أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - نضير الخزرجي - سياسة الاغتيالات والتفجيرات ليست وصفة ناجعة لعراق اليوم















المزيد.....

سياسة الاغتيالات والتفجيرات ليست وصفة ناجعة لعراق اليوم


نضير الخزرجي

الحوار المتمدن-العدد: 607 - 2003 / 9 / 30 - 03:27
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    




في التاسع من شهر محرم الحرام عام 1979م اعلنت الحركة الاسلامية في العراق عن بداية العمل المسلح لاسقاط نظام الحكم في العراق , وفي التاسع من شهر نيسان ابريل من عام 2003م سقط نظام صدام على أعتاب ساحة الفردوس أمام عدسة الكاميرات, وما بين التسعتين فاصلة زمنية عمرها جيل كامل.
كان الهدوء القاتل يلف زنزانة الاعتقال في مديرية الامن بكربلاء المقدسة , وبلا مقدمات بدأت حركة غير طبيعية تلف اروقة المديرية التي لا نستطيع من قضبانها رؤية سوى الرواق الامامي المنتهي الى اروقة خلفية وجانبية تضم غرف المديرية.
كانت الحركة غير طبيعية, وزاد من غرابتها سماع اصوات تعذيب يتناهى الى اسماعنا من مكان قريب صدتنا عن مشاهدة اخواننا الجدد في درب النضال حيطان المديرية المرتفعة, وفي اليوم التالي ازدات اعداد المعتقلين ومعها ارتفعت الأصوات الجنائزية تلو الاصوات تطلب النجدة من شدة التعذيب.
كانت الليلة السابقة ونهار اليوم شيئا جديدا لم نعتد عليه من قبل,  فالتعذيب عادة يجري في الغرف العلوية من المديرية, ويصعب سماع صراخ وأنات الضحايا لان غرف التعذيب مغلفة بعازل للصوت,نعم سمعت لأول مرة أنات وصيحات نساء في أول يوم ادخلوني فيها مديرية أمن كربلاء, ويبدو ان الصراخ كان يشق جدار غرفة التحقيق الأولي السفلية من غرفة مجاورة.
لم تطل الدهشة طويلا وان كانت الساعات في الزنزانة تمضي بطيئة وتعد بالايام والأسابيع، فعند نقلنا الى دورة المياه الوحيدة في نهاية احد الاروقة بعد ثلاثة ايام من محاصرتنا في الزنزانة نقضي فيها حاجتنا في اواني وصحون الطعام اليومي نظرا لان التحقيق يجري مع المعتقلين في الممرات والاروقة لعجز غرف التعذيب عن استيعاب الكم الهائل من الاجساد المرمية فوق بعضها, فقد رأيت العشرات من المعتقلين والدماء تسيل من اجزاء مختلفة من اجسادهم , كان علينا ان نغض الطرف عنهم ونحن نتعثر بهم والا اتهمنا بالجرم المشهود, وبعد ايام جاؤا بقسم منهم الى الزنزانة ونقلوا الكثير منهم الى بغداد والنجف والحلة والبصرة وغيرها من محافظات العراق التي جاء منها المعتقلون لاحياء العاشر من محرم الحرام ذكرى استشهاد الامام الحسين عليه السلام, وعرفنا منهم ما اثار فضولنا عن الحركة الغريبة التي حصلت في المديرية, كان في المدينة شاب اسمه طالب كريم العليلي قد اطلق رصاصات باتجاه منصة يقف عليها جملة من رجال السلطة والامن والحزب واصاب عددا منهم معلنا عن انطلاقة شرارة العمل المسلح في العراق, ثم اعتقل واخرون وفي اليوم التالي جيء بالكثيرين على خلفية التظاهرات السلمية المنددة بحصار الزعيم الروحي السيد محمد باقر الصدر رحمه الله.
واعتبرت الحركة الاسلامية في العراق اليوم التاسع من محرم يوما جديدا في تاريخ العراق السياسي , لانه اليوم الذي سجل نقلة نوعية في النضال ضد السلطة في بغداد والتحول من العمل السياسي الى ضفة العمل المسلح, وفي هذا اليوم دخل العراق في منعطف جديد.
وشاءت الاقدار ان يكون اليوم التاسع ولكن من نيسان ابريل من عام 2003م هو ايضا تاريخ بدء طي صفحة وبداية صفحة من تاريخ العراق الحديث, صفحة غاب عنها صدام ولكن بأيد أجنبية.
