جوزف سماحة
الحوار المتمدن-العدد: 75 - 2002 / 2 / 26 - 20:01
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
في شهادة أسعد الشفتري الجريئة عن الحرب ودوره فيها (راجع الزميلة ((الحياة))) رواية تستحق التأمل. يقول ما معناه إن بورجوازيين مسيحيين استشعروا الخطر الذي يهددهم طائفياً فطالبوا بشير الجميل بأن يسمح لهم بالقتال دفاعاً عن مناطقهم شرط فرزهم طبقياً عن فقراء المسيحيين. وكان لهم ما أرادوا. أعطاهم ((محاور)) خاصة بهم ليستبسلوا في الحرب الطائفية بعدما أجروا، بمعنى ما، تطهيراً اجتماعياً لصفوفهم. وفي لحظة احتدام الغرائز المذهبية بدا أن الحس الطبقي لا يغيب تماماً. صحيح أن المسيحيين موحّدون، حسب الرواية، ضد آخر لكن ذلك لا يجيز اختلاط المراتب الاجتماعية. وليس صدفة أن يأتي الطلب من جانب هذه الفئة بعينها علماً بأن هناك من يزعم أن فقراء المسيحيين لم يكونوا يحاربون إلا دفاعاً عن نظام يتماهون معه ولو أنه لا ينصفهم.
إذ يتداخل الطبقي بالطائفي، في لبنان، ويتعايش معه ففي ذلك إشارة إلى هويات شديدة التركيب يمكن أن نضيف أن العائلي والمناطقي يتدخلان، أيضاً، في تشكيلها.
يكرّر المشهد اللبناني الراهن هذه التعقيدات ويزيد عليها بحيث يصعب انتهاج سياسة أو مقاومتها من دون التباسات لا حصر لها.
يمكن القول، بلا مجازفة، إن الأزمة الاقتصادية الاجتماعية تطال ذوي الدخل المحدود جميعاً. وإذا كان المسلمون اللبنانيون أشد حساسية حيالها في الماضي فإن المسيحيين، اليوم، هم الأشد حساسية. والسبب في الحالين، أو في انقلاب الحال، واحد: قدرة النظام اللبناني على توليد أواليات تماه تجعل الموقع السياسي الإجمالي لنخبة طائفية ما يؤثر سلباً أو إيجاباً في استشعار وطأة الأزمة الاقتصادية. ويكاد الأمر ينطبق بحرفيته على كل ما يثار في شأن سلوك أجهزة الأمن وتصرف القضاء. وكاد النائب فارس سعيد أن يكون بليغاً حين أشار، من دون توضيح كاف، إلى أن مصدر التذمر الاقتصادي الأمني القضائي المسيحي هو أن ثنائية سنية شيعية تحكم لبنان!
واجهت الحكومة، وتواجه، معركتين متفاوتتي الوقع. فتح الأولى، وبوهن، الاتحاد العمالي العام باسم وحدة اجتماعية مفترضة بين ذوي الدخل المحدود. وفتح الثانية، بصخب، أصحاب الوكالات الحصرية الذين يلومون الدولة على رفعها الحماية القانونية عنهم. وتخفي هاتان المعركتان، إلى حد ما، ثالثة تدور، فعلاً، بين العمال من كل الطوائف وبين أرباب العمل من كل الطوائف. لا بل بين عمال وأرباب عمل من الطائفة نفسها إذا أخذنا بالاعتبار درجة الصفاء المتحكمة باختيار الموظفين والأجراء.
أما التحولات التي طرأت على قيادة الاتحاد العام (وليس على تركيبته لأنه كان قوقعة فارغة وأصبح أشد فراغاً)، إن هذه التحولات تجعل من حملته جزءاً من صراعات السلطة. هكذا تبدو في محصلتها النهائية وفي قابليتها للانحلال داخل أطياف الحكومة. لذا لم تحظ هذه الحملة بدعم من بيئة تريد أن تكون خارج أي تمحور سلطوي. ولذا شهدنا نقلاً للاهتمام من المجال الاجتماعي إلى قضايا ذات صلة بالحريات وبحقوق الطلاب الذين قد يعتقلون تعسفاً.
لقد كان تطييف المعركة صعباً بعض الشيء إلا إذا اعتبرنا تجاهل البعض لها نوعاً من التطييف غير المباشر لأنها حاصلة بين أطراف سلطة يصنفها هذا البعض، مع بعض التجاوز، بالإسلامية.
أما معركة الوكالات فشهدت منحى آخر. شهدنا هنا نوعاً من الطائفية المكتومة التي تتردد في الخروج إلى العلن. قيل كلام هامس وعالي النبرة أحياناً بأن الوكلاء مستهدفون بحكم تركيبتهم الطائفية التي تشي بأكثرية وأقلية ويصدف أن الأكثرية خسرت امتيازات سياسية وتتعرض إلى انتزاع موقع جديد. أي أن المحتكر هو ضحية بسبب من انتمائه الطائفي ولو أن أقلية من طوائف أخرى تدفع ثمن التغطية التي لا بد منها حتى لا يكون السلوك السلطوي عارياً.
والواضح، حتى الآن، أن الاستنفار الطائفي لم يصل إلى مداه. وحلت وسائل إعلامية محل المرجعيات السياسية والدينية مكتشفة، في هذا السياق، الوقع المرير لضريبة القيمة المضافة، ومتناسية الاحتفالات التي أقيمت على شرف الوافد الجديد.
يخوض مناهضو رفع الحماية معركتهم مثل المسيحيين الذين أشار إليهم أسعد الشفتري، على حدة، ومن دون رغبة الاختلاط بأبناء طوائفهم الذين ينتظرون، من على مقاعد المتفرجين، مآل معركتهم المطلبية الذي تتحكم به توازنات السلطة في حين أن مشكلة الوكالات تكاد تكون على تماس مع أقطاب هذه السلطة جميعاً.
الأنكى مما تقدم أن لا شيء يمنع وجود استهداف طائفي وراء شعارات الاقتصاد الحر والشراكة مع أوروبا (قضيتان كانتا وكالتين حصريتين للنخبة المسيحية قبل الطائف). ولكن هذا الأنكى لا يغيّر في الأمر كثيراً.
إن الوقوف مع المطالب العمالية ضروري اقتصادياً واجتماعياً بغض النظر عن صراعات الموالين. والدعوة إلى كسر الاحتكار ضرورية بغض النظر عن الهوية الطائفية للمتضررين. إن الهوية الاجتماعية للمستفيدين هي الأهم طبعاً ولكنها، أيضاً، هي التي تطرح السؤال: هل هناك، اليوم، مكان لهذا ((الأهم)) في السياسة اللبنانية؟ أي، بكلام آخر، هل من حياة فعلية وقابلة للديمومة والتطور خارج الطوائف؟ ألا نشهد هيمنة نخبة إسلامية تكرر فعلة ((مسيحيي الشفتري))؟
©2002 جريدة السفير
#جوزف_سماحة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