أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سامي فريدي - بين سقوط الحضارة ونهاية التاريخ















المزيد.....

بين سقوط الحضارة ونهاية التاريخ


سامي فريدي

الحوار المتمدن-العدد: 2120 - 2007 / 12 / 5 - 11:27
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


بدء، هي مصطلحات غربية متعارَفة، وعندما يتم تسخيرها في مجال عربي، فهي ليست ظاهرة فريدة استثنائية، انما تمت إلى تراث عريق من الاقتباس والمحاكاة الخارجية والذاتية. وكل من مفهومي سقوط الحضارة أو نهاية التاريخ، يتقاطعان مع بنية التفكير العربي ذي المرجعية الدينية. حيث الاقيسة المعتمَدة في هذه الحالة لا تنبع من الواقع، ولا يشترط تواؤمها معه، وانما تمتح من أطر نظرية، محاطة بهالة من التقديس، ومعصومة من الشك والانتقاد. هذه الاشكالية بين [واقع متخلف وتراث مقدّس]* سرّ المعضلة الفكرية الراهنة في تقييم وتحديد معدل رداءة الحال العربية.
*
الانتاجية والمسؤولية
تقنيات الاقتباس والمحاكاة أنتجت ثقافة أفقية قائمة على التراكم، وليس على الانتاج والتجربة والابداع، مما ينفي احتمالات الخطأ و(الانحراف). فالخطأ مرتبط بالعمل والانتاج، و(من لا يعمل لا يخطئ)، وبالتالي، لا يتحمل مسؤولية الخطأ عند وقوعه. فالمحاكاة والاقتباس توفر حصانة ذاتية عن الخطأ. لقد تم مهاجمة الحركة الشيوعية بعنف في الوسط العربي، ولكن الاسلوب الاشتراكي في التنمية والعلاقات مع المعسكر الاشتراكي حظيت بأهمية وتقدير واسعين بالمقابل. وعندما سقط النظام الاشتراكي (1989)، دارت الأنظمة ذات المناهج الاشتراكية مائة وثمانين درجة، وجرى (رأسملة) منشآت القطاع الاشتراكي تحت لواء الخصخصة والنظام العالمي الجديد، ومكافحة إشكالات التضخم والعجز. فالاشتراكية كانت خطأ، والأنظمة الاشتراكية الشيوعية ارتكبت كوارث اجتماعية واقتصادية حسب الاعلام العربي. أما الدول العربية فلم تقع في خطأ. ولا يخلو الأمر من شماتة. وعندما تتحدث مصادر غربية رأسمالية عن سقوط الحضارة أو نهاية التاريخ أو ما يناظرها، فهي دالة انحراف (الآخر) الذي يقود عجلة العالم. فهل خطأ الآخر دالة على صحة وصواب أفكارنا وواقعنا. تساءل الشاعر العراقي معروف الرصافي مرة، ترى.. لو كان واقعنا شقياً.. سنسعد كون ماضينا سعيداً، وبصيغة مقاربة يمكن القول، لو كان العالم (الآخر) على خطأ، هل نكون نحن على صواب؟ وإذا كان سينحدر هو إلى (هاوية)، هل يرتفع مركبنا إلى جنة عليين؟.
*
تيار التشاؤم في العقل العربي
يقول الشاعر الكندي امرؤ القيس من ملوك العرب الشعراء والفلاسفة المتقدمين..
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلِ.. بصبحٍ، وما الاصباحُ منك بأمثلِ
وفي مكان آخر، ألا عم صباحاً أيها الطلل البالي.. وهل يعِمَنْ من كان في العُصُر الخالي؟..
عاش الشاعر بين القرنين الثالث والرابع الميلادي، ونظر في أمور عصره وتقلبات دهره، فصاغ منها رؤيته المبكرة تلك، للحياة والعالم. مشيراً إلى رفض نمط الأسلاف يومذاك، فكيف يمكن اجتراره وتبريره بعد ذلك، أو اليوم تحديداً؟.. بعد قرون عديدة منه، يظهر أبو الطيب المتنبي وأبو العلاء المعري (القرن العاشر الميلادي) ليرفعا الاحباط والتشاؤم إلى ذروة أغراض الشعر العربي متصدرين تاريخ الثقافة العربية على مدى الزمن..
اشتهر المتنبي بسخريته السياسية المرة.. بكل أرضٍ وطأتها أممُ.. ترعى بعبدٍ كأنها غنمُ.. تحولت على يدِ أبي العلاء المعري إلى فلسفة اجتماعية عامة.. ولما رأيت الجهلَ في الناس فاشياً.. تجاهلتُ، حتى قيل أنيَ جاهلُ/ فيا موتُ زرْ أن الحياة ذميمةٌ.. ويا نفسُ جدي أن دهرَك هازلُ..
