أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اسماء محمد مصطفى - قصة قصيرة : اسوار الجميلة النائمة














المزيد.....

قصة قصيرة : اسوار الجميلة النائمة


اسماء محمد مصطفى
كاتبة وصحفية وقاصّة

(Asmaa M Mustafa)


الحوار المتمدن-العدد: 2107 - 2007 / 11 / 22 - 09:01
المحور: الادب والفن
    


كلما ازدادت الاسوار علواً وعدد اً ، زاد انين المرأة الجميلة ، وهي نائمة على جرف النهر الاحمر ..
على سجادة شعرها الاشعث .. على ثوبها الاسود ..
تئن احلامها معها . تبكي عاداتها السارة التي حفرتها على جرف النهر ذكرى لزمن آتٍ ..
اعتادت الفتاة الجميلة ان تغسل وجهها صبا حاً ، بماء النهر الرقراق الذي يمر قريباً من دارها ، وتمسح ضفيرتها بكفيها النديتين . وغالباًما تبلل ثيابها المطرزة بخيوط البريسم وحبات النمنم اللماع .
كان ذلك منذ زمن بعيد وصلت فيه الى الناس اخبار جمالها وحُسن مظهرها وحلو حديثها وسعة مداركها .
وسمعوا ايضاً باخبار تذبذ بها بين الثراء والفقر..
تئن الجميلة من فاقتها ، وهي تتأمل بعينين نصف مفتوحتين نمو الاسوار حتى تكاد تحجب الشمس عن ناظريها ويزيد الظلام من عتمة ثوبها البالي .
حيناً كان الزمن ينصفها وينصف اهلها ، فترتدي ثياب الملكا ت وتأ كل ألذ الطعام وتلهو بالذهب .
وحيناً تفتقر ، ولاتجد الخبز الذي تسد به جوعها ، لكن الشيء الذي يُذكر عنها ، دوماً ، انها في احوال الغنى والفقر ، وسواء كان وجهها مغسولاً بماء الورد ، او يشوبه الغبار ، تبدو جميلة .
تعلمت الحكمة مما مرّت به من اهوال ، واكتسبت البهاء مما عرفته من افراح .طلب ودها الكثير من الرجال . اقترنت بالعديدين منهم ، فأنجبت الكثير من الاولاد ، مختلفي الالوان والسما ت والاسماء .
تواصل الجميلة انتحابها صراخاً حيناً ، وصمتاً حيناً اخر .
حتى في اوقات الصمت الوحشي لاتكاد تسمع الصراخ القادم من وراء الاسوار . واذا ما وصل سمعها شيء منه ، فأنها لاتميزه .. حيناً تظنه اصوات اولادها ؛ فتبكي تفرقهم وسوء حظها في الاقتران .
ذات يوم ، زوجوها من رجل غامض جاءها من احدى القرى البعيدة . عرفته قوياً ، صلباً ، مستبداً ، يهابه الرجال . اضاف الى خزانتها الحلي والبسها الثياب الزاهية وبنى لها القصور ، بيد انه بعد حين سلبها الحلي واشترى بثمنها سلاحاً ، واحا ل القصور الى ثكنا ت ..
ضايقها الامر كثيرا ً ، فقد افقدها السيد المتجبر حريتها ونطقها ..
حيناً دفعها للغناء والرقص ..
وحيناً اخر ، بكت فقدانها بعض اولادها في حروب البراري وقتالات المرض والجوع ..
ظنت ان اتعس ايامها مضى في ذلك الجوع المستبد الذي انهك جسدها واجساد من تبقى من اولادها ..
لم تتكهن بأن ثمة غرباناً وجوارح وحيوانات كاسرة تتربص بها وبجمالها الأخاذ على الرغم من اختلاط مسحة الحزن بملامح وجهها الحسن .
تحاول الجميلة المنهكة مغالبة النوم قليلاً وهي تدفع بيديها النحيلتين الخشنتين احد الاسوار بعيداً منها ، توقاً للهواء .لكن السور لايهتز قيد انملة ، ولايكترث لأصداء الاصوات الصارخة من ورا ئه ..
لاتُفضي محاولة المرأة دفع السور الاّ لنضح دموي جديد من اليدين .
حين هاجمتها الغربان والجوارح والكواسر ، اد مت جسدها كله ، وضربت رأسها بعنف حتى سقطت احلامها منه الى مستنقعات الدم الكريهة .
