محاضرة عن الشيعة ومشكلات الدولة والسياسة والتشريع


جواد بشارة
الحوار المتمدن - العدد: 5309 - 2016 / 10 / 9 - 14:51
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات     

في الإسلام الشيعي: الدين والدولة، السياسة والشريعة، الشيعة نموذجا
بحث باللغة الفرنسية ألقي كمحاضرة في منتدى اللقاء الفكري بين الشرق والغرب
التابع لجمعية الأديان المقارنة في باريس

هل يوجد دين سماوي محض لا يهتم بالسلطة والحكم ؟ لا أحد يعتقد ذلك بين الباحثين والمفكرين والمختصين بالشأن الديني. بيد أن الأمر يتخذ مسميات مختلفة والمعروف منها هي الملك والسلطان والرئيس والخليفة والإمام والمرجع الخ.. فالدين اليهودي مليء بالأنبياء ــ الملوك والقادة الدنيويين إلى جانب صفاتهم الدينية كأنبياء ورسل. وكذلك المسيحية فكثير من الملوك والأباطرة حكموا باسم الدين وكانت تنصبهم وتتحكم بهم المؤسسة الكنسية. وفي الدين الإسلامي بدأ الأمر وكأنه ديني بحت ويقتصر على تبشير محمد بالدعوة للدين الجديد ويدعو قومه للدخول فيه لكنه سرعان ما تطور عندما جوبه بالرفض والقوة والعنف والتهديد بالسلاح والقتل والتعذيب من قبل المجمع القرشي الحاكم آنذاك ، يعني السلطة السياسية والدينية المشركة في ذلك العصر، لم يكن أمام صاحب الدعوة الإسلامية إلا أن يتحول من داعية إلى محارب ومطالب بالسلطة والحكم مع مر الزمن خاصة عندما انتقل مهاجراً إلى المدينة تاركاً مكة التي عاد وفتحا وحكمها بعد بضعة سنين. وبذلك تكون أول نواة للدولة الإسلامية الوليدة التي يحكمها محمد دينياً ودنيوياً. وبعد وفاته التي يثار حولها الكثير من التساؤلات والشبهات، هل قتل مسموماً ؟ هل تعرض لاغتيال ؟ ومن قبل من؟ هل هم أعداء الدين أم من داخل الحلقة المقربة منه؟ مهما يكن الأمر، ظهرت في الأفق بوادر الانشقاق والاستحواذ على السلطة بعد النبي حتى قبل وفاته وانشق المسلمون إلى معسكرين يضمان كلتيهما رهطاً من المهاجرين وكثير من الأنصار. وكلاهما يطالب بــ " الخلافة" وهو مفهوم جديد أستحدث لوصف الحاكم الذي سيخلف النبي محمد في السلطة والحكم. ولا حاجة للعودة إلى مرويات التاريخ المتحيزة سواء من قبل هذا الطرف أو ذاك حول ما حدث بالفعل، ولكن الثابت أن المسلمين ــ شيعة وسنة ــ لم يبدؤوا التنظير حول الخلافة إلا بعد قرن من نشوب الصراع على السلطة في الإسلام ، أي في القرن الثاني للهجرة مع ظهور العصر الإسلامي التدويني . لم يختلف الشيعة مع السنة على التسمية في أول الأمر وتبنوا مفهوم الخليفة والخلافة وإمارة المؤمنين. فأبو بكر وعمر وعثمان خلفاء لا أحد يجادل في ذلك و لا علاقة لذلك بقضية الاعتراف بهم وبشرعية خلافتهم فهم في نهاية المطاف خلفاء ويعرفون بهذه التسمية أما علي إبن ابي طالب فهو بالطبع خليفة كباقي الخلفاء إلا أنه، بالنسبة لشيعته وأنصاره ، فهو في نفس الوقت " إمام" بمعنى أنه ذو مقام أعلى وأسمى من أسلافه الذين لم يكونوا سوى خلفاء فحسب. من هنا حظي مفهوم الإمام بأهمية قصوى ، خاصة لدى الشيعة. فهو عند السنة ليس أكثر من مهمة أو وظيفة متواضعة تقتصر على يتصدر المسلمين في الصلاة في الجامع ويسمونه إمام الصلاة الذي يؤم المسلمين في الصلاة، لكنه عند الشيعة شيء آخر تماماً. فالإمامة منصب ديني لا يقل أهمية عن منصب النبوة ، والإمام الولي منصوص عليه من السماء من قبل الله بطريقة مباشرة أو غير مباشرة أو بالإيحاء والترميز والتأويل لبعض النصوص الدينية المقدسة التي وردت في القرآن والحديث النبوي. فالإمام ــ الخليفة ، هو في آن واحد، حاكم دنيوي ، وحاكم ديني ينطق باسم الله ويمثله على الأرض وبالتالي يجب أن يكون معصوماً عن الخطأ.
ماهي بنية وطبيعة الدولة في العالم الإسلامي وبأية قوانين يجب أن تدار؟ هل بقوانين مدنية وضعية أم بقوانين دينية إلهية؟ وهل يجب أن يطبق القانون الإسلامي أو الشريعة الإسلامية لكي نصف الدولة بأنها دولة إسلامية؟ وما علاقة الدين بالدولة على وجه التحديد؟ هذه هي الخلفية الآيديولوجية التي تحكمت بالصراع القائم بين العلمانيين والدينيين، بين تيار يريد دولة مدنية علمانية لا دور للدين فيها بأي شكل من الأشكال ، فهو علاقة خاصة بين الله والناس الذي يعتقدون بذلك، وتيار ديني تقليدي، سواء أكان معتدلاً أو متشدداً، متسامحاً أو تكفيرياً متعصباً، هو تيار الإسلام السياسي الذي يريد تطبيق الشرعة الإسلامية حرفياً على الناس في كل مكان، حتى ولو كان ذلك بالقوة والقهر ، والذي ظهر في بدايات القرن العشرين المنصرم مع نشوء حركة الإخوان المسلمين وتشعباتها في شقيها السني والشيعي، وهي التي أنتجت لنا الفكر السلفي والوهابي والقاعدة وداعش وحزب الله وحزب الدعوة وولاية الفقيه الخ.. من الملاحظ أن تطور آليات الحكم وأداة الدولة في الغرب قد قاد إلى الفصل التام بين الكنيسة والسلطة السياسية وخضوع الجميع للعقل والمنطق الحديث كشرط لا بد منه للدولة العصرية الحرة والديموقراطية وهو الأمر الذي رفضه وحاربه الإسلاميون باعتباره يتنافى مع تعاليم الشريعة والقانون الإلهي.
