أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد كساب محاميد - -يهودية الدولة- --هولوكوستية الدولة- -مَرَضِيّة الدولة-















المزيد.....


-يهودية الدولة- --هولوكوستية الدولة- -مَرَضِيّة الدولة-


خالد كساب محاميد

الحوار المتمدن-العدد: 2138 - 2007 / 12 / 23 - 10:54
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تطالب إسرائيل العالم وخصيصا من الفلسطينيين الاعتراف بيهوديتها. يدور الحديث وكأن هذه هي المعضلة الواقفة أمام تقدم عملية السلام بين الأطراف في المنطقة. القوانين الإسرائيلية الأساسية تعلن بأنها سُنَّت للحفاظ على "يهودية وديمقراطية" الدولة.



الأبعاد السياسية لمفهوم "يهودية الدولة" كثير وأهمها عدم ارجاع اللاجئين الفلسطينيين والاعتراف بحدود إسرائيل تتجاوز قرار الشرعية القضائية الدولية التي وفقاً لها أقيمت دولة إسرائيل – قرار التقسيم 181 الذي أقر ما يقارب 45% من فلسطين التاريخية كدولة عربية و54% كدولة اسرائيل.
احتدم جدا النقاش والصراع حول قبول هذا المفهوم والمصطلح بدءا منذ مؤتمر بازل في سنة 1897 حتى أيامنا هذه في مؤتمر انابوليس الاخير.



في أحد موجات هذا النقاش الابدي كان أريئيل شارون، اياه رئيس الحكومة الاسرائيلية السابق، قد طرح موقف اسرائيل من هذا المعضلة في لقاء رسمي حضَّر لاجتماع العقبة سنة 2003، أمام المشاركين من بينهم موفاز ودحلان‏،‏ ووليم بيرنز المبعوث الأمريكي ومعه مندوب جورج تينيت والقنصل الأمريكي في تل أبيب‏.‏ وموقف شارون هو الذي يمثل بشكل واضح تاريخ الحركة الصهيونية على كافة تنظيماتها وأحزابها تصرفاتها ورغباتها وهو الذي من الممكن من الفلسطينيين ان يتوقعوه من أي حزب حاكم في إسرائيل والحكومة الإسرائيلية الحالية.



قال شارون بإن الحل الذي نقبله ولا نقبل سواه هو أن يكون الأردن وطن الفلسطينيين‏،‏ وبإمكان أي فلسطيني في أي مكان كان‏،‏ بما في ذلك عرب "إسرائيل" التوجه إلى الأردن وإقامة دولتهم فيه‏.‏ وأردف قائلاً‏:‏ هذا هو الحل العملي الذي يوفر علينا وعلى الفلسطينيين العذابات وعدم الاستقرار‏.‏ فإسرائيل من البحر إلى النهر لن تكون إلا دولة يهودية نقية‏.‏ وقد حملنا وزير السياحة اقتراحاً يقضي بإسكان أهالي الضفة الغربية وقطاع غزة في العراق وتجنيسهم بالجنسية العراقية‏،‏ للإسهام في عملية تحقيق توازن بين الشيعة والسنة‏.‏



وركز شارون في نهاية اللقاء على طلبه أن يعلم عباس وكل المسئولين الأمريكيين أن دولة "إسرائيل" هي دولة يهودية نقية‏،‏ وهي لليهود في "إسرائيل" وكل العالم‏.‏ وأعلن أنه لم يقبل الذهاب إلى العقبة إلا مثل أن يعلن الأمريكيون أن "إسرائيل" دولة يهودية‏.‏ وقد كان بوش قد أعلن بملء الفم في العقبة مصطلح دولة يهودية وأضاف تنبض بالحياة‏.‏
كان شارون قد طالب حينها محمود عباس أن يعلق أن "إسرائيل" دولة يهودية لكن عباس في مؤتمر العقبة ، لم يذكر دولة يهودية وإنما ذكر عذابات اليهود على مر التاريخ.



جواب الفلسطينيين على مطلب يهودية الدولة يعكس بحق الاستغراب من جدوى هذا المطلب وتلخص في قول محمود عباس المعافى الطبيعي " تستطيع إسرائيل أن تسمي نفسها بما تريد وهذا ليس شأننا".



