السُّودان وإيران ــ لِمَ الآن؟!


كمال الجزولي
الحوار المتمدن - العدد: 7669 - 2023 / 7 / 11 - 02:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

(1)
مهما بحث المحلِّلون عن سبب لقطع العلاقات الدِّبلوماسيَّة بين السُّودان وإيران عام 2016م، فإنَّهم لن يبلغوا أبعد من السُّوء الذي حاق بعلاقات إيران والسُّعوديَّة، في ذلك التَّاريخ، بسبب اقتحام المظاهرات الإيرانيِّة لسَّفارة المملكة بطهران، وقنصليَّتها بمشهد، ونهبهما، وتخريبهما، وحرقهما، في الثَّاني والثَّالث مِن يناير مِن ذلك العام، على خلفيَّة تنفيذ المملكة، وقتها، حكم الإعدام، تعزيراً، بحقِّ المعارض السُّعودي الشِّيعي نمر النَّمر، الأمر الذي قامت المملكة، في عقابيله، بقطع علاقاتها الدِّبلوماسيَّة بإيران، وتبعتها في ذلك بعض الدُّول العربيَّة تضامناً، ومن بينها السُّودان.
قطع العلاقات الدِّبلوماسيَّة، واستعادتها، سلوك طبيعي بين الدُّول، يقع يوميَّاً في إطار ممارسة تلك العلاقات، ينظمه ويحكمه القانون الدَّولي. والعلاقات التي تنقطع، لسبب أو لآخر، غالباً ما لا تبقى على حال قطعها، إذ أثبتت الخبرة المتراكمة أنَّها ما تلبث أن تُستعاد، طال الزَّمن أم قصُر. تلك، كما في مباريات الشطرنج، تماماً، عبارة عن "نقلات" متبادلة على "رقعة" العلاقات بين الدَّول. لكن، وكما يحدث، عادة، في "رقعة الشطرنج"، فما مِن شئ يحدث، فجأة، من فراغ، أو في فراغ، بما في ذلك "القطع" و"الاستعادة"، بل يتحدَّد بحسب طبيعة المجال المميِّز لتلك "الرقعة" التي يجري الصِّراع عليها، سياسيَّة كانت، أم اقتصاديَّة، أم أيديلوجيَّة، أم عسكريَّة، أم غيرها!
بمراعاة جملة هذه العوامل، إذن، فإن ثمَّة مقدِّمات منطقيَّة لكلِّ "نقلة"، وقد جاء في الأخبار، مؤخَّراً، أن لقاءً تمَّ بين وزيري خارجيَّة البلدين، السُّوداني المكلَّف علي الصَّادق، والإيراني حسين أمير عبد اللهيان، على هامش اجتماع حركة عدم الانحياز بالعاصمة الأذربيجانيَّة "باكو" في 7 يوليو الجَّاري (2023م)، أعلنا خلاله اعتزام بلديهما استعادة علاقاتهما الدِّبلوماسيَّة المقطوعة فوراً، في أول تقارب بينهما منذ سبع سنوات. وأوردت وكالة الأنباء الإيرانيَّة أن اللقاء بحث سبل حلَّ "سوء التَّفاهم" بين الطَّرفين، وتعزيز علاقاتهما السِّياسيَّة والاقتصاديَّة، فالسُّؤال: ما هي المقدِّمات المنطقيَّة التي تبرِّر هذه "النَّقلة"، في هذا الوقت بالذَّات؟!
البحث عن هذا المنطق يقود، بالضَّرورة، وبطبيعة الحال، إلى البحث، أصلاً، عن المنطق الذي كان قد حكم، ابتداءً، قطع هذه العلاقات مطلع العام 2016م!

