هل ينتصر البنك الدولي لحق أهالي وادي القمر في الحياة؟!


فاطمة رمضان
الحوار المتمدن - العدد: 4928 - 2015 / 9 / 17 - 23:11
المحور: الحركة العمالية والنقابية     



"كيف يسمح البنك الدولي لنفسه بأن يمول مصنعًا يقتل أهالي وادي القمر، في حين أنه لم يستطع عمل ذلك في أمريكا؟، نحن تحركنا واشتكينا، فأتيتم للتحقيق، ماذا لو لم نشتكي أليس لديكم آلية لتقييم الأثر البيئي والاجتماعي للمصانع والشركات التي تقومون بتمويلها؟ أنتم تسمحون لأنفسكم بتلويث وادي القمر، وتلويث البيئة، وتهديد حياة ملايين البشر"

كان هذا هو الانتقاد الذي وجهه أحد أعضاء اللجنة الشعبية التنسيقية لأهالي وادي القمر[1] للجنة التحقيق التابعة لمكتب التحقيق (المكتب الاستشاري لشئون التقيد بالأنظمة CAO) التابع لمجموعة البنك الدولي، والذي يحقق في الشكاوي المقدمة له من المتضررين من الشركات التي يقوم البنك الدولي بتمويلها.

أتت لجنة التحقيق خلال الفترة (7-9) سبتمبر 2015 لمقابلة الأهالي والعمال لتقييم الشكوى المقدمة في 8 أبريل 2015، والتي تقدم بها أهالي وادي القمر لعدم التزام شركة "تيتان" بالمعايير المتعلقة بحماية البيئة، وما يسببه المصنع الملاصق للكتلة السكانية من تلوث بيئي، مما يتسبب في الإضرار بصحتهم وحياتهم وموارد رزقهم. وشارك أهالي وادي القمر في الشكوي عمال الشركات التي تورد العمالة لشركة تيتان، الذين عانوا من التمييز ضدهم طوال فترات عملهم التي زادت على عشرة أعوام، وعندما طالبوا بحقوقهم ولم يستمع أحد لشكواهم، فلجأوا لحقهم في الاعتصام السلمي فبراير 2012، تم فض اعتصامهم بالقوة وبالكلاب البوليسية، وتم القبض علي أكثر من ثمانين عامل منهم، أفرج عن جزء منهم دون إثبات ما بهم من إصابات أثر الفض بالقوة، فيما عدا 18 عامل استمر اعتقالهم لمدة 49 يوم قبل الخروج بكفالة، وتم فصل 425 عامل هم كل عمال شركات التوريد الثلاثة وقتها. وضمن الشاكين أيضاً العمال الذين أجبروا على المعاش المبكر من الشركة في أعوام 2001، 2002، 2003، وحتى مستحقاتهم لدي الشركة لم يأخذوا الكثير منها حتى الآن. وتضامنت أربعة من منظمات المجتمع المدني مع الأهالي والعمال في شكواهم[2]

في الحقيقة إن لأهالي وادي القمر تاريخ طويل من النضال ضد تدمير مصنع أسمنت تيتان لحياتهم، حتى بات أطفالهم يولدون وهم يعانون من الأمراض الصدرية بسبب ما يلقيه عليهم يومياً مصنع تيتان من مخلفات إسمنتية، أضيف إليها مؤخرا مخلفات الفحم الذي سمحت الحكومة للشركات باستخدامه كوقود بديل ورخيص للغاز. هذا بالإضافة إلى استيلاء الشركة على جزء من الطريق العام والذي كان مخصصاً لاستخدامه في عمل خدمات لأهالي منطقة وادي القمر، فقد قامت الشركة بالتعدي على الطريق العام وما به من مرافق، عبر بناء سور كاريتال أمام الباب الرئيسي وبه تعدي على 60 متر في الطريق العام، وقد قام الأهالي بتحرير المحضر رقم 76 لسنة 2012، وأصدرت الجهة الإدارية المختصة قرار الإزالة رقم 974 لسنة 2012، والشركة تمتنع عن التنفيذ للآن.

وقد علق أحد سكان وادي القمر علي استعمال شركة تيتان للفحم فقال "المصنع شرع في استخدام الفحم كبديل رخيص للغاز، ولم يشغل باله أبداً بما يجلبه من أمراض على أهالي وادي القمر، فنحن من يدفع فاتورة علاج الأمراض التي تصيبنا نتيجة ما يقوم به المصنع من تلويث للبيئة، ونحن من يدفع ثمن إصلاح ورصف الطرق التي يستخدمها المصنع في نقل الفحم من الموانئ لمكان استخدامه من الضرائب، خصوصاً وأن شركة تيتان التي تضع ضمن ميزانيتها سنوياً مئات الآلاف من الجنيهات تحت مسمى خدمات لوادي القمر قد رفضت دفع أي أموال لمحافظة الإسكندرية للمساهمة في رصف الطرق".

