أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - عبدالحميد برتو - جيفارا: قوة المثل الثوري















المزيد.....

جيفارا: قوة المثل الثوري


عبدالحميد برتو
باحث

(Abdul Hamid Barto)


الحوار المتمدن-العدد: 2072 - 2007 / 10 / 18 - 12:51
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


ليس بوسع المرء إلاّ أن يشعر بالسرور البالغ، وهو يرى في ذروة الاعصار المعادي للشعوب، الاحتفاء الواسع بالذكرى الأربعين، لرحيل أحد رموز الثورة في القرن الماضي، يرى كيف تتحول ذكرى تصفية جيفارا، الى منارة ملهمة للأجيال الجديدة، من الشباب الثوري، ويرى الشواهد التي تؤكد على أن النضال متواصل، مادام في عالمنا ظلم وجوع وقهر واستلاب واستغلال وعدوان واحتلال، وبهذه المناسبة قيل الكثير، ولكن القليل منه تناول مسالة تأثير المثل الثورية في العملية الثورية ذاتها؛ المُثل بتطبيقاتها الشخصية البحتة.

نقول: كان الانهيار المرير والمدوي للمنظومة الاشتراكية الدولية أحد حقائق العقد الأخير، من القرن الماضي، واختلف الناس في تقويم تلك التجربة الكونية، وتوزعوا بين الحزن والشماتة، بين الأصالة والمراوغة في رد الفعل، بين الثبات في الدفاع عن حقوق الكادحين والانقلاب عليها والسخرية منها، بين الدعوة لاصلاح الاشتراكية والتخلي المبرم عنها، بين الاعتقاد بالانتصار المؤقت للرأسمالية في لحظة عابرة، وبين اعتقاد البعض، من البعض "الاشتراكي" بالانتصار الدائم للرأسمالية، والذي لا عودة عنه أبداً على حد اعتقادهم، وعلى هذا الأساس صاغوا سلوكهم، وبنوا تكتيكاتهم، وربما استراتيجيتهمً.

واختلف الناس أيضاً حول اساليب النضال وطرائق الحكم، فيما مضى من زمن، والى يومنا الراهن، وحول النظر الى التاريخ بمراحله المختلفة السابقة، واختلفوا حول تفاصيل الأحداث حد التناقض التام في عرضها وفهمها، وهذا ينطبق بوضوح أكبر في ميدان استخلاص العبر والدروس، التي تتعلق بالحقب الماضية، وفي قراءة ما يدور في وحول كل مجتمع.

وفي الوقت ذاته، وعلى الرغم من كل ذلك، وعلى الرغم أيضاً من اجواء الفوضى السائدة حالياً، لم يزل حشد من الثوريين لا يرون في انهيار النظام "الاشتراكي" انهياراً للعقيدة الاشتراكية العلمية، الطامحة للعدالة والانصاف، والوجه الانساني بحق، وقدمت تلك الفصيلة الثورية منذ بداية الانهيار، الى يومنا هذا، مبررات لهذا التقدير، أو التفسير، على صعيديّ البناء النظري والعملي، وفي مجال المقارنات الملموسة، بين أمس الاشتراكية، وواقع اليوم في بلاد المنطقة المعنية مباشرة؛ أي بلاد انهيار التجربة، وفي العالم بأسره.

وأدرجت تلك النواة الصلبة وغيرها، في حقل أسباب الانهيار، عاملاً مهماً، الى جانب المئات من العوامل، التي تراوحت في درجات عمقها ومشروعيتها، وحتى نزاهتها، من أسفل السلم الى أعلى وأرقى درجاته، أدرجت عامل قوة المثل الثوري. وفي هذا الميدان؛ ميدان مقوضات الاشتراكية، بلغة الراحل عامر عبد الله، كان الاختلاف مذهلاً في حجمه وتباعده وتناقضه، وحتى لا موضوعيته، أحياناً، فتراوحت الأسباب، بين ومن، الاشارة الى وجود مخازن خاصة للقيادات في كل العواصم "الاشتراكية"، والتي لا يستطيع الآخرون الوصول إليها، تلك القيادات التي وصفها نظراؤهم في بلغراد بـ "الطبقة الجديدة"، الى الادعاء بوجود خلل بنيوي في الاشتراكية ذاتها، لا رجاء في اصلاحه على أي حال، كما يدعون، وهذا العامل الذي قد تجسد في تجربة المناضل الثوري الشاب جيفارا، هو دور المثل الأخلاقي حضوراً، أو غياباً عند البعض الآخر، أو حتى نقيضه عند هذا البعض ، وهذا الأخير يحتاج الى وقفة أخرى لسنا بصددها الآن.

