع السياسي يخفف من حدة الصراع على النظام ، فبنظام الحزبين في الولايات المتحدة الأمريكية تزال الصراعات الثانوية ، وتجبر الفئات المعارضة على التعبير عن نفسها في إطار معارضة رئيسية ، ونظام تعدد الأحزاب يسهل التعبير عن النزاعات الثانوية ، ويميل إلى تجزئة التعبير عن الصراعات الكبرى ، مما يزيد في عددها ، لأن كل حزب يحاول أن يزيد عدد ممثليه على حساب الآخرين ، فيحاول أن يبرز الفروق مع أقرب خصومه ، بدلاً من أن يبرز ما بينه وبينهم من أمور مشتركة ، كما أن الواقع الاجتماعي الذي خلق الحزب، يجعل لا مبرر للحزب فيما لو تغير هذا الواقع ، فيحدث بنتيجة ذلك صراع مع الأحزاب الأخرى ، فحزب يدعو للاستقلال خلال فترة الاحتلال-وكان هذا الهدف هو هدفه - يصبح لا مبرر له بعد الاستقلال والنظام الغربي القائم على تعدد الأحزاب وحرية الانتخابات يصبح لا معني له -حسب رأي موريس دوفرجية - في بلد زراعي يسوده الإقطاع ، لأن معظم السكان متأخرون وجاهلون ، وإذا ما طبق هذا النظام في بلد كهذا سيكون مظهره الخارجي يختلف عن ماهيته ، حيث يخفي في بنيته اللبنات القديمة من التناقضات الموجود فيه ، وسيتلاعب كبار الملاك والزعماء التقليديين لمصلحتهم ، لذلك يرى دوفرجيه أنه لا بد من خلق الشروط الموضوعية المؤدية للديمقراطية قبل تطبيقها ، ويكون ذلك من خلال نظام الحزب الوحيد ، الذي يمكن من خلاله تربية جماهير الشعب تربية سياسية ، وإبعاد الفئات المثقفة عن الملاك الأرستقراطيين وتجنيدها لصالح الحزب الحاكم ، ومن خلالها نشر مبادئ الديمقراطية بين الناس ، لأن تحقيق الديمقراطية في الدول المتخلفة لا يتم إلا عن طريق النمو الاقتصادي من خلال زيادة الاستثمار الذي يؤدي إلى زيادة الإنتاج، ولا يتحقق ذلك في ظل ظروف البلدان المتخلفة المفتقرة للبنية التحتية والصناعة المنافسة إلا من خلال الضغط على الاستهلاك أي التقشف لتحويل المال المتوافر للاستثمار ، ويكون ذلك بتخفيض مستوى المعيشة عن المستوى العادي ، وهذا لا يتحقق إلا عن طريق حكم ديكتاتوري ، لكن وجود السلطة الديكتايورية في يد الرجعية - الغير الوطنيين - سيبقي على البلدان متخلفة وسيهجر نخبة الأمة البلاد باعتبار نخبة الأمة، لا بد أن تكون وطنية وديمقراطية ، ولكن يؤخذ على هذا الرأي أن أمثلة التاريخ أثبت عقمه وعدم منطقيته فعلى سبيل المثال ، اعتمدت السلطات النازية والفاشية على نظام الحزب الواحد مما قد أوقع بلادها في مهالك وحطم اقتصادها من خلال أيديولوجيتها الشوفينية التي أودت بها إلى حروب عديدة ، واحتكار نظام الحزب الواحد للسلطة وسيطرته على جميع الأجهزة فيها وانعدام الرقابة فيها ، وانعدام المعارضة السياسية يجعله مأوى للانتهازيين الذي يستخدمونه لتحقيق مصالحهم الشخصية ، ويكون معتمداً على الزعيم الفرد وشخصيته وطبيعته وطائفته، ولابد له أن يكون مستبداً فالقانون قانونه ، والسلطة سلطته ، وتتحول الدولة في ظله إلى دولة بوليسية ، لأن البعد الأيديولوجي الذي يتبناه لابد أن يفرض عليه هذا السلوك ، ورغم ما يحققه نظام الحزب الواحد من شكل ظاهري للوحدة الوطنية وتأكيده ، على بناء الدولة القومية ، على أساس أنه يقوم على اتفاق الرأي بما يتفق مع النمط التقليدي للديمقراطية ، لكن عملياً هو عقبة أمام الوحدة الوطنية ، لأنه يفرض أيديولوجية أحادية الجانب ، وقولبة شخصية الفرد تبعاً لغايات حددت سلفاً ، وتقديم نفسه وصياً عن الشعب ، فيحدد لهم ما يفكرون به وكيف يفكرون ، ويعلم الناس كيف يخفون أفضلياتهم وكليشات ظاهرها يوهم أنها تعكس إرادة الشعب ، فبدلاً من تعليم الفرد وجعله مواطنا مسؤولا ، فإن الحزب الواحد يطأ الناس بأقدامه ، ويعلم الناس أن يظهروا عكس ما يبطنون ، وأن يخفوا شعورهم الحقيقي وراء حجاب ، وأن يستخدموا لغة غير مفهومة أي اصطلاحية وغير مقبولة حتى يبدوا أنهم ملتزمون خط الحزب ، لينجوا من القمع ، فيجرح الذات الشخصية، ويصيب الفرد بالإحباط كما أنه يرتد إلى القبلية ، بسبب أن الأفراد يصابون بالذهول في مجتمع شمولي يخضع فيه الفرد كليا للدولة ، مما يحذوا الأفراد إلى الارتداد إلى القبيلة والطائفة كملاذ أخير لهم من هول النظام الشمولي .
