الصحافة اليسارية والشيوعية مدرسة الأجيال في الوطنية والنضال


محمد الكحط
الحوار المتمدن - العدد: 7690 - 2023 / 8 / 1 - 18:52
المحور: الصحافة والاعلام     

صدر العديد من الصحف والمجلات في العراق بداية القرن العشرين، وانتمى بعضها لليسار، وكان لها دور مشهود في التوعية والتثقيف ونشر الحس الوطني والوعي الطبقي والثقافة التقدمية، فصدرت مجلة (الصحيفة) في أيلول 1924كمجلة علمية أدبية بشكل علني، وكانت تصدر مرتين في الشهر، محتوية نفسا يساريا،ومتناولة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في العراق، ويذكر حنا بطاطو انها كانت تستعين بمواد ومفاهيم من المجلة العمالية ومقالات مترجمة من (جريدة اللومانتيه.. الإنسانية) التي يصدرها الحزب الشيوعي الفرنسي، لكن سرعان ما تم أغلاقها من قبل السلطات الحاكمةعام 1925 بعد صدور ستة أعداد، ورغم الاغلاق عادت للصدور في 13 آيار عام 1927 بجهود (عوني بكر صدقي) لتتوقف مرة أخرى بعد ثلاثة اعداد.
وصدرت صحيفة الشباب سنة 1929 وكانت أسبوعية، وحوت بعض قصص ذات مضامين سياسية تلمح لأفكار تنويرية، وتوقفت أيضا بعد بضعة أعداد، كذلك هنالك صحيفة العامل التي أصدرها عبد المجيد حسن ومديرها المسؤول هو فائق القشطيني، وكتب فيها العديد من الأدباء منهم لطفي بكر صدقي ومحمود لطفي السيد، وتم إيقافها بعد العدد الأول لما حوته بشكل مباشر من مضامين يسارية، وأصدر القائد النقابي محمد صالح القزاز مجلة (الصنائع) في حزيران 1930، وكان لها دور كبير في حشد العمال وانطلاق بعض المظاهرات المطالبة بتحسين حياتهم، وصدرت صحيفة (نداء العمال) في تشرين الثاني 1930، وكانت نصف شهرية حيث كتب فيها الرفيق فهد بعض المقالات باسم مستعار، وصدرت صحيفة (العامل) في ايلول 1931 وكان رئيس تحريرها أحمد سعد الدين زيادة، والتي أسهمت في تنمية الوعي الطبقي، وصدرت مجلة (عطارد) في آب 1934، التي كان صاحب الامتياز محمد القشطيني ورئيس التحرير يوسف متى، وكتب فيها حسين الرحال وأمينة الرحال،ونشرت العديد من المقالات عن التفاوت الطبقي، مما حدا بالسلطات مضايقتها وغلقها لاحقا.
لقد كانت تلك الصحف والمجلات اليسارية التي صدرت قبل صدور كفاح الشعب أرضية أساسية أبرزت العديد من الصحفيين والأدباء التقدميين، وخلقت أجواء محفزة لصدور جريدة كفاح الشعبفي نهاية تموز 1935، لتكون هوية الحزب والتي بإصدارها أعلن الحزب الشيوعي العراقي عن أفكاره وأهدافه، من خلال شعار المطرقة والمنجل الذي يتصدر الجريدة مع مقولة نص من البيان الشيوعي "فلترتعش الطبقات الحاكمة أمام الشيوعية، فليس للبروليتاريا ما تفقده سوى قيودها وأغلالها وتربح من ورائها عالماً بأسره"، ومنذ انطلاقها بشكل سري، ورغم ذلك كانت فعالة وسط المثقفين والجماهير، مما حدا بحكومة ياسين الهاشمي لملاحقتها والتضييق عليها، فاضطرت للأغلاق مؤقتا، ورغم هذه الفترة القصيرة فقد طرحت بشكل واضح أهداف الحزب التي يسعى لتحقيقها وأولها طرد المستعمرين والنضال من أجل حرية الشعب، وتحقيق طموحات الكادحين من عمال وفلاحين وسائر أبناء الشعب، فتعرض قادة الحزب المعروفون حينها للاعتقال منهم الرفاق زكي خيري وعاصم فليح ومهدي هاشم، هنا يمكن الاشارة إلى ان حسن عباس كرباس وهو أحد الشيوعيين الأوائل قام بشراء مطبعة خاصة من شركة لنج البريطانية والتي كان مكتبها يقع في شارع الرشيد، وكانت الجريدة آنذاك تطبع في أقبية مستشفى السكك الحديدية في الكرخ،
لقد صدر من كفاح الشعب حتى ايلول 1935 ثلاثة أعداد فقط، اذ توقفت بعد اعتقال رئيس التحريرالرفيق عاصم فليح، فأشرف الرفيق زكي خيري على اصدار العدد الرابع في تشرين الاول 1935، ثم العدد الخامس في تشرين الثاني 1935، حتى اعتقاله،وأصدر التنظيم العسكري العدد السادس والأخير في كانون الاول 1935، وكانت تكتب بالآلة الكاتبة على ورق الشمع وتستنسخ بآلة الاستنسيل،وظهر شعار ((يا عمال وفلاحي العالم اتحدوا)) وشعار ((يا عمال وفلاحي العراق اتحدوا)) في العدد الثاني من الجريدة، وفيالعدد الرابع الصادر في تشرين الاول 1934 كتب عليها ((لسان حال العمال والفلاحين والجنود)).