تقدم الأهالي للشكوى مما تسببه شركة تيتان لهم لدى كل الجهات بدءًا من المجالس المحلية، وصولاً لمجلس الشعب مروراً بمحافظة الإسكندرية، وبشئون البيئة، وغيرها من الجهات. تشكلت في عام 2008 لجنة بقرار من مجلس الشعب لتقصي الأوضاع، استجابة لاحتجاجات الأهالي المتواصلة، والتي كانت تتضمن مدير عام الشئون الوقائية والرعاية اﻷساسية بمديرية الصحة باﻹسكندرية، ومسئول البيئة بالمحافظة، ومدير السلامة والصحة المهنية بالدخيلة، باﻹضافة لممثل عن جهاز شئون البيئة بالقاهرة، وطالبت اللجنة بضرورة نقل المصنع خارج المنطقة السكنية بوادي القمر. وقد جاء في تقرير اللجنة "تري اللجنة أن الانبعاثات من هذه الشركة تسبب أضرار جسيمة على سكان وادي القمر كما أنها تتسبب في التأثير السلبي والخطير علي الشركات المجاورة ومنتجاتها، وأن هناك خطر شديد على صحة المواطنين يتمثل في أن هذا اﻻنبعاث يمثل تأثير خطير علي إنتاج ملح الطعام (شركة الملح المجاورة للشركة). مما يستوجب اتخاذ إجراء حازم وقطعي وسريع في هذا الشأن".

كما جاء "التوصية لدي السيد اللواء المحافظ للتفضل بنقل هذه الشركة من موقعها الحالي إلي منطقة بعيدة عن المناطق السكنية مع التشديد على مراعاتها لقانون حماية البيئة بشكل عام"[3]

وتمثل الشركة خطورة ليس على أهالي وادي القمر وحدهم، بل على كل من يستخدم منتجات الشركات المجاورة لها، فقد قامت شركة المكس للملاحات برفع دعوى قضائية رقم 238 لسنة 2010، ضد شركة الإسكندرية لأسمنت بورتلاند "تيتان" وذلك في مارس 2010، بسبب تأثير الانبعاثات من مدخنة شركة الأسمنت على النشاط الإنتاجي لشركة المكس للملاحات[4] ، كما لجأ أهالي وادي القمر للقضاء طالبين نقل الشركة بعيداً عن المنطقة السكنية في القضية رقم 11632 لسنة 64 قضائية.

كما ظل العمال الذين أجبروا على المعاش المبكر بعد خصخصة الشركة يطالبون بحقوقهم من وقتها حتى الآن، فقد خرج بعضهم ليجد نفسه يتقاضي معاش 60 جنيه شهرياً، ووجد البعض الآخر نفسه بلا معاش بسبب عدم استكماله للحد الأدنى من سنوات التأمين. وجاء ضمن حقوقهم التي لم يحصلوا عليها حقهم في الأسهم التي قاموا بشرائها أثناء خدمتهم وعند بيع الشركة (نسبة 10% أسهم العمال)، أو حقهم في الأرباح عن الأعوام 2002، و2003، بعد أن أخذوا جزءًا من حقهم في أرباح عام 2001 في عام 2011 بعد تداول قضيتهم في هذا الوقت، ولجوؤهم للوقفات الاحتجاجية أمام الشركة. كما أن موقف جمعية الإسكان وصندوق الزمالة لم يتم تصفيته حتى الآن.

كما لجأ العمال للتقاضي والمطالبة ببطلان عقد بيع الشركة، وهي القضية التي توقفت ضمن عشرات القضايا الآخري المرفوعة للمطالبة باسترداد الشركات التي تمت خصخصتها بالفساد، وعودة العمال لسابق عهدهم بها، وذلك بعد صدور القانون سيئ السمعة الذي جعل حق الطعن على عقود البيع بين أطراف العقد فقط، وهو القانون المطعون بعدم دستوريته الآن.

ونختتم المقال بما قدمه أهالي وادي القمر ومراكز المجتمع المدني المتضامنة مع الأهالي والعمال من تساؤلات لأعضاء لجنة التقييم، وهي:

"هل استطعتم إيقاف أي قروض أخري من الممكن أن يحصل عليها مصنع لا يلتزم بالمعايير التي وضعتموها لأنفسكم، إذا كان قد حدث فأجيبونا لكي نطمئن لفائدة المسار".

"هل يضمن البنك تنفيذ أي اتفاقات قد يتوصل إليها الأهالي والعمال مع إدارة شركة تيتان؟ وهل البنك لديه جهات محايدة تستطيع رصد مدى تنفيذ الجهات المتعاملة مع البنك (الشركات التي يمولها البنك) للمعايير والاشتراطات التي وضعتها مؤسسة التمويل لنفسها أم لا؟

ليظل السؤال: هل يلتزم البنك الدولي ومؤسسة التمويل التابعة له بالمعايير التي وضعوها لأنفسهم، وينتصروا لحق أهالي وادي القمر في حياة خالية من غبار الأسمنت ودخان الفحم؟ ويقوموا بجبر الضرر الذي تعرض له الأهالي لعشرات السنين بسبب وجود المصنع الذي حول وادي القمر من مكان للاستشفاء لمكان موبوء، أم ستظل معاييره حبر علي ورق؟

هل سيلزم البنك الدولي شركة تيتان بالالتزام بمعايير الأداء الخاصة بالعمال وأوضاع العمل، والتي لم تلتزم الشركة بأي من أهدافها؟ أم أنه سينتصر لمصالحه ومصالح أصحاب الأعمال كما تعودنا منه؟


--------------------------------------------------------------------------------


[1] - تأسست اللجنة الشعبية التنسيقية لأهالي وادي القمر عام 2004


[2] - نص الشكوي علي موقع المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، بيان تضامن المنظمات في 9 أبريل 2015.


[3] - موقع المبادرة المصرية للحقوق الشخصية،أكتوبر 2014، دراسة بعنوان " مؤسسة التمويل الدولية وإنفاذ معايير الاستدامة البيئية والاجتماعية "دراسة حالة أسمنت تيتان".


[4] - المصدر السابق.