حوار مع الدكتور جودت هوشيار


عبدالرزاق دحنون
الحوار المتمدن - العدد: 7682 - 2023 / 7 / 24 - 12:23
المحور: مقابلات و حوارات     

قد نختلف أو نتفق مع ما يطرحه الدكتور جودت هوشيار من "وجهة نظر" في هذا الحوار مع أوس داوود يعقوب حول الأدب الروسي وثورة البلاشفة، ولنا كامل الحرية في ذلك، ولكن تبقى "وجهة النظر" هذه مهمة وتحتاج فعلاً إلى فهم واستقصاء والبحث عن حقيقة ما جرى تلك الأيام في الاتحاد السوفييتي. هذا الحوار الشيق مع الدكتور جودت هوشيار أنقله هنا من مصدره بأمانة، فقرأ واحكم بنفسك:

جودت هوشيار
مصير أعظم الكتّاب الروس ارتهن بمزاج الطاغية
حاوره
أوس داوود يعقوب
نُشر الحوار في "ضفة ثالثة" العربي الجديد

العراقي الكردي المهندس الدكتور جودت هوشيار صاحب أكثر من وجه؛ يظهر ذلك في جمعه بين التأليف والبحث والترجمة من لغة فيودور دوستويفسكي إلى لغة الضاد. وهو لا يخفي أنه عشق الأدب الروسي منذ يفاعته، وقرأ معظم ما صدر من الأعمال الأدبية الروسية المترجمة إلى اللغة العربية، وبعد سفره إلى روسيا، في بعثة دراسية على نفقة الحكومة العراقية، قرأ تلك الأعمال، وأعمالًا أخرى كثيرة، بلغتها الأصلية، بخاصّة الأدب الروسي الكلاسيكي، الذي يرى أنه يحتلّ مكان الصدارة في الأدب العالمي.

ولد جودت هوشيار في أربيل عام 1942. وأوفد إلى الاتّحاد السوفياتي في عام 1959 في بعثة دراسية لدراسة هندسة الطاقة في جامعة الطاقة في موسكو. بعد تخرجه وعودته إلى العراق، ساهم في إنشاء المشاريع الصناعية العملاقة في العراق بين عامي (1966 ـ 1991)، وعمل لمدّة عشر سنوات (2000 ـ 2010) مديرًا عامًا ومستشارًا فنيًا في وزارة الصناعة. وهو يتقن اللغات: العربية والكردية والتركية والروسية والإنكليزية.

أصدر عددًا من الكتب تأليفًا وترجمة، ومن مؤلّفاته: "مأساة الكتّاب الروس"؛ "السلطة الخامسة"، و"الرواية بين الخيال والواقع". ومن ترجماته: "في أحد الشوارع المألوفة" لإيفان بونين، "الضفاف المشمسة لنهر النسيان" لفرانز كافكا.

سلّط في آخر مؤلّفاته "الكتّاب الروس تحت المطرقة البلشفية: هل مات الأدب الروسي؟" (دار سائر المشرق ـ بيروت 2022) الضوء على الأدباء الروس الذين عرفوا شهرةً عالميةً واسعة، رغم التضييق السوفياتي على حرّية التعبير والنشر، والضغط الهائل على الأدباء حتّى لرفض تسلّم أرفع جائزة يحلم فيها أديب، وهي "جائزة نوبل للآداب". أما آخر ترجماته فكانت رواية "الحقيبة" (وزارة الثقافة/ الهيئة العامّة السورية للكتاب ـ دمشق 2023)، وهي أوّل رواية مترجمة للعربية للكاتب الروسي سيرغي دوفلاتوف.