في بواطن الأمور وجوهر تكون الوعي الذاكرة الجماعية والهوية لدي اليهود والغرب يكمن الجواب على هذا المطلب. ومن وجهة نظر مراقب موضوعي نستطيع أن نجد بأن مطلب إسرائيل ليهودية الدولة إنما يعكس جذرية شعورهم بفشل المشروع الصهيوني!. وخوفهم من كشف الحقيقة بأن العالم سيكشف القوى الحقيقية الواقفة وراء إسرائيل حين سيلزم الحركة الصهيونية للوقوف أمام المعضلة التاريخية من جدوى المشروع الصهيوني لحل "مشكلة اليهود في العالم " في صيغة السؤال :
هل تجسد إسرائيل تحقيق البرنامج الصهيوني برغبة اليهود لتنفيذ هذا البرنامج أم أن إسرائيل تشكل محصلة "قوى محرقة الهولوكوست" في بناء الدولة والحفاظ عليها أو مثلما قال القائد موشيه فايغلين اليميني المتطرف الذي يمثل المستوطنين في حزب الليكود "بأن هتلر هو الذي بنى دولة إسرائيل" وبالتالي إظهار الإسرائيليين وكأنهم يلاءمون الوصف الذي ورد في أشعار الشاعر الصهيوني حاييم نحمان بيالك مخاطبا اليهود :


"تجمهرتم في المقابر
لتنبشوا رفاة أجدادكم
وعظام اخوتكم المقدسة
لتملؤوا بها حقائب السفر
على أكتافكم حملتوها
منطلقين في الطرقات
لتتقايضوا بتجارتها
بكل الأسواق."

مما يدل بأن إسرائيل لا تمثل ما تمثله المعجزات وفقاً لمخيلة الرئيس الفرنسي نيقولاي ساركوزي والمتعجرفين من قادة الحركات الصهيونية.



ولذلك يأتي طلب الإسرائيلي من الفلسطينيين بأن يعترفون بأن إسرائيل هي دولة برنامج الحركة الصهيونية وليس تأثيرا برنامج هتلر في بناء دولتهم.



وتعود الكرة في هذه الأيام لتداول مسألة "يهودية الدولة" أمام مسألة "هولوكوستية الدولة".
ولنلاحظ هنا بأن الصراع الحقيقي المسيطر على سايكولوجية الإسرائيليين والغرب هو ليس بين "يهودية الدولة" وبين "فلسطينية الدولة" أو "دولة كل مواطنيها" بل بين "يهودية الدولة" و"هولوكوستية الدولة".



نرى أن العالم الغربي بمجمله يقف وراء إسرائيل ويدعمها علنا أو بالسكوت لهذا المطلب. ولهذا علينا أن نعود إلى تحليل الأسس التي تقف عليها هذه الوقاحة التاريخية في الطلب من شعب فلسطين اللاجئين أن يبقى في خيامه لنجد في نهاية المطاف بأنهم يبنون منطقهم على أسس هي أوهى من خيوط العنكبوت فيما إذا حللنا تركيبة منطقهم هم ومبنى القوى الساندة له.



هوية الدولة – القوى الداعمة
في تاريخ 2-08-2006 نشر"آكرت فون-كالدان" وهو مستشارا للمستشارة الألمانية والمسؤول على السياسة الخارجية في كتلة الأحزاب المحافظة في البونديستاغ الألماني مقالا في جريدة يديعوت أحرونوت تحت عنوان "الالتزام بجانب إسرائيل" كتب فيه ما يوضح الموقف الألماني من مسألة يهودية الدولة :" الإلتزام تجاه حق إسرائيل في الوجود هو أحد المبادئ الغير مكتوبة للدستور الألماني. لإسرائيل الحق في الحفاظ على هويتها كدولة يهودية ولمواطنيها الحق للعيش ضمن حدود آمنة..."



في تاريخ 29-10-2006 ينشر فولكار كاودر الذي يشغل منصب رئيس الكتلة الأكبر في البونديستاغ الألماني كتلة المسيحيين الديمقراطيين مقالا في نفس الجريدة وذلك خلال زيارته لإسرائيل كتب فيه : " على ضوء مسؤولية ألمانيا التاريخية - أخلاقية عن محرقة الهولوكوست يتوجب على مبدأ حق وجود دولة إسرائيل أن يبقى أساسي الذي لا يمكن أن يتزحزح في السياسة الألمانية. لكن الحلف الألماني الإسرائيلي لا يرتكز فقط على المسؤولية التاريخية..."



