أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حملات سياسية , حملات للدفاع عن حقوق الانسان والحرية لمعتقلي الرأي والضمير - عثمان أحمد خالد - ليس دفاعاً عن الدكتورة رجاء بن سلامة - ولكن دعوة لإعادة سيوف التكفير الي أغمادها















المزيد.....


ليس دفاعاً عن الدكتورة رجاء بن سلامة - ولكن دعوة لإعادة سيوف التكفير الي أغمادها


عثمان أحمد خالد

الحوار المتمدن-العدد: 2168 - 2008 / 1 / 22 - 12:16
المحور: حملات سياسية , حملات للدفاع عن حقوق الانسان والحرية لمعتقلي الرأي والضمير
    


لقد تعرفت علي كتاباتها منذ أن كانت نجمة تتلألأ في الأفق الأدبي. عندما وقع بصري لأول مره علي حوار منشورلها في صحيفة القدس العريي قبل سنوات حول لغة العشق في الأدب .ومنذ لحظتها جال في خاطري، أن الكاتب النادر محمود المسعدي ( رحمه الله) الذي تطلق مقولاته الخيال في إتجاه الأفق، و تلهب أفكاره الشوق الي المعرفة، وتوشح لوحاته الرائعة الذهن بالوان طيف المعرفة، لم ولن يكون ظاهرة وحيدة في تاريخ تونس الخضراء. بل هو نبوغ ضارب الجذور في أرض قرطاج الخصبة، التي تشربت عير الازمنة بالقيم من الفكر والجميل من الفنون والآداب
ولأن المحاورة كانت بنت كل هذا التاريخ الذي أنجبها إنجاب سيوس، لمنيرفا فوق قمة جبل أولمب. لم أستغرب، إن توشحت بنت قرطاج بغصن الشجره التي أبدعتها رمزاً للسلام و المحبة والرخاء بين البشر. ووظفت عقلها المتقد، ومعرفتها الواسعة، لكي تزداد تلك النار المقدسه توهجا و لمعاناً.

ولأنها هي أيضا باحثة في ريعان شبابها الأدبي والبحثي، عندما قدمت عملها بشفافية عالية جمعت بين جمال اللغة وسلاسة الاسلوب، والتلخيص الجيد للافكار والحياد في الاشارة إلي ألأراء المختلفة، كإشارتها إلي السجال الذي دار مابين جاك دريدا ولاكان حول التفكيك والتحليل. . وتقديم أطروحتها في طبق مرصع بكريم الجواهر، وثمين الدرر، يندر أن نجده في الأعمال الشبيهة. ولهذه الاسباب إطمئنت نفسي، أن أبا هريره سيحدثنا كثيراً. وأن ريحانة ستروي ظمأ الحاضر بحكاوي الصحراء*11 . طالما أن امثال أستاذة الأدآب كانوا يرددون منذ نعومة أظفارهم أبيات الشابي باخلاص .

ومن لم يرم صعود الجبال يعيش ابد الدهر بين الحفر.

وهي أبيات تؤجج لهيب الطموح في الدواخل، و تحفز الذين لم يستسلموا لواقع حاضرهم الراهن، ولم يعجبهم أن يروا كتاب العربية يبللون خارطة تاريخهم بدموع الحسرة والندم.، علي نضوب منابع ماضيهم الفكري الثر، وأفول شموسهم التي أشرقت أزمنةََ علي عصور بغداد ومعرة النعمان المتوهجة، وقرطبة واشبلية و قرناطة اللامعة الوميض. وغيرهما من عواصم والأدآب والفكر والثقافة.