فالإسلام في نظرهم هو دين ودولة، فهو يقدم الحلول لكافة المسائل المطروحة وقادر على مواجهة كافة التحديات اليومية والأنشطة الاجتماعية ولديه ما يكفي من التشريعات لإدارة شؤون البشر وفق التعاليم الإلهية المقدسة فهو تكوين ومضمون روحي ديني، وزمني دنيوي في آن واحد، إذ أن نمط الحياة والاعتقاد في العالمين العربي والإسلامي يستند إلى ثقافة شعبية إسلامية دينية متجذرة في النفوس والأذهان فالوعي والعقل الجمعي يرجع دائماً إلى التفسيرات الدينية للظواهر الطبيعية والاجتماعية ولا يرجع إلى التفسيرات العلمية والعقلانية.
لم يكن هناك نظام سياسي بمعنى الكلمة في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام على غرار ما كان معروفاً في الإمبراطورية الفارسية والامبراطورية البيزنطينية ، نظامي هرقل وكسرى، كما يعرفهما المسلمون. كانت هناك مجموعة من لاقبائل المتعايشة تتحالف أو تتحارب فيما بينها حسب الظروف من أجل مصالحها الخاصة عبر نظام الغزوات. وكانت قريش هي القبيلة الأكبر والأقوى من بين جميع القبائل في تلك المنطقة أي في مكة . ولدى كل قبيلة مجلس حكماء يرأسه أحدهم يتم اختياره وفق مواصفات السن والوجاهة والسمعة والشجاعة والثقافة أو المعرفة والتجربة والخبرة لا سيما بالتاريخ والأنساب والثروة والقوة والكرم والشهامة والجرأة الخ وهو شيخ القبيلة وسيدها وأميرها، و لا يشارك في مجالس الحكماء من تقل أعمارهم عن أربعون عاماً فهو عمر البلوغ والنضوج عن العرب آنذاك. وكانت القبائل عبارة عن دويلاات مصغرة مجهرية مقارنة بمفهوم الدولة العصري ولديها مقومات نواة الدويلة ويشكل مجلس وجهاء القبيلة ما يشبه السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية حتى كان المجلس يسمى حكومة الملأ . ويوجد في كل قبيلة فروع وبطون وأفخاذ كأمية وهاشم ونوفل وعبد الدار وبنو أسد وبنو تيم وبنو مخزوم وبنو عدي وبنو جمح وبنو سهم الخ وكلهم يشكلون قبيلة قريش الكبرى ويسمون بــالــ " آل " كآل بني سفيان وآل بني هاشم الخ. وكل فرع ممثل بشخص داخل مجلس القبيلة أو حكومة الملأ. فالعباس بن عبد المطلب عم محمد يمثل بني هاشم وأبو سفيان يمثل بني أمية والحارث إبن عمر يمثل بني نوفل وعثمان إبن طلحة يمثل بني عبد الدار وخالد إبن الوليد يمثل بني مخزوم وعمر إبن الخطاب يمثل بني عدي وأبو بكر يمثل بني تيم الخ..
ترتبط القبيلة برابطة الدم والقرابة والأصل المشترك المؤسس للقبيلة. وهناك تفاوت طبقي داخل القبيلة ففيهم الارستقراطية وكبار التجار ومتوسطي الحال وصغار التجار وتجار المفرد والمزارعين والرعاة والعبيد وأغلبهم مشركين وثنيين يعبدون الأصنام للتقرب من الله الذي يعرفونه جيداً من خلال احتكاكهم بالشعوب والأمم الأخرى لا سيما اليهودية والمسيحية والأحناف، وكانت مكة مدينة مقدسة تضم الحجر الأسود والكعبة ويحج لها الناس في كل عام قبل الإسلام وبعده. وبعد ظهور الإسلام شكل محمد مجلس شورى يضم حمزة عم النبي وجعفر إبن عمه وأبو بكر وعمر وعلي وإبن مسعود وعمار إبن ياسر وحذيفة بن اليمان وأبو ذر الغفاري والمقداد بن السود وبلا الحبشي. وكان محمد يلعب في حياته دور القائد المدني الدنيوي والقائد الروحي الديني ومستعد للرد والاستجابة لطلبات قومه وتساؤلاتهم فهو سلطة دينية ومعنوية وأخلاقية وعسكرية وكان قاضي ومشرع ومنفذ في جميع المجالات الاجتماعية والاقتصادية والمدنية والأحوال الشخصية .