سؤال: كيف تقدّم لنا آخر مؤلّفاتك، كتاب "الكتّاب الروس تحت المطرقة البلشفية"، الذي يحتوي على مجموعة دراسات ومقالات حول الأدب الروسي عمومًا، واضطّهاد الكتّاب في الحقبة السوفياتية خصوصًا. ولماذا اخترت هذا الموضوع بالذات؟

جواب: تعرّضت النخب الثقافية والعلمية، والمثقّفين الروس عمومًا، إلى شتّى أنواع الاضطّهاد بعد ثورة عام 1917. وقد دشن البلاشفة عهدهم بالترحيل القسري لمئات المفكرين والفلاسفة والعلماء والفنّانين والأدباء إلى خارج البلاد في باخرة سُمّيت بباخرة الفلاسفة. وكان الشاعر الكبير غوميليوف (زوج الشاعرة آنّا أخماتوفا) أوّل ضحية لدكتاتورية البروليتاريا على النمط البلشفي، فقد أعدم رميًا بالرصاص في عام 1921 بتهمٍ ملفقة. وغوميليوف أوّل من ترجم "ملحمة جلجامش" شعرًا إلى اللغة الروسية في عام 1918. وفي السنوات اللاحقة، جرى إعدام عشرات الأدباء الكبار، ومنهم إسحاق بابل، وهو أشهر كاتب قصصي بعد تشيخوف. والحديث عن اضطّهاد المثقّفين عمومًا، والأدباء منهم على وجه الخصوص، لا ينتهي أبدًا.

سؤال: ترى في الكتاب أنّ "مصير أعظم الكتّاب والشعراء الروس كان رهنًا بمزاج الطاغية... فكان الاعتقال، أو النفي، أو الهجرة، من نصيب الأدباء الروس". فما هي انعكاسات قمع قادة البلاشفة للفكر المعارض لحكمهم على الأدب الروسي وتوهّجه عالميًا؟

جواب: كان الانقلاب البلشفي في عام 1917 كارثة وطنية كبرى بالنسبة إلى الشعب الروسي، والشعوب الأخرى التي ضُمّت بالقوّة إلى الاتّحاد السوفياتي لاحقًا. الأدب الروسي كان مزدهرًا في العهد القيصري، حيث يتمتّع الأدباء بحرّية واسعة في التعبير. والأدب الروسي الكلاسيكي الذي يعتزّ به الروس عن جدارة كتب كلّه ونشر في هذا العهد. بعد الحرب الأهلية (1917 ـ 1920) في روسيا، تناول عدد كبير من الكتّاب الروس موضوعًا بالغ الصعوبة والحساسية، وهو علاقة المثقّف بالثورة، في وقت أضحى فيه العمال والفلاحون يشكّلون عماد النظام الجديد، وانحسر دور المثقّفين، وباتوا منبوذين وعلى هامش المجتمع، وموضع شكّ وريبة من قبل البلاشفة.

معظم الأعمال الأدبية التي عالجت موضوعة الحرب الأهلية كانت روايات بأقلام كتّاب شباب أسهموا في معارك الحرب إلى جانب الجيش الأحمر المنتصر، يتغنّون فيها ببطولات المحاربين الحمر في إبادة الخصوم الطبقيين، ويشيدون بـ(الموجيك) الأمي البسيط، الذي يضحي بحياته من أجل بناء مجتمع اشتراكي. روايات تتّسم بالرومانسية الثورية المزيفة، وتزعم أنّ المقاتلين الحمر كانوا أناسًا طيبين يتّسمون بالشجاعة والنبل والشهامة، على النقيض من أعدائهم المقاتلين البيض الأشرار. ولم يجرؤ هؤلاء الكتّاب على قول الحقيقة المأساوية عن الثورة والحرب التي أعقبتها، ووصف ما شاهدوه وسمعوه على أرض الواقع.