في تاريخ 07-11-2007 يعلن الرئيس الفرنسي في واشنطن أمام مدعوّي "اللجنة اليهودية الأمريكية" التي منحته وسام "النور لغير اليهود" بأن "أمن إسرائيل قريب لقلبي.. ودائما ظن بأنها معجزرة.. وأن على العالم أن يضمن أمن إسرائيل وستكون فرنسا التي هي في حلف مع الولايات المتحدة وستحارب لأجل أمن اسرائيل في أول الصفوف وأن حل مشكلة اللاجئين يجب أن تنحصر في حدود الدولة الفلسطينية



في تاريخ 25-10-2007 نقرأ في موقع يديعوت أحرونوت بأن الرئيس الفرنسي يمنح في قصر الآيليزيه وسام "فارس حرس كتائب الكرامة" كجائزة تقدير خاصة باسم الرئاسة الفرنسية لرئيس متحف المحرقة في القدس الغربية السيد مئير شلو لما يقوم به المتحف من نشر المعلومات حول المحرقة. ويخبرنا الموقع كذلك بأن ساركوزي كان قد زار التحف وأعلن في أحد جولاته الإنتخابية بأنه زار المتحف في القدس الغربية ومنذ ذلك الحين قلبت حياته رأسا على عقب" وزاد وفقا لصحيفة هآرتس بإنها لمعجزة أن تكون دولة كهذه قد استطاعت أن تولد على أنقاض بقايا الشعب اليهودي المنقرض. وأضاف بإن ولادة إسرائيل هي الحدث الأكثر أهمية في القرن العشرين!



في تاريخ 3-09-2004 استطعنا أن نقرأ بأن الرئيس بوش يعلن لأحد القادة اليهود : " "نعم اعرف الكل, قال لي. عمليات المذابح والمحرقة. لكنني اقول لك لا تقلق." بمعنى أنه سيقوم بالحفاظ على أمن إسرائيل بسبب المحرقة الأمر الذي نقرأه بتاريخ 17/12/2004 على لسان يوشكاه فيشر الوزير الألماني السابق في وزارة الخارجية حين أعلن لأهود أولمرط في برلين : " استمرار الاحتلال سيؤدي بإسرائيل إلى مصيبة ديموغرافية وإلى إنحلال أخلاقي، ألمانيا ستستمر في دعم إسرائيل بسبب المحرقة."



لا يمكن أن نفصل طلب الإسرائيليين والغرب الداعم لإسرائيل إلا بما يقولونه هم ويتداولوه بين أنفسهم بالاعتراف بيهودية الدولة المبني كله على واقعة "محرقة الهولوكست" ولربما نكون صادقين فيما إذا اقترحنا عليهم الاعتراف بإسرائيل بمصطلح "دولة محرقة الهولوكوست" وليس كدولة يهودية أو وطن قومي لليهود.



فلذلك علينا أن نخوض في تحليل معضلة "نقاش الهويات" من جواهره وأبعاده الجذرية وأبعاده السياسية.



في كتابه "لننتصر على هتلر" كتب أبراهام بورغ الذي شغل منصب رئيس الكنيست ورئيس الوكالة اليهودية ووصل لينتخبوه كرئيس حزب العمل الإسرائيلي وحلل واستنبط بأن 90% من مركبات هوية الإسرائيليين تعتمد على محرقة الهولوكوست وإن إسرائيل لذلك يجب أن تعتبر "دولة هولوكوستية" وليس "دولة يهودية" وفي تحليلاته التي اعتمدت تاريخ والده الذي شغل منصب وزير منذ قيام الدولة وكان نشيطا سياسيا قبل قيام الدولة والحرب العالمية الثانية والمحرقة وهتلر واصلا إلى الاستنتاج بأن دولة إسرائيل ولا بأي شكل من الأشكال تشكل نتاج المشروع الصهيوني التي أسماها "بالصهيونية الكارثية" ولا تعتمد على اليهودية بل تعتمد على أفعال هتلر ضد اليهود ولذلك يستطيع المرء أن يدعي بتحليل منطق بورغ بأنها "دولة هتلرية" بمعنى أن تصرف الإسرائيليين والغرب مبني كله على أفعال هتلر من باب مقاومتهم لها ومن باب تأثيره على هويتهم.



