فضيحة استيراد النفايات الايطالية لحرقها بالمغرب وردود الفعل المضادة للبرجوازية الحاكمة وخدامها


عبد السلام أديب
الحوار المتمدن - العدد: 5221 - 2016 / 7 / 12 - 21:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

كل ما كتب وكل ما قيل حول واردات النفايات الايطالية من أجل احراقها في معامل الاسمنت المغربية له جذور عميقة من الصحة، فكما يقال لا دخان بدون نار. لكن علينا أن نناقش بهدوء ما حدث. فالعملية كما لمحت الى ذلك الوزيرة كانت تتم دائما دون ان تثير ضجة كبيرة، وليس ما أثارها كما ادعت الوزيرة هو محاولتها تنظيم استيراد النفايات عبر اعتماد عدد من المساطر، بل ما أثارها لدى الرأي العام هو تضافر عدد من العوامل الموضوعية في نفس الوقت، من بينها حدث انعقاد مؤتمر الامم المتحدة حول المناخ 22 في بلادنا خلال شهر نونبر المقبل وحملة 0 ميكا لالهاء الرأي العام، مع ما استتبع ذلك من محاولة استغباء الشعب المغربي من طرف أطراف حاولت ان تفرض نفسها كمتحدث وحيد باسم هذا الشعب. بل وأن تجعل نفسها وصية عليه والناطقة الوحيدة باسمه خلال الاستعداد للقمة المذكورة وذلك بهدف استخلاص أكبر استثمار وربح ممكن وفي نفس الوقت ابعاد بعض المنابر الشعبية المنتقدة للسياسة البيئية المعتمدة.

لكن الشعب المغربي رغم الظروف القهرية التي يمر منها والتي سبق له تاريخيا ان تعرض لظروف أكثر قهرا، فقد كان هذا الشعب دائما من خلال حركته الجماعية يتبلور وعيه الطبقي ويفقه المخططات التي تتهدده فينفجر في وجهها. فقد انكشفت حمولة الباخرة الإيطالية ب 2500 طن من النفايات الايطالية وقيل عنها ما قيل وتم ربطها بمافيا النفايات الايطالية بل أن هناك حوالي ستة مواقع الكترونية من بينها فرانس 24 أكدت أن اتفاقا سريا بين الحكومتين الايطالية والمغربية ورجال اعمال البلدين وقعا على استيراد الملايين من الأطنان من النفايات خلال ثلاث سنوات الى المغرب من أجل حرقها في افران الاسمنت، وأن هناك مكافئة ايطالية على ذلك بمبلغ 118 مليون أورو. قد يكذب الكثيرون هذا الخبر لكن تداوله في عدة مواقع الكترونية يدفع الى تصديقه بل وتوقع الأسوء لأن أطراف الاتفاقية ليسوا ملائكة بل برجوازيون وحكومات برجوازية لا يهمها سوى عائدات الارباح ودون الالتفات الى التدمير الذي قد تصاب به البيئة انسانا وحيوانا ونباتا ومياه وتربة وهواء.

لقد تعمق الاحساس الشعبي بالغبن وامتهان الكرامة والسيادة الشعبية نتيجة استيراد البرجوازية الحاكمة لهذه النفايات والاغتناء منها على حساب صحته وسلامة البيئة المغربية من حيوان ونبات ومياه وتربة. لقد كان هذا الاحساس وحده كافيا لتثوير الجماهير الشعبية وخروجها الى الشارع للتظاهر. كما كرس مجيئ باخرة فرنسية محملة بالعجلات المستعملة لتفرغ حمولتها في ميناء الجرف الأصفر تحت حراسة مشددة هذا الاحساس، وحيث تمكن المغاربة من معاينة صورة حكيمة الحيطي في يناير 2015 وهي توقع على اتفاقية مع شركات العجلات الفرنسية لاحراق تلك المتلاشية منها على الاراضي المغربية. فالوقائع حاضرة ولا يمكن تكذيبها. كما أن هناك مرسوم يسمح باستيراد النفايات الاوروبية موقع من طرف وزير الطاقة عمارة وهناك اتفاقية مع البنك الدولي يمنح قرضا للمغرب لمساعدة المغرب على تدمير النفايات الأوروبية.

ان الوعي الشعبي بخطورة ما يجري أمام عينيه ليس له انعكاسات وتداعيات خطيرة على الاقتصاد البرجوازي القائم وعلى حجم الارباح التي سيستخلصها جراء هذه الالتزامات الموثقة دوليا لكنها المدمرة بيئيا، بل لها مخاطر سياسية على الأحزاب الحكومية التي فضلت الصمت وتركت الوزيرة الحيطي وحدها في مواجهة الانتقادات الشعبية العنيفة والمتزايدة. فالحبل يشتد تدريجيا ليس على عنق الحيطي وحدها بل على الحكومة بكاملها وأيضا حول عنق النظام نفسه.