و لأن القرون لاتنجب دائماً أمثال أبو حيان، أو بن طفيل، أو بن رشد، أو رابعة العدوية أو حتي بنت المعتمد بن عباد بثينة؟ جاز لنا أن نتحرق شوقا الي قراءت أعمال هذه الكاتبة ، التي تستخلص الدرر المدفون في أعماق التاريخ. وجاز لنا ايضاً ان نضرب لها أكباد الابل، لنسمع منها أحدث كشوفات الحاضر. طالما انها تنفض غبار القرون عن هذا التراث الخالد، وتلقحه بلغة بودلير وفولتير . فإن نقلت للسان يعرب شعرية تودووورف، فهي قادرة أن تقرب إلي العقل العربي بناء فوكو، وتفكيك دريدا، وتمدنا بآخر كشوفات تلاميذ المرحوم سيمون فرويد. وغيرهما من ضروب المعارف التي تتطلب العقل الناقد، والتمكن من اللغات التي كُتِبت بها. وجاز لنا أيضأ أن نزعم إنها من أمثال الذين كرمهم فيلسوف المعرة، لجليل أعمالهم وخلود أدآبهم. بإطلاقه لخيال الشيخ بن القارح وتجاوزه به حدود الزمان والمكان، فأركبه نجيباً*1 من نجب الفردوس يسير بين كثبان العنبر، وتلال الزبرجد، وشلالات اللبن، و أنهار العسل ،وغابات كُثر، أشجارها علي إمتداد البصر من أمثال ذات الأنواط، التي كان القوم يعظمونها في الجاهلية، ويستنشق عبق الحور العين.
وإن شاء يسقي رحيقاً مختوماً، بأباريق الولدان الموشحون بالسندس الخضر. علي نحو ما صوره لنا أبو العلاء( رضوان الله عليه ) في رسالة الغفران، لانه رحمه الله ، لو لمح خياله الواسع توهجها هذا، لأوعدها (متعها الله بشبابها وأطال عمرها)، قبل أعز أحبابه أعشي قيس و زهير و عبيد ولبيد والنابغتين وغيرهم من أدباء العربية، قصرًا فخيماً كقصر الشمس*2، لايبلغ البصر مداه، ولايدرك الطرف آخره. تكتسي مروجه بالسندس، و تُنضّر بالزهر، وتفوح أنفاس حدائقه بأَرج التفاح وعبق الرياحين.

وإذا تثني لنا أن نجاري حبيس المعرة في تفاؤله فأن أقل ما نتخيله أن أستاذة الآداب ستقدم له زميل مهنته (الخالد مثله) دانتي، الذي تأسي به ،وسار علي خطاه، رغم صعبوبة المهمة، ووعورة الطريق .

ولن يدهشنا( رحمه الله عليه) إذا ما قرع هذا النبوغ مسامعه أن يندم علي بيت شعره:

هذا جناه أبي على وما جنيت علي احد.

أو إذا ما تحسر علي شبابه الذي تبدد نسكاً!. أو إذا ما هام فؤاده في مضارب بني هلال أو بني هانبال، وصبّ قلبه، وفتنت نفسه الزاهده، بإحدي حسنواتها. ألم يكن يأسه من تحقيق أماله سبباً في زهده؟

وقال الفارسون :حليف زهُد وأخطأت الظنونُ بما فرَسنهْ ِ

وَرُضْتُ صعاب أمالي فكانت خيُولاً في مراتعها شَمسْنهْ

ولم أعرْض عن ِاللذات إلا لأنّ خيارَها عني خَنَسنهْ*3


فلماذا لايكرم بنت قرطاج، أديب المعرة؟ و قد صارت شمسأ ساطعةً في سماء علم اللغة و الفكر والنقد، وغيرهما من ضروب الآداب؟ . .تدرس أعمالها وتناقش رؤاها، وتخبّر طلعتها الباهية من خلال موقعها علي الإنترنت أهل أوربا ان فيلسوف تنويرهم، إمانويل كانط ، لم ينورهم حقأ.، عندما زعم أن الذكاء والجمال لايجتمعان في شخص واحد.

..................