هذا النقاش والتحليل نجده عند مفكر كبير آخر من الإسرائيليين. لقد شرح مفهوم تأثر اليهود بالأعمال البشعة ضدهم وهو الكاتب اليهودي أ. ب. يهوشوع في مقالة له حيث ينهيها كالتالي: "يتجلى شيء واحد؛ في ربط العلاقات الخاصة والمركبة بين دين معين وقومية معينة، تختبئ معضلة الهوية اليهودية، بما في ذلك شكل وإمكانية استمرار كينونتها، وكذلك معضلة علاقاتها المتبادلة مع محيطها الغريب. كل فكرة لتصحيح الأمر يجب أن تبدأ من هناك" ( نشرت في مجلة الباييم) . لماذا يعتبر الكاتب أن ارتباط مشكلة هوية اليهود مع محيطها الغريب هو أمر مهم؟ هذا لأنه يعتبر أن "المصير اليهودي المشترك" الذي يتمسك به اليهود وكأنه مرساة الهوية، يكون في بعض الأحيان رغبة أكثر منه حقيقة. لذلك وُلدت علاقة خاصة تجاه اللاسامية – من ناحية، غضب تجاهها وخوف منها، ومن ناحية أخرى انجذاب قوي لتداولها وتضخيمها لكي تُستعمل كالأسمنت المقوي في بناء الهوية اليهودية اللزجة المتسربة".



وهنا يليق بنا الأمر أن نعود إلى والد الصهيونية ثيودور هرتسل الذي كان قد بنى كل نظريته لبناء وطن قومي لليهود على الأسس المشروحة أعلاه. ففي كتابه "دولة اليهود" الذي شرح فيه كل طرحه، والذي لسببه فقدنا نحن الفلسطينيون وطننا، وفي الجملة الثانية من المقدمة يكشف لنا أن "صوت الصراخ ضد اليهود (اللاسامية) يعلو من أول العالم إلى آخره، وعلى خلفية ضجيج هذا الصراخ تفيق الفكرة النائمة" . ويكمل هرتسل فكرته قائلاً: "أنني أرمز، بتواضع، إلى أسنان وعجلات الماكينة التي ستُبْنى (لبناء دولة اليهود)... الأمر المهم جدًا هو القوة التي ستحرك هذا المحرك. وهذه القوة ما هي؟ إنها ضائقة اليهود. من سيتجرأ على أن ينفي هذه الحقيقة؟ سنبحث هذا الأمر في الفصل الذي يتداول أمر اللاسامية".



لا يلزمنا أن نفسر الماء بالماء، فهرتسل قالها على الملأ: اللاسامية المنتهجة ضد اليهود هي القوة المحركة لدفع اليهود لتنفيذ مشروع لبناء الوطن القومي لليهود.



الأمر واضح في شرح دور اللاسامية والعنف ضد اليهود في رسم هويتهم وبذلك سياستهم تجاه الفلسطينيين ومطالبتهم بالاعتراف ب" يهودية الدولة".



يتوضح الأمر حين نقرأ في مقابلة أجراها الصحافي الإسرائيلي أطيله شومبليبي مع رئيسة حزب ميرتس وعضو الكنيست الإسرائيلي السابقة شولاميت ألوني، نشر في موقع " يديعوت أحرونوت" الألكتروني -واي نيت- في تاريخ 18/3/2004، تذكر ألوني القرّاء بأن "ناحوم برنياع (الصحفي الإسرائيلي) نشر في صحيفة يديعوت أحرونوت أن شارون قال أكثر من مرة إن "الدم اليهودي هو اللاصق الدبق الأكثر نجاعةً للحصول على اتفاق وتعاضد قومي بين اليهود. عندما يقل الإرهاب، تطفو الأسئلة، والإنتقادات تفيض، ويتعاظم التمرد. لا جدوى من إرهاب (فلسطيني) لا يُنَفَّذ، (انه يخلق) فقط باقات من الأشواك."(14)



إن ما يؤكده لنا المؤرخ الإسرائيلي توم سيغف في سلسلة كتبه حول قيام دولة اسرائيل وما سبقها وخاصة كتاب المليون السابع الذي أثبت فيه بأن المحرقة هي التي بنت دولة إسرائيل ولولاها لما قامت هذه الدولة الأمر الذي يؤكده أبراهام بورغ وبأن الهوية الإسرائيلية هي هوية "محرقاوية" وليست "يهودية".