بقي مجال النقد السياسي والفلسفة الاجتماعية أكثر المجالات فقراً في التأليف العربي، لما يحيق به من مخاطر ومجازفة غير مأمونة. ومع ذلك فأن اتساع الفوارق الاجتماعية، وانتشار مظاهر الفساد السياسي والاداري في العهد العباسي، أنتج تيارات فكرية وسياسية ودينية متعددة، كانت تعبيراً عن حالة الاضطراب الاجتماعي والاحتجاجات الداخلية لاتجاهات حركة الواقع.
*
من الفلسفة إلى العقل
ان الحركة الفكرية والأدبية المزدهرة في القرن التاسع الميلادي وما بعده، لم تقتصر على المجال النظري، وانما تعدته إلى دراسات الواقع والأنماط الاجتماعية السائدة. وشكلت مؤلفات الجاحظ وابن المقفع وأفكار جابر بن حيان والرازي وابن الراوندي وابن رشد وابن خلدون محاولات تأصيل فكري وثقافي مقطوعة الصلة. ولا زالت البيئة الثقافية العربية تفتقد الخصائص الملائمة للتفكير الاجتماعي والاجتهاد الحرّ. أما النظر لتلك الكتابات المتفردة، فتنقسم بين القراءة التاريخية المكتبية، أو محاولة تفنيدها وتفريغها من محتواها الفكري والاجتماعي.
*
التاريخ لا يكتب مرتين
من مآثر النظام السياسي القديم، الاهتمام بأمرين، العمران والتاريخ. وإزاء اندثار العمران أو محدوديته، فأن صحائف التاريخ هي الباقية في الغالب.
قديماً.. حيث كان الشعر لغة سومر، ترك جلجامش ملك الوركاء صحائف شعرية، لخصت معارف ذلك الزمن وعقائده. ومع تطور العمليات الاجتماعية والاقتصادية، ظهرت الحاجة للتقنين وضبط النظام ممثلة بمسلات أوركاجينا وحمورابي. بينما عنيت بابل بالسجلات الاقتصادية والحسابية واهتم الاشوريون بتسجيل تاريخ ملوكهم. أما الفراعنة فقد اعتمدوا مختلف الوسائل المعرفية المتاحة في أيامهم، بدء من سجلات المعابد وترانيم العبادة وأسفار الحكمة وسجلات الزواج والمواليد وتواريخ الملوك إلى عمران القصور والقبور ومومياءاتهم.
ان التاريخ هو الذاكرة الحية للمجتمع، ومجتمع بلا ذاكرة، هو شعب بلا تاريخ. أهمية التاريخ هنا هو القيام بوظيفة الذاكرة للفرد أو الجماعة. ووظيفة الذاكرة ليست مجرد خزين للخبرات* والتجارب المتراكمة، وانما التحكم بتوجيه الفكر والسلوك في المواقف المتجددة مستقبلاً. وهنا تحتكم الأمة إلى (ذاكرتها) التاريخية في ترسم حياتها الراهنة وعلاقاتها مع الأمم.
*
تاريخ أم تواريخ
ما الذي يميز وادي النيل عن وادي الرافدين؟..
ذلك هو ما يملي الفوارق المتعددة بين شعب مصر وتشظيات شعب (شعوب) الرافدين. ان تعددية التواريخ، انتج تعددية ذاكراتية، أو ذاكرات متعددة، انتجت أنماط سلوكية ومعرفية متعددة إلى حدّ الاختلاف، فكانت النتيجة مجتمعات تفاوتت في مرجعيتها (الذاكراتية) التاريخية. وسواء تحصّنت بفكرة (الفدرالية) اليوم، أم لا، فقد سبق أن تخذت معاقل اللغة والدين والمذهب والعشيرة والفخذ والحزبية خندقاً، تتمايز به عن غيرها، وتتطاول به على مفاهيم المواطنة والانتماء الوطني المشترك.
*
الانتقائية والمواجهة
ماذا سيحدث لو أن ألمانيا تنكرت لأثني عشر عاماً من تاريخ الدولة النازية من ذاكرتها المدرسية والشعبية، وبدت وكأن الأمر لم يكن يعنيها، أو أنه جرى في مكان آخر لا يمت لها بصلة؟.. هل كانت ألمانيا، الدولة والمجتمع، استطاعت أن تهدم حائط برلين وتسهم بقوة في بناء الاتحاد (الوحدة) الأوربية وتبرز كدولة صناعية قائدة في مجموعة الثمانية اليوم؟..
ألم يكن بأمكانها إعادة كتابة تاريخها بحروف من ذهب، واستئصال كل تلك القصص المشينة بها، فلا يدخل في ذاكرة أبنائها ولا يتكشف أمام الأمم الأخرى؟. أم أنها وهي ذات الباع الثقيل في حركة الفكر والفلسفة المعاصرة، تعوزها حنكة الانتقائية التاريخية والمعرفية، فلا تميز الغث والسمين فيه؟..
