أزمة الحرب الامبريالية في أكرانيا وأنعكاساتها على المغرب


عبد السلام أديب
الحوار المتمدن - العدد: 7331 - 2022 / 8 / 5 - 11:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

1 – لقراءة انعكاسات الأزمة الأكرانية على الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي بالمغرب، من الضروري معرفة الوضع القائم قبل انطلاق هذه الأزمة، حيث تؤكد هذه المعرفة ان ازمة أكرانيا لم تشكل وحدها الأوضاع المتفاقمة حاليا بالبلاد، بل كانت عاملا مضاعفا لهذه الأوضاع.

2 – أدت الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للمغرب ذات الطبيعة الرأسمالية المتوحشة الى اغتناء الأقلية من خلال استغلالها الوحشي للاغلبية الشعبية من عمال وفلاحين فقراء وأيضا استغلالها الوحشيى للموارد الطبيعية.

3 – قامت الاختيارات الفلاحية الكبرى للمغرب منذ الستينات من القرن العشرين أساسا على تصدير المنتوجات الزراعية التي تستهلك الكثير من الماء، والتي ارتبط بها بناء السدود الكبرى والضيعات الفلاحية الرأسمالية مما أدى الى اغتناء سريع للفلاحين الكبار وافقار واسع للفلاحين الفقراء. كما أدى هذا الاختيار الى استنزاف كبير للفرشة المائية وحرمان الفلاحين الفقراء من مصادر ري حقولهم الفلاحية التقليدية.

4 – قامت الصناعة المغربية على التصنيع الغذائي للمنتوجات الفلاحية، وعلى الصناعة التركيبية وعقود الصناعة من الباطن خاصة في قطاع النسيج وقطع الغيار واستقبال فروع الشركات الصناعية الأجنبية. وفي هذا الاطار يتم استغلال الطبقة العاملة المغربية بأجور جد منخفضة.

5 – ومن اجل ضمان الصادرات المغربية الفلاحية والصناعية ابرم المغرب حوالي 56 انفاقية للتبادل الخر مع 56 دولة بالإضافة الى العلاقات التجارية مع أوروبا خاصة فرنسا. لكن المغرب يسجل عجزا تجاريا مع مختلف هذه الدول مما عمق عجز ميزان الاداءات وعجز الخزينة وعجز الميزانية العامة.

6 – انعكاس هذه الاختيارات كان وخيما على الانسان المغربي وعلى الموارد الطبيعية خاصة وأن المغرب يعرف سنوات متوالية من الجفاف مما يجعل اقتصاده مرتبطا بالتساقطات المطرية. ونظرا لاعتماده على الفلاحة التصديرية التي تستهلك كميات هائلة من المياه، تم استنزاف الفرشة المائية بسرعة. ففي عقد الستينات كانت كمية التساقطات تصل الى 1600 متر مكعب بينما لا تتجاوز حاليا 600 متر مكعب. كما أن استبدال الزراعات الغذائية الأساسية الضامنة للأمن الغذائي المحلي، بالزراعات التصديرية، أدى الى تبعية المغرب للواردات من هذه المواد تتراوح بين 50 و100 في المائة من الحبوب والذرة والزيوت الغذائية...

7 – بالإضافة الى العجز الغذائي والمائي يعتبر المغرب مستوردا صافيا للموارد الطاقية خاصة الغاز والبترول، حيث يعيش المغرب على تقلبات أسعار السوق الدولية للمحروقات. وهذا ما يرفع فاتورة المغرب من واردات هذه المواد.

8 – في ظل تفاقم هذه الأوضاع يفقد الناس وظائفهم حالما يتوقف أصحاب العمل عن التوظيف ويبدؤون في الإقالة، ويفعلون ذلك مباشرة عقب انخفاض مبيعاتهم، وتتوقف الأرباح عن الارتفاع بشكل كافٍ أو لا ترتفع على الإطلاق. فمداخيل أجور بالنسبة للمواطن المغربي تتراجع بالقيمة الحقيقية مع تزايد التضخم. وحيث تقوم الشركات بتقليص استثماراتها في المصانع الجديدة وفي المعدات وما إلى ذلك.

