من شقاء الفقر و الحرمان ولد بكراً .. كلحنً شاردً في ليل الشجن ولد في حي العدامة بين أطلالاً تضللها بالكاد سعف النخيل .. في يوماً قائضاً جداً وحيث تفتقد سُبل الحياة و كسرة الخبز عسيرة المنال ولد .
في طفولته كان يغفو في الليالي المقمرات بجلد بطنة الخاوي ، يؤرقه هذ الليل الطويل .. ليل الاستعمار و الاستغلال حيث لا يغفو .. ختم القرآن الكريم و أجاد التجويد ، درس في مدرسة القضيبية و تخرج بأمتياز الأول مكرر .. ألف أول منلوج غنائي و هو في سنين الصبا الأولى ليبدأ برعم الموسيقى ينمو و يحفر في روحه الوثابة .. من مدرسة بابكو للتدريب المهني " الإبرنتيس " حيث تحتضن الموهوبين دراسياً إلى قوانين الصراع الإجتماعي و صراع الطبقات حيث الصورة ضبابية ومشوه لكن ألم الواقع و الإستغلال ملموس بحدة تشجعه سياسات الشركة الاستعمارية و الحكم الإستعماري ..
الهرمونيكيا .. الساكسيفون .. النوتة الموسيقية وسلمه .. الفرق الفنية تختلط و تتزاوج لديه مع أدوات الصراع الطبقي قبل أن يكتشف قوانينه " و أهفو و أماني القلب كدخان ذرته الريح في و أحمل ثقل أيامي .." بدأ يقرأ لجورج حنا و سلامة موسى وبدأ يقارع الإستغلال و الأستعمار في ذات الوقت ، إلى أن اكتشفه المناضل علي حسن المحرقي و ضمة عام 1961م بلا تردد و لا ندم إلى أول و أقدم تنظيم سياسي يمثل فكر الطبقة العاملة الثوري و الاممي ( جبهة التحرير الوطني البحرانية ) .. " و حباً كان .. كل الزاد في صحوي و أحلامي و كان الطل يوقضني ، و رؤيا الفجر أنسامي و لكنني رأيتها .. "
النضال السياسي و الموسيقي كأداة نضالية و فنية ، أيهما يسبق الآخر ؟ الإجابة غير مهمة ، بل المهم أنهما توأمان يجتمعان بين أضلاع المناضل مجيد مرهون ..
حمل الساكسيفون كأول مدني بحريني لينشد لحن إنتفاضة مارس 65م المجيدة
" لم تمت ذكراك آذارنا و لكن أينعت في الصبح وردة " الجماهير المنظمة .
حينما رفعت " الجماهير " في وجه المستعمر و أدواتة القمعية " لا يفل الحديد الا الحديد " كان فجر مجيد مرهون يفجر الجهاز الأمني للمستعمر و يحولة إلى قطع خردة في شتاء 66م بين مثلث القضيبية و الحورة و العوضية لينشد أول نشيد و لحن وطني عام 67م ( طريقنا أنت تدري شوك و وعر عسير..موت على جانبيه لكننا سنسير ) نحو الحرية و السلم و التطور الإجتماعي .
فبراير 68م كان على موعد مع تأبيد الإغلال و الإحكام حيث ظلت السلاسل الحديدية تصفد يديه و رجليه و تربطهما بالخاصرة كجرح نازف طوال ليالي جزيرة جدا بسنواتها الطوال و طقوسها الحادة .. برودة و حرارة مضاعفة و أذ يكون السجين في لحظة نوم عزيزة تلسعة السلاسل ببرودتها الشديدة شتاءً لتقلع قلبه من عز النوم مفزوعاً مكملة - السلاسل - مشوار التعذيب النهاري الآدمي ..
طوال سنوات سجنه الـ22 لم يتسرب له اليأس أبداً و لم تهتز قناعته بصحة وصواب طريقه .. طوال سنوات تأبيده ظل السجين رقم 8 السياسي الخطر و الذي ضرب الجهاز الإستعماري في صميم مقتله .. طوال سنواته ال 22 ظلت الموسيقى تخرج من بين القضبان و من خلفها و النضال السياسي و عراك الإستعمار و أعوانه المحليين يخرج من بين أضلاعه . . بدأ حلم حياته في الموسيقى يتحقق في المرة الرابعة بعد إخفاقات ثلاث ، بدأت المقطوعات الموسيقية تتوالى رغم أنه قبر حوالي مائة نوتة موسيقية في حالة ندم .. فبعد لحن الذكريات توالت مقطوعاته و مؤلفاته الموسيقية كالسبحة و كرقصة الليوه ذات الجذور الإفريقية حيث فاقت شهرته الحدود المحلية لتصل العالمية بشهادة ألاكاديمية الملكية السويدية للموسيقى لتبدأ موسكو بطباعة مقطوعاته الموسيقية على شكل أسطوانات و لتذاع من الإذاعات التي تتذوق الموسيقى الراقية .
" الليل يغمرني ، تلفت .. تسّموت ، تجاسرت بأن أخطو " ..
بعد حملة تضامن دولية عديدة و لمساهماته الوطنية العديدة من سجنه في دراسة مشروع الجسر الذي يربط البحرين و السعودية بمشاركة الفريق الدنماركي و لدوره– الكبير في صيانة مرافق السجن من كهرباء و ماء أطلق سارح مانديلا البحرين بعد أن قضى خلف القضبان 22 عاماً و22 زهرةً من عمر شبابه .
كالفراشة الندية أو كفيلم الفراشة كان البحر بألوانه و أمواجه يحاصره عدى الإغلال و قوانين السجن حتى بعد خروجه المشرف .. في سجن جزيرة جدا أسس و أشرف على مدرسة جدا الفنية ، كلاً في أختصاصه .. اللحدان شاعراً و السرحان خطاطاً و عبدالله حسين نحاتاً و كثيرين غيرهم تخرجوا من هذة المدرسة الرائعة و من جزيرة الأحلام بأسلوب الحقيقة و المصارحة المنتمية إلى مدرسة نيلسون مانديلا ..
" ترى للتداعي الحب ..
تداعيت ! و لكن في أئتلاف الضوء يا حبي
تجد أنفاس أنغامي .. "
تحايا عاطرة في ذكرى حب مجيد مرهون و الذي شارك كغيره في إستقلال التراب الوطني من الحلم إلى الواقع بفضل تضحياته الجسام .
خليل زينل
15/9/2003م
البحرين