ويؤخذ على الحركات الإسلامية المتطرفة أنها تنادي بأن القرآن هو دستورها ولا يحق لمسلم أن يجادل القران بحجة أن رأيه هو رأي بشر في مواجهة كلمة الخالق- رغم أنه لم يفسر القرآن الكريم تفسيرا يجتمع عليه جميع المسلمين بمذاهبهم المختلفة- ، ويقود هذا المنطق إلى نفي أراء الآخرين باعتبار أن التوجهات السياسية هي اجتهادات بشرية يمكن نقدها وتقويمها ، أما ما يؤخذ على الأحزاب اليسارية ، فرغم رفضها الملكية والنظام الوراثي ، إلا أنها حولت الأنظمة التي تدعي أنها تمثل الجماهير إلى أنظمة يتحكم فيها البعد العشائري والطائفي وتحويل الحزب إلى بيروقراطية واستبداد وإذلال للفرد وإعلاء شان الزعيم الفرد، وتبقى التعددية الحزبية ، بما تحويه من إمكانية تداول السلطة بين أكثر من حزب، من خلال أيديولوجية وأسلوب ووسيلة تعامل أساسها المساواة واحترام إرادة الأكثرية ، وصيانة حقوق الأقليات من خلال مؤسسات تمثيلية ودستورية ديمقراطية تقر بالحقوق والحريات والرأي وحق الاعتقاد والتنظيم الحزبي والمهني وحق المشاركة السياسية في إدارة الشؤون العامة ، وتولي المناصب العليا ، فلا يمكن إلغاء ذلك بحجة حماية مصالح الكادحين أو الجماهير الواسعة أو الخطر الخارجي سواءاً كانت باسم الطبقة العاملة أو قوى الثورة أو الدين أو غيرها، وهى قبول بالتدرجية وامتثال القواعد ، ومبادئ التعددية والتداول وتطوير للواقع ، وهي أساس عملية التغير السلمي المدني للسلطة ، وتوفر مستلزمات التعايش والسلام الاجتماعي والتطور والتراكم لاختيار أسلوب حكم ، يرتضيه الناس ، ويحظى بموافقتهم ، ويستبدلونه كلما شعروا بالحاجة ، لذلك فالديمقراطية لا تقدم الحل ولكنها ترفع الحواجز في طريق الحل ، فهي تمثل التيار المعتدل القادر على الوصول للناس ، وكسب تأييدهم دون خوف ، لذا فهي تبقى مكروهة من قبل الأنظمة الديكتاتورية العسكرية التي لا تستطيع الوصول لمبادئ وطبيعة الشعب وحياته فيبقى رافضا لها .
ويبدأ التعارض والتنابذ بين الأيديولوجيات الحزبية ، عندما تحاول أيا منها الوصول للحكم من خلال برنامج يدخل في دستور كل منها ، فيعمل كل حزب على كسب أكبر عدد من أفراد الشعب إلى جانبه ، فالأحزاب القومية ، تناضل لتوحيد الأمة على أساس اللغة الواحدة والثقافة المشتركة ، حسب ما تقوله أيديولوجيتها ، لكن التيار الديني الإسلامي مثلا يرى أن الإسلام هو الذي صنع الأمة العربية جسماً وروحاً ، لأن الأمة العربية قبل الإسلام كانت جمله قبائل جاهلة طامسة ليس لها أي شيء من الثقافة الإنسانية ، ولولا الإسلام لبقى العرب قبائل تائهة في الصحراء ، ولما سجل لهم التاريخ إلا سطوراً تافهة في صحائفه ، لكن يرد رئيس الوزراء العراقي عبد الرحمن البزاز، وهو ينتمي إلى التيار القومي العربي ، إن الأخوة الروحية بين أبناء الدين الواحدة لا تأثير لها ، أمام الأخوة القومية التي توجب أن يكون لكل أبناء القومية الواحدة ، مصير سياسي واحد ، ومصلحة قومية نهائية ، وقيادة ترابط وتضامن اجتماعي وسياسي بين أبناء القومية الواحدة وتتعارض نظرة هذين التيارين، حول قضية الأقليات فيتساءل القوميون ماذا سيفعل التيار الديني إزاء الأقليات الدينية، وبالمقابل يتساءل الإسلاميون ماذا سيفعل القوميون بالأقليات القومية، بالرغم من تأكيد التيار الإسلامي أن العرب هم وحدهم بيئة القيادة الصحيحة لجميع المسلمين وأن على الحكومة الإسلامية أن تحافظ على خصائص هذه البيئة لتبقى ينابيع الإسلام صافية ، ودعائمه مجدية ، كما أن النهضة الإسلامية لا تكون إلا بدعائم عربية خالصة ، تتيح لهم أداء واجبهم ورسالتهم الكبرى ليستعيدوا مجدهم ، فالقومية