وأرجو عزيزي القاري أن لا تعتبر إنني أردت بإشارتي إلي جهدها المذكور ومقامها المحترم. القول إن أستاذة الآداب فوق النقد ، بل علي العكس من ذلك تجدني أدعو بشدة إلي نقد انتاجها الفكري. لأن نقد الفكرلاينتطح حوله عنزان. فالإنتاج الفكري والثقافى لابد من الحوار حوله ، والوقوف عليه بالمناقشة النقدية الموضوعية. بل أكثر من ذلك تقام له المحافل وتمنح له الحوافز. ولكني أردت أن أقول إنني لا أجد سبباً يحول دون أن يفكر الناس بحرية؟ خاصة إذا ما علمنا ان الأستاذة المراد منها إلجام عقلها عن التفكير، و لسانها عن التعبير، ناقدة درست النقد! ومفكرة مهنتها التفكير في قضايا اللغة و الفكر الثقافة؟ فلماذا لا تترك لها الحرية لكي تبحث في تراث الفكر العربي والانساني؟ ولماذا لاتدرس تلاميذها بما يقنع ضميرها ؟ وهي باحثة نالت ألقاباً أكاديميهً رفيعةً. وتوفرت لها شروط البحث. وجودة إستخدام أدواته. وتمرست في سبل التدريس. وشهدت لها المؤسسات المختصة بذلك. وإذا ماجانبها الصواب. ؟ فمن هو المرجع في هذه الحالة.؟ وما هي الأدوات والأساليب التي يجب أن يحتكم إليها.؟هل هي السجال الأكاديمي.،؟والمناقشة النقدية المتعارف عليها ؟أم الفتاوي التي تنضح عنفا أوجنسأ؟ كفتوي إرضاع الكبير الطريفة، ذات الميول الأوديبية ؟ فهي تجسد الحنين المدفون في أعماق لاوعي مفتيها إلي حليب الأم الدافي. و هي فتوي تصلح أن تكون دون شك دعماً لتلاميذ المرحوم سيمون فرويد، في مواجهة نقاد شيخهم بإعتبارها( تثبيتاً) fixierung لمشاعر( العشقية الفمية)، Oralerotik ، بالنذوع لتكرارتلك المشاعر،Widerholungszwang

والتي زعم فرويد أنها تلازم بعض الراشدين الذين يظلوا يستبطنوها ،لأنهم لم يتخلصوا بعد من رواسب عقدة أوديب .

والغريب في الأمر، أن أحدهم برر هجمة تتار الحاضر علي الدكتورة رجاء بن سلامة، بزعمه إنها لم تقل كل ما تؤمن به !ولكنه لم يخبرنا كيف علم بما لم تبح هي به؟، طالما إنه ليس بنبي يوحي إليه. أو ولى خصه ألله بعلم من لديه. إلا أن يكون في رفقته تابعاً من أهل نصبين*4(من الذين ضربوا في مشارق الأرض ومغاربها) بإمكانه إستراق السمع حتي علي ماخفي فى الصدور. اليس هذا القول كافياً علي التأكيد أن البعض تشابه عليهم البقر؟، ولايدرون حقيقه الدين الذي يريدون حمايته ؟

والتهمة الأخري في مواجهة الأستاذة هي التلويح بقميص عثمان! و الذي ملَ الناس التلويح به. بإتهامها بأنها تحبّط نشاط المقاومه الفلسطينيه ! وكأن المقاومة صارت ديناً مقدساً يحرم نقدها؟ ،و يجوز تكفير ناقديها؟، لأنه إن كان الأمرحقاً كذلك لجاز تكفير نقاد أبو عمار رحمه الله!. وجاز أيضاً تكفير نقاد عباس! وتكفير ما أثمر عنه من تجمعات سياسية فاعله و تقاوم اليوم ! لذلك فإن هذه التهمة دون شك غير أمينة. ولو كان الهدف هو الدفاع عن القضية العادلة؟ كان حرياً بهم أن يذهبوا إلي أمارة غزة التي ضربتها الفتنة في مقتل. ويسألوا المقاومين؟ من الذي يحبّط مقاومتهم؟ وكيف صار حالهم؟وأين يصلّون؟ و أين يعملون؟ ومن من يخافون؟ ومن يقاومون الآن ؟أما الكتاب والمثقفون العرب فلن يخوضوا في أوحال حرب البسوس، لأنهم سجلو أسمائهم في دفاتر محمود درويش ويحفظون أرقام بطاقاتهم . ويتوقون لليوم الذي يستعيد فيه أحمد العربي سلامته وتوازنه الداخلي .خاصة انهم سمعوا بالكثير من مثل الشعر الذي يتوارثه البدو حتي اليوم .
يقولون علي لسان كليب:

اسمع يا ابن عمي أياجساس قد أهرقت دمي *5

أيا غدار تطعني برمح ولست انت في الميدان خصمي

واشمت الاحاسد والاعادي وباتت اخوتي تبكي امي

على ناقة تقتل ابن عمك أمير كريم من لحمك ودمك

بيوم الضيق كان يزيل همك ويردي الضد في يوم النزال.