وفي ذات الوقت، لم يأخذ أعداء الاشتراكية، حتى ما يمكن أن نسميه باستراحة المحارب، في حربهم، على كل ما يتعلق بالاشتراكية، ففي البداية كان الظن، كل الظن من جانبهم، هو أن الاجهاز الكامل على الفكر التقدمي، الى جانب الممارسة الثورية من أجله ممكن، وذلك من خلال تحطيم النماذج الملهمة، خاصة ما يتعلق منها بسيرة الأفراد الأفذاذ، والسعي الى لصق الصفات النقيضة بهم، امعاناً في وهم محاولات التشويه المبرمج، وكان نصيب جيفارا في هذا المجال حصة الأسد.

نعم لكل التجارب الثورية معايبها، ولا خشية من الاقرار بتلك المعايب، على طريق الاصلاح والتنقية والمعالجة، لا على منهج أخذته العزة بالاثم، نطرح هنا في ميدان عرض أسباب انهيار المنظومة "الاشتراكية" سبباً لم ينل حقه من العرض والمعالجة، بغض النظر عن الدوافع التي تقف وراء سيل عروض الأسباب، وما يقف خلفها في الحالتين، سواء كان ذلك دفاعاً عن الاشتراكية، أو تقريعاً لها، أو نيلاً منها، أو توخياً للحيادية، ان وجد مثل هذا التوخي، أو الحياد، في الواقع العملي، ونطرح هنا عامل "قوة المثل"؛ متانة وسطوعاً، أو حتى ضعفاً وانزواء.

في اعتقادنا، أن من بين أهم أسباب انهيار الاشتراكية، وحالة الوهن التي ضربت بعض الأحزاب اليسارية، هو غياب المثل القدوة في كل، أو بعض، تجليات الحياة الحزبية والنضالية، وفي عناصرها ومقومات صيرورتها، نقصد الحياة الداخلية لتلك الأحزاب والتجارب، وعلاقاتها بالمحيط الاجتماعي.

لنأخذ هذا المثل: ربما كان الخلاف الجوهري بين المناضل الثوري العالمي تشي جيفارا ومركز القرار الأممي لـ "الاشتراكية الحاكمة" ان صح التعبير، في مسالة خلق اللحظة الثورية، وإيقاد شرارتها الأولى، ومكان انطلاقها؛ من الريف الى المدينة، وبديهي اذا ما توسعنا فيما ينطوي عليه هذا المنطوق، من استخدامات لما يعرف بـ "قانون نفي النفي"، تتسع الدائرة الى دور الطبقات الاجتماعية، والعلاقات الداخلية والخارجية لحلف العمال والفلاحين، وطليعة هذا الحلف تحديداً، وقد لا تنتهي التموجات اذا ما استرسلنا في تناول هذا الشأن.

في هذه اللحظة، ينهض سؤال مشروع جداً، يدلل على عمق تأثير المثل الثوري الايجابي: اذا كانت الاشتراكية قد انهارت في أجزاء من مراكزها الأساسية، ما أهمية الطرح الذي تقدم به جيفارا حول أساليب فرض الاشتراكية أو بنائها في يومنا الحالي؟. وما الذي يُبقي ذكرى هذا الرجل وهاجة، في ذكرى رحيله الأربعين؟ وما الذي يُبقي جيفارا شامخاً في أرجاء كوكبنا كافة؟ فحين طوى النسيان فيه، من كان يقرر، ما اذا كان ما يُقدم عليه جيفارا مشروعاً أم غير مشروع؟ وما سر استمرار عمليات النهش في جسد هذا المناضل الى يومنا هذا من قبل الدوائر الامبرالية بالوقت الذي ذابت أو أذاب البعض الحدود بين عالمين؛ عالم انتاج الخيرات وعالم نهبها؟. وربما تـُصبح التساؤلات أكثر جدوى، اذا اتفقنا على أن جيفارا لم يكن منظراً في حركته العالمية.

لقد كان السبب، كما نعتقد بلا أدنى شك أو ريب، في عدم انطفاء وهج جيفارا، هو قوة المثل، الذي قدمه أبن امريكا اللاتينية، وتجسد المثل بالدفاع عن المبادئ، بالقول والعمل، وتجسد في اسلوب الحياة، وفي عدم الخوف من بطش القوى الامبريالية، التي لا تبعد كثيراً عن عرينه السياسي أو القتالي، ناهيك عن أن هذا الرجل لم يتساءل حتى على سبيل الاحتمال، عن إمكانية مد الجسور الى أعداء الشعوب، ولا نجد حاجة لايراد، أو تناول النموذج المروع والمخجل والمستفز لـ "ثوريين" في خدمة الامبريالية، في عدوانها المباشر والمكشوف على بلادهم مباشرة، وخلال أعوام، أن السلوك الشاذ في خدمة الامبريالية، أو التواطؤ معها، لا يشكل سوى انقلاب فاشل، على قيم عادلة وراسخة، وثمن الانقلاب بخس، ومكلل بالعار الدائم.

