وجهة نظر حول نظرية الدول الإمبريالية الجديدة


عبد السلام أديب
الحوار المتمدن - العدد: 6095 - 2018 / 12 / 26 - 22:55
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

بدعوة من طرف رفاق هنود للمشاركة في ندوة دولية نظمت من طرف الحزب الشيوعي الهندي، الماركسي اللينيني، النجمة الحمراء، حول موضوع ظهور بلدان امبريالية جديدة تشكلت حديثا انطلاقا من بلدان كانت تخضع حتى عهد قريب للاستعمار الجديد، تقدمت، خلال هذه الندوة المنعقدة بتاريخ 28 نونبر 2018، بوجهة نظري حول هذا الموضوع انطلاقا من الأعمال التحضيرية التي تجمعت لدي حول مشروع كتاب سأعمل على نشره قريبا. وقد اختزلت هذه الورقة في بعض جوانبها حتى انشرها في الحوار المتمدن. وفيما يلي مضمون المساهمة:

1 -بالنسبة للينين، بدأت المرحلة الإمبريالية من الرأسمالية، أي أحدث مراحلها مع بداية القرن العشرين، في عام 1898، وبالتالي لم يكن ماركس وإنجلز قد تعرفا عليها بالكامل. ووفقا للينين، هناك خمس معايير تميز هذه المرحلة:

أ -بلوغ تركيز الإنتاج ورأس المال درجة عالية من التطور تنشأ معه الاحتكارات التي يصبح دورها حاسمًا في الحياة الاقتصادية.
ب -اندماج رأس المال المصرفي مع رأس المال الصناعي، وينشأ، استناداً إلى ذلك "رأس المال المالي"، وأوليغارشية مالية؛
ج –يصبح لتصدير رأس المال، بخلاف تصدير السلع، أهمية خاصة للغاية؛
د -تتشكل الاتحادات الدولية الاحتكارية للرأسماليين الذين يقسمون العالم بينهم؛
ه - نهاية التقسيم الإقليمي للعالم بين أكبر القوى الرأسمالية.

(Lenin, Imperialism, The Highest Stage of Capitalism, Social Editions, p.124)

2 -سبق لكارل ماركس أن تحدث بالفعل في فصله غير المنشور رقم 6 حول مسار نمط الإنتاج الرأسمالي، لذلك تحدث عن مرحلة الخضوع الشكلي للعمل إلى رأس المال، والتي تسبق مرحلة ثانية من خضوع العمل الحقيقي لرأس المال. حيث يتحقق هذا الانتقال من مرحلة إلى أخرى على مستوى التقنيات وطريقة الإنتاج لتحقيق فائض القيمة والأرباح. لذلك، ووفقا لهذه الأطروحة الماركسية، هناك قانون جدلي يعمل على تكريس حركة نمط الإنتاج الرأسمالي وتحقيق هيمنته الحقيقية على العمل.

3 -من خلال النظريتين أعلاه يمكن للمرء فهم وتحليل التطورات الجديدة التي حدثت في حركة الرأسمالية خلال فتراتها المتعاقبة. وهكذا ففي بداية القرن، تركزت جميع الجوانب التنموية للرأسمالية على القفزة النوعية والمتناقضة في حركة رأس المال. فمن ناحية، في البلدان الرأسمالية السابقة، كان هناك انتقال من الخضوع الشكلي للعمل نحو الهيمنة الحقيقية لرأس المال على اليد العاملة من خلال التكنولوجيات المختلفة للإنتاج وإنتاج واعادة انتاج الحياة. وقد تميزت هذه الفترة بمستوى تزايد المكونات العضوية لرأس المال الميت، على حساب عنصر رأس المال الحي. في الوقت نفسه، حدث نتيجة لهذا التحول المزيد من انخفاض معدلات الربح بسبب تقلص الأسواق القابلة لتصريف الإنتاج الزائد. من ناحية أخرى، فإن المنافسة غير المقيدة بين القوى الإمبريالية لتقاسم الأسواق القائمة، المشبعة بالفعل بالإنتاج الزائد، بدأت تتطلع نحو الطرق المختلفة لتحقيق تدمير شامل لوسائل الإنتاج لتوليد مرحلة جديدة من النمو في مجال الأرباح والقيمة.

4 -الانتقال من مرحلة هيمنة رأس المال الشكلية على العمل إلى مرحلة الهيمنة الحقيقية عليه في الدول الرأسمالية المتقدمة، بين عام 1914 تاريخ اندلاع الحرب العالمية الأولى و1980 تاريخ تبني سياسات النيوليبرالية لاحتواء أزمة الديون مؤقتًا، تميزت في نفس الفترة الزمنية بالانتقال الارادي من مرحلة الاستعمار التقليدي نحو الاستعمار الجديد ومرحلة الإمبريالية الجديدة.