ان مراجعة بسيطة لخارطة النضال السياسي والعسكري في العراق خلال ربع قرن تغني اللبيب في فهم الواقع السياسي في العراق , ذلك ان العمل المسلح من تفجيرات داخل القرى والقصبات على الحدود العراقية الايرانية وداخل المدن العراقية وضد المنشآت الحكومية من امنية وعسكرية واقتصادية لم تجعل نظام صدام يتزحزح عن مكانه لان العمل المسلح من سيارات مفخخة وعمليات انتحارية وتفجيرات هنا وهناك كانت بمثابة دغدغة لجسم النظام, في المقابل كان النظام يضرب الشعب العراقي وحركة المعارضة في المناطق الحساسة وتحت الحزام، لكن المعارضة العراقية وخاصة المتواجدة في ايران كانت محكومة بظروف سياسية وجغرافية تصدها عن التفكير باسلوب اخر غير سياسة العمل المسلح, ولهذا تشظت وانقسمت وتبادلت الاتهامات حالما توقفت الحرب العراقية الايرانية, ورحم الله الفقيد الفقيه المجدد السيد محمد الشيرازي الذي انتبه لهذه المعضلة في بداية الثمانينات فدعى المعارضة العراقية الى التفكير الجدي بطريق اخر للنضال غير العمل العسكري، لكن اجواء الحرب حالت دون اعطاء فرصة للعقل السياسي للتفكير بالاطلالة على نافذة اخرى غير نافذة الحرب والعمل المسلح, ذلك ان العقل السياسي وبلا مواربة لم يكن مسيسا بما فيه الكفاية , وما نراه من شيب يزحف على قادة العراق اليوم انما جاء متأخرا, فقيادة العراق قبل ربع قرن كانت قيادات شابة متحمسة بما فيه الكفاية , ولكن الحماس ليس كل شيء في العمل المعارض ان لم تخدمه الحكمة السياسية ويزينه التعقل السياسي والتواضع امام تجارب الكبار والاستماع اليهم, وخاصة المرجعية الدينية التي كلفها موقفها المعارض لاستمرار الحرب العراقية الايرانية والعمل المسلح داخل العراق الكثير.
والخطأ كل الخطأ كان في النظرة المتطرفة للعمل المسلح في العراق , اذ كانت بعض الحركات المعارضة تراه مقياسا لحجم الولاء للعراق , فمن ابتعد عنه كان ابعد عن تحرير الوطن بل وعن الاسلام ومن اقترب منه كان احرص على تحرير العراق وصيانة بيضة الاسلام, وفي ظل هذه الاجواء المحمومة والمشحونة بالمناكفات انخرطت العديد من الحركات المعارضة في العمل المسلح غير راغبة فيه وبعضها لم تجد بدا من تبني عمليات مسلحة اعلن عنها تنظيم اخر, ليس الا ارضاء لقواعدها التي بدأت تساؤل قياداتها عن موقع العمل المسلح من دائرة النشاط الحركي, ويحضرني في هذا السياق حادثة طريفة سمعتها مباشرة من احد المشاركين في عملية تفجير السفارة العراقية في ايطاليا في بداية الثمانينات , فقد زاره صديق له وقال له هل سمعت بما قام به تنظيمنا من عمل بطولي في ايطاليا؟
 فقال له محدثي: وما هو؟
 قال له: ألم تسمع بخبر تفجير السفارة العراقية في ايطاليا وجرح احد منفذيها واعتقاله وفرار الآخر؟
قال محدثي: قلت له وكيف تأكدت ان تنظيمك هو صاحب العملية؟
قال: سمعت ذلك مباشرة من احد المشاركين الذين استطاعوا النجاة بانفسهم!
قال محدثي: هنا حبست انفاسي والتزمت الصمت وانبرت من بين اسناني ابتسامة خفيفة ممزوجة بالسخرية, اذ لست بقادر من الناحية التنظيمية والأمنية على اخباره بان الرجل الذي يتحدث اليه الان هو الرجل الثاني الذي استطاع النجاة بنفسه من داخل السفارة بروما.واضاف محدثي: لقد اغاضتني صلافة هذا الصديق من التنظيم الند, فالكذب الصراح يتفجر قيحه من لسانه, وفي نفس الوقت اشفقت عليه للعمى الذي هو فيه.
هذا نموذج من التدافع غير المشروع على تبني العمليات المسلحة في سبيل ارضاء القاعدة التي تطالب بالمزيد من العمل  المسلح في داخل العراق وخارجه, فكانت القيادة تنساق للقاعدة فضلا عن ظروف الحرب العراقية الايرانية التي جعلت المعارضة من كلا البلدين احد اوراقها, ووضعتهما في موقف لا يحسد عليه حُسم بموت الالاف منهما في آب (أغسطس) عام 1988 عندما تقابلا وجها لوجه في كرمانشاه الايرانية وقتل الكثير منهم عند منطقة (درّه مرك) اي وادي الموت.
