أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمال كريم - سهيل ياسين في -خطاب عاثر-.. سرديات تبحث عن اليوتوبيا المستحيلة















المزيد.....

سهيل ياسين في -خطاب عاثر-.. سرديات تبحث عن اليوتوبيا المستحيلة


جمال كريم

الحوار المتمدن-العدد: 2170 - 2008 / 1 / 24 - 08:53
المحور: الادب والفن
    


لعل قراءة واعية ومتصلة باليومي والحياتي، المألوف أو حتى اللا منسجم في مجموعة "خطاب عاثر" القصصية للكاتب سهيل ياسين، "دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد - 2006"، تفضي بنا إلى هندسة سردية للواقع المعيش، حيث يتناوب السارد بمهارته في التقنية السردية والوصفية مع الواقع المسرود عن إشكالياته ومعطياته. مدونة تحتفي بالسرية والالتباس في أكثر قصص المجموعة، يتصيد ياسين، أجنة قصصه وحكاياته المنبثقة من اللا مكان، لكن دائماً، ثمة واقع ورؤى متعددة له، وثمة أيضاً، وعي خلاق، يهندس سردية الأفعال والأحداث مقابل وصفية تقدم الشخوص والأمكنة والأشياء. "ربما لأن الأشياء يمكن أن توجد بلا حركة، لكن الحركة لا توجد بلا أشياء". إذاً، ثمة وعي، يعمر ويحكم ويشتغل على أخيلة إبداعية، وضمن هذا الإطار التكنيكي، يعتمد القص عند الكاتب على السارد المحفز والمدهش، بل الغرائبي، السحري، المستفز، الذي هو الواقع أولاً وأخيراً، فقصة "ليلة البدوي" تبدأ بمفتتح فعلي، حركي، هو "ارتبكت دورة المقامرين في نزل الأرملة (عبلة)، التي كانت تؤويهم ساعة الظهيرة" ص5. وتنتهي، أيضاً، بالفعلية والحركية، نفسيهما، "صلى ركعتين وأخرج من تحت عباءته حدوات الجواد الأربع ووضعها عند أعمدة بوابة المدينة المشرعة" ص15، فالنزل/ المكان، يفضي بنا إلى محور المفتتح، الذي هو التصارع، ويتبدى ذلك، عبر لغة تصويرية وصفية، والذي بدوره يضفي على المكان - نزل الأرملة + البساتين + الأزقة + مسجد الحاج (فندي) صفة إنسانية، هي التجمع ولأسباب موضوعية، مختلفة. وهكذا، فنحن منذ البداية، لسنا تجاه فضاءات مكانية، فحسب، بل نحن تجاه عوالم "يجيئون بهيئات وأشكال مختلفة، عجائز، مسنين، شحاذين، عميان، ضالين سبيلهم، يستطلعون خبايا البيوت نهاراً، سرعان ما يخطفون تحت ستر الليل، كل ما تقع عليه أيديهم الشبحية، لذا فلا غرابة أن تخشى المدينة برمتها هذه الأيام إيواء رجل واحد من العابرين الغرباء ليلاً ولو ظل حتى الصباح في العراء" ص7.
لو افترضنا تقسيم هذه القصة، مقاطعياً، فإن المقبوس المشار إليه سيحتل التسلسل الثالث من الخمسة عشر مقطعاً التي تضمنتها القصة، لكنه مقطع محوري، يقوم منطوقه السردي على اختزال الشخصيات في حيزها المكاني / المدينة، ومن ثم الإشارة إلى شخص تخشاه المدينة ذاتها، لنكتشف أنه البدوي الذي ينتمي إلى حيز مكاني آخر هو البادية أو الصحراء، إذن، ثمة تناقض جلي وواضح بين شخصيات المدينة وبين شخصية واحدة وافدة إلى ليلها هي شخصية البدوي.. ولا تفاصيل لأبعاد الحيز الصحراوي.
في حين تتعدد وتتنوع أشكال ومجالات الحيز المديني، وكذلك يتنوع فضاؤه الزمني، بين ماض تتناقله مرويات شفاهية، تخلع على المدينة توصيفاً واقعياً مؤرخناً لأحداثها وبين حاضر ليس أقل احتراماً وصراعاً من ذلك الماضي وبالتالي فإن هذا التوصيف يوحي بالجو العام، وهوليس ذا صفة تزويقية، بل هو تمهيد أراد له الراوي أن يكون بهذه العمومية الرابطة بين زمنين وأحداث لا تنقطع مجرياتها على المكان والأشياء والبشر. "من مرويات المدينة غير المدونة، قيل ذات يوم، قبل انتصاف القرن، أصبح كل شيء مختلفاً وسط الميدان العمومي، التماثيل والنحوت التذكارية فقدت ملامحها تفقأت عيون جنرالات الإنكليز المجهولين، مفرغة عن بريق حجرها الثمين، سقط البلاط الرخامي وسور الخشب المحاط بها وأشيع سراً، ان بعض الأهالي قاموا بالسطو عليها ليلاً. فأحيلت إلى هياكل مضحكة، نهاراً اتخذت المسروقات بعدئذ بلاطات منقوشة بزخارف إسلامية". ص80.
