ازمة الامبريالية وتفكك الدولة الوطنية


عبد السلام أديب
الحوار المتمدن - العدد: 4836 - 2015 / 6 / 13 - 23:39
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

اجرت جريدة صوت الشعب الالكترونية حوارا مع عبد السلام أديب حول المشهد الاقتصادي والسياسي في المغرب على ضوء ازمة الامبريالية الحالية وفي ظل تفاقم ظاهرة تفكك الدولة الوطنية. وفي خضم الحوار تم التطرق لظاهرة الاسلام السياسي ووقعها على مستقبل الشرق الاوسط وشمال افريقيا. وقد جاء الحوار الذي اداره صحافي الجريدة الرفيق محسن الشهباني كما يلي:

مقدمة صوت الشعب: كما تعلمون تعيش بلادنا منذ نونبر 2011 تحت ادارة حكومة نصف ملتحية يقودها حزب اسلامي هو العدالة والتنمية، ولم تختلف سياسات هذه الحكومة عن سابقاتها الا من حيث تسريع وثيرة تطبيق عدد من الاجراءات اللاشعبية واللاديموقراطية والتي تصب جميعها في خانة خدمة مصالح الباطرونا والرأسمال المالي العالمي ممثلا من طرف صندوق النقد الدولي والبنك العالمي. ولا تختلف وضعية بلادنا هذه على ما يبدوا عن ممارسات دول اخرى بالجوار اذا ما استثنينا مصر عقب انقلاب الدكتاتور عبد الفتاح السيسي على حكم الاخوان المسلمين بمصر واذا ما أخذنا بعين الاعتبار التحولات الجارية بتونس. ولا شك أن ما يحدث ببلادنا وبدول المنطقة له علاقة وطيدة مع سيرورة الازمتين الاقتصادية والمالية العالميتين. نستضيفكم الرفيق عبد السلام أديب مرة اخرى في هذا الحوار الخاص لجريدة صوت الشعب لمحاولة تفكيك مختلف جوانب هذه الاشكالية التي تطرحها هذه المقدمة من خلال عدد من التساؤلات التي سيقوم بطرحها عليكم الرفيق محسن الشهباني.

محسن الشهباني: مرحبا بالرفيق، نبدأ سؤالنا معكم حول الوضع الاقتصادي والمالي محليا وعالميا، فهل نحن لا زلنا في طور الازمة الاقتصادية والمالية العالمية التي انطلقت سنة 2008، ام ان هناك مؤشرات تؤكد على تجاوزها؟

عبد السلام أديب: إن المشهد الاقتصادي العالمي تحدده أساسا القوى الامبريالية الرئيسية المتحكمة فيه بواسطة شركاتها متعددة الاستيطان بكل من اوروبا والولايات المتحدة الأمريكية واليابان والصين. فخلال سنة 2012، ضخ كل من الاتحاد الأوروبي والقوى الاقتصادية الكبرى الثلاث الولايات المتحدة والصين واليابان، 64,4 في المائة من طاقتها الاقتصادية العالمية من أجل تجاوز الأزمة. وخلال الثلاث أشهر الأولى من سنة 2014، سجلت الولايات المتحدة والصين واليابان وألمانيا معدلات ناتجها الداخلي الاجمالي في مستوى أعلى من معدلاتها المسجلة قبل ازمة 2008.

كما استطاع الاتحاد الأوروبي بلوغ معدله الأقصى السابق، ولم يتبق له لبلوغ ذلك سوى 1,5 في المائة. فقد استطاعت إذن الدول الامبريالية العظمى تحسين معدلات نموها على حساب الدول الأصغر وعن طريق تحويل تكاليف الأزمة على كاهل الجماهير.

أما القوى الاقتصادية الأخرى كالصين (التي تراجع فيها معدل النمو الاقتصادي سنة 2014 الى نحو 7,3 %) وإندونيسيا، ودول البريكس BRICS (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، افريقيا الجنوبية) والميست MIST (المكسيك، اندنوسيا، كوريا الجنوبية، تركيا) فقد فقدت اليوم دورها كمحرك لنمو الاقتصاد العالمي الذي تشكل مع بداية الازمة نتيجة فرار رؤوس الاموال الامريكية والاوروبية نحوها لكن تراجعها الحالي أدى الى فرار معاكس لرؤوس الأموال منها مما أدى الى تدهور عملاتها وانخفاض اسعار اسهم بورصاتها.

وقد تزامن مع انقشاع الازمة الاقتصادية والمالية جزئيا عن القوى الامبريالية الكبرى حدوت عمليات اندماجية بين عدد من كبريات الشركات الرأسمالية العالمية وبروز منشآت جديدة وتزايد حدة المنافسة بينها واعتماد سياسات تقشفية صارمة لفروعها مع اقفال الكثير منها وتسريح الملايين من العمال على الصعيد العالمي.

إذن فقد حدث تراجع جزئي للأزمة العالمية لسنة 2008 في المراكز الرأسمالية العالمية الرئيسية وذلك على حساب الشعوب والدول الصغرى. لكن هذا التراجع النسبي في الازمة يظل مطبوعا بعدم الاستقرار المزمن، نظرا للتراكم الهائل لرؤوس الاموال والتي لا تجد أمامها اسواقا ومنافذ استثمارية كافية لتصريفها. فهذين التناقضين، عدم مواكبة الأسواق لحركة رؤوس الاموال المتنامية، وعدم كفاية منافذ الاستثمار المستوعبة لها يعمق من حدة المضاربة المالية والسياسية، ويزيد من حدة الاخطار المستقبلية.