ورد في القرآن أن الله استخلف الإنسان في الأرض ، وتفسر أن على الإنسان أن يقيم حكم الله على الأرض ، أو إقامة دولة تدار بشرع الله الذي ورد في كتابه المقدس، فقد جاء في سورة النور الآية 55 :" وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا ، يعبدونني و لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون". وهذا نصح صريح لا يحتاج لتأويل أن على الأنبياء، ومنهم محمد، أن يؤسسوا على الأرض دولة دينية ثيوقراطية يسميها البعض الدولة الإسلامية. ويمكن أن يكون رئيسها، لدى السنة على الأقل، شخص مدني متدين، وليس بالضرورة رجل دين ولا إمام معصوم كما يشترط الشيعة خاصة في الصيغة الجديدة المتمثلة بولاية الفقيه، ولكن عليه أن يطبق الحدود والعقوبات والأحوال الشخصية و تعاليم وقوانين الشريعة الإسلامية. وأشهر منظر للصيغة السنية هو أبو الأعلى المودودي ، وللصيغة الشيعية الإمام الخميني. إذن فإن طبيعة الحكومة دينية لأن القائم عليها يعمل على تطبيق التشريعات الدينية كما وردت في النصوص المقدسة أي القرآن والحديث والسنة النبوية حرفياً. ويشترط المودودي في شخص الحاكم على أن يكون غير راغب و لا طالب يسعى للسلطة حسب التوصية النبوية والحديث النبوي. رجل الدين الأزهري علي عبد الرازق عارض هذا الرأي في كتابه" الإسلام وأصول الحكم" الذي اثار زوبعة من الانتقادات لدى المؤسسة الدينية الأزهرية . ويعتقد بعض المعتدلين من رجال الدين أن على التشريعات الدينية أن تتوافق مع متطلبات العسر وتكون أكثر ليونة وطواعية كي تحوز على قبول الناس فلكل عصر ظروفه وأعرافه الاجتماعية التي قد تتوافق وقد تتعارض مع النصوص التشريعية الجامدة حتى لو كانت مقدسة أو منزلة من السماء. فهي أرسلت حسب ظروف المجتمع في ذلك الوقت. يتفق الشيعة مع أطروحة المودودي في طبيعة الحكومة في أن تكون دينية، لكنهم يختلفون معه في باقي التفاصيل ويتشرطون أن يكون الحاكم إمام من نسل الرسول ، وهو هنا الإمام المهدي المنتظر الغائب المختفي منذ ألف وأربعمائة عام تقريباً، لكونه معصوم عن الخطأ والأجدر في تطبيق شرع الله والعدالة الإلهية على الأرض. من هنا يمكننا القول أن أول سياسي في الإسلام هو محمد وهو أول حاكم وأول زعيم وأول قائد عسكري ومدني بالمعنى الحديث للمصطلح. وهو الذي أسس أول دولة، أو شبه دولة ناشئة ظهرت فيها بوادر انقسامات و صراعات طبقية واجتماعية بين فئات من الارستقراطية القرشية القديمة السابقة للإسلام والتي دخل بعضها للدين الجديد محاولاً الاحتفاظ بمكانته وموقعه الاجتماعي وتميزه الطبقي، ومن هؤلاء عثمان بن عفان وآل أبي سفيان أوبني أمية فيما بعد، وعدد آخر من الصحابة، من جهة، وفئة من العبيد والموالي والفقراء المعدمين والطبقة الوسطى التي ألتفت حول الزعيم الرمز المثالي في سلوكه وقسوته على نفسه وهو علي ابن أبي طالب وحوله معشر بني هاشم وفقراء الصحابة كسلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري وعمار ابن ياسر والمقداد ابن الأسود وحذيفة ابن اليمان وهم فئة الضعفاء الأنقياء الذين يريدون الحفاظ على صفاء الإسلام ونقائه والذين وصفهم الكاتب الماركسي هادي العلوي باللقاحيين. فجذور الصراع بدأت حتى في حياة محمد ولكن على نحو كامن وخفي أو غير معلن، ثم بدا واضحاً في عهدي أبو بكر وعمر ابن الخطاب، واستعر في فترة الخليفة الثالث الأموي عثمان ابن عفان ثم ترسخ على نحو تام في فترتي الإمبراطورية الأموية والعباسية، ولم ينجح العصامي علي ابن أبي طالب في إعادة القيم اللقاحية الناصعة والنقية التي ميزت صدر الإسلام في حياة مؤسس الدعوة، في فترة حكمه القصيرة التي كانت مليئة بالحروب والدسائس، والتي انتهت باغتياله على يد الخصوم من داخل معسكره وخارجه. كانت أسس الصراع الطبقي تعود عهد عمر ابن الخطاب ومصدرها الارستقراطية التي نشأت وتعاظمت مع الفتوحات وزيادة الموارد المالية والثروات في الدولة الإسلامية الفتية. ومن المحتمل أن تكون الفئة الغنية من الصحابة القوية النافذة هي التي دبرت مكيدة التخلص من عمر واغتياله على يد أبو لؤلؤة الفارسي مولى الأشعث ابن قيس أحد كبار ارستقراطية كندة الذي دخل الإسلام مراءاة ونفاقاً وكان دائما يكيد له الكيد خفية ، ويتعاون مع بني أمية ومع معاوية وعمر بن العاص للتخلص من عمر وفيما بعد مع الخوارج للتخلص من علي ابن أبي طالب وإنهاء الحقبة الراشدة في تاريخ الدولة الإسلامية الفتية. فالذي حدث في الفترة الراشدية يدل على الجوهر الدنيوي للمجتمع الإسلامي المغلف بغلاف ديني شكلي. كان محمد في مكة داعية ومبشر ونذير وصاحب رسالة