لم تعرف المرأة الجميلة اين اختفى الزوج المطاع ؟
اختار ابناؤها الصمت والتفرج على بلائها بينما سطا اشخاص نحيلون ، رجا ل ونساء واطفال ، على بيتها ، وافرغوه من اغرا ضه وحاجاته .
ولأن اهلها في الحرب خاسرون ، سباها رجل ا شقر بلا شاربين ، تقدم اسراب الغربان والجوارح وقطعان الكواسر .
كبلها بالقيود ، ومارس معها طقوس الاستعباد .
ا شبع وجهها بالصفعات ، وجسدها بالركلات ..
يوماً بعد آخر ، بدأت الدمامل وآثار الضرب المبرح تظهر على جسدها .
استسلمت للمرض . زاد ألمها ، وهي ترى ابناءها يتناحرون ويتخاصمون لأسباب لم تفهمها . راح كلّ منهم يسحبها من ذراع .
تتحسس الجميلة المستلقية بين الاسوار ذراعيها ، وتئن ..
فقدت بعض ابنائها في ظلام الليل الغادر .
تربصت بها عيون الغرباءمن كل صوب .
حاول كل منهم قطف ثمرة من خدها الجميل ، مع انها لم تعد شابة انيقة نضرة كما كا نت على جرف النهر ، ويداعب الرذاذ ضفيرتها .
تتحسس الجميلة ضفيرتها . لاتعثر عليها .. تنوح ..
يختلط نواحها باصداء الاصوات الصارخة من وراء الاسوار .. تكاد المرأة الجميلة تسمع شيئاً منها ..
اهي اصوات الرجا ل الذين تحدق عيونهم الذ ئبية فيها ؟
هم يريدون اكثر من شبابها الفائت .. اكثر من شمّ ثوبها الحريري الناعم ..
شعرت بالضيق والعطش حينما اخذ التراب بالزحف تحت قدميها ، ونثره عصف الريح الحارة على جسدها وشعرها الاشعث وثوبها الاسود البالي .
ضاق بها الجو الخانق الملَوث وهرش الدمامل ..استمرت في هرش جسدها .. صرخت في وجه مستعبدها الاشقر . طالبته في كل صرخة بشيْ من الهواء ، بيد أنه ، مع كل صرخة ، زاد من معاناتها وبؤسها ، ينما تمتع بما عثر عليه من خزائن اهلها المُخبأة في التراب .
تأخذ الاسوار الكونكريتية بالازدياد عدداً وارتفاعاً حتى تكاد المرأة تختنق .. تستسلم للنعاس المهلك ! تغمض عينيها المبللتين بالدمع الاحمر .
تنام وهي تئن من جراحها .يؤذيها وخز الشظايا على القدمين الحافيتين كثيراً ..
تنام وحيدة ..
ربما ، تريد ان تحلم بالاغتسال في النهر القريب من دارها القديمة مرّة اخرى ..
ربما ، تخشى الحلم . النهر ماعاد ازرقَ يحتضن وجه القمر المتجعد .
لكنها ، تنام .. على جرف النهر الازرق ..
تنام على ظل ضفيرتها الندية ..
تنام على خيوط البريسم وحبات النمنم ..
تحول الاسوار دون ان يسمع الناس ا نينها ، وهي نائمة على جرف النهر الاحمر ..
وهي نائمة على سجادة شعرها الاشعث ..
وهي نائمة على ثوبها الاسود ..
يحاول اولادها الوصول اليها من بين ثغرات الاسوار التي تضيق بهم ، وهم يقصدون المرور .. يحاولون .. يبكون .. يعلو صراخهم ..
تختلط اصداء الصرخا ت بالاثير :
ـ لاتموتي ..
لاتموتي ..



#اسماء_محمد_مصطفى (هاشتاغ)       Asmaa_M_Mustafa#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اعمار النفوس .. طريق الخلاص
- بلاء كل يوم
- مغادرة الطفولة بالقوة
- صنفوا القتلة على قدر ( شرفهم وانسانيتهم )!!
- صور يومية من هموم المرأة العراقية


المزيد.....




- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اسماء محمد مصطفى - قصة قصيرة : اسوار الجميلة النائمة