الأمر نفسه ينطبق على عموم بلاد الغرب، واليابان. ان الأمة القادرة على مواجهة تاريخه بمسؤولية وجدارة هي الأمة القادرة على تحمل مسؤولية المواجهة وجدارة الحياة. بينما الأمة المتراجعة أمام فقرات تاريخها، تبقى عاجزة عن مواجهة نفسها تحمل تبعات الحاضر.
*
تحديث التاريخ أو تجزئة الهوية
ان منهج إعادة كتابة التاريخ الذي انجرفت فيه بعض البلدان، وبجهود حثيثة من أكادميين جامعيين لا يزال كثير منهم يتصدّر المنصة الأكادمية وادعاء النزاهة العلمية، ليس مجرد (إكذوبة) منهجية، وانما جريمة قومية بحق الانسانية وشعوبها. فالحاكم يمضي وينتهي عهده، بينما صحائفه التاريخية تستمر منتشرة في الأدراج والمكاتب والجامعات، مصادر تفتقد العلمية والنزاهة، تحمل ألقاب علمية يعتبرها القارئ جديرة بالاعتبار والنزاهة. أما العهد الجديد، فلا يجد غير الاستمرار في اختطاط تاريخ جديد على مقاساته ووفق رؤيته الأيديولوجية، وفي حدود المثال العراقي، فأن مناهجه التاريخية، ستبقى موضع تندر للباحثين، لاختلاف الرؤى الفكرية والأطر السياسية الموجهة لها. أما الطالب العراقي، والطفل العراقي المطالَب، أن يتسلّح بذاكرة وطنية، وانتماء وطني بعيداً عن خنادق الطائفية والحزبية، فيبقى بلا عزاء ولا مواساة.
*
نهاية التاريخ عربياً
قد تتعدّد العناوين والمبرّرات، ولكن النتيجة والظاهرة تبقى واحدة بلا خلاف. وقد يختلف الباحثون في تحديد بدايات التردي العربي [سياسيا واقتصاديا واجتماعيا]، ولكن نهاباته تبقى مفتوحة، ولن تتوقف قبل أن تستكمل مغزاها وتلتئم حلقاتها. بيولوجيا.. يستمر الجسد في القيام بواجباته بلا تشكك، ولكنه عندما يواجه إصابته الأولى، فأنه يستمر في التردي من سيء إلى أسوأ. وقد بدأت أمراض النظام العربي تنتشر وتتسع أعراضها، فيما يتسع حجم المواجهات والمسؤوليات التاريخية الراهنة التي تتهدده كضربة قاضية منتظرة في اللحظة المناسبة. ان مخاطر الفساد السياسي والاداري وعجز الاقتصاد وانتشار البطالة والعنوسة والأمية والعنف الأهلي، تزامنت وتتزايد مع تراجع قوة المؤسسة الرسمية وكفاءتها.
الانفجار السكاني من جانب، وعجز الاقتصاد والدولة عن تلبية حاجات المجتمع بالمقابل، هما قطبا الرحى في تشييع راهن عاجز عن اعتماد نظرة جدية في التعامل مع المجتمع ولغة العصر.
*
وإذا كان منظور فوكو ياما لنهاية التاريخ، مديحاً مبطنا للرأسمالية، وإعلان بدء مرحلة الأمبريالية العالمية، فأن ما بعد التردي يبقى مفتوحاً على احتمالات عدّة.
لندن
14 أوغست 2007
ـــــــــــــــــــ
هوامش
 د. فهمي جدعان- نظرية التراث ودراسات اسلامية أخرى- عمان- 1989.
 ل. آر. سكواير (و) إ. آر. كاندل- الذاكرة من العقل إلى الجزئيات- تعريب: د. سامر عرار- مكتبة العبيكان- الرياض- 2002.



#سامي_فريدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مستقبل حركة الأفراد العابرة للقارات
- الجغرافيا ليست وطناً واللغة لا تعني أمة!..
- المرأة الكردية بين التطور العلماني والتطرف السلفي


المزيد.....




- وزير دفاع أمريكا يوجه - تحذيرا- لإيران بعد الهجوم على إسرائي ...
- الجيش الإسرائيلي ينشر لقطات لعملية إزالة حطام صاروخ إيراني - ...
- -لا أستطيع التنفس-.. كاميرا شرطية تظهر وفاة أمريكي خلال اعتق ...
- أنقرة تؤكد تأجيل زيارة أردوغان إلى الولايات المتحدة
- شرطة برلين تزيل بالقوة مخيم اعتصام مؤيد للفلسطينيين قرب البر ...
- قيادي حوثي ردا على واشنطن: فلتوجه أمريكا سفنها وسفن إسرائيل ...
- وكالة أمن بحري: تضرر سفينة بعد تعرضها لهجومين قبالة سواحل ال ...
- أوروبا.. مشهدًا للتصعيد النووي؟
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة بريطانية في البحر الأحمر وإسقا ...
- آلهة الحرب


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سامي فريدي - بين سقوط الحضارة ونهاية التاريخ