ان مقتل جيفارا بين رفاقه، وفي ساحات النضال المباشر، سوف يظل ليس فقط شاخصاً وذكرى، بل تجربة ملهمة للدفاع عن الشعوب المستباح والمظلومة، ومصدر وعي لها، ومنها، وفي مقدمتها، شعبنا العراقي، الذي كان العدوان عليه، بداية لظهور النظام الدولي الجديد، واحتلاله بداية لعالم بلا ضوابط، وكل ذلك العدوان قد جرى دون اقامة أي وزن لمصالح وطموحات الشعب العراقي نفسه، ولما كانت القوى المتجبرة قد أسفرت عن عدوانها، وعن طبيعتها الهمجية، بات أسم هذا الرجل أكثر اشراقاً، وأعمق غوراً، وأشد وطأة على صناع الوهم، اسوة بكبار مناضلي الشعوب، كل الشعوب، الصغير منها والكبير، وعبر كل مراحل التاريخ المعروف.

ان جهود كبار منظري الاشتراكية، لم تنصب على حقل واحد من النشاط الانساني، فقد تناولوا كل جوانب الحياة، الغنية بتنوعها، وأولوا علم الاخلاق والأخلاق نفسها، اهتماماً لا يقل حيوية وأهمية عن الاقتصاد أو السياسة أو غيرهما، ولكن مما لا شك فيه، أن تطبيقات هذا العلم الانساني الرفيع، لم تـُهمل فقط، بل في أحيان كثيرة، تعرضت للتشويه من مراكز القوى النافذة في عصب من يفترض أنهم أو أنها أداة التغير الموعود، ان تجاوز البناء الأخلاقي له نتائج مدمرة، في مجال افراغ الأهداف النبيلة من مصداقيتها ومضمونها، ويتجسد ذلك على الأرض، في اضعاف قدرة، من يفترض أنهم قوى التحولات الجذرية، على التعبئة من أجل انتزاح الحقوق المشروعة.

من المفارقات في قراءة المناضل الثوري جيفارا، أن هنالك من وضعه على الطرف الآخر، من الأحزاب الاشتراكية والعمالية، أو أنه على وفاق تام معها، أو ربما ذيل لنشاطاتها الخاصة، وهنا يستشهدون بحوادث منعزلة، كـُشف عنها مع بعض التشويه. فعلى سبيل المثال، ما نُشر عن دعم السوفيت له، في بعض بقاع أمريكا اللاتينية، أو دعم الحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي له، من أجل تسهيل مهمته للقتال والثورة، في قلب القارة الأفريقية، ونشر معلومات عن استضافته في براغ سراً. أن كل هذه القراءات، وفي حالة افتراض الاخلاص من لدن أصحابها، لم تدرك أن جوهر علاقة جيفارا مع الدول الاشتراكية، تلك العلاقة التي تقوم على أساس ثقة الثوري بعدالة قضيته، وعلى الخلاف المشروع ضمن الجبهة الواحدة، كما ان الأحزاب الشيوعية "الحاكمة"، وحتى في ظل التطبيق غير المبدع لفكرة التعايش السلمي، والتصورات الملتبسة حول دور البرجوازية في بعض مراتبها، لم تجد، ولم يكن بميسورها ايجاد المبررات للتصادم المباشر مع جيفارا، لغياب المبررات أصلاً، ولثقل مثل هذه المهمة على أشقاء جيفارا، وهنا لا نسقط احتمال أن تفكر بعض القيادات الحاكمة بعقلية بيروقراطية، ولا نسعى الى رسم صورة وردية عن تجربة انهارت ليس فقط تحت ضربات أعداء الاشتراكية، وانما لموبقات تتحمل المرحلة وقياداتها مسؤولياتها.