ان ما نراه ونسمعه من عمليات مسلحة في داخل العراق ضد منشات حكومية واشخاص وتفجيرات في الاسواق الشعبية ودور العرض واغتيالات لرجالات الدولة من العهد القديم تحت واجهة الانتقام, والعهد الجديد تحت طائلة المقاومة تذكرنا بربع قرن من العمل المسلح خاضته معارضة مسلحة بايديولوجيا قوية وبمؤازرة نظام حكم ديني, فالذين يخططون لمثل هذه العمليات اذا كان هدفهم الغائي تغيير الحكم الجديد أو ارجاع عقارب الزمن الى الوراء، فانما بتقديري يقعون في نفس الوهم القديم, بل ان مثل هذه العمليات تعجل في بناء سجون جديدة وملأ القديم منها وجعل العراق يدور في دوامة قديمة جديدة ليس لها من قرار.
ولكن لا ينبغي ان يفهم من كلامي هذا وضع السدود امام المعارضة السياسية, فالمعارضة عمل مشروع ضمن قواعد اللعبة الديمقراطية, فمن الخطل ان تقول معارضة الأمس انا كنا معارضة واصبحنا اليوم في الحكم، ولا حاجة لنا الى معارضة بعد اليوم.
ان مثل هذا القول او ما نراه من سلوك لدى البعض لا يخدم العراق وشعبه في ظل التحول الجديد, فالمعارضة كانت في عهد النبي الاكرم محمد صلى الله عليه واله وسلم وكانت في عهد الامام علي عليه السلام , ولم يشهر في وجهها القوة الا بعد ان اشهرت السيف في وجه السلطة.
والمعارضة السياسية هي من سنن الكون القائمة على التدافع, فلا يمكن الغاؤها بحجة زوال نظام حكم قديم، بيد ان المقام يقتضي هنا التأكيد ان الذين يشجعون على الاغتيالات السياسية والتفجيرات بالضد من المنشآت الحكومية ينبغي لهم اجراء مراجعة جديدة لخططهم, فالمعارضة السلمية هي انجح الطرق الى نيل ما يصبون اليه وان طال السرى, صحيح ان الاغتيالات والتفجيرات ذات دوي دونه صدى المعارضة السلمية, ولكنه دوي يتناهى سمعه قويا ويزول اثره سريعا, فيما يبقى النضال السياسي السلمي العميق الأثر في ذاكرة الشعب والسلطة على السواء.
لقد كان طالب كريم العليلي الذي جر الحركة الاسلامية الى ميدان العمل المسلح خلاف رغبة الكثير من قياداتها يطمح بما فعل ان يقفز بالشعب العراقي الى بر الحرية والديمقراطية بعملية قيصرية والتخلص من صفحة صدام الذي كان قد تسلق الى السلطة للتو بعد ان ازاح من طريقه الرئيس احمد حسن البكر, غير ان الزمن قال كلمته واثبت دلالته بلا مراء، فصدام طوت نظامه عجلة الحرب ولم يسقطه العمل المسلح لكافة أطياف المعارضة الاسلامية والوطنية والكردية.



#نضير_الخزرجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حراس البوابة الشرقية من حماية العرب الى حماية الروم!
- العراق للعراقيين .. شعار حلو يستبطن علقما


المزيد.....




- أثار مخاوف من استخدامه -سلاح حرب-.. كلب آلي ينفث اللهب حوالي ...
- كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير ...
- جهاز التلقين وما قرأه بايدن خلال خطاب يثير تفاعلا
- الأثر الليبي في نشيد مشاة البحرية الأمريكية!
- الفاشر، مدينة محاصرة وتحذيرات من كارثة وشيكة
- احتجاجات حرب غزة: ماذا تعني الانتفاضة؟
- شاهد: دمار في إحدى محطات الطاقة الأوكرانية بسبب القصف الروسي ...
- نفوق 26 حوتا على الساحل الغربي لأستراليا
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بها
- الجيش الأمريكي يختبر مسيّرة على هيئة طائرة تزود برشاشات سريع ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - نضير الخزرجي - سياسة الاغتيالات والتفجيرات ليست وصفة ناجعة لعراق اليوم