هل كان لينين شيوعياً؟


عبدالرزاق دحنون
الحوار المتمدن - العدد: 6305 - 2019 / 7 / 29 - 10:45
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

لا يمكن أن يقوم حزب اشتراكي صلب إذا لم تكن ثمة نظرية ثورية توحد جميع الاشتراكيين ويستمدون منها جميع معتقداتهم ويُطبقونها في أساليب نضالهم وطرائق نشاطهم، وإذا ما دافعنا عن هذه النظرية، التي نعتبرها صحيحة في أعمق أعماقنا، دون التهجمات الباطلة ودون محاولات تشويهها، فإن هذا لا يعني البتة أننا أعداء كل انتقاد، فنحن لا نعتبر أبداً نظريه ماركس شيئاً كاملاً لا يجوز المساس به، بل إننا مقتنعون، على العكس، بأنها لم تفعل غير أن وضعت حجر الزاوية لذلك العلم الذي يترتب على الاشتراكيين أن يدفعوه إلى الأبعد في جميع الاتجاهات، إذا شاؤوا-شاءوا- الاّ يتأخروا عن موكب الحياة. ونحن نعتقد أنه من الضروري بخاصة ان يدرس الاشتراكيون الروس ويطوروا نظرية ماركس بصورة مستقلة لأن هذه النظرية لا تُعطي سوى موضوعات توجيهية عامة تُطبقُ في بريطانية على غير ما تُطبقُ في فرنسا، وفي فرنسا على غير ما تُطبقُ في ألمانيا، وفي المانيا على غير ما تُطبقُ في روسيا. ولهذا سنخصص بكل طيبة خاطر مكاناً في جريدتنا للمقالات التي تتناول القضايا النظرية وندعو جميع الرفاق إلى مناقشة نقاط الخلاف مناقشة علنية.

هذه "المقابسة" الطويل من مقال "برنامجنا" الذي كتبه لينين، على الأرجح، عام 1899عندما كان منفياً في سيبيريا، صدر للمرة الأولى عام 1925 في "المجموعة اللينينية" العدد الثالث. وصدرت ترجمتها العربية في المجلد الثاني من الصفحة رقم /497/ من مختارات لينين في عشرة مجلدات عن دار التقدم السوفييتية. وأود الإشارة إلى أن كلمة "مقابسة" هنا تحتاج إلى تفسير. الكلمة مشتقة من فعل قَبَس. ومنها قبس منه ناراً أي أعطاه منها. ومعنى المقابسة أن يشترك اثنان أو أكثر في محاورة علمية فيقبس أحدهما العلم والمعرفة من الآخر ويعطيه ما عنده. وهذا المعنى في الكلمة العربية ما قصده لينين تماماً بشأن نظرية ماركس.

كان لينين في التاسعة والعشرين من عمره حين كتب مقال "برنامجنا" وحدد فيه خيارات حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي في روسيا وأعتقد أن من المناسب حين نقتبس عن لينين ان نُراعي تطور منهجه الفكري والسياسي فما يقوله ابن الخامسة والعشرين غير ما يقوله ابن الخمسين، مع أن لينين طور منهجه الماركسي ولم يحد عنه أبداً. في هذه "المقابسة" يظهر جلياً أن الماركسية ليست عقيدة حزبية بل هي "نهج عمل" وإن كنت تريد أن تجعل منها عقيدة حزبية فلا بدَّ من اختلاف تجلياتها بين مكان وآخر. لا لم يكن لينين شيوعياً في هذه المرحلة ولم يذهب في هذا الاتجاه، كان ما يبحث عنه وحدة تجمع الحلقات الماركسية المنتشرة في روسيا وخارجها. وقد عمل بدأب على جمع هذه الحلقات في برنامج يُراعي بأقل شروط ممكنة نظرية ماركس فكان حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي في روسيا.

لينين عبقرية فذَّة لا يمكن مقارنتها مع غيره. لينين كان فريد عصره، ولا أظنه تكرر ولن يتكرر، ليس لأن النساء عقيمة، بل هي حبَّالة ولَّادة، ولكن الشخصية التاريخية الفاعلة-بحجم لينين- لها مهادها الطويل العريض و الشرط التاريخي الذي أنتج ظاهرة لينين قد يكون فريداً ومن شبه المستحيل تكراره، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية، قدرة لينين على العمل والجدل الفكري خارقة للمألوف عند البشر، فهو على استعداد للجدل معك في كل قضية وهذه ميزة نادرة، كان موسوعة من الأفكار المتحركة ولم يرزح تحت ثقل الجمود العقائدي، كان لينين أحد الأحرار الكبار في الفكر والحياة، فأنت لو تأملت فيما تركه من مؤلفات لهالك حجمها، فمتى كان يأكل وينام ويُحب ويقرأ ويكتب ويتريض، لا شك أن لينين كان يملك دماغاً عبقرياً قادراً على توليد الأفكار بذكاء وفطنة وسرعة بديهة يُحسد عليها.

وفي النهاية مات لينين غماً وكمداً، لأنه لم يجد بين رفاق دربه من يملك القدرة على صيانة حلم "الشيوعية" العظيم. الحلم الذي ذكره مرة في مقال منشور في جريدة "البرافدا" في العدد 251 تاريخ السابع من تشرين الثاني سنة 1921 تحت عنوان حول أهمية الذهب:

حين ننتصر في النطاق العالمي، سنصنع من الذهب، كما أعتقد، مراحيض عامة في شوارع بعض أكبر مدن العالم. وسيكون ذلك أعدل استعمال للذهب واوضحه دلالة للأجيال التي لم تنس أنه بسبب الذهب ارتكبت أبشع المجازر بحق الإنسان.

بعد موته حُنِّط جثمانه ووضع في مزار في الساحة الحمراء في موسكو فرجة للناس إلى يومنا هذا. وأغلب الظن أن زوجته ورفيقة دربه ناديا كروبسكايا ماتت غماً وكمداً هي الأخرى لرؤية زوجها بهذا المنظر. وقد عارضت تحنيطه وطالبت بدفنه مثل كل البشر.