أما عن حرية البحث والتدريس فإني أتساءل هل صارت حقاً رهينة لأحكام أمثالهم؟ وهل يسمح لهؤلاء مواصلة فتاويهم لإشباع رغباتهم السادوماذوشيه بإسم الإيمان بالدين ؟ وهل هم المراجع الذين يسمحون لأساتذة الآداب أويحظرون عليهم تقريب مناهج علوم اللغة والنقد الحديث إلي تلاميذهم ومحيطهم الثقافي و الفكري؟.

لو تم لهم ذالك،لحلت الكارثة،فبدون الحرية لا يمكن لباحث أن يبحث ولا يستطيع مبدع أن يبدع. وإذا كانوا حقاً غيورين علي تراثهم الفكري كان خليقاً بهم أن يحافظوا علي أمثالها، حتي لوسلمنا جدلاً بوجهة نظرهم، التي تُخطّيء رؤيتها .

ولقد كفي عنا بن زيدون في تظلمه مخاطباً صاحب قرطبة أبا الحزم بن جهور، عناء
المجادلة بقوله :

فإن يكن ِ الفعلُ الذي ساءَ واحداً ( فأفعالها) اللائي َسَررنَ أولوفُ *6

فهل نأمل أن يراجع خصوم حرية البحث والفكر انفسهم ويتحلوا بالأمانة قبل أن يصدروا أحكامهم المطلقة التي لا إستئناف لها؟ . حتي لاتصيرجامعاتهم خالية من الأساتذة الذين تنتظرهم الجامعات و معاهد البحوث والدراسات الأخري، علي أحر من الجمر. وتبحث عنهم ربما أكثرمن بحث ريال مدريد، ومانشستر يونايتد، عن الموهبين من لاعبي كرة القدم.


لما تقدم فانى أناشد بأعلي صوتي خصوم الدكتورة رجاء بن سلامة، أن يزيلوا من قلوبهم الضغائن عليها. طالما أن الخلاف حول قضية فكرية، تحتمل الرأي و الرأي الأخر، والمساحات واسعة لكي ُتقدم الحجة في مواجهة الحجة، و الفرص متوفرة لمجادلة الفكرة بالفكرة. فعسي ولعل أن يحصحص الحق يوماً ما، في جانبهم أو جانبها . وهذا لن يكون إلا بالحوار الهادى والمنطق السليم .

ولهم في النبي محمدصلى الله عليه وسلم قدوة حسنة أو الذين فهموا جوهر رسالته أمثال أبو الوليد محمد بن رشد الذي لم ينسي أن يترحم علي الإمام أبو حامد الغزالي في رده علي تهافت الفلاسفة. بقوله : قال أبو حامد رحمه الله: كذا ، و نقول: كذا... فهذا هو أدب الحوار الذي سلكه فيلسوف قرطبة و أمثاله من الذين كانت نواياهم خالصة للوصول الي نورالحقيقة. وليس التشفي والإنتقام . لأنهم فهموا جوهر رسالة محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال: إنما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق.*

