أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نضال نعيسة - إستراتيجية الغزو السلفي















المزيد.....

إستراتيجية الغزو السلفي


نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)


الحوار المتمدن-العدد: 2057 - 2007 / 10 / 3 - 11:07
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في التاريخ، وفي كل مرة تتضخم فيها الأفكار البناءة والهدامة منها، وتتراكم فيها المعارف تحاول أن تجد لها متنفساً ما في أقرب مكان. ومن هنا كان التأثر بالحضارات يتعلق بمدى القرب أو البعد عن مراكزها الأساسية وبمدى توافقها مع احتياجات الإنسان المادية والمعنوية. غير أن الحضارات الهمجية والبدائية التي لا تجد مكاناً لها بين المدنيات، تحاول، دائماً، أن تفرض نفسها، وتعبر عن ذاتها بقوة السلاح والإرهاب.

ومن هنا، احتل فكر الغزو وفلسفته حيزاً هاماً في التفكير البدوي ويسيطر على سلوكه. فحتى حين جاء الإسلام أطلق على معاركه المقدسة التي كانت بمباركة ربانية وسماوية اسم الغزوات، غزوة بدر، وأحد، وحنين، وتبوك، ومؤتة، والخندق ...إلخ. وحين حاول طيب الذكر "الشيخ" أسامة بن لادن، سليل أولئك البدو الأعراب، أن يبعث هذا التراث لم يجد بداً من تسمّية عملية نسف البرجين، وسواهما، إلا بغزوتي نيويورك وواشنطن. فالفكرة تغري وتجد صدى طيباً، وتأييداً في العقل الباطن والظاهر لقبائل الأعراب، تسيل له اللعاب والرضاب، حتى يومنا هذا.

ومن هنا، أيضاً وأيضاً، يمكن اختصار مسيرة ما يسمى بـ"التاريخ العربي"، وما حصل منذ ألف وأربعمائة عام، من نكبات وأزمات لهذه الشعوب والأمم بإستراتيجية "عولمة الغزو" الذي قام به الغزاة الأعراب الأجلاف الذين لا يقيمون، عادة، وزناً لا لقيمة ولا لفكر ولا لفن ولحياة. ونقلوه- الغزو- من حيز القبيلة والعشيرة والخيمة لسلب ونهب ما تيسر من ماعز وتيوس وإبل ونساء، إلى فضاء إمبريالي وإمبراطوري أوسع بكثير من سبي جارية وصبي وماعز، إلى إخضاع شعوب وأمم وإمبراطوريات بأكملها تحت الراية المقدسة وسيفها البتار، بعد أن ضاقت الصحراء بهم ولم يعد بمقدورها تلبية الاحتياجات المتزايدة لسكانها من نساء ومال، وعجزها عن الوفاء بالمتطلبات المعيشية المتزايدة للسكان المقبلين على الغزو بكل نهم وإغراء.

لقد أغرت أنماط الحياة السهلة، ورغد العيش، والمناخ، والوفرة المائية، في التخوم الشمالية المجاورة للصحراء القاحلة، الغزاة البدو الأعراب ومحاربيهم وأسالت لعابهم للقيام بالغزوات وزهق أرواح الناس وبتفويض هذه المرة من رب السماء، فيما كان يقابله من جفاف وتصحر وخشونة وبداوة وشظف عيش وجفاف، وتزمت بدوي وقبلي، لم يترك أية معالم حضارية في تلك الأجزاء. فمن الملاحظ تماماً أن الحواضر العربية الكبرى التي تتمتع بحيوية حضارية كدمشق، وبغداد، والقاهرة(لاحقاً)، كانت هي مراكز الخلافة الأساسية بعد أن عجز "مهبط الوحي"، عن تأمين تلك الأرضية والبنى التحتية المناسبة لتأسيس دولة تكتفي ذاتياً بما لديها من مقومات. وحتى اليوم تستورد محميات النفط الأمريكية شعوباً بأكملها لمساعدتها في تطويع الصحراء القاسية وجعلها مكاناً مناسباً لأدنى متطلبات الحياة بما في ذلك من أكلاف مالية باهظة تدفع لتحلية المياه وزرع الصحراء.