العربية تدخل في صميم برامج الأحزاب الدينية الإسلامية ، وما يقال بأنها تتعدى القومية ، فهو محض افتراء لأنها إنما تتعدى القومية على أساس سيادة القومية العربية ، على كل المناطق التي وصلت إليها الأيديولوجية الإسلامية ، وترى نيفين مسعد إن الوطنية تلهب مشاعر أعضاء التنظيمات الإسلامية مثل غيرهم من الأحزاب الوطنية ، فجمعية الإرشاد الإسلامية الاخوانية ( الكويتية ) حلت نفسها عام 1990 احتجاجاً على تخاذل التنظيم الدولي للإخوان المسلمين في إدانة النظام العراقي عقب غزوه للكويت ، وهي حركات وطنية من حيث دعواتها للجهاد للرجال وللنساء على حد سواء و ذلك عند تعرض الوطن للخطر ، وترى أنه من حق الأقليات الدينية التعبير عن نفسها وعقائدها ، وإقامة جمعياتها السلمية وتحديد معابدها وممارسة طقوسها ، ولها نفس واجبات المسلمين ، فحزب الإخوان المسلمين في مصر مثلاُ أيد قيام حزب مسيحي للأقباط ، وأيد دخولهم مجلس الشعب ، واستنكر الأعمال الإرهابية التي تعرضوا لها ، وتعتبر الطبقات الوسطى والدنيا المورد البشري المغذي لهذه الحركات فهي تستقطب الطبقة الوسطى مثلها مثل الحركات القومية ، وخاصة المثقفين منهم، كونهم أشد أبناء الشعب حساسية وسخطاً ، وفي ذلك يقول هوسلتز وويز: ( )" لا يوجد أحد يميل إلى استعمال العنف كالمثقف الساخط ، الذي يكون كوادر الأحزاب السياسية الأقل مسؤولية ، والذي يشكل هوامش ضيقة من الديماغوغيين ، الذين يصبحون قادة الحركات العقائدية ، والذين يهددون النظام " ,
والمقصود بالمثقفين حسب رأيه ، هؤلاء الذين دخلوا الأحزاب القومية أو الشيوعية أو الدينية المتطرفة ، و الذين كان لهم الدور الأكبر في شرخ المجتمع إلى فئات وطبقات ، وكان تحالفهم مع الجيش أساس وصولهم إلى السلطة فالنخبة الحاكمة في الأنظمة الشيوعية مثلاً ، تجعل الوسط العلمي مغلقاً ومعزولاً وتعمل على استخلاص مواهبه ، وإفساد نظامه بالمكافآت ، محتفظة بحقها في تحديد الأهداف الكبرى ، فمثل هذا النظام والأنظمة السالفة هي التي أفرزت النظم التسلطية في بلدان الشرق الأوسط في حقبة الستينات ، بتحديدها المشاركة السياسية، ووضع قيود على الأحزاب السياسية والتنظيمات المضادة للحكومة أو أنها حظرت تكوينها ، ودمرت المؤسسات التي كانت تسهل المشاركة السياسية الشعبية في العملية السياسية ، وخلقت مؤسسات لتعبئة المواطنين لتأييد النظام دون السماح لها بتقديم مطالب إلى الحكومة ، وبالرغم من أنها قامت أحيانا بتأسيس أحزاب سياسية كوسيلة أو أداة لإعطاء مظهر خارجي للمشاركة السياسية ، ولتعبأة التأييد الشعبي لنظام الحكم ، وأحيانا يتم السماح بالمشاركة السياسية على المستوى المحلي في انتخابات المجالس البلدية ، ولكن وفق قيود وتحديدات ، ورغم ذلك كله لم يؤد ذلك إلى استقرار سياسي طبيعي وإنما حدث استقرار سياسي قسري، ففي ظل هذه الأنظمة لم يستطع الفلاحون مثلاُ التأثير على السياسات الزراعية مما أعطى الفرصة للنظام ، لإتباع سياسة عامة ضارة بالقطاع الزراعي ، كما أنه منع وعرقل نمو الإنتاجية الزراعية ، وأدت سيطرته على الأسعار والأسواق إلى تعزيز قدرة النخب الحاكمة فيه على تكوين ثروات ، وعلى استخدام سيطرتها على الاقتصاد لتوفير منافع لحلفائها ، وحرمان خصومها من الفوائد الاقتصادية مما أنتج اقتصاد مسيس ، فأصبح في ظلها الكسب الاقتصادي الفردي نتاجاً للوصول إلى السلطة والقوة السياسية ، وليس نتيجة لزيادة الإنتاج أو الكفاءة وأصبح سلوك الإنتاج سلوك ريعي وليس ربحي ، وبناءاً على ذلك تكونت هناك أحزاب معارضة تعمل في الخفاء ، وفي الظلام تنشر تعاليمها في شكل منشورات أو رسائل