رَجُلٌ تُرفع له القُبَّعات


عبدالرزاق دحنون
الحوار المتمدن - العدد: 6290 - 2019 / 7 / 14 - 17:48
المحور: حقوق الانسان     

ألقت قوات الأمن المصرية فجر السابع من نيسان عام 2018 القبض على المدون الشاب والمصور الصحافي محمد إبراهيم محمد رضوان، الشهير بـاسم "محمد أكسجين"، مؤسس مدونة وقناة "يوتيوب" باسم "أكسجين مصر".
وبعد عشرة أيام من تغيبه قسرياً قررت نيابة أمن الدولة العليا، بإشراف المحام العام الأول تجديد حبس محمد أكسجين، 15 يوماً على خلفية التحقيقات. وأسندت النيابة إلى المتهم جرائم الانضمام إلى جماعة إرهابية أنشئت على خلاف أحكام القانون، الغرض منها الدعوة إلى تعطيل أحكام الدستور والقوانين ومنع مؤسسات الدولة والسلطات العامة من ممارسة أعمالها. كما أسندت النيابة إلى المتهم نشر أخبار كاذبة عن الأوضاع السياسية والاقتصادية بالبلاد بقصد تكدير السلم العام و زعزعة الثقة في الدولة المصرية ومؤسساتها.
حسب المعلومات التي تسربت في الصحافة ووكالات الأنباء ومواقع التواصل الاجتماعي فإن الشاب محمد أكسجين هو خريج الجامعة العمالية وموظف في إحدى دور النشر، وهو مجرد ناشط متواضع وبسيط يحمل كاميرا يسير بها في شوارع القاهرة لتوثيق ما يراه صوتاً وصورة، كما يجري بعض اللقاءات مع الناس لاستطلاع مواقفهم وتوثيق آرائهم.

ولدى الشاب مدونة على الإنترنت وقناة على موقع «يوتيوب» يعرض عليها ما يصوره أولاً بأول، وكل ما يشغله حسب قوله هو حبه لعمله والتصوير ولا ينتمي إلى أي حزب سياسي وليس لديه أي اهتمام سوى في توثيق الأحداث من خلال الفيديو.

قناة "أوكسجين مصر" تأسست يوم 12 تشرين الثاني/نوفمبر 2012 ومنذ ذلك التاريخ تمكنت من استقطاب أكثر من خمسين مليون مشاهد، إضافة إلى آلاف المشتركين. كتب محمد أوكسجين في التعريف لقناته على يوتيوب:

نسعى لإثبات الحقائق المجردة فهذا ما تقتضيه أمانة الكلمة، نحن ضد التيار. لا تنتظروا منا أن نمدح ما يمدحه الأغلبية. أو نرفض ما يرفضه الأغلبية، نحن نرى الأحداث بوجهة نظر منطقية، مُختلفة. للحروف هنا لغة أخرى. شكراً لتواجدكم معانا هنا في أوكسجين مصر. الصحافي الحقيقي ليس من يكتب بل من ينفخ روحه في الكلمات، المصور الحقيقي ليس من يصور بل من ينفخ روحه في الفيديوهات سنموت في النهاية ونحن ننقل لكم الحقيقة.
أجرت قناة أكسجين مصر عدداً من اللقاءات مع شخصيات معروفة، مثل الروائي المصري علاء الأسواني صاحب رواية "عمارة يعقوبيان" والسفير معصوم مرزوق والدكتور ممدوح حمزة والمحامي الحقوقي جمال عيد وغيرهم من الشخصيات العامة.
ويقول محمد أكسجين إن كل ما كان يضايقه أنه أحياناً يتم تصنيفه حسب الفيديو الذي يصوره ويعرضه، فعندما نشر فيديو لأم الولد الذي دهسه موكب الرئيس الأسبق محمد مرسي، اتهمه الإخوان بأنه فلول، وعندما نشر فيديو ينتقد الفريق أحمد شفيق اتهمه أنصار شفيق بأنه إخوان، وهو يؤكد أنه ليس من الفلول ولا من الإخوان وكل ما يريده أن يعرف الناس الحقيقة وما يدور حولهم ليس بنقل الحديث ولكن بالفيديو الموثق.

كتب الروائي المصري علاء الأسواني بعد اعتقال محمد أكسجين يقول:

محمد أكسجين شاب مصري في العشرينيات رفض أن يسعى للحصول على عقد عمل في الخليج واشترك في ثورة يناير من أجل تحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية. كان محمد أكسجين يهوى الصحافة ولأنه لا يعرف أحداً من الكبار ليتوسط له كان من المستحيل أن يجد عملاً في الصحف والفضائيات.