نستطيع أن نعود بأذهاننا إلى نصوص الكاتب عاموس عوز في كتابه "على مدرجات جبل بركاني " حين وصف اليهود أثناء تسلمه جائزة " غوته " الألمانية وكأن جرحا عميقا في هويتهم بسبب المحرقة لا يندمل ولا يمكن أن يندمل". والجرح يولد الألم الذي يحدد وفقا للعلوم الطبية بأنه يوجه العقل ليتركز تفكيره بالأم ومن خلال هذا التركيز على الألم الفريد من نوعه كألم الهولوكوست يجعل من إسرائيل وقادتها يفقدون بتركيزهم على آلام الهولوكوست قدرتهم على ارتباطهم بطبيعة الحياة الانسانية ليخضعوا في نهاية الأمر للآلام التي خلقها هتلر ومن هناك خضوعهم لها.



الجرح الذي لا يندمل يعيدنا إلى الوصف لهذا الجرح وتأثيره على الهوية الإسرائيلية والوضع الفسيولوجي والسايكولوجي لأبناء هذه "الدولة" فنستطيع أن نقرأ حول رد فعل السيد إيان ستافانس في نقاشه لمحاضرة ألقاها البروفيسور الفلسطيني نديم روحانا حول موضوع المحرقة في 18-20 نيسان 2001 في مؤتمر أعدته جامعة نورثايستين – بوسطون فيقول: "أحييك (يا نديم) على وجودك هنا وعلى صدقك وصراحتك... ولربما وأكثر من أي شيء آخر، أحيي (عاقدي المؤتمر) على عدم دعوتهم لأحد الناجين من المحرقة. أحد الأقوال الشهيرة للسيد (إيرفين هاو) "فيما إذا تعرضنا لذكرى الهولوكوست نضع أنفسنا في وضع صعب وحدوديْ. لا نستطيع أن ننتقدها كأدبيات. علينا الإفتراض بأنها جيدة وعندها نكون كالمشلولين ."
الأمر الذي يؤكده كل العلماء في العالم وخاصة الإسرائيليين بأن العقل الإنساني غير قادر على استيعاب ضخم وبشاعة وفرادة الجرائم التي مورست ضد اليهود – ابناء عمنا الساميين – في اوروبا.



إذا نحن أمام "حالة مرضية" التي تشير لنا بأن تحليل هوية الإسرائيلي ليهودية الدولة ما هي إلى تعبير عن عجزه تحقيق هذا المطلب بذاته ولأنه لا يؤمن بأنه يتصرف وفقا لكونه "دولة يهودية" فهو يرى بأن العالم يتصرف تجاهه كالمشلولين عقليا وفقا لكونه ناجي من المحرقة.



نستطيع ان نتخيل حالة الإسرائيليين اليوم بحالة اليهود حين طلب الربّ، من موسى عليه السلام مخاطباً بني إسرائيل لإخراجهم من مصر بقوله: "فَتَعْلََمُونَ أََنّيِ أنَا الرَّبُّ إِِلهُكُم الَّذِي يُخْرِجُكُمْ مِنْ تَحْتِ أَثـْقَالِ الْمِصْرِيِّينَ... فَكَّلَمَ مُوسَى هَكَذَا بَنِي إِسْرَائِيل وَلَكِنْ لَمْ يَسْمَعُوا لِمُوسَى مِنْ صِغَرِ النَفْسِ وَمِنْ الْعُبُودِيَّةِ الْقَاسِيَةِ" (خروج 6).



هذه هي حالة الغرب والإسرائيليين عند تفكيرهم بهويتهم، هي حالة "صِغَرِ النَفْسِ" وتحت ضغط "الْعُبُودِيَّةِ الْقَاسِيَةِ" التي خّلَّفَها هتلر وعلى هذه الخلفية يأتي مطلب "يهودية الدولة". وكأنهم بحاجة الى "قسم مغلق في مشفى للامراض البوست تراوماتة"



وكان الشاعر الفلسطيني أحمد فوزي ابو بكر قد وصف حالة الإسرائيلي في قصيدته "للمعتوه القابع غرب الجدار" بعد زيارته لحاجز قلنديا بين القدس ورام الله : لِلْمعتوهِ القابع غرب الجدار/
يدان من حديد
ذاكرةٌ من نارْ
أوسمةٌ من عارْ
عينان مفقوءتان
وليلٌ قاتمٌ مديد ...
... وغرفٌ من قيءٍ ودخانٍ لا يطير
ليقبع المعتوه في قسمه المحجور
في مشفى الشاطئ المسكون
بشبح المنون
ليقبع المعتوه
في ذاكرةٍ مقيتة الوجوه
حضورها يحطّم الأعصاب
ييبس الأفواه من رمق اللعاب"