من خلال المقاومة السرية ، وأصبح تلقي الأتباع للأوامر الصادرة من فوق على أنها نصوص واجبة الطاعة ، على أساس أن ذلك لمصلحة الوطن ، و بالتالي فلا مجال لمناقشتها أو التخلص منها ، لأنهم يعتبرونها دين عليهم فيقبلون عليها بلهفة ، وتفسير ذلك أن الاضطهاد في ظل عدم القدرة على الرد أي الكبت ، الذي له حدود معينة يصل إليها وعندما يتعد هذه الحدود ، سينفجر ضد القيادة ، وخاصة عندما تعيش المعارضة في بيئة اضطهادية ، فتسودها الأساطير والخرافات بما يتناسب مع هذه البيئة ، وهذا ما يفسر ظهور الفرق الباطنية في الماضي كالقرامطة والإسماعيلية وغيرها ، والتي لم تكن سوى أحزاب سياسية سرية ، ذلك أن الأوامر التي يصدرها أشخاص فقدوا العمل في النور ، قلما تخضع للتمحيص والمنطق والشورى ، وبعد أن يصلوا إلى السلطة ويقيموا حكمهم في وضح النهار ، وينتقل معهم مبدأ تقديس الحاكم ، من صفوف المعارضة إلى صفوف الحكم نفسه ، وتصبح الأمة في ظلهم لا قيمة لها لأنهم غير مؤهلين أصلاً للحكم ، وتحمل المسؤولية ، وبالتالي فعدم الولاء لهؤلاء لا يعد جريمة ، لأن المقصود بالدولة هو مؤسساتها الديمقراطية الحقيقية لا شخصية الحاكم وزمرته،وعلى ذلك فلا استقرار سياسي حقيقي في ظل أحزاب مهيمنة أو أحادية .
لكن يرى حمدي عبد الرحمن حسن أنه لا علاقة لمسألة الحزب الواحد أو التعددية الحزبية بالاستقرار السياسي في المجتمع ، لأنه حدثت عدة انقلابات على نظم تعددية حزبية في عدد كبير من الدول ، إضافة إلى الانقلابات التي حدثت على نظام الحزب الواحد ، وتفسير ذلك أن الأحزاب في أي مجتمع هي صورة لذلك المجتمع ، فالمجتمع المتخلف تظهر صورته في أحزابه المتخلفة الفاسدة ، ولا يمكن إصلاح مفاسد الأحزاب القائمة فيه ، إلا بإصلاح الأوضاع الاجتماعية القائمة المستندة إليها هذه الأحزاب ، ويرى منيف الرزازأن سوء هذه الأحزاب لن يكون دواءه إلغاء الحياة الحزبية ، لكن الدواء هو في إعطاء مزيد من الحرية للقوى التقدمية في الشعب ومزيد من التعليم والتحرر الاقتصادي والاجتماعي والشعور بالمسؤولية، لأن الحياة الحزبية هي إحدى ضمانات حرية الشعب السياسية ، وتنافسها وتطاحنها ، في سبيل خدمة الشعب ، وتجنيد الكفاءات السياسية لتحمل المسؤولية ، وهي التي تدفع المواطنين إلى الوعي وتحمل المسؤولية بإثارتها لهم بالاهتمام بالشؤون العامة من خلال التنظيم الحزبي ،بيد أنه تعمل بعض الأحزاب الراديكالية على تسخير المدارس الثانوية والجامعات والمعاهد ، في تنديدها بالسلطة القائمة أو بالأحزاب الأخرى ، خاصة أن الطلاب في الدول التي خضعت للاستعمار أو الانتداب ، قد ساهموا من أجل الاستقلال بفعالية كبيرة ، وهم يمثلون جميع الطبقات في المجتمع ، وهم قادرين على تحريك الأحداث باتجاه المستقبل كونهم يشعرون بامتلاكه ،من أجل خلق مستقبل أفضل للوطن ، فالطلبة بما يملكون من استعمال سلاح المظاهرات والمساهمة في تعرية ومواجهة النظام الحاكم فيما لو انحرف عن الطريق القويم ، فنزولهم للشارع يعطي مجالاً واسعاً لإلهاء الشارع بما يخدم المظاهرة ، كما أن لجوء الطلاب إلى التوقف عن الدراسة أو لجوءهم إلى الإضراب عن الطعام ، لإثارة الرأي العام ، وتنبيهه إلى عدالة المطالب المطروحة من قبل الأحزاب المعارضة، فعلى سبيل المثال كان إضراب 1920 للاتحاد الوطني لطلبة العراق ، له تأثيره في ثورة العشرين في العراق ، كما أن إضراب الطلبة في العراق عام 1963 له الدور الأكبر في انقلاب فبراير 1963 ، و الذي وصل من خلاله البعث إلى السلطة ، لكن مما يؤخذ على اشتراك الطلبة في الحياة السياسية ، مثل دخولهم الحزبية وانخراطهم في