لم يستسلم محمد لليأس فقرر أن يكون صحفياً مستقلاً، أنشأ مدونة عنوانها أكسجين مصر، شعارها "نحن نحمل الحقيقة إليك ونسعى لإثبات الحقائق المجردة لأن هذا ما تقتضيه أمانة الكلمة " حمل محمد الكاميرا وراح يصور الندوات المهمة ويضعها على يوتيوب ومع ارتفاع نسب المشاهدة تم وضع إعلانات على مدونته حققت له دخلاً بسيطاً. يوماً بعد يوم اشتهر باسم "محمد أكسجين"، وحققت قناة أكسجين مصر نجاحاً مبهراً، فوصل عدد متابعي القناة إلى الملايين وتوسع محمد في عمله الصحفي واستعان بزملاء موهوبين وبدأوا في إجراء حوارات مع الناس في الشارع.

كانت الحوارات في غاية الأهمية لأن الناس كانوا يتحدثون بحرية كاملة. كان بعضهم من مؤيدي عبد الفتاح السيسي وبعضهم من معارضيه، لكن محمد أكسجين كان يعطيهم الفرصة كاملة ويذيع آرائهم بأمانة.

المدهش أن قناة أكسجين مصر بإمكاناتها المتواضعة للغاية قد حققت نسب مشاهدة أعلى بكثير من مواقع تابعة لصحف كبرى تبلغ ميزانياتها ملايين الجنيهات. والسبب في ذلك موهبة محمد أكسجين وزملائه ومراعاتهم للأمانة المهنية التي لم تعد موجودة غالباً في الإعلام المصري الذي سقط في قبضة أجهزة الأمن، فصارت توجهه حتى لم تعد كلمة واحدة تُذاع في الإعلام بدون موافقة الضابط المسؤول.

يُتابع الروائي المصري علاء الأسواني قوله:

لمست بنفسي مدى نجاح "أكسجين مصر" عندما كانت تنقل ندواتي فتصلني ردود فعل من المشاهدين في كل أنحاء العالم. لو كان محمد أكسجين في أي بلد ديمقراطي لانهالت عليه العروض من أكبر المحطات التليفزيونية، لأنهم هناك يبحثون عن الموهوبين ليستفيدوا من كفاءتهم أما عندنا في مصر فان الولاء للنظام أهم بكثير من الكفاءة.

غضبت أجهزة الأمن على محمد أكسجين لأنه يقدم الحقيقة ولأن ملايين المشاهدين يتابعون قناة أكسجين مصر فظهر مذيع معروف بعلاقته الوطيدة بالأمن وقام بالتحريض ضده متسائلاً لماذا هو مطلق السراح حتى الآن؟ وقد رد محمد أكسجين على صفحته قائلاً: أنا لن أهرب. أنا لم ارتكب جريمة حتى أهرب ولمن نترك الوطن إذا هربنا جميعا.

بهذه الشجاعة النبيلة استقبل محمد أكسجين تهديدات عملاء الأمن في التليفزيون. وبمجرد أن بدأ عبد الفتاح السيسي ولايته الجديدة تم اختطاف محمد أكسجين بواسطة أجهزة الامن ثم اختفى قسرياً لعدة أيام وظهر في قسم قصر النيل ثم اختفى مرة أخرى عدة أيام وظهر في نيابة أمن الدولة التي وجهت له تهمتين عجيبتين: نشر أخبار كاذبة والانضمام لجماعة إرهابية.

الاتهام الأول لا أساس له من الصحة لأن موقع أكسجين مصر لا يذيع أي أخبار أساساً. أما التهمة الثانية فإن مصر تنفرد بها من دون دول العالم كله فالنيابة عندنا توجه لمن تشاء تهمة الانضمام إلى جماعة إرهابية بدون أن تحدد اسم هذه الجماعة الإرهابية، وهذا الأمر يشبه بالضبط أن تتهم شخصا بالقتل العمد بغير أن تعلن اسم القتيل الذي تتهمه بقتله.

محمد أكسجين بريء ولم يرتكب أي جريمة. جريمته الوحيدة أنه نقل الحقائق المجردة كما تقتضي أمانة الكلمة.

أكسجين مصر:
https://www.youtube.com/watch?v=lC56JYvx5j4&t=11s