أما سل سيوف التكفير، و سن رماح الارهاب، فلن يقنع احدأ بفكرهم، إذا ما كان لهم فكر. ولن يدعم حججهم، إذ ما افترضنا إنهم من أهل الحجج. و لو كان سلاح التكفير يخدم قضيه لخدم قضيه الامام الغزالي( رغم انه رحمه الله عليه ، كان حجة ً في الاسلام) ضدالفلاسفه و علي وجه الخصوص ضد الشيخ الرئيس بن سيناء. (رضوان الله عليه) فعلي الرغم من تكفيره للشيخ (سامحه الله) مازالت إشارات الشيخ الرئيس، و تنبيهاته ، و أضحويته في المعاد،وغيرها من مؤلفاته حاضرة حتي هذا الزمن، بل فئ متناول أمثالنا من العوام. يلجؤن إليها لجلي ما لحق بالنفوس من صدأ. رغم انه حذر في حياته بشدة من وقوعها في متناول أيدي أمثالنا من العوام. وخطأ إشهار سلاح التكفير والإستعجال في اصدار الفتاوي يؤكده ماتوصل اليه الامام الغزالي نفسة بعد عزلته المشهورة. وقوله بمبداء المضنون به على العامة،كما ظل صديقي الأردني، يذكرني دائما : بان الكثيرين من المهتمين لم يقفوا حقيقة على تجربة الامام الغزالي بعد كتابته لتهافت الفلاسفة التي إنتهت به إلي أن يعمل بمدأ المضنون به علي العامة.

نعم . فلقد لجأ أبو حامد للعلوم الاولية للوصول الي اليقين في ما إحتار فيه. وعندما أخطأت حواسه ،و حار عقله، وأعضل به الداء، لجأ الي تصوفهم و توحدهم، إبان أزمته الشهيرة. كما خبر هو بنفسه عنها{ فلما خطرت لي هذة الخواطر , وانقدحت في النفس , حاولت لذلك علاجا فلم يتيسر اذ لم يكن دفعه الا بالدليل , ولم يمكن نصب دليل الا من تركيب العلوم الاولية . فاذ لم تكن مُسلمة لم يمكن ترتيب الدليل . فاعضل هذا الداء ودام قريبا من شهرين انا فيهما على مذهب السفسطة بحكم الحال , لا بحكم النطق والمقال , حتى شفى الله تعالى من ذلك المرض , وعادت النفس الى الصحة والاعتدال ورجعت الضروريات العقلية مقبولة موثقة بها على امن ويقين , ولم يكن ذلك بنظم دليل وترتيب كلام ,بل بنور قذفه الله تعالى في الصدر , وذلك النور هو مفتاح اكثر المعارف*7 }.*

ولعل هذا النور هو الذي حمل الغزالي ان يعمل بمبدأ المضنون به على العامة حتى مماته. وهو نفس النور الذي أطاح الإعتقاد به برأس مشاهد الأنوارالإشراقية الشهيد السهروردي شهاب الدين، علي الرغم كتمانه لسره وتحريه السلامة، كما عبر عن ذلك شعراً بقوله :