ان القيمة الكبرى للجيفارية بعد جيفارا، وله نفسه، تكمن في القيم الأخلاقية التي جسدها، وجسدتها؛ مثل: المجد في التضحية، الوطن أو الموت، المساومة والتعويل أو التحالف مع القوى الكبرى بداية لنهاية غير مشرفة، البحث باستمرار عن أساليب جديدة للنضال الى جانب ترصين الأصيل منها، وتضحيات القادرين على العيش الرغيد تؤدي الى مردود مضاعف النتائج لصالح الشعب وعند أبناء الشعب، على المستوى الاعتباري والمادي، وفي تعميق جذور الثورة. لم يكن جيفارا بليخانوف في حالات الاختلاف، لا سيمتشاستنى في حالات الاتفاق، فهو ليس منظراً ولا أداة قمع، هو اسلوب عمل ثوري، تكمن قيمته الكبرى في الصدق قولاً وعملاً.

لم يتعرض رجل لحملات تشويه متعددة الأطراف، كما تعرض، وكان الحال بالنسبة لجيفارا، والسر في هذه الحملات، هو عبث المحاولات اليائسة لقتل المثل الثوري، الذي يُسلح الشعوب، بمادة وخبرة لا تقهر، ولكن مع كل هذا العبث الماجن والمجنون والحقود، والمعزز بمستودعات من الخبرات التاريخية في الخداع والكذب والمراغات والدسائس والجريمة المنظمة والغدر، ظل جيفارا علماً بين أعلام الشعوب وها هو ناهض على الرغم من تقطيع أوصاله، وينهض في ذكراه الأربعين، ليأخذ بيد المناضلين، وها هو والجيفارية الثورية، أشد عزماً، وأقوى مراساً، وأكثر بهاء، وهنا يكون الدرس، أو عبرة المثل الملهم، ولأنه قدّم المثل المرتجى والمطلوب، نال حب فقراء العالم، جيفارا ! هذه منزلة قلما تدرك.

جيفارا ! أنت خالد في ضمير كل محبي شعوبهم. أنت تقاتل اليوم، كما في الأمس، الى جانب كل شعب، يدافع عن كرامته وخبزته. وتظل المثل المشرق، والقوة التي لا تقهر، وان تراجع أو خفت في بعض المنعطفات صوتها.

جيفارا ! ثق بأنه يخال لي، وأنا أقف عند ذكرى رحيلك الأربعين، بأن تواضعك الثوري، وموضوعيتك، واعترافك بأمجاد الآخرين، وشهامتك تنادي عبر الأطلسي، وتقول: أنا جيفارا، كانت لي اسوة حسنة على الصعيد الأخلاقي، ونوع التجربة، وفي الإيثار، والتضحية، والتحدي، والصبر على البلوى بـ (الحسين وصحبه، وعبد القادر الجزائري، وعبد الحميد باديس، وعمر المختار، وعزالدين القسام، والشيخ ضاري المحمود، وشباب العراق اليوم) الشباب القابض على الجمر، في معارك غير متكافئة على الدوام، ولكن بها ومن خلالها نغير اتجاه الاحداث، ونرسم صورة المستقبل، على الرغم من كل أصناف سلاح الهمجيين، المتطور جداً، وخبثهم وكذبهم المنفلتين من كل حدود وضوابط ومُثل، وتضيف: ان شعوب العالم القديم زاخرة بالتجارب الملهمة، وهي خبرة تقاتل الى جانبكم أيها الأحرار، في كل الشرق القديم.

جيفارا! ذهبت وأنت على قناعة راسخة وتامة، من أن العالم يتغيّر، ولكن لا بأس في ذكراك، أن نشير الى حالتين من تلك التغيّرات، لا أحسب أنها كانت ماثلة أمامكم بهذا الوضوح الذي نرى اليوم.

الأولى: اتساع قدرة القوى الامبريالية على التشويه، والاساءة لسمعة الكفاح المسلح، ولصورته الطاهرة والموضوعية والحريصة على كسب أوسع الجماهير الشعبية، خاصة اذا بدا التشويه، وكأنه حقيقة نابعة من جسد الكفاح نفسه، وبات بمستطاع القوى الشريرة، أن ترتكب الجرائم البشعة، وترحلها، وتنسبها في الظلام وخلسة، الى قوى الكرامة الوطنية، والتغيير والكفاح بكل أشكاله، بما فيها أرقاها الكفاح المسلح، طبعاً لو كان المد الثوري، في غير حالته الراهنة، لما أمكن لقوى الظلام والخديعة، أن تلعب هذا الدور المشؤوم، بحيث تبدو الجريمة وكأنها حالة عضوية ملازمة للمقاومة.

والحالة الثانية: هي ظهور أو انسلاخ جماعات، من محيطها الطبيعي، والجبهة الفكرية والسياسية التي تدعي الانتساب إليها، وتغامر في معادة كفاح الشعب من أجل الاستقلال، بل وتتحالف كطرف ثانوي من الاحتلال وعملائه، وتنتقل الى إصطفافات دون الوطنية، بل على أساس العداء الفج والوقح للوطنية العراقية، وانتماء البلاد التاريخي، والثقافي، والجغرافي، وحتى النفعي.