وفي تصور أن المدينة هي الفضاء الرئيس للشخصيات، سنجد الكاتب، يشكله على وفق أبعاد الشخصيات الرؤيوية لطبيعة وجودها الموضوعي، ولعل عودة إلى المقطع الأول من القصة، ستكشف لنا الخطوط الرئيسة للمدينة التي تضم المقامرين والأرملة عبلة والفتية الصغار والأزقة.. الخ، وفي هذا المقطع يطل علينا السارد، مباشرة ليتحدث عن الأم والكلاب الراكضة وراء مصدر الضجة التي عصفت بالمدينة.
ثم يقدم لنا نبذة عن أبيه على لسانه هو، ليبلغنا مرة واحدة بتحريض مونولوجي بأن أباه قال: "إن بلدة كانت أرضها يوماً للغزاة واللصوص، الاحتياط فيها واجب" ص9، ويعود السارد بعد أن ذكر أن وراء الضجة في الأزقة هو "سالم السماك"، ليؤكد أنه، مجنون وكذاب وثرثار ودجال عبر كلمات الإثارة الساخرة، هنا تبدو قوة الصورة الرمزية لهذه الشخصية والتي ستمنح الرمزية نفسها لشخصية البدوي في نهاية القصة، لدينا في هذا القص السردي، شخصيات عدة (الأرملة + المقامرون، الأم - الصبية الصغار + سالم السماك" "الأب + البدوي وهما شخصيتان، يستعيد الراوي الأولى والتي بدورها تستعيد الثانية" تتحرك المجموعة الأولى على مستوى القص. فيما تتحرك المجموعة الثانية على مستوى زمنية الحدث، أعني بها، الأب + الأم + البدوي، ولو دققنا بعمق في هذا النص، سنجد أن الذي يعمق الصورة الرمزية ويجعلها ملتبسة، بل قابلة لتأويلات عدة أو حمالة أوجه، كما يقال، هو الراوي، فالجواد تفترسه كلاب المدينة، فيما يخرج البدوي من تحت عباءته حدوات الجواد ليضعها عند أعمدة بوابة المدينة وربما يمضي!!
وفي قصة "الفراقات الأخيرة" سنجد أنفسنا، منذ البداية أمام وصفية مكثفة، تشي بالكثير من الرموز والمفهومات الإنسانية، وهي وصفية، احتفت بالمكان والشخوص وتداخل الأجيال والرؤي والتصورات في الحيز المكاني / الحافلة، وهو حيز يتحرك بمحمولاته من المسافرين، إذن، هي حركة للحياة والأشياء وسط حركة الطبيعة المنظور إليها تتخللها، مفترقات مكانية ولقاءات غير مرتقبة، تنفجر بفعلها، تداعيات، هي الأخرى، انضغطت بفعل الزمن والأحداث والتباعد، يتقاسم محورية القصة، الصبي وطائره العجيب، ويقابلهما الأم / صاحبة السقيفة وابنها، الغائب، وسيشكل الغياب السمة المشتركة بين هذه الرموز المتلازمة والمفترقة في آن معاً، فالطائر سيغيب، مثلما غاب الابن عن أمه، لكن ثمة مفارقة بين الغيابين، "كان الصبي، ممسكاً بطرف خيط، ينتهي بأرجل أبرية لطائر غريب، ملأ فراغ الحافلة بضجيج متعال، علق أحد الركاب بعد أن خلع نظارته الطبية:
إن مثل هذه الطيور. شأنها عجيب، سرعان ما تفر.. إنها تهرب دائماً.. من الصعوبة تدجينها" ص74. وهكذا، فنحن أمام سيطرة الصورة الرمزية لهذا المخلوق. فهو طائر ممسوك ويرفض التدجين حتى الموت، بكل تأكيد، بحثاً عن حريته المستلبة.. ولكي يتوافق الترميز إلى الغياب والحرية على حد سواء، بين الرموز والشخصيات المحورية، يلجأ السارد إلى منطوق الحوار بين الأم وهي تخاطب الصبي من جهة والراوي من جهة أخرى. "قالت صاحبة السقيفة:
- خذ بقايا الخبز يا صغيري، والقم بها طائرك العجيب، عله يصمت، إنه كأي غريب، يغيب عن أهله، أجل إنه ينوح عليهم، كبكائي المر على غائبي مذ غادرني في تلك الليلة الثلجية البغيضة..
- قلت: ما الذي تصنعينه لو يعود لاحقاً؟
- آه.. لو عاد حقاً، سأملأ الأرض التي لن تسعني زغاريد وأغاني" ص16.
