كينيا: إرهاب مشحوذ الحدين!


كمال الجزولي
الحوار المتمدن - العدد: 6129 - 2019 / 1 / 29 - 13:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

رغم التَّأكيدات التي ساقتها الحكومة الكينية، طوال الأيَّام التي سبقت الاعتداء الأثيم على "مجمَّع فندق دوسيت السياحى" بنيروبي، بما في ذلك تأكيدها، صباح يوم الحادث، الخامس عشر من يناير الجَّاري، بأن مبانيه جميعها مؤمَّنة تماماً، إلا أن لعلعة الرَّصاص ما لبثت، بحلول مساء نفس اليوم، أن شرخت هدوءه، ودوَّت الانفجارات تزلزل المكان والمناطق المحيطة به، مثلما اندلعت النيران في مبانيه، بفعل الحرائق التي انطلقت، تشعل ليل تلك الأرجاء كافَّة، ثمَّ أسفر الاعتداء، في نهاية المطاف، عن أسوأ مترتِّباته: مقتل 21 شخصاً على الأقل.
مسألتان تكشَّفتا، بالبداهة، حول الحادثة: أولاهما أن تصنيفها كـ "إرهابيَّة"، ونسبتها إلى بعض الأيديولوجيِّين الإسلامويِّين، لم يحتج إلى كثير عناء، أو إلى تحقيقات معقَّدة، مع أن تشارلز أوينو، المتحدِّث باسم الشُّرطة الكينيَّة، لم يقطع، على الفور، بهذا التَّصنيف، رغم أنه صرَّح للإعلام والصَّحافة بأنهم قاموا بنشر جميع الوحدات المتخصِّصة في الموقع، بما في ذلك وحدة "شرطة مكافحة الإرهاب"؛ فمن ناحية أولى، كانت الحادثة تحمل كل علامات الإرهاب، أما من ناحية أخرى فقد كفت "حركة الشَّباب المجاهدين الصُّوماليَّة"، المنحدرة من تنظيم "القاعدة"، متحدِّث الشُّرطة مؤونة الاجتهاد في ذلك التَّصنيف، عندما سارعت إلى إعلان كامل مسؤوليَّتها عن العمليَّة، وأما من ناحية ثالثة، فإن هذه الحركة هي نفسها التي سبق أن ارتكبت، قبل ذلك، أخطر العمليَّات الإرهابيَّة في كينيا، كعمليَّة تفجير سفارة أمريكا في نيروبي، بالتَّزامن مع تفجير سفارتها الأخرى في دار السَّلام بتنزانيا، في السَّابع من أغسطس 1998م، حيث أفصحت الحركة عن أن دافعها لارتكاب تينك العمليَّتين هو الانتقام من كينيا لمشاركة قوَّاتها المسلحة في الهجوم عليها، آنذاك، في ما عُرف بعمليَّة "ليندا نشي" على الأراضي الصُّوماليَّة؛ وتلى ذلك، بعد عدة سنوات، الهجوم الإرهابي الذي شنَّته الحركة، بين 21 و24 سبتمبر 2013م، على المركز التِّجاري "وستغيت" بنيروبي، وما ترتَّب عليه من صدام دموي بين عناصر الحركة وبين القوَّات المسلحة الكينيَّة؛ وإلى ذلك، أيضاً، حادثة اقتحام عناصر الحركة للكليَّة الجَّامعيَّة بمقاطعة كاريسا الكينيَّة، في 2 أبريل 2015م، مِمَّا أفضى لمقتل وإصابة ما يربو على المائتين من طلابها، فضلاً عن أخذ العديد منهم كرهائن، أطلق، لاحقاً، سراح المسلمين منهم، فقط، بزعم وجود الكليَّة في إقليم مسلمين مستعمر من جانب غير المسلمين!
أمَّا المسألة الأخرى التي تكشَّفت، بالبداهة، عن عمليَّة 15 يناير، فهي استهداف العمليَّة الإرهابيَّة، قصداً ومع سابق التَّخطيط، لقطاع السِّياحة في كينيا، علماً بأن هذه ليست المرَّة الأولى التي يقع فيها مثل هذا الاستهداف المقصود. فقد أوردت «رويترز»، في تقرير تحليلي حول نتائج الهجمات الإرهابيَّة المتكرِّرة التي شنَّتها «حركة الشَّباب الصُّومالي» في كينيا، خلال الفترة بين عامي 2011م و2012م، أن أعداد السُّياح وعائدات السِّياحة تراجعت بشدَّة، حيث تعرَّض عـدد من الأجانب للخطـف بمنطقة السَّـاحل.
ولإدراك فداحة استهداف السِّياحة في هذا البلد الأفريقي، يكفي أن نعلم أنه في موقع مرور الدَّائرة الاستوائيَّة شرقي القَّارة، ويمتاز بمشاهده المائيَّة السَّاحرة، كساحل الأطلنطي، وبحيرتي فكتوريا ورودلف، ونهري آثي وتانا؛ وبغاباته الكثيفة، وأشجاره، ونباتاته، وأزهاره التي لا حدَّ لتنوُّعها بتنوع مناخاته ما بين الصَّحراوي والغابي الاستوائي؛ وإلى ذلك يمتاز هذا البلد بسهوله الخضراء، وسهوبه المفتوحة، وأراضيه المرتفعة، وجباله، وهضابه، وتلاله، كجبل كينيا الذي تغطي الثُّلوج قمَّته طوال العام، والذي يعتبر ثاني أعلى قمَّة في القارَّة بعد كاليمنجارو في تنزانيا؛ كما يمتاز بحياته البرِّيَّة فائقة الثَّراء، وأسراب حيواناته البديعة، الضَّخم منها والرَّشيق، والتي ترتع في هذه الجُّغرافيا الرَّائعة، كالجَّواميس، والفيلة، والكركدن، والأسود، والفهود، والنُّمور الرَّقطاء، وحمر الوحش، والظباء، والتشيتا، والزَّراف، والتَّماسيح والأفـراس في الأنـهار وغيرها من تجمُّعات المياه، إضافـة إلى الأعـداد المهولة من العقبان، والنَّعام، واللقالق، وما لا حصر له من الطيور الصَّغيرة المزقزقة زاهية الألوان؛ هذا عدا مئات المتنزَّهات والمحميات الطبيعيَّة الوطنية. بهذه الخصائص، وباستثناء صادرات البن، تمثِّل السِّياحة أهمَّ منشط اقتصادي في كينيا التي ظلت قبلة أكثر من نصف مليون سائح سنويَّاً، بما يرفد الدَّخل القومي بنحو 200 مليون دولار أمريكي كلَّ عام، ويوفر فرص العمل لأكثر من 40,000 كيني.
وإذن، فالتَّقدير الحقيقي لخسائر عمليَّة 15 يناير الإرهابيّة لا يمكن أن يغفل، من جهة، أنها، باستهداف هذا القطاع، تسدِّد ضربة جديدة موجعة، إن لم تكن قاتلة، إلى قلب اقتصاد هذا البلد الأفريقي، وبالضرورة إلى أيِّ حلم بالتَّنمية فيه، أو بالرَّفاه لشعبه؛ كما وأنها، من جهة أخرى، بتنفيذها عن طريق "حركة الشَّباب"، بأيديولوجيَّتها الزَّائفة، المنسوبة، زوراً، إلى الإسلام، والقائمة على القتل وغيره من أشكال العنف، إنَّما تندرج كهديَّة مجَّانيَّة جديدة، هي الأخرى، ضغثاً على إبالة، إلى كلِّ أعداء المسلمين، في جميع أنحاء العالم.
***