فاتح ماي 2024 بطعم الحنظل..


حسن أحراث
الحوار المتمدن - العدد: 7963 - 2024 / 4 / 30 - 08:21
المحور: الحركة العمالية والنقابية     

ليس المثقف أقدر الناس على تبرير الخيانة، بل أقدرهم أيضا على "الدخول والخروج فالهضرة". أستثني طبعا المثقف الثوري المرتبط بقضية شعبه، وخاصة العمال. كذلك "المناضل"، وبالضبط من يتقمص صورة المناضل، فإنه أقدر على "البيع والشراء" في واضحة النهار وبتزكية أشباه المناضلين وتمجيدهم وتحت تصفيقاتهم..
وبدون ألغاز أو لف ودوران، أقصد بكلامي النقابيين المحسوبين على المناضلين وعلى القوى السياسية المسمّاة مناضلة. لقد صار أوضح من الوضوح انبطاح "خدام" البيروقراطية (مشاريع خدام النظام)، لكن ماذا عن "رفاقهم" أو القوى السياسية المسماة مناضلة التي ينتمون اليها، وليس غير النهج الديمقراطي العمالي وفدرالية اليسار الديمقراطي؟!
نقول قولنا هذا وطعنات الغدر قد أدمت صدر شعبنا وظهره..
وحتى لا أسقط في حوض العموميات الدافئ، أتوجه بأصابع الاتهام مباشرة إلى القيادات النقابية البيروقراطية الجاثمة على أنفاس الاتحاد المغربي للشغل والكنفدرالية الديمقراطية للشغل. وعندما أتحدث عن هاتين المركزيتين النقابيتين، فالأمر يعني كذلك، شئنا أم أبينا، المشتغلين في صفوفهما، وأقصد بالخصوص من يدعي النضال، أفرادا وقوى سياسية.
انتهى القيل والقال، وتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود بعد التوقيع على "اتفاق جولة أبريل 2024" (الحوار الاجتماعي المركزي)، عشية فاتح ماي، وبالضبط يوم الاثنين 29 أبريل 2024، ما هو الموقف المطلوب، أولا؟ وما العمل، ثانيا؟
ولكي يكون الموقف دقيقا، لا معنى للسكوت عن مساهمة "المناضلين" و"الرفاق" المتورطين في تزكية القيادات البيروقراطية والغارقين في صمت التواطؤ.
يقول الرفيق الحبيب التيتي في احدى تدويناته الأخيرة (29/04/2024): "كلما فاحت رائحة البيروقراطية المتعفنة والا تعفف المناضلون سادين انوفهم ومستعدين للمغادرة عوض الصمود وتنظيف اصطبلات اوجياس". ويضيف "مربط الفرس عندنا هو لحد الساعة لم يتولى الشيوعيون قيادة العمل النقابي المكافح...".
المشكل ليس هنا بالمَرّة، سواء فيما يتعلق ب"المغادرة" أو ب"القيادة". المناضلون الماركسيون اللينينيون حقّا لا يدْعون الى مغادرة النقابة، بل يدعون الى مواجهة البيروقراطية وفضحها، بدل التنسيق معها والسكوت عن جرائمها/فضائحها. وقد تم التعبير عن ذلك مرارا؛ ويكفي التذكير بلحظة انتخاب القيادة الجديدة للاتحاد المغربي للشغل بعد رحيل "الفرعون" المحجوب بن الصديق، حيث تم السكوت عن ذبح الديمقراطية الداخلية وعن الجرائم المالية المكشوفة..
أما بالنسبة للقيادة، فالمناضلون الماركسيون اللينينيون لا يسعون الى القيادة، بل يناضلون من أجل الارتباط بالقواعد النقابية، وخاصة العمال، وبغاية تأطيرها وتنظيمها وتعميق وعيها الثوري. وكلما تَقدّم التنظيم البروليتاري سياسيا، كلما أتيحت فرص الحضور النقابي المكافح وبالتالي دحر القيادات البورجوازية المستعبدة للعمال..
فلم يعد ممكنا اليوم إخفاء الشمس بالغربال. فإما أبيض أو أسود، ومن يختبئ في المنطقة الرمادية فإنه يتحين الفرص للانقضاض عليها.
ومن يناقش "ما العمل" دون وضع النقط على حروف الوضع الراهن، بما في ذلك تسمية الأشياء بمسمياتها، فكمن يضع العربة أمام الحصان، أو يخلط الأوراق ويضرب بعضها ببعض لإجهاض أي فعل نضالي جذري من شأنه قلب موازين القوى السياسية. ونعرف أن النظام القائم ليس بمنأى عن تطورات الساحة السياسية. ونجده دائما وراء إجهاض كل تقدم منظم نحو تجاوز عنق الزجاجة. ويستغل في ذلك نقط ضعف المناضلين، أو لنقل الحلقات الضعيفة في صفوف المناضلين للإجهاز على تاريخ من البطولات والتضحيات..