فالنظام لن يظل صامتا أمام هذه الأحداث والمخاطر والتهديدات، فقد أصبح وزير الداخلية نفسه هو من يتدخل وليس بنكيران، فتارة يؤكد وزير الداخلية سلامة النفايات المستوردة، وتارة أخرى يصدر بلاغا بتوقف تفريغ شحنة الباخرة المحملة ب 2500 طن من النفايات الايطالية الى غاية انتهاء لجنة تحقيق شكلها لهذا الغرض. لقد حصلت فوضى وارتباك عارمين وسط التحالف الطبقي الحاكم، فهو يفكر بسرعة ويمكن الوزيرة الحيطي من كافة الوسائل الايديولوجية لاقناع الرأي العام بسلامة النفايات المستوردة وفي كل عملية ايديولوجية ينكشف زيفها بسرعة. وفي هذا الاطار نظمت قناة تفي 1 ميدي برنامج استدعت اليه ثلاث خبراء ليؤكدوا سلامة النفايات المستوردة، لكن سرعان ما كشف المبحرون في الشبكة العنكبوتية زيف هؤلاء الخبراء بل اكدوا انهم موظفون بشركة الاسمنت هولسم.


بعد ذلك انتقلت الوزيرة الحيطى نحو ادوات ايديولوجية اخرى عبر استعمال القنوات التلفزيونية والمواقع الالكترونية في خطوات تبدوا كما لو انها مستهدفة سياسيا بشكل شخصي مستعملة دموع المرأة لاستدرار عطف المشاهدين، ولتؤكد انها لن تستقيل من منصبها الوزاري لان عملها لا غبار عليه. وفي يوم الاثنين استدعت الى ندوتها الصحافية، العديد من المنابر الاعلامية وعلى رأسها وكالة المغرب العربي للانباء والقنات الثانية. ولتعيد التأكيد على نظافة النفايات الايطالية رغم انها لم تطلع بعد على كافة الوثائق المطلوبة وعلى تقرير الخبرة الذي ارسل الى فرنسا ولن يتم الاطلاع عليه الا بعد يوم 20 يوليوز. لقد كانت المسرحية محبوكة فوسائل الاعلام الحاضرة في الندوة الصحفية تجاهلت الاحتجاجات التي عبر عنها عدد من النشطاء الحقوقيين أمام بوابة وزارة البيئة، ولم يقبلوا بنقل مطالبهم رغم الحاح هؤلاء النشطاء. بعد ذلك نظمت الوزيرة لهؤلاء الصحافيين رحلة الى بوسكورة لمعاينة معمل الاسمنت ومعاينة النفايات التي لا تحمل سوى علامة بيضاء وعدم وجود اي صندوق يحمل علامة زرقاء. فالمسرحية مكتملة الاخراج لم يتبق منها سوى الجواب على السؤال لماذا كل هذه الضجة؟ بينما الامر يتعلق بنفايات نضيفة وكما يتهكم حولها البعض انها نفايات بيو؟

لقد اثيرت قضية ان كل ما قيل حول نفايات الايطالية مفتعل من قبل شركات البترول التي ستخسر الكثير من الارباح اذا تحولت جميع شركات الاسمنت نحو مصادر الوقود النظيفة. هههههههه، انهم استبلدوكم أيها الصحافيون، فاية بلادة سياسية هذه، هل يعقل ان يوجد في بلادنا مثل هذا الصراع بين اللوبي البترولي واللوبي الاسمنتي، ويصل تأثيره على الحركة الجماهيرية الى درجة التهديد بثورة شعبية؟ من يصدق ذلك غير البلداء أو المتواطئين؟ اليس من يحتكر شركات الاسمنت هم انفسهم من يحتكر الشركات البترولية؟ فليرجع كل باحث الى من هم مالكي اغلبية اسهم الشركات البترولية وشركات الاسمنت وحتى وان استعملت شركات الاسمنت النفايات بدل البترول فهل بالفعل ستتأثر ارباح الشركات البترولية أو تنخفض مبيعاتها؟

ان كل هذه المناورات الايديولوجية تستهدف تبخيس الذكاء المغربي وتغليطه من اجل اتمام صفقات البرجوازية الحاكمة المربحة ولو على حساب الانسان والبيئة المغربية.