وأبرز ما تناولته الجريدة هو موضوعات سياسية، وموقفها من وزارة ياسين الهاشمي، ومن الانتخابات النيابية، وطالبت بإلغاء المعاهدة العراقية – البريطانية لعام 1930، وكان صوتها عاليا بالتضامن مع الشعب الفلسطيني، كما هاجمت النازية الالمانية والفاشية الايطالية، وكان جل اهتمامها الوضع الداخلي حيث تطرقت باستمرارإلى الصراع الطبقي، وعرت النظام الرأسمالي،وساهمت بنشر الأفكار الاشتراكية والتقدمية.
وصدرت” الشرارة”كصحيفة حزبية رسمية ناطقة باسم الحزب الشيوعي العراقي في كانون الاول عام 1940 في بغداد.
كما صدرتالقاعدةبشكل سري أيضاً في كانون الثاني 1943، التي استمرت بالصدور حتى منتصف عام 1956 والذي شهد ولادة جريدة (اتحاد الشعب).
وخلال الأربعينيات أصدرالحزب صحيفتين علنيتين هما (العصبة) عام 1946 ترأس تحريرهامحـمد حسين ابو العيس والغيت اجازتها وزارةأرشد العمري، وفي آذار 1948 أصدرشريف الشيخجريدة (الأساس) اليومية، لكنها تعرضت للغلق بعد فترة من صدورها. وصدرت مجلة الثقافة الجديدة في تشرين الثاني 1953، وكان صاحب الامتياز مهدي جواد الرحيم والمدير المسؤول المحامي خالد طه النجم، ومدير الادارة الشاعر الفريد سمعان، لتكون اضافة نوعية للصحافة اليسارية ولا زالت تصدر حتى اليوم.
أماجريدة (اتحاد الشعب) فقد أستمرت بشكل سري على نفس نهج صحف الحزب السابقة واستمرت حتى قيام ثورة 1958، ولكنها صدرت لأول مرة بصورة علنية في يوم 25 كانون الثاني 1959 وكان صاحب الامتيازعبدالقادر اسماعيل البستاني، وكانت متميزة عن باقي الصحف بالشكل والمضمون والأسلوب وعلاقتها مع الشعب، فنالت شعبية واسعة، وصل المطبوع منها (28000) نسخة يومياً، وعلى عدة طبعات، وكان هذا رقما قياسيا في تاريخ الصحافة العراقية حتى اليوم، علما ان عدد السكان كان قليلا ووجود نسبة عالية من الأمية، واستمرت (اتحاد الشعب) بالصدور حتى تم إغلاقها في آب عام 1961.
لذلك عاد الحزب لإصدار صحافته بشكل سري فأصدر في أواخر عام 1961 صحيفته المركزية باسم (طريق الشعب) التي بقيت تصدر سرية بسبب مواقف الحكومات والسلطات المتعاقبة حتى يوم 16 ايلول 1973 حيث صدر العدد العلني الأول منها، وكانت مرحلة مهمة في تاريخ العراق الحديث، حيث عمل فيها العشرات بل المئات من الصحفيين والإعلاميين واستقطبتأسماء لامعة، وكانت منبرا إبداعيا مهما في الشأن العراقيحتى الاضطرارإلى اغلاقها بعد الهجمة الدكتاتورية الشرسة على الحزب في نيسان 1979، لكنها عادت لتصدر بصورة سرية وبظروف صعبة، واستمرت لتصدرفي كردستان بداية الثمانينيات ضمن حركة الأنصار الخاصة بالحزب، وفي فترة الكفاح المسلح صدرت العشرات من المجلات والصحف في جميع المواقع والمفارز الأنصارية.
وبعد انتفاضة آذار المجيدة 1991 حيث أصبحت محافظاتكردستان بعيدة عن سيطرة نظام البعث الفاشي عادت طريق الشعب للصدور علنا في أربيل وتوزع سراً في باقي مناطق العراق بجهود منظمات الحزب، حتى سقوط الدكتاتورية في2003 لتكون طريق الشعبأول جريدة تتوزع في بغداد وتتلقفها الأيادي.
وهنا لابد ان نستذكر صحافة الحزب باللغة الكردية، فقد تم اصدار العديد من المجلات والصحف اليسارية باللغة الكردية، منها شورش وصحيفة(ئازادي الحرية) في نيسان 1945 وبصورة سرية، وبعد ثورة 14 تموز صدرت بصورة علنية في الأول من ايار عام 1959 لتتواصل حتى اغلاقها عام 1961، وكان رئيس تحريرها نافع يونس، وكان الشاعر عبد الله كوران يشرف على المجال الأدبي والفني فيها، كما صدرت (ريكاي كوردستان) وغيرها من الصحف اليسارية الأخرى خلال القرن الماضي.
ان تأثير الصحافة الشيوعية كانت واضحة وكبيرة على معظم مفاصل الحياة في العراق، وكانت مدرسة حقيقية خرجت أعداد كبيرة من الوطنيين والمناضلين.
مجدا لكل من ساهم في مسيرة ذلك الصرح الكبير.
- وهو أحد أعضاء مجموعة البصرة الماركسية التي تشكلت في 1927بقيادة عبد الحميد الخطيب.