وللوضوح دائما، لنقل الحقيقة ولو مُرّة. لأن المناضل لن يقبل بالسير إلى جانب غير المناضل، وبدون مثالية. قد يحصل ذلك في النقابة أو الجمعية، وعلى الأقل مرحليا، حيث تعدد الانتماءات السياسية؛ لكن من غير المقبول أن يحدث ذلك في التنظيم السياسي الواحد، حيث نفس التصور السياسي والإيديولوجي. أما التحالف السياسي، فله شروطه؛ حيث لا تحالف نضالي من موقع ضعف. لأن الطرف الضعيف، ولو يعتبر مناضلا، لن يكون إلا ورقة رابحة في يد المكون الأقوى. وهو ما نعيشه الآن ببشاعة في صفوف الجبهات، ومنها الجبهة المغربية لدعم فلسطين وضد التطبيع؛ والائتلافات، ومن بينها الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان...
تابعت مؤخرا سلسلة من الكتابات القيمة للرفيق محمد بولعيش، ولمست من خلالها صدقه النضالي وحرقته وسداد الأسئلة التي يطرحها، ولاحظت أيضا عدم التجاوب مع إسهاماته "المزعجة". أعترف أني أتقاسم معه نفس الهم ونفس التطلع، إلا أن الرفيق بولعيش لا يضع "اشتراطات" كفيلة بإنجاح مشروعه، أي مشروع يسار مناضل، وقد أقول إنه يخاطب "الموتى" أو من "شبعوا موتا"؛ عكس ما أذهب إليه. نعرف "خروب بلادنا" أو "خروب يسارنا"، وبالتالي فبدون نظافة اليد وتحرر العقل، بما يعنيه ذلك من رفض الخضوع لبعض "اليقينيات" المزعومة من طرف "رموز" ورقية ميتة، لا مستقبل لأي مشروع ثوري قائم على أكتاف العمال والفلاحين الفقراء ومخضب بدماء بنات وأبناء شعبنا. قد نلتقي إذا سرنا معا في طريق يقطع مع مسار "الأيادي المكسورة" وتطلعاتها البورجوازية والتوافقية مع النظام القائم رغم طبيعته كنظام لاوطني لاديمقراطي لاشعبي، وإذا انخراطنا في معمعان الصراع الطبقي الى جانب الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء..
وكما استحضرت الرفيقين التيتي وبولعيش لإقحامهما في هذه المساهمة، أستحضر الرفيق حسن الصعيب؛ لأني أتفق معه خاصة فيما يخص الاجتهاد المطلوب من طرف المثقفين والمناضلين، نظريا وفي قراءتهم للواقع، لكن ذلك لا يستقيم والسكوت عن فضائح الواقع ومنها بالخصوص الفضائح التي تطوق عنق "المناضلين" والقوى السياسية المسماة مناضلة.
إن صُدقيّة الاجتهاد تقوم على الوضوح والجرأة في تشخيص الواقع الملموس. وقبل ذلك، فليس مناضلا من يسكت عن الجرائم المقترفة من طرف النظام القائم والقوى الرجعية، ومن بينها القوى الظلامية والشوفينية (الاغتيال والقمع والاستغلال والاضطهاد...)، وباقي الفلول المتخاذلة. وكما تساءل ماو، رغم أني لا أحبّذ الاستشهاد بهذا الاسم أو ذاك، "من أين تأتي الأفكار السديدة"، فأجاب "من الممارسة السديدة". وعندما تكون ممارستنا عشوائية، أي مع الشيء ومع نقيضه، فعن أي أفكار سديدة أو عن أي اجتهاد سديد نتحدث؟!!
إن المناضل في حاجة إلى المناضل، وأقصد المناضل المرتبط بمشروع الطبقة العاملة التحرري، إنها حقيقة ساطعة ولا غبار عليها؛ لكن أين المناضل حقا؟
الكل يدعي النضال، لكن ما هي الحصيلة؟
ما هي الحصيلة عشية فاتح ماي 2024، العيد الأممي للعمال...؟
صار لزاما عندما نناقش أي مشروع سياسي، أن ننطلق من أرضية نضالية صلبة مسترشدة بنظرية ثورية وبمشروع ثوري..
كفى من العاطفة والذاتية المفرطتين، وكفى من غض الطرف عن "الرفيق" وعن ابن "القبيلة"..
مرحبا بالاجتهاد، نظريةً وممارسةً، الذي يسعى إلى تحرّر شعبنا وانعتاقه..
والثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية شعار الماضي والحاضر والمستقبل، لكنه في حاجة ليس الى التحيين، بل إلى سواعد مناضلة صلبة...