أصبح شعار العصر "نحن لسنا خريجي جامعات"، بعد أن قال لينين بأنّ "في وسع أيّ طاهية أن تقود الدولة". ونتيجة لذلك لم تعد ثمّة حاجة إلى المثقّفين الذين اتّهمهم قادة الثورة بالتخاذل والليونة، وعدم القدرة على اتّخاذ قرارات قاسية لضرب أعداء الثورة بلا رحمة. في خضم هذه الموجة من الأعمال الأدبية الجديدة، التي تُجمّل الواقع المأساوي، جاءت مجموعة قصص إسحاق بابل "الفرسان الحمر" الصادرة عام 1926 لترسم صورة حقيقية للحرب الأهلية، ومغايرة لكلّ ما كتب عن هذه الحرب، وتزيح الستار عن مآسيها الإنسانية، وهذا لا يعني بأيّ حال، أنّ قصص "الفرسان الحمر" هي استنساخ للواقع، بل إعادة تركيب فنّي له، حيث يلعب الخيال الملهم دورًا بالغ الأهمّيّة في خلق صور نابضة بالحياة، بالغة العمق والتأثير.

سؤال: أعلنت في ثنايا الكتاب نبأ وفاة الأدب الروسي الذي تمّ قبل حوالي عقدين من الزمن، منذ توقّف الكتّاب الروس عن رسم المعاناة شعرًا ورواية... إعلان يأتي في وقت يفترض أنّه تحرّر فيه من سلطة الرقيب الأيديولوجي بعد تفكّك الاتّحاد السوفياتي عن موقعه المتقدّم. كيف تفسر لنا ذلك؟

جواب: اُلغيت الرقابة على المطبوعات في روسيا بعد تفكّك الاتّحاد السوفياتي، وكان المتوقّع أن يشهد هذا الأدب ازدهارًا حقيقيًا في أجواء الحرّية والليبرالية، ولكن حدث العكس تمامًا، حيث قلّ عدد القرّاء بشكل حادّ، وعانت المجلات الأدبية والكتب من انخفاض شديد في مبيعاتها، ولم تعد الكتب تنشر بعشرات، أو بمئات، آلاف النسخ، كما كان الأمر في الحقبة السوفياتية. فما الذي حدث؟

يقول بعضهم: إنّ السبب يعود إلى شيوع الإنترنت، ووسائل الترفيه الجديدة. وهذا صحيح إلى حدٍّ كبير. ولكني أعتقد أنّ السبب الرئيسي يكمن في إلغاء دور النشر الحكومية، وإنشاء دور النشر الخاصّة التجارية في روسيا، والتي باتت تتحكّم في كلّ ما يتعلّق بنشر الكتب. ولم تعد تنشر إلّا الكتب الرائجة تجاريًا، وهي في معظمها كتب خفيفة تنتمي إلى ما أسميه بـ"أدب اللذّة". كتب تُقرأ لمرّة واحدة لقضاء الوقت ثمّ تُرمى غالبًا في سلات القمامة.

دور النشر الروسية اليوم حصرت الأدب في دائرة ضيقة من المؤلّفين، وهي تقوم بتسليط الضوء عليهم وإشهارهم بكلّ وسائل الدعاية المتاحة، وتلتف حول كلّ دار نشر مجموعة من (النقّاد) العاملين لصالحها، والذين يحاولون تلميع صور هؤلاء المؤلّفين بكيل المديح عليهم وعلى أعمالهم. هؤلاء النقّاد بدورهم يتحكّمون بآليّات منح الجوائز الأدبية، إلى من تختارهم تلك الدور.

أمّا الأدباء الذين لا يكتبون للسوق، فقد أصبحوا على هامش المشهد الثقافي، مهما كانت مواهبهم عظيمة وأعمالهم متفرّدة ورائدة. هذا لا يعني عدم وجود دور نشر رصينة تهتمّ بالأدب الرفيع، ولكنّها دور نشر صغيرة ذات موارد وإمكانيّات شحيحة. وبذلك أصبح الكتاب سلعة في السوق، وليس غذاءً روحيًا وجماليًا ومصدرًا للثقافة والمعرفة.