المظاهرات والاضطرابات و .... الخ ، أن ذلك يعيقهم عن الدراسة ، كما أن سنين عمرهم تؤكد أنه لم يكتمل وعيهم بمستقبل أمتهم في ظل الظروف الدولية التي تدرس لها المسائل بكل دقة بعيداً عن العواطف والذاتيات ، وفي ظل الإدراك الكامل لموازيين القوى الدولية ، والتي تحتاج إلى متخصصين في هذه المجال ، لكن تعمد بعض الأحزاب المشبوهة إلى استغلالهم وإثارتهم من أجل تقويض النظام الديمقراطي وإثارة الأزمات السياسية، مستغلة تعاطف فصائل الشعب كافة معهم كونهم يمثلون أملها ومستقبلها ، وبذلك تسنح الفرصة لهذه الأحزاب المشبوهة لإحلال نظام ديكتاتوري يحل محل النظام الديمقراطي متذرعة بمبادئ الحرية والديمقراطية والتغيير والمستقبل الأفضل ، فالفاشية على سبيل المثال استطاعت بقدرتها الخارقة تمويه جوهرها الحقيقي ، لدرجة أن القوى الرئيسية في المجتمع من عمال وفلاحين وصغار كسبة ، وجنود وغيرهم لم تستطع التعرف في الساعة الحاسمة على الوحش المتعطش لسفك دماءها ، ذلك الوحش الذي كان ألد أعدائها، ومنعها -عندما وصل إلى السلطة-، من التعرف على الأفكار الأخرى التي هي أكثر عقلانية وتطوراً فكرياً ، لأن أشد أعدائه هو الوعي وسعة الإطلاع ، فخرج معظم العلماء من ظلم الطغيان النازي إلى الخارج ، وهذا ما كان له الدور الأكبر في انهيار ألمانيا عام 1945 ، ورغم أن البعض يرى أن طبيعة الشعب هي التي تحدد نظام الحكم ، فيرى سمير عبده أن الحياة الحزبية والانتخابات العامة لا تصلح للعرب مثلا لأنهم انفراديو النفسية و لا يخضعون طواعية لقرارات الأكثرية ، فالديمقراطية لا تنفع لشعب يصر على التمتع بحريته الشخصية ، بل تصلح للشعب المستعد للتضحية بجزء من حريته لمصلحة المجموع والنظام ، ويرى آخرون أن العرب أكثر من غيرهم تقبلاً للشخصية التسلطية بسبب تنشئتهم السياسية في مجتمعات تسلطية بإرثها الحضاري ، لكن هذه الآراء بعيدة عن الواقع العملي والآراء الموضوعية ، لأن النظام التسلطي مفروض فرضاً على هذه الدول ، فبالرغم من أن البلاد العربية تخلصت من الاستعمار الغربي ، إلا أنها ظلت تابعة لبلدان المركز التي فرضت من خلال عملياتها القذرة ( مؤامراتها السرية ) ، هذه الأنظمة ، خاصة في حقبة الستينات ، فأصبحت هذه الدول ذات نمط خراجي ، والسلطة فيها تابعة للمراكز الإمبريالية في الخارج ، كما أن الدول الأوربية جميعها لم تتخلص من الأنظمة التسلطية إلا بعد فترة طويلة من الثورة الفرنسية ، فهل كانت طبيعتها تقبل التسلطية ثم انقلبت إلى العكس؟ ، كما أن بعض الدول العربية مرت بالمرحلة الذهبية للديمقراطية الليبرالية ، قبل أن تسقط على يد التيار اليساري الذي كان وسيلة الغرب لزيادة تبعية بلدانها إلى المراكز ، فطبيعة الشعب لا علاقة لها بنظام الحكم بشكل رئيسي وإن كان لها تأثير ثانوي ، في ضوء المتغيرات الداخلية والخارجية المؤثرة بشكل مباشر ورئيسي ، لذلك يرى موريس دوفرجيه أنه لو عمدت الديكتاتورية العسكرية لفتح الحريات للصحافة ، وأساتذة الجامعات ، فإن أربعة أخماس الصحافة ستكون ضدها ، وتسعة أعشار الإتجاه الجامعي سيضعها موضع النقد وفي ظل ذلك لا يمكن أن يستمر الحكم الديكتاتوري ، لذلك يلجأ إلى الرقابة والتعلق بأسباب حكمهم ، وذلك بإضعاف المستوى التعليمي سواءاً من ناحية الكم أم من ناحية الجوهر مما يقود إلى إضعاف المجتمع ثقافيا ً واجتماعياً واقتصادياً