لمواجهة ذاكرة من نوع المحرقة يتوجب علينا دراسة تجربة البروفسور يان باستيناس، في جامعة لايدن- هولندا، بمعالجة مرضاه الناجين من الهولوكوست في سنوات الخمسينات من القرن الماضي والذين عانوا مما يسمى " أعراض مخيمات التركيز "، والذين وصفهم البروفسور بأنهم كالسيارة السائرة التي يراها الناس بأنها جيدة – لكنها للأسف تبلي محركها وتدمره".



في ذلك العلاج استعمل البروفسور أسلوب علاج بواسطة "تزويدهم بحقن المخدر "أل. سي. دي." دفعهم بواسطته إلى الاستيقاظ وشحذ تفكيرهم عن طريق مجابهتهم المباشرة لعنف أهوال ماضيهم، وذلك ليفرض عليهم أن يعيشوا مرة أخرى أحداث تعذيبهم.



المُخدر يُدخل المريض في حالة "ترانس". عند وجود المريض تحت تأثير المخدر (إل سي دي) يبدأ بالحديث. يتم تسجيل حديثه بواسطة مسجّل الكتروني، وفي بعض الأحيان يُصوَر بالفيديو. بعدها يُطلب من المريض أن يُحلل ما ورد في أشرطة التسجيل.



كان المريض، في معظم الحالات، بحاجة الى الخضوع لعلاج من هذا النوع خمس مرات ليتمكن من أن يحيا ويواصل مسيرة حياته بمرافقة الأحداث التراوماتية التي مر بها أثناء المحرقة دون "أن يُبلي المحرك".
رافق العلاج الكثير من المشاكل الأخلاقية الطبية السياسية والقانونية. وقد حصل باستيناس على تأشيرة خاصة لاستعمال أسلوب علاجه بعد أن بعث بعض الناجين من الهولوكوست عريضة لملكتهم".



بناء على ذلك يتوجب علينا نحن الفلسطينيين أن نتعلم أسلوب العلاج هذا لنستطيع التعامل مع الغرب، وليتسنى لنا مواجهة مطلب "يهودية الدولة" مواجهة حقيقية تعتمد الاعتراف بحقيقة المحرقة والوقوف بحزم ضد نافي المحرقة وضد النازيين وورثتهم. ولا أكون مخطئا إذا ما اقترحت على الإسرائيليين وساسة الغرب كلهم وأولهم ساركوزي استعمال أسلوب العلاج بواسطة تزويدهم بالأل سي دي، لندفعهم بواسطته إلى الاستيقاظ وشحذ تفكيرهم لنواجههم بأهوال المحرقة، وألاّ نتركهم يتخذون القرارات بشأن النكبة وإسرائيل وهم في حالة إنكار وعدم فهم لأهوال المحرقة.



وإذا كان الأمر كذلك فإن تأكيد الفلسطينيين على أن "دولة" إسرائيل تتصرف وفقا لكونها "دولة المحرقة" أو "دولة محرقاوية" والتي تتصرف وفقا لكون أبنائها يعيشون حالة بوست تراوماتية فريدة من نوعها كفرادة المحرقة لم يستطيعوا أن يتجبروا عليها إلى الآن ومن هنا نستطيع أن نكتشف سبب الهوس في هذا الطلب من "شعب لاجئين" الاعتراف بهم "كدولة يهودية" والذي إن حللناه نكون قد توصلنا إلى الاستنتاج بأن الخطر الذي يحدق بالإسرائيليين من عدم الاعتراف بهم كدولة يهودية إنما هو الحقيقة بأن العالم سيعترف بهم كدولة محرقة وليس كوطن قومي لليهود وبالتالي فشل المشروع الصهيوني فشلا جذريا والذي يعني بأن إسرائيل لا يمكن أن تعتبر "دولة" بل "مشفاً للأمراض البوست تراوماتية" في أعقاب المحرقة أو بتعريف اخر "بيتاً للعزاء على محرقة الستة ملايين" بتأكيدنا بأن النازيين قاموا بأبشع الجرائم الفريدة من نوعها ضد اليهود في أوروبا.