قد يعترض بعضهم على هذا الكلام، ويستشهد بهذا الاسم اللامع أو ذاك، وأنّ كتبه تلقى رواجًا، أو أنّها ترجمت إلى عدد من اللغات الأجنبية. لكنّني أعتقد جازمًا أنّ رواج أيّ كتاب ليس دليل جودته، كما أنّ ترجمته إلى لغة أجنبية، أو أكثر، لا يضيف شيئًا إلى قيمته، فالمؤلّف الروسي الذي لمع اسمه بفضل الدعاية الهائلة يقوم غالبًا بدفع أجور الترجمة من جيبه الخاصّ، أو يتحمّل "معهد الترجمة الروسي" كلفة الترجمة.

سؤال: أنتقل معك للحديث عن رواية "الحقيبة" للكاتب الروسي سيرغي دوفلاتوف، التي صدرت أخيرًا عن "الهيئة العامّة السورية للكتاب". ما الذي جذبك إلى ترجمتها لتكون أوّل رواية لدوفلاتوف مترجمة للعربية؟

جواب: سيرغي دوفلاتوف (1941 ـ 1990) كاتب روسي اضطّرّ إلى الهجرة إلى نيويورك في أواخر السبعينيات بعد تشديد الخناق عليه ومنع نشر أعماله. وخلال إثني عشر عامًا من إقامته في أميركا أنتج اثنتي عشرة رواية ومجموعة قصصية، وهو الكاتب الروسي المهاجر الوحيد الذي سُمّي أحد شوارع نيويورك باسمه، وثاني كاتب بعد فلاديمير نابوكوف (1899 ـ 1977) تنشر قصصه في مجلة "نيويوركر" الشهيرة، وهي بوابة الشهرة بالنسبة إلى الكتّاب الأميركان. لقد نشرت له "نيويوركر" عشر قصص في فترة قصيرة، في حين أنّ نابوكوف نشر قصة، أو قصتين، في هذه المجلة الراقية التي تدفع لكتّابها أجورًا خيالية.

كما يقام في مدينة بطرسبورغ مهرجان سنوي يحمل اسم "دوفلاتوف"، وهو الكاتب الذي يدخل ضمن قائمة وزارة التربية الروسية للأدباء الروس الذين توصي الوزارة بتدريس أعمالهم في المرحلة الثانوية. ومع ذلك، فإنّ هذا الكاتب "الظاهرة الفريدة في الأدبين الروسي والعالمي" مجهول للقارئ العربي! وقد كتبنا عنه وعن أدبه ثلاث مقالات لحدِّ الآن، وترجمنا واحدة من أشهر رواياته وهي "الحقيبة"، التي ترجمت إلى عشرات اللغات الأجنبية.

سؤال: هل من عقبات واجهتك خلال ترجمة رواية "الحقيبة"؟

جواب: أسلوب دوفلاتوف متميّز جدًا. يكتب جملًا مكثفة، وبإيجاز شديد. وفي الوقت نفسه شديدة البساطة والوضوح. وهو كاتب ساخر من طراز رفيع. وقد يبدو ما يكتبه مرحًا وسهلًا ومضحكًا، ولكنّه ضحك كالبكاء، ومرح كالحزن. وعدد من جمل دوفلاتوف لا يفهمها غير الروسي، أو من عاش في روسيا لفترة طويلة، لأنّ ترجمتها الحرفية تكون فجّة، ولا تعني شيئًا. إيجاد المقابل العربي لهذه الجمل كانت الصعوبة الكبرى في الترجمة.