*بالسر إن باحوا تباح دمائهم وكذا دما العاشقين تباح.*

و ظمأ سيوف التكفير لم ترويه دماء شهيد الإشراق، شهاب الدين السهروردي، ولا شهيد الحلول والإتحاد، الحسين بن منصورالحلاج . فكادت أن تنال من صاحب الفتوحات المكية وفصوص الحكم ، شيخنا الأكبر العارف بالله محي الدين بن عربي. والذي مازال البعض يعيره بسبق إسبنوذا له بالقول بوحدة الوجود.
فإن كان إسبنوذا أو غيره قد سبقه القول فلا إشكال في ذلك( فالحق لايناقض الحق بل يشهد له و يؤيده)*9 فإن كان سابقه إختار طريق البرهنة الرياضية للوصول لغايته، فلقد باح شيخنا بما كشف له عندما لاحت له حقيقة وحدة الوجود ، وأشرقت علي قلبه أنوارها الكونية الساطعة ،وأبصر بروقها اللامعة، ونهل من علومها اللدنية وأسرارها الربانية. فأباح به شعرأ ونثرأ عطر فضاء الأدب الصوفي. ولم ترهبه صياح الذين غلظت أنفسهم وحجبت ابصارهم عن المشاهدة لأنه شأنه شأن( الجيلاني والبسطامي كان قد تمكن وحصن نفسه بالحقيقة ضد سيوف الشريعة وهذا مقام لم يناله أبو المغيث الحسين بن منصور الحلاج،الذي رأئ الحقيقه فنطق بها قبل أن يحصنْ نفسه بها من سيوف الشريعة) *8 والغريب أن يكون في عالم اليوم من يدعي العلم ويكفر في ذات الوقت الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي! بعد أن طبق العالم ما أعلنه البرت اَينشتاين في نسبيته أن الزمان دائري والفضاء مترابط ومنبعج والزمان والمكان مندمجان.بل تجدهم يطلقون تلك الفتاوي بهواتفهم النقالة أو عبر القنوات الفضائيه !ولاعجب!
و الجدير بذكره في في هذا المقال إن جراح أهل الفكر والعلم لم تندمل بعد، ومازالت تؤرق مضاجعهم فجيعتهم الكبرى في متصوف السودان العارف بالله الأستاذ محمود محمد طه،( عليه رضوان الله ) المفكر الذي أثري ساحات المعرفه و الفكر، والتصوف، وظل وفياً لقناعاته ورفض أن يخسر نفسه ويكسب عالم النفاق والظلام ، حتي أخر لحظة في حياته المادية. بل تجرع كأس المنون بإبتسامة ساخرة علي جلاديه. وهو يواجه مصيراً ترعب له النفوس وترتجف له الأبدان. فسمت روحه الشفافة عن كدرالدنيا الذائلة، التي زهد فيها أكثر من زهد أبو العتاهية. فأشعل رحيله الأسي في القلوب والحزن في النفوس وأدمي الماَقي. وهي مأساة لن يقدر علي تصويرها إلا كُتّاب المآسي العظام أمثال أرسطوفانيس وسوفوكليس وغيرهم من الذين خلدوا أعمالاً اقل مأسوية من مأساة النيل. والأستاذ محمود واجه خصومه وحدد موقفه من محاكمهم التي فاقت فظائعها محاكم التفتيش بقوله تلك الكلمات التي خلدها التاريخ:

أنا أعلنت رأي مرارا ، في قوانين سبتمبر 1983م ، من أنها مخالفة للشريعة وللإسلام .. أكثر من ذلك ، فإنها شوهت الشريعة ، وشوهت الإسلام ، ونفرت عنه .. يضاف إلي ذلك أنها وضعت ، واستغلت ، لإرهاب الشعب ، وسوقه إلي الاستكانة ، عن طريق إذلاله .. ثم إنها هددت وحدة البلاد .. هذا من حيث التنظير ..
و أما من حيث التطبيق ، فإن القضاة الذين يتولون المحاكمة تحتها ، غير مؤهلين فنيا ، وضعفوا أخلاقيا ، عن أن يمتنعوا عن أن يضعوا أنفسهم تحت سيطرة السلطة التنفيذية ، تستعملهم لإضاعة الحقوق وإذلال الشعب ، وتشويه الإسلام ، وإهانة الفكر والمفكرين ، وإذلال المعارضين السياسيين .. ومن أجل ذلك ، فإني غير مستعد للتعاون ، مع أي محكمة تنكرت لحرمة القضاء المستقل ، ورضيت أن تكون أداة من أدوات إذلال الشعب وإهانة الفكر الحر ، والتنكيل بالمعارضين السياسيين. *10



. عندما أصدر عليه قاضي حديث العهد بالمهنة حكماً بالردة، أملِئ عليه من خصوم الأستاذ السياسين، من حلفاء قوانين سبتمبر 1983سيئة السمعة والصيت، (النميري والترابي)، والأخير حاول في ما بعد أن يغسل يديه وثيابه من دماء الأستاذ. ولكن هيهات ! ، لأن الحية لاتتغير إن جددت ماتلبسه!. فبعد ثلاث سنوات فقط من تنعمه بخيرات النظام الديمقراطي الذي حرره من سجن حليفه ( أطلق الترابي علي النميري لقب الإمام ومجدد القرن) فاجأ الترابي العالم بإنقلابه فى 30 يونيو 1989م المشئوم الذي مازالت فظائعه تتواصل حتي زادت كوارثه عن حوجه وادي النيل. فصُدروا فائضها إلي من إستطاعوا. وفي مصر حاضنة دار الحكمه سابقاً و الأزهر حالياً لم يسلم كُتّاب كبار من التكفير. علي الرغم من أنهم أساتذة في الأدب وقادة للفكر ومساهماتهم في مجالات الإنتاج الأدبي و الفكري لاتحتاج إلي تذكير. منهم علي سبيل المثال لا الحصر: الشيخ علي عبد الرازق،عميد الأدب العربي طه حسين، د. لويس عوض، د. نصر حامد أبوزيد. وشهيد الفكر د. فرج فوده