فالنظام الحزبي الأحادي أو المهمين لن يحدث استقراراً سياسياً مستمراً ، لكن من الممكن أن يحقن المجتمع بجرعات مهدئة من خلال سياسته الداخلية و وسائلة القمعية ،و لكن سقوطه في أي لحظة بفعل مؤثرات خارجية أو داخلية أو متعاضدة معاً ، سيحدث انفجاراً فيه يكون أقسى بكثير من كل المراحل التي حكم خلالها فيما لو اعتمد نظام الحرية والديمقراطية والتعددية ، وقد يؤثر هذا الانفجار على كيان الدولة ، لذلك تبقي التعددية السياسية من خلال النظام البرلماني أفضل للمصلحة العامة ، ويرى رئيس الوزراء السوري حسن الحكيم ، إن من الأفضل ألا يتعدى عدد الأحزاب اثنين أو ثلاثة على الأكثر ، لأن تعدد الأحزاب في البرلمان يجعل التشريع عسيراً ، ويجعل مهمة الحكومة شاقة ، وبقاءها في الحكم مهدداً دائماً ، إذ يصعب مع تعدد الأحزاب في البرلمان تشكيل أكثر ثابتة وحكومة متجانسة ، والانقسام البرلماني إلى شيع وأحزاب من شأنه أن يترك في الحياة الدستورية أثراً سيئاً ، وقد يؤدي إلى انهيار الديمقراطية البرلمانية ، ويبدد الرأي العام ، ويقسم أبناء الشعب ، بتأثير الحزبية الضيقة لبعضهم ، مما قد يؤدي إلى بروز الإقليمية الضيقة والنعرات المذهبية ، وانتشار كثير من العقائد و الأفكار المنافية لمصلحة الوطن العليا، وفي ذلك يقول أفلاطون : " لا شر يحيق بمدينة أكثر من ذلك الذي إذا نزل بها فرقها شيعاً وأحزاباً ، ولا خير تنعم به مدينة أعظم من ذلك الذي إذا حل فيها ، ربط أجزائها ببعضها البعض " .
لكن من أكبر دعائم النظام البرلماني هو أن يكون له ميزانية سنوية تحدد مقدماً ما يجوز لها إنفاقه وما لا يجوز لها جبايته من المال خلال السنة لكي تسير المصالح العامة في الإنفاق طبقاً لهذا البرنامج المرسوم بانتظام وأن يكون للميزانية وجهة مالية ووجهة قانونية ، ووجهة سياسية ، بحيث تكون سلطة اعتماد الميزانية في يد البرلمان الذي يحدد المصالح العامة الذي تسلكه السلطات التشريعية والتنفيذية ، مع معرفة مركز خزانة الدولة ونتائج السنوات الماضية ، ونتيجة السنة الجارية ، وإحصاء حركة التجارة الخارجية خلال تلك السنوات الماضية ، وعدد الموظفين في كل مصلحة عامة كبرى ، ومقدار مرتباتهم ، وغير ذلك من المعلومات ، عند دراسة الميزانية، وعند عرض مشروع الميزانية عليه ، و إلا فستكون رقابة البرلمان شكلية فلا قيمة لحرية الصحافة وحرية القول ، إذا لم تستطع إثارة الرأي العام عن مركز الدولة المالية بوثائق رسمية ، يتوفر فيها الوضوح وسهولة التأويل للجميع ، وبذلك يتحقق نوع من الاستقرار الاقتصادي الذي يقود إلى استقرار سياسي نسبي ، وعدم تحقق ذلك من خلال أيديولوجيات أحادية أو شوفينية أو فاشية ، سيزيد من عدم الاستقرار السياسي في البلاد ، كما أن تعدد الأحزاب بشكل كبر وفي الحياة السياسية ، سيخلق نوع من عدم الاستقرار في المجتمع ، لكنه سيكون أقل بكثير من نظام الحزب الواحد على المدى البعيد والقريب لأن التناقضات ستظهر مباشرة على السطح ، وتحل في وقتها ، حتى لو طالت الأزمة أو مدة الحل ، أما التناقضات في ظل الحزب الوحيد أو المهمين فستتراكم حتى تنفجر ، وتهدد كيان الأمة والدولة .

مراجع البحث :
( 1 ) عبد السلام إبراهيم بغدادي " الوحدة الوطنية ومشكلة الأقليات في إفريقيا " بيروت ، مركز دراسات الوحدة العربية ، 1993، ص52-64.ص 64 – 84 .ص 208 .
( 2 ) برنار غروتويزن ، " فلسفة الثورة الفرنسية " ، ترجمة عيسى عصفور ، بيروت ، منشورات عويدات ، 1982 ، ص 44 – 45 ، ص 55 – 56 .
( 3 ) عبد الرحمن خليفة ، " أيديولوجية الصراع السياسي " ، القاهرة ، دار المعرفة الجامعية ، 1999 ، ص ، 19 – 20 .ص 156 – 189 . 160 – 171 . ص 172 . 229 .ص 155 – 159 ، ص 173 –178 ، ص 253 – 254 .
( 4 ) خلدون حسن النقيب ، "الدولة التسلطية في المشرق العربي المعاصر" ، ط2 ، بيروت ، مركز دراسات الوحدة العربية، 1996، ص 117 – 118 .