5 -الخصائص الخمس التي، وفقا للينين، طبعت الامبريالية منذ بداية القرن العشرين، شقت طريقها ببطء وبشكل مؤكد وبطريقة معقدة خلال الاستقطاب الثنائي بين الكتلتين الاشتراكية بقيادة الاتحاد السوفياتي والرأسمالية بقيادة الولايات المتحدة الامريكية. ومع ذلك، مباشرة بعد انفجار هذه القطبية الثنائية في عام 1991 عقب انهيار الاتحاد السوفياتي، برزت الى الواجهة التعددية القطبية دافعة بقوة نحو سباق تنافسي، عنيف بين الجميع، ولكن في ارتباط، بين مختلف الاحتكارات؛ وهكذا، تمكنت منظومة جديدة من نمط الإنتاج الرأسمالي الدولي من تعميق وتوسيع الهيمنة الحقيقية لرأس المال على الطبقة العاملة على نطاق عالمي.

6-أصبحت لكل دولة إمبريالية مصلحة في تمديد نطاق أسواقها المحتملة، على حساب القوى الأخرى المنافسة، من أجل خدمة احتكاراتها الوطنية على أوسع نطاق ممكن، مستهدفة إنتاج فائض القيمة ورفع معدل الربح النسبي في كل منها. وبالتالي أخذت حركة الاحتكارات الوطنية تدفع بأقسى قوتها من داخل كل دولة احتكارية على حدة نحو زيادة طاقتها في مجال الإنتاج الخارجي، وزيادة أهميتها على مستوى السوق العالمية.

7 -تتم السيطرة الحقيقية للرأسمالية على الطبقة العاملة بشكل أساسي تحت إشراف الدول التي أصبحت الأدوات الرئيسية لخدمة الاحتكارات. الترابط بين الاحتكارات العظمى، وحد السياسات الاقتصادية والاجتماعية النيوليبرالية على مستوى جميع الدول، وتحت هذه الهيمنة الحقيقية لرأس المال على العمل، بدأنا نلاحظ تطور حجم احتكارات جديدة في بعض دول الاستعمار الجديد.

8 -إن الأزمات الدورية التي رافقت تطور الهيمنة الحقيقية لرأس المال على العمل، ساهمت بشكل جيد في إبراز هذه الاحتكارات الجديدة في بلدان الاستعمار الجديد. ونتيجة لذلك، فإن طول الفترة الزمنية التي تفصل بين أزمات الإنتاج الزائد منذ عام 1990 والتي تصل في المتوسط الى 7 سنوات تقلصت نحو 5 و4 سنوات فقط، (أنظر أزمات 1993-1997 -2001 -2003 -2008) وما ارتبط بها من حركات تكتيكية واستراتيجية سريعة لرأس المال ولكافة الأنشطة الصناعية للاحتكارات الكبرى، والتي تنتقل من المناطق المصابة بالأزمة إلى المناطق الأقل إصابة فتوفر لنفسها إمكانيات هائلة لزيادة معدلات الربح. حيث من الضروري زيادة أرباحها دون توقف. وقد استفادت دول الاستعمار الجديدة مثل دول البريكس BRICS (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب افريقيا) وبلدان الميست MIST (المكسيك، اندنوسيا، كوريا الجنوبية، تركيا) وكذلك عدد من بلدان التعاون الخليجي، من هذا الوضع الذي كان ملائما لها خلال الفترة (1990 - 2018) لبعدها عن بؤر أزمات الإنتاج الزائد ساعدها على تطوير احتكاراته وتوسيع تأثيرها من خلال لجوئها الى استراتيجيات إمبريالية أو ما شابهها.

9-لذا، من الطبيعي أن يحدث مثل هذا التطور، لأن تطور الرأسمالية في مرحلة الهيمنة الحقيقية على العمل، وخاصة منذ عام 1990، يتطور وفقًا لقوانين تختلف تمامًا عن قوانين الحقبة الاستعمارية ومرحلة الهيمنة الشكلية لرأس المال على العمل. فالترابط الجدلي، بين الاحتكارات الرأسمالية، حتى في بنيته الهرمية دوليا والمراقبة العليا عليه من قبل الولايات المتحدة وروسيا والصين. مقارنة بالامبرياليات الأقل قوة، مثل إنجلترا وفرنسا وألمانيا واليابان ... إلخ. ساهم في ظل التعددية القطبية في ظهور قوى إمبريالية جديدة، في المناطق التي كانت تعرض فيها فرص كبرى للاستثمار أمام الاحتكارات القديمة للاستمرار في تراكم قيمة أكبر وأرباح ضخمة.

10 -على سبيل الخلاصة، أصبحت نظرية ظهور بلدان إمبريالية جديدة، تقف على أرضية صلبة من الصعب على المناضلين تجاهلها. وهذا الاستنتاج يشجعنا على تعميق تحليلاتنا العلمية الملموسة للواقع الملموس للنظام الرأسمالي العالمي في مرحلة هيمنته الحقيقية على الطبقة العاملة، ومن تم البحث عن السبل الجديدة للصراع الطبقي محليا ودوليا.