دينية يدعو الناس لمعرفة الله وعبادته بدلا من الأوثان ولم يكن يفكر بقيادة المجتمع المكي أو يصبو لزعامة قريش التي عرضت عليه مقابل تخليه عن الدعوة، لكنه سرعان ما تغير وتحول إلى حاكم وقائد سياسي وعسكري في المدينة وصار يقود مجتمعاً بأكمله في كافة نواحيه الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية والسياسية والقضائية والتشريعية وتقولب الإسلام المديني في شكل دول ومجتمع منظمين على نحو مدني يستمد شرعيته من الخلفية الدينية المرتبطة بالوحي وبالتالي اتسم المجتمع بكل مظاهر الشقاق والتنافر والصراع والتنافس السياسي والاجتماعي والاقتصادي وفيها الأنصار والأتباع والخصوم والمعارضين والأعداء والمنافقين والمتسللين والجواسيس والمخربين الخ.. لم تكن هناك قداسة أو تقديس مطلق حتى لشخص النبي نفسه ولا للنصوص الدينية التي كانت عرضة للنقاش والتداول والاعتراض والتفسير والقبول والرفض فكان الجميع، عدا محمد في المسائل الدينية وليس الدنيوية، عرضة للتخطئة والانتقاد والمحاسبة على الخطأ بمختلف معاييره وتاريخ الإسلام مليء بالأمثلة على ذلك الذي ينقل لنا الكثير من الوقائع بشأن سلوك الصحابة تجاه النبي وسلوكهم تجاه بعضهم البعض الذي يصل إلى حد التصفيات الجسدية أحياناً وما اغتيال عمر ومقتل عثمان واغتيال علي إلا أمثلة جلية على ذلك. فلم يقتل عثمان لأنه خالف الدين أو خرج عنه أو حرف فيه بل لارتكابه أخطاء وانحرافات ومخالفات سياسية وليست دينية ونفس الشيء بالنسبة لعلي ابن أبي طالب الذي اغتاله رجل من الخوارج الذين انشقوا عنه وانسلخوا من معسكره ليس لأنه خليفة غير شرعي أو خان الرسالة الدينية بل لأنه أخطأ في قراره بقبول التحكيم في حرب صفين وهو عمل سياسي وعسكري بحت لا علاقة للدين فيه. فلم يتهمه أحد بالتقصير في العبادات والفرائض أو بخروج على الشريعة . كان المعيار المرجعي للحكم على شرعية وسلامة أي حاكم في الظاهر هو تطبيقه أو عدم تطبيقه للمصدر الدستوري للحكم أي القرآن الذي اكتسب صفة الإلزام تجه الخلفاء بعد وفاة النبي محمد. فعلي ابن أبي طالب كان يسعى ما استطاع لتقويم الانحرافات الدينية وتطبيق الشريعة كما تلقاها مباشرة من محمد وتربى عليها وناضل من أجلها بيد أن الأكثرية المناهضة والمعارضة له كانت هي الأقوى والأكثر دهاءاً منذ عهد الخليفة الثالث عثمان ابن عفان التي اختطت منهجاً دنيوياً ومصلحياً خارج إطار وقيود الشريعة ولو كان ذلك باسمها رسمياً وشكلياً . فكل الخلفاء الذين حكموا الدولة الإسلامية من معاوية إلى آخر خليفة عثماني في بداية القرن العشرين، حكموا دون مراعاة أحكام الكتاب والسنة وكان حكم معاوية قد سجل بداية الانفصام بين الدولة والشريعة، وسار الإثنان في اتجاهين ومسارين متعارضين. واضطر الخلفاء في أحيان كثيرة لشراء الصحابة والتابعين وتابعي التابعين لاختلاق أحاديث موضوعة على لسان النبي لتبرير سلوكياتهم المخالفة للشريعة والدين وإلباسها حلة الشرعية والصبغة الدينية. كان محمد ذو أسلوب خاص في الحكم وكان يكره أن يشبه بكسرى أو هرقل أو بالملوك والأباطرة ، وهو الأسلوب الذي رغب علي ابن أبي طالب إتباعه والسير على هداه ومواصلته ولكن في ظروف تختلف تماماً عن ظروف المرحلة المحمدية . ففترة حكم أبو بكر وعمر وعثمان قلبت الموازين وغيرت كل شيء وقلبت القيم الأخلاقية وأنعشت المصالح الفردية والنزعة الذاتية على حساب المجموع ومصالح الأمة. لذا بات من المستحيل إعادة التجربة المحمدية التي تلبست ثوب الطوباوية، وكانت أنظمة الحكم المتعاقبة منذ معاوية، اقرب للعلمانية الحديثة منها للدولة الدينية الثيوقراطية. فمنذ بدء مرحلة الفتوحات أو الغزوات ، ووصلت حدود الدولة الإسلامية إلى أقاصي الشرق والغرب وسيطرت على إمبراطورية فارس وبيزنطة والصين والهند قسم كبير من أوروبا لا سيما في إسبانيا ، وجد العرب والمسلمون انفسهم على احتكاك مع حضارات وثقافات مختلفة وأنظمة سياسية واقتصادية وإدارية مختلفة وجديدة على العقلية البدوية ، وبالتالي احتضنت الأمة الإسلامية الواسعة جميع أنواع التناقضات ولم تكن منسجمة ومتسقة لا ثقافياً ولا أخلاقياً ولا عرفياً إلا من خلال التطبيق الموحد والشكلي للطقس الديني وإداء الشعائر على نحو آلي وأحياناً قسري. وتعمقت التباينات والفوارق الطبقية والاجتماعية وانعدام المساواة الاجتماعية داخل الأمة الإسلامية المترامية الأطراف وكان الرمز الجامع هو شخص الخليفة سواء أكان حاكماً فعلياً ذو سلطة فعلية، أم مجرد واجهة شرعية يحكم الآخرون بإسمه كما يشاؤون، دون مراعاة لدين أو شريعة أو قانون ديني.