الفكر وتطوره هو وحده من ينتج الحضارات ويحفزّها. وطالما أن الفكر البدوي متواضع وسهل وسطحي و شفهي وعابر وغيبي فلا أمل، البتة، بنهضة شاملة معه. فلقد كانت، مثلاً، بلاد الشام، وما بين النهرين، ومصر، وعلى مر تاريخ طويل تنتج الحضارات والفكر والفن والشعر والموسيقى والثقافة وتصدرها، وتترك الشواهد التاريخية العملاقة على ما قام به الإنسان في هذه البلدان قـُبيل خروج الغزو من معاقله القبلية، بحيث صار الدق عندها على الدف أو الطبلة يحتاج إلى فتوى ومباركة من السماء وسلسلة طويلة من الجدل الطويل والشاق والمناكفات التي لا طائل منها على الإطلاق. وكانت على سبيل المثال لا الحصر، الحضارات الفينيقية والأرامية والكنعانية، والسيريانية، والحثية في الشام، والكلدانية، والأشورية، والبابلية في العراق، والفرعونية في مصر، شواهد على عظمة إنسان تلك الحقب التاريخية وسمو اهتماماته وتفكيره، وبلوغه مراحل متقدمة من الرقي والتحضر أتى عليه كله فيما بعد البدو الأعراب ونسفوه كلية من أساساته وقوضوه إلى الأبد. فمنذ دخول الغزاة الأعراب إلى هذه الديار وغيرها، وحتى اليوم، انقطعت سبل الحضارة كلياً عن هذه البلاد، وأصبحت عصية عليها وصعبة المنال، مع ما أتوا به من فكر متحجر وبربرية، وهمجية، ووحشية، ومنظومة معرفية وقيمية مهلهلة جعلت هذه المنطقة تغوص في ظلام دامس. لقد حصل هناك عملية إحلال وبقوة السيف لمجمل القوانين والمعارف والتقاليد والسلوكيات السائدة التي توصلت إليها تلك الحضارات وكانت عاملاً في انتشارها وازدهارها، لتحل محلها منظومة شائكة وذات إشكاليات مبهمة ومعقدة وغير حاسمة، وكانت السبب الرئيس في انقطاع سبل الحضارة والرقي والتمدن عن هذه المنطقة التي دخلت نفقاً مظلماً لا أمل في الخروج منه في المنظور القريب، وانشغلت منذئذ بالحروب والاقتتال والتكفير والتصفيات والصراعات التي أخذت طابعاً دموياً في الغالب، وهذا ما ينفي عنها أي بعد قدسي وسماوي بل هو أقرب إلى الوضعي والأرضي البحت المعتاد. ومثلاً، حين غزا البدو ما أطلقوا عليه اسم الأندلس كان ذلك سبباً لاندلاع الحروب والصراعات بين ملوك الطوائف وظهور حقبة ما يسمى بعصر الانحطاط وانتهى ذلك الفصل الدامي المشؤوم بعودة إسبانيا إلى الحظيرة المسيحية الأوروبية وتحررها من وباء الغزو البدوي لتشهد نقلة حضارة نوعية صار بموجبها دخلها القومي من قطاع السياحة والخدمات فقط يعادل الناتج القومي مجتمعاً لمنظومة القهر والتجويع الاستبدادية العربية بقضها وقضيضها وبترولها وصبيانها ونسائها وشيوخها. فهل في ذلك أي عبرة لقوم يتفكرون؟ وهل هناك من أي مبرر باق لدعوات إعادة إحياء ذاك التراث؟

وبسبب من طبيعتهم المشوّشة التي اعتمدت دائماً التنقل والترحال ولم تعرف أبداً السكينة والاستقرار، فلم تحاول أن تخلف "حضارة" البدو وراءها أية شواهد أو أوابد بارزة تذكر، ويعوّل عليها وتدل على إبداعيتها وتميزها وتفوقها، كما فعلته معظم الحضارات عبر التاريخ التي خلـّفت الأوابد والشواهق الفنية والمعمارية العملاقة والبناء الراسخ الذي يدل على عظمتها وإبداعها حتى اليوم كالإهرامات وحدائق بابل والمدرجات والمسارح الرومانية وتمثال زيوس وسور الصين العظيم على سبيل المثال لا الحصر. وكل ما فعلته "الحضارة" البدوية الشفهية هي نقل القصص الرومانسية المتواترة وتراث العنعنة (فلان عن فلان عن فلان عن ابن خالة فلان) الذي يفتقد للكثير من المنطق والمصداقية والتوثيق العلمي الذي يصلح قصصاً للحكواتية، وللبالغين الكبار،وليس لأدب الأطفال بما ينطوي عليه من رعب وتدمير لنفسية الصغار، ومجالاً للخيال الشعبي المروي أكثر مما تصلح لبناء مجتمعات على أسس علمية وموضوعية. أما في مجال العلوم المزعوم فلم يكن سوى عملية نقل وترجمة لعلوم الإغريق والفرس والرومان وعلى أيدي علماء من بلاد فارس وأواسط وشمال آسيا على الغالب وليس من التابعية البدوية على أية حال. وكان العنصر العربي البدوي غائباً عنها في المجمل، وهذا يطرح سؤلاً هاماً وجدياً عن مساهمة أولئك البدو الفعلية فيما يسمى بالحضارة العربية. فالفن والتصوير والرسم والموسيقى والثقافة والفكر والفلسفة وحتى اليوم، لا يمت بصلة لتقاليد هذه البلاد، ويمنع من التداول ويضيق عليه وينظر إليها بكثير من الازدراء والاحتقار، وهي محرمة ومحظورة في هذه المنظومة القيمية والمعرفية التي أغرقت المنطقة في دهاليز من الظلام. ويعتبر هنا، المفكرون والفنانون والأدباء والكتاب والفلاسفة والشعراء والموسيقيون، إلى اليوم، زنادقة وعصاة وينظر إليهم بمزيج من الريبة والاحتقار ويعمل الجميع على إبادتهم والتضييق عليهم وإخراجهم من فكر الجماعة والفرق الناجية العصماء. ولا تزال كثير من الدول العربية تجاهد في سبيل تبني بعض القيم الحداثية والعصرية فيما يتعلق مثلاً بالنظرة الدونية للمرأة. وأصبحت أي منطقة من العالم يستوطنها هذا الفكر، وتهيمن عليها نفس منظومات القيم ومنطق المعرفة مناطق يسودها الجهل والتخلف وتقبع على شفير هاويات من المواجهات الدموية الشاملة بين كافة مكوناتها الاجتماعية بفعل الشحنات التحريضية والعدوانية الهائلة التي تنطوي عليها هذه المنظومة البدوية الجهلاء.