. فهل يسير أهل تونس في نفس الطريق المجربة وعورته علي الرغم من أن بعضهم أمثال الشيخ راشد القنوشي وتلاميذه وقفوا علي حقيقة مشروع الترابي الحضاري؟ عندما لاح لهم فجره الكاذب ! فأناخوا عيرهم أمام خيمة إنقلابه العسكري. الجدير بالذكر أن الشيخ راشد( في غمرة نشوته ) ضرب عرض الحائط بكتابه الذي رفض فيه الإنقلابات العسكريه من قبل .! وعلي الرغم من هذا التناقض الذي وقع فيه فإن أمام الشيخ راشد، علي العكس من شيخ حسن الذي فقد مصداقيته تماماً، الفرصة لكي يصلح بعض ما أفسده صديقه الترابي .بإعلان موقف واضح من حملات التكفير و التضامن مع ضحاياها والدفاع عن الحريات العامة والديموقراطيه التي ينعم بها، من خلال الرعاية الكريمة التي يتيحها له دستورصاحبة الجلالة . *12

حتي لايكون الدوح حلالاً علي بلابله وحراماً علي الطير من كل جنس

! إن فعل ذلك فإنه يكون قد تجنب أخطاء صديقه وأفاد بلده و طور فكره. وساهم في تقديم الجانب المشرق إلي أهل الغرب الذي يعيش في ديارهم والذين كادوا أن ينسوا الأثر التنويري الهام الذي أسهم به المسلمون في نهضتهم. وهو الأستاذ الذي درس الفلسفة ووقف علي أدب الحوار مذ عهد سقراط . والشيخ القنوشي ليس الوحيد المطالب بالخروج من صمته وإعلان موقف واضح. بل كافة الناشطين في هذا الصدد وعلي وجه الخصوص شيوخ الأزهر.

وشيوخ التصوف والفلاسفه لم يكونوا وحدهم الذين إصطلوا بنيران التكفير، فلقد طالت الجميع، حتي أمثال الذين درجوا على صناعة فتاوى التكفير أمثال المكفر عبد الصبور شاهين الذي إشتهر بتكفيره المفكر المصري المعروف د. نصر حامد أبوزيد و دعواه بتطليق زوجته دون إرادتها منه!. فلقد تجرع الشيخ عبد الصبور من نفس الكأس التي اسقي منها نصر حامد أبوذيد.

هذه أمثله علي نيرانهم . فهل يسلم أحد من تلك النيران. التي طافت بالشرق والغرب وكادت أن تقضي علي الأخضر واليابس؟ولاحقت حتي الذين هربوا من شرها وضحوا بديارهم التي ألفت نفوسهم العيش فيها، وحرموا من دفء الحياه في العشيرة بسببها.

لذلك فإن الإرهاب الذي تتعرض له الدكتورة رجاء بن سلامة لايستهدفها هي فقط، بل يستهدف حرية الفكر والرأي الأدبي والسياسي وكافة الحريات العامة منها والشخصية. ضف إلي ذلك فإنه لايناقض الحقوق الأساسية، العامة والخاصة منها فقط، بل يناقض أيضاً الإيمان بدعوة محمد صلى الله عليه وسلم نفسه. والتى دعت إلي التأمل والتفكير{ إن في خلق السماوات والأرض وإختلاف الليل والنهار لأيات لأولي الألباب}.وهذه الآية ليست بالوحيدة التي دعت إلي إعمال العقل والفكر.بل إن الإستدلال علي حرية التفكير بالإستناد للنص القراَني أمر لايحتاج إلي كبيرعناء.