• تميزت الأقلية الشيعية عن الأغلبية السنية ، من الناحية العددية المحضة، برؤيتها الخاصة عن الحاكمية والحاكم، من خلال بلورتها لمفهوم الإمامة المطلقة المقدسة والمعصومة. واعتقدوا أن الوحيد المؤهل لقيادة الأمة يجب أن يكون منصوص عليه من الله وبالوصية ممن سبقه وهو الإمام المعصوم ، وحددوا عدد الأئمة المعصومين بإثني عشر إماماً، بدءاً من علي ابن أبي طالب وولديه الحسن والحسين، وباقي الأئمة المعصومين و كلهم من نسل محمد من حفيده الحسين حصراً، وآخرهم الإمام الغائب الحي المختفي عن الأنظار المهدي المنتظر أو القائم الذي سيملأ الأرض قسطاً وعدلا بعد أن ملئت ظلماً وجورا في آخر الزمان قبل يوم البعث والقيامة وبالتالي فكل الحكام مغتصبين للحكم والشرعية وغير معترف بهم من قبل أبناء الفرقة الشيعية الإثني عشرية، والتي انقسمت بدورها على نفسها إلى عدة فرق وأجنحة وتيارات ومدارس فقهية . و لا يزال هذا الانقسام والانشقاق الخطير في جسد الأئمة قائماً إلى يوم الناس هذا منذ الأيام القليلة التي سبقت وفاة صاحب الدعوة الإسلامية محمد ابن عبد الله. وبذلك استمر التعارض والخلاف الجذري بين المكونين الرئيسيين للإسلام ، السنة والشيعة، حول مفهوم السلطة السياسية والسلطة الروحية ، أو السلطة الدنيوية والسلطة الدينية، فمعظم أهل الشيعية يعتقدون ، بشكل أو بآخر، عدا الغلاة والمتطرفين منهم، أن محمد، تجسيد للنبوة، جاء بالرسالة ونصها المقدس المنزل عليه من السماء، وإن الإمام المعصوم، تجسيد للولاية المطلقة، هو الذي يمتلك مفتاح فهمها وتفسيرها وديمومتها وانتشارها. فأغلب أهل السنة يعتقدون أنه بموت محمد سنة 632 ميلادية، توقف الوحي والاتصال المباشر بالسماء وانتهت الرسالة عند هذا الحد و لا يحق لأحد الادعاء بأنه يتصرف بإلهام ووحي إلهي مباشر. وليس زعيم الأمة سوى إنسان عادي ورجل سياسي يفترض فيها القانون الديني ، أي الشريعة، التي جاء بها محمد، بينما رفض الشيعة مفهوم التوقف وتبنوا مفهوم استمرار الرسالة من خلال شخص الإمام الولي المعصوم المنصوص عليه من الله . حتى لو اعترفوا أن محمد هو آخر الأنبياء والرسل إلى يوم القيامة، ولقد اعتبره البعض المخلص للبشرية وفق المعنى الذي قدمته الديانة اليهو ــ مسيحية، وقريب من المعنى الذي قصدته الديانة المانوية الثنوية manichéisme وبالتالي فإن يوم الحساب ونهاية العالم باتت قريبة. بعض الصحابة، وعلى رأسهم عمر ابن الخطاب، رفضوا تصديق خبر وفاة محمد كما جاء في سيرة إبن هشام وقد فسرها البعض كأبو بكر الصديق ، أنهم أعماهم الحزن والوجل الشديد على وفاة النبي حيث لايريدون أن يصدقوا ذلك في اللاشعور وفي وعيهم الباطن ، لذلك أفلحت عقلانية أبو بكر في تنبيه هؤلاء إلى أن محمد رجل عادي كباقي الرجال يعيش ويموت، وإن من سيأتي من بعده ليس سوى إنسان عادي سياسي سيكلف بإدارة شؤون الأمة من الناحية الدنيوية المحضة، وبدون سلطات خارقة أو معجزات أو تسديد رباني مباشر كما كان يحدث مع محمد. ولكن، وفي نفس الوقت تبلورت رؤية مخالفة تماماً لدى فريق من المؤمنين والصحابة ، التفت حول علي ابن أبي طالب وبنو هاشم،، بشأن مفهوم الرسالة والسلطة والقيادة الدينية والدنيوية تركزت كلها في البديل المقدس وهو الإمامة، الذي لايقل قدسية عن النبوة. ولقد اتسم مفهوم الإمامة والولاية، عند الشيعة، بنوع من القدسية والآخروية الإنقاذية والخلاصية، وبالتالي فإن الإمام المهدي المنتظر هو المنقذ والمخلص الموعود والمختار إلهياً والذي سيظهر في آخر الزمان لإستكمال الرسالة وتقويمها وتخليصها من الانحرافات. فعلي ابن أبي طالب عند أهل السنة صحابي عادي لايتميز بشيء عن باقي الصحابة إلا بعلمه وشجاعته وتضحياته وقربه من الرسول ، فهو صهره وإبن عمه وربيبه، وكل ذلك معترف به ولا جدال فيه لديهم، لكن ذلك لا يعطيه الحق بالمطالبة بالخلافة ، لا الدينية ولا الدنيوية ، ولا يمنحه أي استحقاق متميز عن الآخرين، بل حتى اعتبره البعض منهم سياسي فاشل، في حين يرسم له الشيعة بورتريه خارقة في العلم والمعرفة وفي القوة الجسدية والشجاعة الخ.. وهناك علاقة خاصة ، سرية ، غير مايعرفه الناس ظاهرياً، تربطه بمحمد فهو مصب أسراره وباب مدينة علمه وموضع ثقته المطلقة، لكن النبي لم يبرز ذلك أو يعلنه خوفاً من الانشقاقات والغيرة والدسائس والمؤامرات التي يمكن أن تحاك من ورائه تجاهه وتجاه علي نفسه، ومع ذلك لم يتردد في الإعلان في خطبة الوداع في موقع غدير خم ، بأن علياً هو الشخص الذي يأتي من بعده وعلى الناس طاعته والرجوع إليه في كافة المسائل :" من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم عادي من عاداه وانصر من نصره وأخذل من خذله ،.. الى آخر الخبطة". ويفسر الشيعة ذلك بأنه إعلان صريح في اختيار علي كوريث وخليفة له ، بيد أن دسائس السياسة ، منعته