ما تزال إستراتيجية الغزو تسيطر على عقول البدو وتشكل هاجساً لهم، ولذا تراهم اليوم يطلعون من جحورهم في الصحراء على شكل دعاة وشيوخ وأمراء للسبي والقتل والجهاد واستحلال أعراض وأموال ودماء الناس، ويرسلون المبشرين إلى أقاصي لترغيب العباد، وينشئون لذلك الفضائيات والمدارس والجامعات. إنهم يرتعدون ويهابون كون الناس تسبقهم في كل ميدان من ميادين الحياة، ويعجزون عن الإبداع ومجاراة المستجدات العولمية والاختراعات والسلوكيات الحضرية، ولذا لا بد من أن يتساوى الناس جميعاً في الجهل والانحطاط وهم يقومون بهذه المهمة على أحسن وجه، وأفضل حال.

تتكرر اليوم عــولمة الغزو البدوي، وبنفس المشهد والمؤثرات والخطاب وعبر الأذرع الوهابية فكرياً، والقوة البترودولارية الضاربة لوجيستياً، والتي أفلحت في إعادة هذه الشعوب إلى نفس المناخات الظلامية بعد محاولة عابرة لم يقيض لها النجاح للإفلات من ربقة التخلف الفكري بعد قرون سوداء من الخلافة العثمانية. وسقطت دول مثل مصر في قبضة الفكر الماضوي والسلفي الوهابي، بعد أن كانت قد قطعت شوطاً لافتاً في منتصف القرن الماضي نحو نهوض عصري وحداثي، وتراجعت عن كل ما حققته من رصيد في هذا المجال. وإلى اليوم يتجه هؤلاء البدو باتجاه الشمال والدول المجاورة كالعراق والشام ومصر لفرض أنماط حياتهم وأساليبهم الخشنة المتخلفة والدموية وفرض نظرتهم السوداء المتحجرة والمتزمتة تجاه الحياة، مدعومين هذه المرة لا بعقيدة الفتح والسيف "السمحاء" وبمدد من الله، ولكن بقوة المال والبترودولار. وقد نجحوا وأفلحوا، نسبياً، وبكل أسف، وبتواطؤ صريح، ومعلن مع أنظمة التجويع والتجهيل والإفقار الممنهج، في إعادة شعوب هذه المنطقة آلاف السنين إلى الوراء، والتسبب في ما تعيشه، وتكابده في هذه الغيبوبة الحضارية الكبرى.





#نضال_نعيسة (هاشتاغ)       Nedal_Naisseh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأميّة بين الجاهلية والإسلام
- الدعارة الحلال
- الفاشية الإخوانية
- الحرب الشاملة ضد سوريا
- متى نفطر على الكرامة والحريات؟
- انتصارات العرب الجوفاء
- مرحى لأستراليا
- السيد محافظ اللاذقية
- المثلية الجنسية ومنع الاختلاط
- هل المثلية الجنسية عيب وعار؟
- خطر الفكر الديني
- الاتجاه المعاكس والأمن الإعلامي العربي
- هل تشفع لنا النذور؟
- بيان من أمير الجماعة الفنية
- إمارة -فنّستان- السورية
- بيان ثوري
- من قصص ولاية خازوقستان
- العصاب السوري
- فرمان من سالف الزمان
- رسالة تهنئة إلى وزير الاتصالات السوري


المزيد.....




- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نضال نعيسة - إستراتيجية الغزو السلفي