هذا ما كان الشاعر محمود درويش قد لاحظه واتى عليه بنصوص كثيرة قائلاً :
" عقلية الغيتو الإسرائيلية تقبض على هويتها المضغوطة كما تقبض على قنبلة وتخشى من اندماج محتمل بين اللا عادي والعادي وتغلق الذات على الذات خوفا من هواء الآخرين." الذي: " على شرفة في مشفى الأمراض النفسية تطل على آثار دير ياسين، يجلس ملك إسرائيل الجديد ويهذي: هنا، هنا كانت بداية معجزتي." والجبل المطل على دير ياسين في القدس يحوي شرفة كبيرة بنيت سنة 2005 بتكلفة 60 مليون دولار تسمى "متحف المحرقة" هذا الذي أسماه محمود درويش " "دَمٌ لا يُجَفَّفُهُ الليلُ" يملأ المحيطات السبعة. حين خاطب الإسرائيلي قائلا:


إلى قاتل:
لو تأمَّلتَ وَجه الضحيّةْ
وفكَرْت، كُنْتَ تذكَّرتَ أُمَّكَ في غُرْفَةِ
الغازِ، كُنْتَ تحرَّرتَ من حكمة البندقيَةْ
وغيَّرت رَأْيَكَ: ما هكذا تُستَعَادُ الهُويَّة!"
فالإسرائيلي في هوية "غرفة الغاز" كما وصفها محمود درويش وأكدها أبراهام بورغ وعاموس عوز والتوراة وساركوزي وبوش وميركيل وهم خائفون من حقيقتها وعلينا مواجهتهم بالحقيقة بأن دولتهم انما هو "دولة محرقة في حالة مرضية بوست تراوماتية" وليس "دولة يهودية" وعليهم التصرف هم وفقا لذلك ليس كونها معجزة كما التاريخ الحديث وصفها ساركوزي بل كما ينص الوصف الذي كتبه شاعر الحركة الصهيونية حاييم نحمان بيالك ( أعلاه) الذي يصف العملية كشحاذ قطع يده ليطلب الصدقات :


تجمعتم في المقابر
لتنبشوا رفاة أجدادكم
وعظام إخوتكم المقدسة
لتملؤوا بها حقائب السفر
على أكتافكم حملتوها
منطلقين في الطرقات
لتتقايضوا بتجارتها
بكل الأسواق.

هذه هي هوية إسرائيل وهي ليست معجزة وليست يهودية والأجدى بنا نحن العرب ان ندفعهم الى فهم هويتهم الحقيقية "دولة محرقة الهولوكوست" ليفهموا بأننا فيما إذا اعترفنا كفلسطينيين "بيهودية الدولة" وأقنعنا العالم كله كذلك لن يشكل هذا حلاً للمعضلة الأبدية لفشلاوية المشروع الصهيوني وعدم جدواه لحل مشكلة وهمية لليهود في ضرورة بناء وطن قومي لهم أثبت التاريخ بأن يهود العالم لا يريدونه.





#خالد_كساب_محاميد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إكتناه أزمة الفكر العربي : ما العمل بإنجازات إدوارد سعيد ؟


المزيد.....




- بالتعاون مع العراق.. السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية ...
- مسؤول إسرائيلي حول مقترح مصر للهدنة في غزة: نتنياهو لا يريد ...
- بلينكن: الصين هي المورد رقم واحد لقطاع الصناعات العسكرية الر ...
- ألمانيا - تعديلات مهمة في برنامج المساعدات الطلابية -بافوغ- ...
- رصد حشود الدبابات والعربات المدرعة الإسرائيلية على الحدود مع ...
- -حزب الله-: استهدفنا موقع حبوشيت الإسرائيلي ومقر ‏قيادة بثكن ...
- -لا استطيع التنفس-.. لقطات تظهر لحظة وفاة رجل من أصول إفريقي ...
- سموتريتش يهاجم نتنياهو ويصف المقترح المصري لهدنة في غزة بـ-ا ...
- طعن فتاة إسرائيلية في تل أبيب وبن غفير يتعرض لحادثة بعد زيار ...
- أطباق فلسطينية غيرتها الحرب وأمهات يبدعن في توفير الطعام


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد كساب محاميد - -يهودية الدولة- --هولوكوستية الدولة- -مَرَضِيّة الدولة-