وأخيراً، قوانين الثورة عاصفة مثل الثورة ذاتها، وهي فعل متواصل تقدماً وانحساراً، وفي كل تجربة هناك الجديد، الذي يسترعي الاهتمام، والجدير بالدراسة، والاستيعاب، والهضم، والاستفادة منه، ان تجربة الشعب العراقي أضافت جديداً لتجارب أساليب الكفاح، على الأقل يمكن التوقف حالياً عند التأكيدات، التي تشير، أو تفيد بأن الأرض السهلية قابلة لأن تكون أو تتحول الى ميدان للثورة والتحرير أيضاً، وكأنها أرض أحراش وغابات، وليُكتب أسم هذا البلد المستباح، الى جانب فيتنام، وكوبا، وهضبات البلقان، على الرغم من الفوارق الكثيرة والكبيرة والحيوية، ومنها العوامل التي كانت حاضرة هناك في فيتنام، وقبلها في الجزائر وغيرهما، وغائبة هنا في أرض الرافدين: الدعم الدولي، ولا أقصد الشعبي منه، وجود معسكرين كونيين، ووجود خطوط امدادات آمنة، وقيادة موحدة، حرب أقل سعاراً تجاه الأخلاق، وأقل قدرة على تبشيع التضحيات الثورية، وانفجار عالم الاستهلاك دون ضمير.

ألا ترى معي أن شعب العراق، قد قال، وعمل، وأكد صرختك المستعصية على الموت أبداً: "يجب خلق اكثر من فيتنام واحدة".

ها وقد خلق العراق صرخته الخاصة، لتكون مع صرخات كل شعوب العالم لحناً جميلاً، مختلفاً عن نباح كروز، وحروق النابالم، وحتى رنين الذهب. وان مبدأ "فرق تسد" وخبراته التاريخية، التي ينبغي علينا، أن نعترف بأنها خطيرة جداً، وقد تجتاح في بعض الحالات حتى من لا مصلحة لهم بهذا الاجتياح، ولكن في الوقت نفسه الخبرة الثورية، تقول: ان الشعوب قادرة على العودة الى نفسها، حتى ولو بعد ضياع وقت ثمين، وطويل، وتقديم تضحيات جسيمة.

ان بوادر العودة الى الذات الوطنية يتسع نطاقها بين مكونات الشعب العراقي حالياً، وفي هذه الحالة سوف تكون الطفرة ان عاجلاً أو آجلاً، طفرة تستقطب أوسع دائرة من الناس، ويصبح خلالها حتى بعض الطائفيين، والعرقيين، والطامحين الى شهوة المال، والسلطة الذليلة، في وضع حرج للغاية، وسوف يـُعيد العديد منهم النظر بمواقفهم، بعد النظر الى بيدر الوهم في حقول التجارب المرة، ان كفاح الشعب العراقي، وعلى الرغم من كل المرارات، التي ترافق تجربته، قد فرض على قادة الاحتلال والعدوان حتى الآن، الاعتراف بأنهم حرقوا بلادنا من أجل النفط، وان قواتهم الغازية تفقد توازنها، وهم لا يرون في الأفق نهاية "مشرفة" لهم.



#عبدالحميد_برتو (هاشتاغ)       Abdul_Hamid_Barto#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفيلسوف مدني صالح وعطرالأرض


المزيد.....




- شاهد.. مبادرة طبية لمعالجة الفقراء في جنوب غرب إيران
- بالفيديو.. اتساع نطاق التظاهرات المطالبة بوقف العدوان على غز ...
- الاحتجاجات بالجامعات الأميركية تتوسع ومنظمات تندد بانتهاكات ...
- بعد اعتقال متظاهرين داعمين للفلسطينيين.. شكوى اتحادية ضد جام ...
- كاميرا CNN تُظهر استخدام الشرطة القوة في اعتقال متظاهرين مؤي ...
- “اعرف صلاة الجمعة امتا؟!” أوقات الصلاة اليوم الجمعة بالتوقيت ...
- هدفنا قانون أسرة ديمقراطي ينتصر لحقوق النساء الديمقراطية
- الشرطة الأمريكية تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة ...
- مناضل من مكناس// إما فسادهم والعبودية وإما فسادهم والطرد.
- بلاغ القطاع الطلابي لحزب للتقدم و الاشتراكية


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - عبدالحميد برتو - جيفارا: قوة المثل الثوري