( 5 ) أريك هوبسباوم ، " الأمم والنزعة القومية " ، ترجمة عدنان حسن ، دمشق ، دار المدى للثقافة ، 1999 ، ص 72 – 79 . ص 88- 93 . ص 156 .ص 178 – 189 .
( 6 ) برهان غليون وآخرون ، " الديمقراطية والأحزاب في البلدان العربية " ، تحرير على خليفة الكواري ، بيروت ، مركز دراسات الوحدة العربية ، 1999 ، ص 49 .ص 45 . ص 54 - 77
(7 ) محمد جابر الأنصاري وآخرون ، "النزاعات الأهلية العربية" ، بيروت ، مركز دراسات الوحدة العربية ، 1997 ، ص 54 .ص 93 ـ 94 . ص 94 – 98 . ص 97 – 103 .ص 92 – 93، ص 51 . ص 127 – 134 ، ص 115 .

( 8 ) مصطفي كامل السيد وكمال المنوفي وآخرون ( تحرير ) ، "حقيقة التعددية السياسية في مصر" ، القاهرة ، مكتبة مدبولي ، 1996 ، ص 107 . ص 244
ص 281 .
( 9 ) زبغينيو يرجنسكي،"بين عصرين:أمريكا والعصر التكنتروني"ترجمة محجوب عمر، بيروت ، دار الطليعة للنشر،1980,ص23 ص 36 – 37 .
( 10 ) غوستاف لوبون ، "سيكولوجية الجماهير" ، ط2 ، ترجمة هاشم صالح، بيروت ، دار الساقي ، 1997 ، ص 12 – 22 . ص 2 3 .ص 58 - 60 . ص 77 . ص 206 .
( 11 ) نيفين عبد المنعم مسعد وعبد العاطي محمد أحمد ، " تجربة التعددية السياسية في مصر " القاهرة ، مركز البحوث والدراسات السياسية في جامعة القاهرة ، 2000 ، ص 112 .ص 31 – 32 .
( 12 ) برهان غليون، "نظام الطائفية من الدولة إلى القبيلة" ، بيروت ، المركز الثقافي العربي ، 1990 ، ص 13-17 ، ص 20 –21 . ص 28 – 30 . ص 42 – 43 . ص 47 ، 68 ، ص 11-112 ، ص 204 .
( 13) جورج بيرة ، " المجتمع المدني والتحول الديمقراطي في سوريا " ، القاهرة مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية ودار الأمين للنشر ، 1995 ، ص 102 .
( 14) نيفين عبد المنعم مسعد ، الأقليات والاستقرار السياسي في الوطن العربي ،القاهرة، ص 5، ص 11-114 ، ص 192 .
( 15) زهير الشلق، "من أوراق الانتداب" ، بيروت ، دار النفائس ، 1989 ، ص 169 .
( 16) خلدون حسن النقيب ، " في البدء كان الصراع "، بيروت ، دار الساقي ، 1997 ، ص 359 – 361 .ص 260 . ص 21 ص 30 – 31 . ص 142 . 390 – 391 .
( 17) عادل مختار الهواري ، عادل مختار الهواري ، "الصفوة العسكرية في الشرق الأوسط" ، القاهرة، مكتبة النهضة الشرق، 1984 ، ص 6 .ص 15 .
( 18) سعد الدين إبراهيم " مصر تراجع نفسها " القاهرة ، دار المستقبل الجديدة ، 1983 ، ص 22 . ص 23 –24 .
( 19 ) محمد عابد الجابري ، " فكر ابن خلدون ، العصبية والدولة " ، ط1 ، بيروت مركز دراسات الوحدة العربية ، 1994 ، ص 45 – 49 ، ص 151 – 168
( 20) محمود حسين، الصراع الطبقي في مصر ، القاهرة ، ص 55 – 56، ص133 . ص 134 ، ص 179 ، ص 188 .
( 21 ) خلدون حسن النقيب ، " الدولة التسلطية في المشرق العربي المعاصر ، مصدر سابق ذكره ، ص 336 ، ص 197 – 198 ص 233 .
( 22) كاظم هاشم نعمة ، "استراتيجيات الهيمنة الأمريكية ، 1924 – 1989" ، طرابلس، أكاديمية الدراسات العليا والبحوث الاقتصادية ، 2000 ، ص 138 – 139 .
( 23) نجيب الأرمنازي ، "عشر سنوات في الدبلوماسية" ، بيروت ، دار الكتب الجديدة ، ص 20 – 24 .
( 24 ) محمد جابر الأنصاري ، "تكوين العرب السياسي ، ومغزى الدولة القطرية" ط2 ، بيروت ، مركز دراسات الوحدة العربية ، 1995 ، ص 92 – ص 93 .
( ) جون كاوتسكي " التحولات السياسية في البلدان المتخلفة " ترجمة : جمال نعيم عون ، بيروت، دار الحقيقة ، 1980 ، ص 24 – 36 ص 47 – 80 ، ص 109 ، ص 140 – 154 .