(2)
تباينت وجهات نظر الاستراتيجيِّين والمحلِّلين السِّياسيِّين حول التَّفسير المنطقي لهذه "النَّقلة"، في معنى الأسباب المقنعة التي مِن شأنها تغليب الجِّهة التي ستثقل كفَّتها بفضل هذا التَّقارب! وفي السِّياق نلاحظ ما يلي:
أ/ يروق لبعض المحلِّلين التَّفسير الجيوبوليتيكي الفضفاض الذي يحيل هذا التَّقارب إلى "استراتيجية الانفتاح على دول المنطقة والمحيط الجُّغرافي"، وقد يضيفون عنصر أفضليَّة مؤدَّاه أن "السُّودان جزء مهم من العالم الإسلامي"، فلكأنه لم يكن، يوم وقع قطع العلاقات، مِن "دول المنطقة"، أو "محيطها الجُّغرافي"، أو "جزءاً مهمَّاً من العالم الإسلامي"! وربَّما تكفل هذه النِّقاط الثَّلاث وحدها هدم "البناء المنطقي" الذي يسعى هذا التَّفسير لأن يتأسَّس عليه!
ب/ يبني آخرون تحليلاتهم على أن علاقات الخرطوم بطهران صدى لعلاقات الرياض بطهران، فيبحثون عن أثر علاقات السُّعوديَّة وإيران على علاقات السُّودان وإيران. مستندين إلى أن قطع علاقات الخرطوم بطهران، مطلع يونيو 2016م، ترتَّب، أصلاً، كما قد رأينا، على قطع علاقات الرِّياض بطهران في ذات التَّاريخ. وبنفس القدر أعقبت عودة العلاقات الإيرانيَّة السُّودانيَّة، مطلع الأسبوع الثَّاني مِن يوليو الجَّاري، عودة العلاقـات الإيرانيَّة السُّـعوديَّة، بوسـاطة صــينيَّة، في مارس المنصـرم!
ج/ غير أن هذا المنطق ينطوي، مِن ناحية أخرى، على مغالطة جهيرة، حيث الثَّابت أن للسُّودان، في علاقاته بإيران، مقوِّمات خاصَّة مستقلة، قد تتَّسق، أحياناً، وقد تتنافر، أحياناً أخرى!
ج/1: فقد زار المخلوع طهران، عام 2012م، وأثنى على علاقات البلدين، كما تكرَّر رسوُّ السُّفن الإيرانيَّة في ميناء بورسودان.
ج/2: ثمَّة علاقات غير منكورة بين "الحرس الثَّوري الإيراني" ومؤسَّسات عسكريَّة سودانيَّة، نتج عنها دعم إيران لقطاع إنتاج الأسلحة في السُّودان، بحسب تقرير "معهد دراسات الأسلحة الصَّغيرة في سويسرا"، في مايو 2014م.
ج/3: بدأ التَّدقيق في العلاقات العسكريَّة الإيرانيَّة السُّودانيَّة، في أكتوبر 2012م، في ملابسات اتِّهام الخرطوم لإسرائيل بإرسال أربع طائرات غير قابلة للرَّصد بالرَّادار لضرب "مجمع اليرموك للصِّناعات العسكريَّة" بالخرطوم.
د/ كما شهد العام 2014م، قبل قطع العلاقات، إغلاق المركز الثَّقافي الإيراني، بسبب اتِّهام الخرطوم لطهران بالسَّعي لنشر المذهب الشِّيعي في بلد أغلب مسلميه سُنَّة!
هـ/ رغم أن التَّهدئة بين السُّعودية وإيران يُفترض أن تُعزِّز أمن واستقرار المنطقة، إلا أن المحلِّلين يتشكَّكون في مصلحة طهران بشأن إعادة علاقاتها بالخرطوم في ظرف نزاع سودانيٍّ مسلَّح يُتوقَّع أن يتطاول، بين قوَّتين عسكريَّتين، في غياب أيَّة حكومة شرعيَّة، أو مجلس تشريعي، أو رقابي، وعدم استقرار عام أشبه بالفراغ السِّياسي، أو الانهيار الدُّستوري! ولذا تظلُّ المخاوف مِن نوايا طهران قائمة، إذ قد تستغلَّ هذا الظَّرف، بالفعل، للتدخُّل العسكري، جرياً على سوابق لها في هذا المضمار، رغم أن الطرف الذي قد تدعمه غير معروف حتَّى الآن!
و/ وهُم غير واثقين مِن خطوة طهران الأخيرة بشأن التَّكلفة المبهظة التي ستتحمُّلها، فضلاً عمَّا تنطوي عليه هذه الخطوة مِن استفزاز لواشنطن، ودول عربيَّة تحتاج للتَّهدئة معها!
ز/ أسهم السُّودان بقوَّات مسلَّحة على الأرض في حرب اليمن المدعومة عربيَّاً، وسعوديَّاً، على الحوثيِّين المدعومين من إيران!
ح/ قال مراقبون إن طهران قد تندفع للتَّدخُّل إذا تعلَّق الأمر بمواقف أيديولوجيَّة ضدَّ إسرائيل، أمَّا كونه صراع فريقين عسكريَّين داخل نفس البلد فقد لا ترى لها مصلحة فيه!

***