من تبوأ موقعه كقائد أعلى للأمة خلفاً لمحمد وذلك بفضل عملية انقلاب سياسي وعسكري حيك في السر من قبل بعض الصحابة قبل موت النبي بأيام وفي الساعات القليلة التي أعقبت وفاته، حيث اجتمع عدد كبير من الأنصار بقيادة زعيمهم سعد ابن عبادة للمطالبة بالخلافة وواجههم عدد من المهاجرين بزعامة عمر وأبو بكر لقطع الطريق عليهم بأسلوب التهديد والترغيب وأن الزعامة والقيادة لا تخرج من قريش قبيلة النبي فيما كان علياً وآل بيته منشغلين بمراسيم الجنازة والتغسيل والتكفين والدفن الخ.. كما تذكر الروايات. وتحول علي فيما بعد إلى شخصية كارزمية لا يمكن تجاهلها أو الالتفاف عليها من قبل من سبقه من الخلفاء حيث تحول إلى ما يشبه المستشار الدائم لهم، خاصة الأول والثاني، أبو بكر وعمر،لكن العلاقة تدهورت مع الخليفة الثالث عثمان ابن عفان لأنه فضل إحاطة نفسه وتقريب بنو أمية عشيرته ومنحهم كل الامتيازات والمناصب الرئيسية الحساسة ومواقع اتخاذ القرار والتحكم بالجيش وببيت مال المسلمين أي بميزانية الدولة الإسلامية وقمع أو قتل واغتيال أو نفي من يعارضه في سياسته من الصحابة كما حصل للصحابيين أبو ذر الغفاري وعمار ابن ياسر . بعض الغلاة ألهو علياً وعبدوه في حياته، ورفضوا الاعتراف بموته واعتبروا أنه خالد وسيعود في آخر الزمان وبأنه هو المهدي المنتظر المنقذ والمخلص للبشرية، فيما الأكثرية تقبلت الأمر الواقع ونظمت نفسها حول ورثته من أبنائه وأحفاده من الأئمة الإثني عشر المعصومين، حيث اعتبروهم هم الخلفاء الشرعيين لمحمد دينياً وسياسياً ودنيوياً. ويعتقد الشيعة أن الأئمة هو الوحيدون الذين يعرفون أسرار وبواطن وألغاز ورموز الرسالة إلى جانب ظاهرها وطقوسها وعباداتها وتشريعاته بدقة عالية. وبغياب الإمام الثاني عشر، القائم من ولد محمد كما يسميه الشيعة، بأمر رباني وبإرادة إلهية إعجازية، حل محله مؤقتاً رجال دين وفقهاء ضليعين بعلوم الدين وتفسير نصوصه لعبوا دول السفراء وصلة الوصل بين الإمام والأمة الإسلامية، بشقها الشيعي على الأقل، بشرط ألا يلعبوا دور الزعماء السياسيين للطائفة الشيعية فمهمتهم دينية إشرافية بحتة فلا يجب أن تكون هناك حكومة دينية في غياب المهدي المنتظر لأنه هو الوحيد المؤهل شرعياً لقيادتها . يضفي الشيعة أهمية أكبر على الولاية والإمامة مما يمنحوه للنبوة، فعلي لا يقل منزلة عن محمد لدى المعتدلين منهم. ويلتزمون بنصوص القرآن الحالي الذي جمع في عهد عثمان ابن عفان طبقاً لنسخة زيد ويعترفون به بأنه الكتاب المقدس للإسلام ولكن يكمن الفرق بينهم وبين السنة في التفاسير والتأويلات ، خاصة وإن حزءاً منهم يعتقد أن الإمام علي لديه نسخته الخاصة من القرآن مرتبة حسب تسلسل نزول الآيات وفي حواشيها شروحات وتعليقات شخصية منه وبقلمه ويعتبرونه هو النسخة الأدق ، كما يعتقد قسم آخر منهم أن هناك آيات أشارت على نحو مباشر أو غير مباشر لولاية علي ابن أبي طالب لكنها حذفت من مصحف عثمان . ويتقبلون أغلب ما ورد في كتب التراث من الأحاديث والسنة النبوية لكن مصادرهم الرئيسية تعود إلى أئمة أهل البيت فهم المرجع الرئيسي المعتمد لديهم للحديث والسنة النبوية .
وأخيراً إسمحوا لي بأن اقدم لكم بورتريه مختصرة عن الشيعة بأسطر قليلة
من هم الشيعة؟
هم فرقة إسلامية اصيلة موجودة منذ بداية الإسلام ولكن ليس على نحو معلن ومنظم وكان يتميزون بقربهم ومناصرتهم وتاييدهم لعلي إبن ابي طالب وهم بالتالي من أتباع نبي الإسلام محمد بن عبدالله المخلصين. يؤمنون بخلافة صهر النبي وابن عمه علي بن أبي طالب من بعده، كما يؤمنون بالعصمة والإمامة في مختلف الشؤون واستمرار هذه الإمامة لأولاده. التسمية جاءت فيما بعد على فترات زمنية مختلفة فهم الشيعة الإمامية، وبعضهم سماهم الرافضة، لأنهم رفضوا بيعة أبو بكر أو رفضوا تنحية وحرمان علي من الخلافة. لقد تميزوا بشكل واضح في مناسبة خطبة الوداع في غدير خم. فالتسمية في اللغة جاءت من كلمة الشياع أو المشايعة والتي تعني المباعية أو المتابعة والمطاوعة. أما دينياً فهي تأتي نسبةً إلى مبايعة علي في ”غدير خم“ حيث نصّب النبي عليّاً خلفاً له وولياً من بعده. كلمة شيعة ذُكرت بالقرآن وقد أطلقت على العديد من الحركات الاسلامية، كشيعة معاوية أو أتباع معاوية وشيعة عمر وأخيراً شيعة علي، وهي التسمية الأصلية للشيعة اليوم.
يتوزع الشيعة على طول العالم العربي وآسيا وبعض الأماكن المتفرقة في العالم. أكبر تواجد هو في إيران تليه باكستان ثم الهند والعراق واليمن.
الفروع:
– تنقسم الطائفة الشيعية لعدة فروع أكبرها الإثنا عشرية، التي تؤمن بعصمة وإمامة إثني عشر نفراً من ذرية محمد عن طريق ابنته فاطمة. والكثير من المعلومات التي سنتناولها في هذا المقال متعلقة بهذه الفرقة دون غيرها نظراً لأهميتها من حيث توسعها وعدد أتباعها وتأثيرها.