( 25 ) سمير أمين ، " الطبقة والأمة في التاريخ وفي المرحلة الامبريإلية " . ترجمة : هنريت عبودي ، بيروت ، دار الطليعة للطباعة والنشر ، 1980 ، ص 18 – 20 .
( 26 ) أمين هويدي ، " العسكرة والأمن في الشرق الأوسط : تأثيرها على التنمية والديمقراطية " ، بيروت ، دار الشروق – 1991 ، ص 52 – 53 .
( 27 ) زبغينيو برجنسكي ، مصدر سابق ذكره ، ص 55 ص 68 ، ص 96 .
( 28) السيد يسين ، الشخصية العربية بين صورة الذات ومفهوم الآخر " . ط 4، القاهرة ، مكتبة بولي ، 1999 ، ص 38 – 39 .
( 29 ) سعد جمعة ، مجتمع الكراهية ، ط4 ، 1989 ، مد ، مم ، ص 28 – 34 .
( 30) موريس دوفرجية ، في الديكتاتورية " ترجمة هشام متولي ، بيروت ، منشورات عويدات ، 1989 ، ص 14 – 29 ص 152 – 157 .ص 157 – 158 ( 31) حمدي عبد الرحمن حسن ، " التعددية وأزمة بناء الدولة في إفريقيا الإسلامية "، القاهرة ، مركز دراسات المستقبل الإفريقي ، 1996 ، ص 43 – 49 .، ص 24 .
( ) برهان غليون وآخرون ، " الديمقراطية والأحزاب في البلدان العربية " ، تحرير على خليفة الكوراني ، بيروت ، مركز دراسات الوحدة العربية ، ص 1997 ، ص 52 ، ص 87 – 89 .
( 32) محمد الغزالي ، " حقيقة القومية العربية وأسطورة البعث العربي " ، القاهرة ، دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع ، 1998 ، ص 6-9 ، ص 20 –21 .
( 33 ) محمد الغزالي ،" حقيقة القومية العربية و أسطورة البعث العربي"، مصدر سابق ذكره، ص 68 – 69 ، ص 85، ص 129 – 130 .
( 34 ) هاني الفكيكي،"أوكار الهزيمة ، تجربتي في حزب البعث العراقي"،بيروت،رياض الريس للكتب والنشر،1993 ، ص 59- 66 .
( 35 ) حمدي عبد الرحمن حسن ، " العسكريون والحكم في إفريقيا " مصدر سابق ذكره ،ص 30 .
( 36 ) منيف الرزاز ، " الحرية ومشكلاتها في البلدان المتخلفة " بيروت ، دار العلم للملايين ، 1965 ، ص 59 .
( 37 ) شفيق عبد الرزاق السامرائي ، " المشرق العربي " ، بغداد ، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ، 1980 ، ص 111- 115 .
( 38 ) أ.س . بلانك ،" الفاشية قديماً وحديثاً "، ترجمة محمود شفيق الشعبان، دمشق ، دار دمشق للطباعة والنشر،1994 ، ص 8-9 .
( 39) سمير عبده ، " حدث ذات مرة في سوريا : دراسة للسياسة السورية والعربية في عهدي الوحدة والانفصال 1958 – 1963" ، دمشق ، منشورات دار علاء الدين ، 1998 ، ص 19 – 17 .
( 40 ) حسن الحكيم ، "خبراتي في الحكم" ، عمان ، إدارة مجلة الشريعة ، 1978 ، ص 64 – 69 .



#عزو_محمد_عبد_القادر_ناجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مفهوم عدم الاستقرار السياسي
- دور الجيش في عدم الاستقرار السياسي في الدولة
- علاقة صندوق النقد الدولي بالمؤساسات الاقتصادية الدولية
- الفقر فى أفريقيا: أبعاده والإستراتيجيات الموضوعة لإختزاله (ا ...
- من أجل وحدة الوطنية و استقرار السياسي


المزيد.....




- هارفارد تنضم للجامعات الأميركية وطلابها ينصبون مخيما احتجاجي ...
- خليل الحية: بحر غزة وبرها فلسطيني خالص ونتنياهو سيلاقي في رف ...
- خبراء: سوريا قد تصبح ساحة مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران
- الحرب في قطاع غزة عبأت الجهاديين في الغرب
- قصة انكسار -مخلب النسر- الأمريكي في إيران!
- بلينكن يخوض سباق حواجز في الصين
- خبيرة تغذية تحدد الطعام المثالي لإنقاص الوزن
- أكثر هروب منحوس على الإطلاق.. مفاجأة بانتظار سجناء فروا عبر ...
- وسائل إعلام: تركيا ستستخدم الذكاء الاصطناعي في مكافحة التجسس ...
- قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على مناطق متفرقة في غزة (فيديو)


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عزو محمد عبد القادر ناجي - أثر التمايز الاجتماعي في عدم الاستقرار السياسي في الدولة( الطائفية ، العشائرية ، الإقليمية ، طبيعة ، الشعب ، العوامل الشخصية، صراع الأجيال ).