وتستمر الرحلة، ماضية في طريقها، عبر القرى المبعثرة الفقيرة، فيما تتشتت أفكار المسافرين الناعسين، لكن أبرز تلك اللحظات، عندما أطلق الأب الطائر إلى الخارج. إلى فضاء حريته. "الطائر ما زال يزعق، يفرد جناحيه بقوة ينفلت من بين يدي الصبي، يسقط في أحضان أبيه، بامتعاض يتململ الأب، يزيج زجاج النافذة جانباً ويلقي بالطائر خارجاً، يلاحقه الصبي بنظرات كسيرة" ص77، وهكذا حلق الطائر الذي لم يبق منه في الحيز المنطلق، سوى ريشة تدور فوق رؤوس النيام من المسافرين، وبضع حسرات مؤلمة تنطلق من فم الصبي الصغير.
أما قصة "ذاكرة النار" فهي ذاكرة نار الحرب بامتياز، قصة، يبدأها الراوي بالوصف مباشرة، معتمداً في ذلك على ضمير الـ(نحن) ، والمكان، هو جبهة قتال، وينتقل من وصف الأنا / الآخر، إلى وصف المكان، الذي تدور في فضائه رحى الحرب التي تتقد نارها بالجنود المساقين إلى ماكنتها قسراً. "نحن المستنفرين، هنا، نتحسس آلاتنا الحربية، اعتدة بنادقنا، أقراص أسمائنا، ضمادات الميدان، مخبئين التماعات حرابنا، بصيص سكائرنا، وأنين أغانينا تحت اشتداد القصف والبرد والظلام" ص74، هنا، يتناوب السارد مع صوت الراوي، بالكشف عن سوداوية المكان ووحشيته، بل قتامة الحياة وانعدامها في حيزه، إذ ثمة بشر مرميون، هكذا، وهم يحملون شاهدات موتهم المدلاة من على صدورهم الواجفة، في المقطع يتغير منطوق الوصف من ضمير الـ(نحن)، إلى ضمير الـ(هو)، الغائب، ثم ليلتقي، مرة أخرى، صوت الراوي مع الـ(هو)، الغائب في حوارية، استذكارية تنتهي بإخبارية موت الجد الذي كان بالامكان أن يكشف للآخرين عما تأخر من حياتهم وما تقدم!!، ثم تبدأ رشقات الرصاص مدوية في المكان، ولا شيء غير صديات رجعها القريبة، كان الهجوم قد بدأ، جالباً معه الموت الزؤام.
"في الأفق الداكن بفعل الغبار، تلاشت العربة المحملة بالقتلى، لم نهتد لأحد منهم، رغم كثرة الدلائل المختلفة، بعد أن دار بنا العريف المأمور حولهم إلى صندوق عتاد قديم وقال: "تلك هي أشياؤهم الخاصة".
كانت خطابات ودية، ورسائل حب، بطاقات صور ضاحكة، اختلطت مع رسوم قديسين متورعين.." ص82-83.
إذاً، يذهب كل أولئك الأحياء من الأحبة والأصدقاء، تثرم أجسادهم ماكنة النار، وتشظي أحلامهم رصاصاتها، ولم يبق، منهم، سوى أشيائهم، وثمة اشباحهم تلاحق من بقي حياً في المكان.
بقي أن نقول، أن كل شخصيات "خطاب عاثر" ، تنسل من بيئة اجتماعية، مغمورة بالفقر والتمزق والصراعات، ولها مشاعر وتصورات إنسانية، تجاه الحياة، وتجدها في كل قصص المجموعة تتحدث بلغة عامرة بالسردية الواقعية للمعيش المنظور والوصفية اللاذعة لمشهد المكان وخلفياته الاستثائية والمعقدة. باختصار، هي كيانات اجتماعية مأخوذة بالحياة والبراءة، غير أن الحرمان والاغتراب والفقر والحروب، كل ذلك يمنعها من التواصل بقوة، ثم لتبقى تتطلع إلى يوتوبياها المستحيلة، ولو استثنينا قصة "وجه السيد" الذي يرسم ملامحه، رسام بارع، في بضع دقائق، دون الحاجة إلى استذكار أو تأمل خطوط وجه، السيد / الطاغية، إذ يعيد تشكيله في كل مناسبة ميلاد في مشغل إجباري، يعده رجال السيد ذي الوجه الممسوخ، كما يراه الرسام فحسب، أقول عدا هذه القصة، فإن قصص، عاشق الطيور، مملكة الطرائد، خطاب عاثر، العشاء السري، ترميمات ممكنة، الحصن العتيق، مخبأ في الأعالي، ظلال أخرى، حيوات مؤجلة، ذو القبعة اللبادية، أشياء صعبة الافتراض، الكواكب الزرق البعيدة، لا تخرج عن الإطار العام الذي أشرنا إليه في قراءتنا للقصص الأخرى.

المصادر:
1- جيرار جينيت / حدود القصة / ص156.
2- قصص المجموعة



#جمال_كريم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمال كريم - سهيل ياسين في -خطاب عاثر-.. سرديات تبحث عن اليوتوبيا المستحيلة