لكل ذلك فإني أعلن عن تضامني التام مع الدكتورة رجاء بن سلامة تقديراً للجهد العظيم الذي تبذله في تنوير الأذهان حتى المظلمة منها و التي عجزت عن إدراك جوهر تراث الفكر الإسلامي. وتقديراً أيضاً لإشعالها شموع الأمل في ظلام حاضرنا الدامس الظلام. ولإستلهامها الجوانب المشرقة والديموقراطية في ماضي تراثنا وتقديم وجه مشرف للاَخر الثقافي والفكري.

وفي الختام تجدني عزيزي القاري علي قناعة تامة بأن الدكتورة رجاء بن سلامة ليست في حوجة الي دفاعي. فهي اقدر مني علي الدفاع عن فكرها. ولكني قصدت التنبيه للدور المدمر الذي ستفودنا له سيوف التكفير إن تركت لها الحرية لكي تكون مسلطة علي رقاب قادة الفكر وحملة مشاعل التنوير. وحتي لايكون الدمار واقعاً فلابد من اعادة سيوف التكفير الي اغمادها والي الإبد. وايداعها في عهدة متاحف تاريخ الخلاف السياسي للذكري والإعتبار.



مراجع :

1ـ النجيب من الإبل ـ الخفيف السريع . رساله الغفران دار صادر ـ بيروت من نجب
الياقوت

2ـ دريني خشبه أساطير الحب و الجمال عند االإغريق

3ـ مع أبي العلاء في سجنه ـ طه حسين

4ـ جماعه من الجن. راجع السيرة الحلبية 1/359

5ـ موقع قبيلة بني وائل علي الإنترنت




6ـ فإن يكن ِ الفعلُ الذي ساءَ واحداً فأفعاله اللائي َسَررنَأولوف:ُ

إبن زيدون ـ د. عبد المجيد الحرـ دار الكتب العلميه ـ بيروت ـ لبنان

7ـ المنقذ من الضلال تحقيق الدكتور جميل صليباـ والدكتور كامل عيادـ دمشق

63 -57

8ـ شرح إشكالات الفتوحات المكية عبد الكريم الجيلي.تحقيق

9ـ فصل المقال . ابو الوليد مجمد بن رشد. تحقيق د. سليمان دنيا
10ـ موقع الفكرة علي الإنترنت

11ـ راجع ـ حدث أبوهريرة قال. محمود المسعدي دار الجنوب للنشرـ تونس
12ـ يعيش الشيخ راشد القنوشي منذ أكثر من عشر سنوات بالمملكة المتحدة

* كاتب وأكاديمى سودانى مقيم بالخارج




#عثمان_أحمد_خالد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- فيديو أسلوب استقبال وزير الخارجية الأمريكي في الصين يثير تفا ...
- احتجاجات مستمرة لليوم الثامن.. الحركة المؤيدة للفلسطينيين -ت ...
- -مقابر جماعية-.. مطالب محلية وأممية بتحقيق دولي في جرائم ارت ...
- اقتحامات واشتباكات في الضفة.. مستوطنون يدخلون مقام -قبر يوسف ...
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بسلوكها
- اكتشاف إنزيمات تحول فصائل الدم المختلفة إلى الفصيلة الأولى
- غزة.. سرقة أعضاء وتغيير أكفان ودفن طفلة حية في المقابر الجما ...
- -إلبايس-: إسبانيا وافقت على تزويد أوكرانيا بأنظمة -باتريوت- ...
- الجيش الإسرائيلي يقصف بلدتي كفرشوبا وشبعا في جنوب لبنان (صور ...
- القضاء البلغاري يحكم لصالح معارض سعودي مهدد بالترحيل


المزيد.....

- حملة دولية للنشر والتعميم :أوقفوا التسوية الجزئية لقضية الاي ... / أحمد سليمان
- ائتلاف السلم والحرية : يستعد لمحاججة النظام الليبي عبر وثيقة ... / أحمد سليمان


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - حملات سياسية , حملات للدفاع عن حقوق الانسان والحرية لمعتقلي الرأي والضمير - عثمان أحمد خالد - ليس دفاعاً عن الدكتورة رجاء بن سلامة - ولكن دعوة لإعادة سيوف التكفير الي أغمادها