– الإسماعيلية نسبة إلى اسماعيل بن جعفر الصادق.
– الزيدية نسبة إلى زيد بن علي زين العابدين.
– كما أنّ البعض يعتبر العلوية طائفة شيعية.
عقائد الشيعة
– يؤمن الشيعة بالله الإله الواحد الأحد وبأنّ القرآن هو كلام الله المنزل.
– يؤمنون بعصمة النبي وفاطمة ابنته والائمة. ويؤمنون بالشفاعة من قبل المعصومين عند الله.
– يؤمنون بفكرة العدل الإلهي كأصل عقائدي، حيث يعتقدون فيه بالحسن والقبح العقليين، أي أنّ الأشياء الحسنة هي حسنة في ذاتها وندركها من خلال العقل، وكذلك بالنسبة للأمور القبيحة. بخلاف فرقة الأشاعرة عند السنة الذين يعتبرون الحسن والقبح أمرين تشريعيين من الله، فالحسن هو ما حسّنه الله، والقبيح هو ما قبّحه الله.
– يؤمنون أيضاً بالمعاد واليوم الآخر، وبسائر الأركان والفروع الدينية كالصلاة والصوم والحج والجهاد والخمس والزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتولّي والتبرّي.
– يؤمنون أيضاً بالولاية أي تولية الأكثر علماً بالدين والحُكم ولياً على المسلمين، نيابةً عن الأئمة في المسائل الدينية والسياسية حتى ظهور المهدي الذي سيكون وليّ الله المباشر على الارض.
– أمّا فيما يتعلق بالمسائل الفقهية والتشريعية فهم يؤمنون بمبدأ التقليد، أي أنه على كل شيعي أن يقلّد (يتّبع) مرجعاً دينياً في الأحكام الفقهية، سواء من الأحياء أو الأموات، وفي ذلك خلاف بينهم.
أهم رموزهم:
يُعتبر النبي محمد الشخصية الأبرز والأهم عند الشيعة كما هو الحال عند باقي الفرق الاسلامية، ثم يتلوه سائر الأئمة من ولد فاطمة ابنته، والتي يولّونها أهمية وقداسة بالغة وعلوّاً في الشأن، علماً أنها توفيت عن عمر مبكر إثر تعرضها لحادثة أليمة كما يروي الشيعة، حيث تم انتهاك حقها من أرض أبيها ”فدك“ ثم الاعتداء عليها في منزلها بعد احراقه واسقاط جنينها. فتوفيت بعد النبي بأشهر قليلة وقام زوجها عليّ بدفنها خفية دون أن يحضر جنازتها أحد. وذلك حسب ما طلبت منه عند احتضارها بأن يخفي قبرها لسخطها عليهم بما فعلوه، فأنصت لها وخرج يهدد بسيفه أن أحداً يسعى للبحث عن قبرها ونبشه فسوف يسقي الأرض من دمائه، فافترقوا عنه.
أمّا الأئمة فأوّلهم عليّ وهو بمثابة الرسول عندهم ويلقبونه بأمير المؤمنين. أمّا الباقون؛ وهم من ذرية علي، فلكلّ منهم حادثته الخاصة، البعض منهم برز دوره أكثر من الآخر، فالحسين بن علي ما زال إلى اليوم الشخصية الأبرز الذي يُعتبر عندهم رمزاً في المواقف البطولية والمواجهة، ويستمدّون منه الكثير من العبر والقيم المؤثرة في الوجدان العاطفي والديني.
كما يُعتبر جعفر الصادق إسماً بارزا لدى الشيعة باعتباره المنظّر والمؤسس الأهم للطائفة في المجال التشريعي والفقهي، ومعظم أحاديثهم المرويّة منقولة عنه. والشخصية الأخيرة التي يتم تداولها هي الإمام الأخير والغائب محمد المهدي، حيث يشكل عنصر الأمل في حياتهم ويجسّد فكرة المخلّص والمنقذ لهم.
المنهج الفكري والفلسفي:
ترسب المنهج الفكري والفلسفي الشيعي بعد قرون وحقب طويلة وتلخص في شخصية صدر الدين الشيرازي المعروف بالملّا صدرا ويُعتبر الشيعة اليوم، بغالبيتهم، على الصعيد الفكري من أتباع صدر الدين الشيرازي المعروف بـ: ملّا صدرا، المتوفى في مدينة البصرة في العراق سنة 1640م، وهو فارسي النسب والمنبت. وقد ابتكر مدرسة فكرية خاصة تدعى ”الحكمة المتعالية“ من خلال دمجه بين المناهج الفلسفية الاسلامية السابقة التي تخصص في دراسة متونها كمدرسة المشائين لابن سينا، والفلسفة الاشراقية للسهروردي، وأيضاً عدّة من المسالك الصوفية والحكمية لأمثال ابن عربي وغيره. فعمل على الجمع بين مصادر ثلاثة لاستنباط فكره الخاص وهي: القرآن والبرهان والعرفان.
ويُجمع معظم مفكري الشيعة وعلمائهم على اعتباره العقل الشيعي الفلسفي الأكبر حتى هذا العصر، وتبني فكره كمدرسة لهم في العقيدة وأيديولوجيتهم الدينية.
بعض الأماكن المقدسة: منطقة أو موقع البقيع في المدينة المنورة للزيارة رغم أنّ الكثير من الزوار يتعرضون للمنع من قبل السعودية لاعتبارها أنّ الزيارات تُعدّ شركاً حيث توجد قبور بعض أئمتهم ومنهم علي بن الحسين وفاطمة الزهراء والباقر والصادق .مكة (للحج والعمرة).القدس (القبلة السابقة). كربلاء، أرض مقتل الحسين بن علي وقبره ومزاره وفيه قبر أخيه العباس الذي يقدسه الشيعة ويهابوه. النجف، وفيها قبر علي بن أبي طالب.