سؤال: ما هي المعايير التي تعتمدها في اختيار ترجمة الروايات؟

جواب: الأمانة الأدبية معيار مهمّ من معايير الترجمة، إلى جانب الدقّة وجمال الصيغة. الأعمال الأدبية لكبار الكتّاب الروس المترجمة من لغة وسيطة مختصرة ومشوّهة، وأحيانًا يضيف بعض المترجمين (العباقرة) إلى النصّ ما لا نجده في الأصل. فعلى سبيل المثال، نجد في ترجمة رواية "آنّا كارنينا" لتولستوي أبيات شعر عربية، والرواية شوّهت بالاختصار، وأحيانًا بسوء الفهم. كلّ هذا يثير السخرية والشفقة، لأنّ بعض المترجمين اتّخذوا من الترجمة وسيلة ارتزاق لا أكثر. أحاول عند ترجمة أيّ نصّ روسي الحفاظ على أسلوب المؤلّف، وعلى روح النصّ الأصلي.

سؤال: ماذا عن مسيرتك في ترجمة الأدب الروسي إلى العربية؟

جواب: في عام 1975، عندما صدر كتابي المعنون "دراسات معاصرة" عن وزارة الثقافة العراقية، وهي مجموعة دراسات مترجمة من اللغة الروسية، وفيه إشادة بالفنّ القصصي لإيفان بونين، كتب الناقد الراحل الدكتور علي جواد الطاهر مقالًا في جريدة "الجمهورية" البغدادية، يقول فيه ما معناه: "إنّنا لم نسمع باسم إيفان بونين"، وطالبني بأن أترجم بعض قصصه لأثبت صحة ادّعائي، فشرعت بترجمة عدد من قصص بونين. كان هذا الكاتب الفذّ مجهولًا للقارئ في بلادنا، رغم أنّه أوّل كاتب روسي نال "جائزة نوبل في الأدب" عام 1933! كما ترجمت دراسة ليف تولستوي عن الكاتب والروائي الفرنسي غي دي موباسان، أحد آباء القصة القصيرة الحديثة، وقد صدرت الترجمة في كتاب مستقلّ عام 2019 عن "دار الزمان" السورية.

لم تقتصر ترجماتي على الأدب الروسي، بل شملت أيضًا الآداب الأخرى، لأنّني أترجم في العادة ما يعجبني من الأدب العالمي، وجمعت القصص التي ترجمتها في أوقات مختلفة في كتاب صدر عام 2021 عن "دار الزمان" تحت عنوان "الضفاف المشمسة لنهر النسيان"، ولي ترجمات مخطوطة من الروسية سأنشرها تباعًا.

سؤال: كيف ترى السبيل إلى الحفاظ على جماليّات النصّ، وتجنّب الوقوع في فخ ما يُطلق عليه "خيانة النصّ"، بحسب قول بعضهم؟

جواب: إذا قرأتُ ترجمة لرواية روسية، أو إنكليزية، سارعت إلى قراءة الأصل باللغة التي كتبت بها، إذا كانت متوافرة في مكتبتي. وقد اكتشفت قبل أيّام أنّ قصص الكاتب الأميركي إروين شو قد ترجمت إلى اللغة الروسية سبع مرّات، من قبل مترجمين قديرين، ولكن لكلّ منهم طريقته في الترجمة وأسلوبه المميّز، وكان الاختلاف كبيرًا بين الأصل الإنكليزي والترجمات الروسية السبع. يحدث هذا الاختلاف إذا حاول المترجم إبراز أسلوبه، لا أسلوب المؤلّف. وكلّما اقترب المترجم من النصّ الأصلي وحافظ على أسلوب مؤلّفه كان ذلك أفضل. ولا شكّ في أنّ الترجمة السيئة خيانة وتضليل.