9 - ولمواجهة هذه الحالات من الركود تلجأ السياسات الحكومية الى رفع أسعار المنتجات والخدمات الأساسية لتعويض الأرباح المفقودة في صناديق الشركات الرأسمالية وتوفير ما يكفي من ضرائب لتمويل الخزينة العامة للدولة، وهي السياسات التي تم اللجوء اليها على الخصوص سنوات 2005 - 2014 عندما انخفضت معدلات أرباح وفوائد رأس المال خلال أزمة 2001 – 2005 خاصة عقب الاقفالات الواسعة لمعامل النسيج وإلغاء العديد من عقود المناولة، وحيث تشكت عقب ذلك حركات جماهيرية كرد فعل ضد الغلاء المفتعل.

10 – إن الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للمغرب تأزم أكثر مع الركود الذي واكب جائحة كوفيد 19 حيث تراجعت مختلف المؤشرات بسبب تراجع الإنتاج والتصدير وتراجع مداخيل السياحة وتسريح الآلاف من العاملات والعمال، خاصة التوقف شبه الكامل لقطاع البناء(كاستثمار سكني تابت)خلال هذه الجائحة، إضافة الى معاناة الفلاحين الفقراء من الحجر الصحي والجفاف وغياب أو محدودية اعانات الدولة ومبالغة السلطات العمومية في إجراءات المنع وقمع أي حركة تجارية أو تنقلات بين المدن والقرى.

11 – مع دخول سنة 2022 ومرور سنتين على الإجراءات الاستثنائية لكوفيد 19، والمبالغة في تطبيقها، حلت ازمة الحرب الاكرانية لتعمق من عمق الازمات المشار اليها كالأزمة الغذائية وأزمة الصادرات الفلاحية والازمة الطاقية بالإضافة الى تفاقم الفقر والبطالة. كما تمت العودة الى سياسة رفع أسعار المنتجات والخدمات خاصة مع استغلال رئيس الحكومة المغربية الحالية الملياردير عزيز أخنوش، المحتكر لتوزيع المحروقات بالمغرب، أزمة المحروقات للزيادة في ثمنتها بأكثر من 100 في المائة. ومن تم رفض تقليص هذه الزيادات عقب الانخفاض الاخير الذي سجله سعر برميل النفط والغاز في السوق الدولية خلال الشهور الاخيرة. كما تبع ذلك زايدات في أسعار جميع المواد الغذائية الاساسية بأكثر من 100 في المائة. وهكذا تراوحت معدلات التضخم رسميا حسب القطاعات ما بين 6 و13 في المائة.

12 – تراوحت الحركات الاحتجاجية بين الإضرابات العمالية واحتجاجاتهم ومسيرات الفلاحين الفقراء ضد الجوع والعطش والفقر في مختلف المناطق القروية. كما تأسست عبر المواقع الاجتماعية حملات واسعة لمقاطعة المنتجات الغذائية التي عرفت مبالغة في الزيادة في أسعارها وأيضا حملة لمقاطعة محطات توزيع المحروقات التابعة لرئيس الحكومة. وقد سجلت هذه الحملات الأخيرة نجاحا واسعا دفعت بعض هذه الشركات الى التقليص نسبيا من أسعارها.

13 – على المستوى السياسي تبخرت الوعود الكاذبة للأحزاب المشكلة للحكومة، وقامت ردود فعل قوية بين الجماهير ضد السياسات الطبقية للحكومة تمثلت على الحصوص في الوقفات الاحتجاجية والمسيرات الجماهيرية التي اجتاحت مختلف المدن والقرى، وحيث يسود الخطاب التقدمي كوسيلة لتأكيد الوجود والاطروحات المناهضة للسياسات الحكومية وللاختيارات الرأسمالية التي عمقت أوضاع الفقر والبطالة في البلاد والتي تفاقمت مع ازمة كوفيد 19 ومع ازمة الحرب الأكرانية.

14 – ومع تزايد الاستنكار والاحتجاج على السياسات الحكومية لتدبير الأزمة المتفاقمة في ظل جائحتي كوفيد 19 وأزمة الحرب الأكرانية، تنشط الأجهزة القمعية في قمع مختلف التظاهرات واخراس مختلف الأصوات حتى الإعلامية منها على منصات التواصل الاجتماعي. فتفاقم الازمة وظهور شبح الانتفاضات الجماهيرية العارمة تدفع الطبقات المهيمنة الى انتهاج أساليب الأنظمة الفاشية في قمع شعوبها.