إيران، وفيها بعض المقامات الدينية مثل قبر علي الرضا (أحد الأئمة) في مدينة مشهد، والسيدة المعصومة أخت علي الرضا في مدينة قم. دمشق، وفيها قبران ومزاران لبنت الحسين رقية وأخته زينب.

الشعائر والمناسبات:
– عيد الفطر: وهو اليوم الذي يتلو شهر الصيام رمضان.
– عيد الأضحى: وهو اليوم الذي يتلو نهاية مراسم الحج وفيه يتم ذبح الأضحية (غنم، بقر…) وتوزيعها على المحتاجين.
– عيد الغدير: وهو اليوم الذي نصّب الرسول علياً ولياً للمسلمين وفيه يتم توزيع الحلويات وإقامة الموالد النبوية.
– المولد النبوي: وهو يوم ولادة النبي وفيه أيضاً توزع الحلويات وتقام ندوات واحتفالات دينية وترفيهية.
– عاشوراء: مناسبة تستمر لعشرة أيام يُذكر فيها مقتل الحسين بن عليّ على يد جيش يزيد بن معاوية في كربلاء. خلال العشرة أيام تقام مجالس عزاء لسرد حادثة المقتل والبكاء عليه وعلى مصائب ذرية النبي، ومؤخراً أصبحت تُستغل كمنبر سياسي قوي بيد الأحزاب الشيعية.
لطم الجسد وضرب الصدور أثناء الاستماع للترديدات الشعرية لمحاكاة وجع الحسين وأصحابه، كما يمكن لهذه المراسم أن تكون دموية، وتحدث فيها مراسيم التطبير أي ضرب الرؤوس بالقامات والسيوف. كما تقام اللطميات وهي عبارة عن لطم الجسد أثناء الاستماع للترديدات الشعرية لمحاكاة وجع الحسين وأصحابه، كما يمكن لهذه المراسم أن تكون دموية كضرب السلاسل والخناجر على الرؤوس والأجساد، إلّا انها خفّت حدتها بالسنوات الأخيرة بسبب تحريمها من قبل بعض المراجع.
– زيارة الأربعين: وهو يمثل وقت عودة الناجين من معركة كربلاء بقيادة زين العابدين وزينب أولاد الحسين. وفيها تقام مسيرات عاشورائية بالملايين مشياً على الأقدام نحو كربلاء من أجل الزيارة، وفي مختلف المناطق، ويتضمنها كلمات سياسية.
– نصف شعبان: وهو يوم ولادة المهدي المنتظر الذي يؤمن الشيعة بتخفيه منذ العام 941م حتى يومنا هذا، وهم ينتظرون ظهوره ليصلح الأرض ويقيم العدل ويملأها عدلاً وأمناً كما ملئت ظلماً وجورا، وينشر الإسلام الصحيح فيها.
بعض اختلافاتهم مع السنة:
لا يعترف الشيعة (الاثنا عشرية تحديداً) بالخلفاء الراشدين الذين سبقوا عليّ، حيث يعتبرون أنّ في ذلك سلباً لحقه، وهو من أكبر الأسباب العقائدية التي تسبب الشرخ بين الطائفتين.
لا يؤمن الشيعة بعدالة جميع أصحاب النبي ولا التابعين. أي أنّ أفعالهم وأقوالهم ليست حجّة عليهم، ولا يأخذون تعاليمهم إلّا من النبي والأئمة.
لا يمانع الشيعة من الجمع في الصلوات، حيث يجمعون بين صلاتي الظهر مع العصر، والمغرب مع العشاء. ملامسة النساء لا تبطل الوضوء.لا توضع الأيدي على البطن أو على الصدر أثناء الصلاة كما يفعل أهل السنة. يختلف زي الرجل في الحج. تحريم العادة السرية مطلقاً وليس ثمة استثناءات. يحلل الشيعة زواج المتعة الذي هو كالزواج العادي، إلّا أنه مؤقّت بمدة زمنية محددة، يكون الاتفاق عليها بين الطرفين مقابل بدل مالي يدفعه الرجل. ورغم أنّه حلال لكنّه يُعتبر في معظم المجتمعات الشيعية أمراً مستهجناً. يجوز وطء الزوجة دبراً ولكن في ذلك كراهة.لا يعترف الشيعة بالعول عند الميراث.
اختلافات الشيعة بين بعضهم: السفر يفطر أم لا. يجوز استخدام المراصد لإثبات الهلال أم لا. تحريم ورق اللعب والشطرنج أم لا. تحريم التدخين أم لا. تحريم الياناصيب أم لا. تحريم إيذاء النفس بالمسيرات العاشورائية أم لا..
الكتب الأساسية عند الشيعة:
وهي الكتب التي يتبعونها في أمور دينهم بعد القرءان، وفيها معظم التراث والأحاديث والتفسيرات المنقولة عن النبي والأئمة، وهي: الكافي (للكليني) الاستبصار (للطوسي) تهذيب الأحكام (للطوسي) من لا يحضره الفقيه (للصدوق)

شخصيات شيعية بارزة معاصرة: الخميني. محمد باقر الصدر. الخامنئي. مقتدى الصدر. حسن نصر الله. محمد حسين فضل الله. السيستاني. الشيرازي.
تصحيح معلومات مغلوطة عن الشيعة:
– الشيعة لا يتبعون قرآن آخر معروف بقرآن فاطمة.
– لا يصلي الشيعة للتراب ”السجدة“ بل هي فقط أداة للصلاة.
– لا يصلي الشيعة للائمة أو الأنبياء، بل يعتبرون أنهم صلة الوصل مع الله.
الاسماء السائدة والمتميزة لدى أبناء وبنات الشيعة: للصبية: محمد، علي، حسن، حسين، عباس، حيدر. للفتيات: زينب، فاطمة، رقية، زهراء، بتول، حوراء.
عبارات مشهورة:
– لا فتى إلا علي لا سيف إلا ذو الفقار.
– كل يوم عاشوراء، وكل أرض كربلاء.