سؤال: كيف ترى حركة ترجمة الأدب الروسي في الوطن العربي بين الأمس واليوم؟

جواب: معظم الكلاسيكيات الروسية ترجمت من لغتين وسيطتين، هما الفرنسية والإنكليزية. وهي ترجمات غير أمينة خضعت للاختصار والتشويه. وفي فترة ذوبان الجليد في الاتّحاد السوفياتي، قامت ثلاثة دور نشر سوفياتية متخصّصة بترجمة مختارات من الأدب الروسي إلى العربية، وكان اختيار ما يترجم إلى اللغات الأخرى انتقائيًا، وخاضعًا للرقابة، بما يتوافق مع الأيديولوجية البلشفية. ولم تبدأ الترجمة الحرّة من الأدب الروسي إلّا بعد تفكّك الاتّحاد السوفياتي، حيث نشط عدد لا بأس به من خريجي المعاهد والجامعات السوفياتية في نقل أعمال أدبية مختارة من الروسية إلى العربية، بشكل عشوائي تتحكّم فيه الذائقة الأدبية للمترجم. في السنوات الأخيرة، مرّ الأدب الروسي المعاصر بأزمة حقيقية تمثّلت في ندرة الأعمال الأدبية القيمة، ولهذا يحاول "معهد الترجمة الروسي" تشجيع الترجمة من الروسية، وتقديم الدعم المادي للمترجم ودار النشر.

سؤال: ما نظرتك إلى فعل الترجمة، هل الترجمة تُفرغ النصّ من قيمته الحقيقية؟

جواب: ترجمة الأعمال الأدبية النثرية ينبغي أن تكون ترجمة متكافئة بقدر الإمكان. وتترك الأثر نفسه الذي يتركه النصّ الأصلي في نفس القارئ. وهذا ليس بالأمر اليسير، لأنّ النقل يتمّ من منظومة لغوية إلى منظومة لغوية أخرى مختلفة تمامًا. وعندما تعلّق الأمر بترجمة الشعر، فهذه مهمّة شبه مستحيلة، ما عدا بعض الحالات النادرة عندما يمتلك المترجم حسًا شعريًا، ويعرف أوزان الشعر العربي. إنّ الترجمة النثرية تشويه وقتل للشعر.

سؤال: تقول الكاتبة والناقدة الأدبية الفرنسية مارغريت يورسنار في تعريفها للترجمة: "إنّ الترجمة كتابة". ما يعني أنّ المترجم هو كاتب أيضًا. هل فعلًا يجب أن يكون بالضرورة كلّ مترجم كاتب؟

جواب: أجل. وبخاصّة عند ترجمة أعمال أدبية تتّسم بخصائص معينة من حيث اللغة والأسلوب، مثل أعمال الكاتب الروسي أندريه بلاتونوف. فقد تُرجمت أعماله إلى الإنكليزية مرّات عديدة، وبترجمات غير دقيقة تفتقد روح نصوص بلاتونوف، إلى أن جاء كاتب إنكليزي استطاع الحفاظ على روح النصّ ولغته، فبدت الترجمة حقيقية تكاد تكون في مستوى الأصل.

سؤال: في رأيك، هل ينقصنا العمل النقدي للأعمال المترجمة من اللغات العالمية إلى العربية؟

جواب: الأعمال النقدية للأعمال المترجمة قليلة. وغالبًا تتناول الترجمة من حيث اللغة والألفاظ دون التعمّق في مستوى الحفاظ على خصائص النصّ الأصلي.

سؤال أيّة مشاريع جديدة يعمل عليها جودت هوشيار؟

جواب: أنا أكتب أكثر ممّا أترجم. ولا أترجم إلّا ما يروقني جدًا، وأستمتع بقراءته وترجمته، وأريد أن يشاركني القارئ الاستمتاع بتلك الأعمال. كلمة المشاريع تخيفني، لأنّها توحي وكأنّ المترجم آلة للترجمة تعمل وفق برنامج معين. أنا مشغول الآن بترجمة رواية روسية كتبت في العصر الفضي للأدب الروسي (الربع الأوّل من القرن العشرين)، وقال عنها جوزيف برودسكي بأنّها أفضل رواية روسية في القرن العشرين، وتتناول الأحداث العاصفة التي مرّت بها روسيا عقب الانقلاب البلشفي عام 1917.