فانتهاء الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية أواسط سنة 2014 لم يعالج هذا المشكل، بل عمقه. كما لم يعقبه نهوضا اقتصاديا عالميا، وانما تلته مرحلة من الجمود المتقلب والذي يحدث آثاره الدورية على الصعيد العالمي، حيث تظل دائما بعض الدول في حالة أزمة. وفي نفس الوقت تتكون في الأفق مؤشرات سلبية جديدة في طور التضخم على شاكلة موجة أزمة اقتصادية ومالية جديدة قادمة.

ان هذه المؤشرات الجديدة تأتي مرفوقة بتعمق مخاطر بالحروب، خصوصا بين المجموعات الامبريالية الرئيسية – أي الحلف الاطلسي ومنظمة التعاون شانغاي. ان حدث وصول حاملة الطائرات "دونالد كوك" الى شبه جزيرة القرم والتي لم تنتقل من مكانها الا بعد ان هدد بوتين باستعمال السلاح النووي يؤكد على تعاظم هذا التهديد بحرب نووية منذ أزمة كوبا سنة 1962. كما لا تفوتنا هنا الاشارة الى الحرب العدوانية على شعب عربي فقير هو اليمن والتي جيش لها النظام السعودي الوهابي عشرة أنظمة رجعية عربية أخرى وبدعم من الامبريالية الامريكية والكيان الصهيون، وهي حرب عدوانية تستهدف تغيير الاوضاع السياسية داخل اليمن.

وفي وضع متسم بميل الإمبرياليات نحو تأجيج الازمات السياسية والعسكرية، يشهد العالم حركة واسعة للنازحين واللاجئين من بلدانهم الاصلية أو التي استقروا فيها وهي الظاهرة التي تفاقمت عالميا: فهناك حوالي 1,4 مليار من الناس معنيين اليوم بالهجرة وبالهروب من موطنهم الاصلي أو من مكان استقرارهم، وهو ما يمثل حوالي 20 في المائة من ساكنة الكوكب. وهذا معناه ان أزمة النظام الامبريالي العالمي المتفاقمة بدأت بخلق اوضاع جديدة تتسم بتفكك الدول والأسر والشعوب وانعدام استقرار غير مسبوق. وبطبيعة الحال ان لهذا الوضع الاجتماعي العالمي الجديد انعكاساته الايديولوجية والسياسية اضافة الى انعكاساته الاقتصادية والاجتماعية.

كما تظهر أزمة الامبريالية أيضا من خلال وقوفها كمسبب رئيسي للكارثة الايكولوجية الشاملة، فالتحول نحو كارثة ايكولوجية شاملة اصبح اليوم متسارعا أكثر من أي وقت مضى. فتزايد عدد الكوارث الايكولوجية الجهوية تشكل محفزا للانتقال نحو كارثة ايكولوجية شاملة حيث بلغ عدد هذه الكوارث الجهوية 980 كارثة بيئية سنة 2014 وهذا العدد يتجاوز بشكل واضح متوسط السنوات السابقة.

وقد دمر في 14 و15 مارس الماضي اعصار بام أكبر جزء من البنيات التحتية ومن المزروعات بجزر جمهورية فانواتو بجنوب المحيط الهادي برياح عاصفية بلغت 340 كلمتر في الساعة، وهذه الجزر ظلت تعتير الى اليوم "كجنة فوق الأرض" من حيث بعدها عن الكوارث. إن مستوى ارتفاع مياه البحر في المتوسط العالمي يصل اليوم إلى نحو ثلاث ملمترات في السنة ، بينما ارتفع في غرب المحيط الهادي الى 12 ملمتر. ومن المرتقب انه خلال 15 الى 20 سنة فان دول الجزر المرجانية جنوب بابوازي وغينيا الجديدة وتوفالا ستغمرها المياه بشكل كامل. وخلال سنة 2014 تم تحطم جميع الارقام القياسية للحرارة حسب معلومات الارصاد الجوية الاوروبية حيث اعتبرت السنة الأكثر ارتفاعا في الحرارة عالميا بدرجة حرارة متوسطة عامة تصل الى 146 درجة منذ انطلاق تسجيل حرارة فوق الأرض. ان هذا يبين ان الامبريالية غير مستعدة ولا قادرة على انقاد الانسانية من الكوارث الايكولوجية.

ان نمط الانتاج الرأسمالي الامبريالي الدولي النشاط أصبح يلغم الانشطة الاقتصادية للدولة الوطنية مما يؤدي الى تسارع وتعمق الازمات الاقتصادية والسياسية داخل هذه البلدان والتي لم تعد قادرة على حماية نفسها ضد مخاطر التفكك والانحلال، ونجد من بين الدول التي تعيش حالة التفكك كل من الصومال والسودان والكونغو ونجيريا ومالي والعراق واليمن ولبنان وسوريا وأفغانستان ودول أخرى ... إن هذا الميل السائر نحو تفكيك البنيات ومؤسسات الدولة في البلدان الخاضعة للاستعمار الجديد تشكل ظاهرة تتفاقم على قاعدة التنظيم الامبريالي الجديد للإنتاج العالمي.

انه التعبير الواضح عن الأزمة المعمقة للامبريالية والاستعمار الجديد، فأزمات النظام الامبريالي العالمي ينتج نموا غير متكافئ في ما بين وداخل الدول والجهات، مما يعمق التناقضات الطبقية والفقر وتدمير البيئة وتفكك نظام الأسرة البرجوازي. كما يمكن اسناد تزايد تفكك الدول الى الثورة المضادة التي تواجه النضال من أجل الديموقراطية والحرية وظهور الكثير من المنظمات الاسلامية المسلحة الفاشية والتي تستغل من طرف الامبريالية لتعميق الاغتراب الديني.

محسن الشهباني: كيف يتفاعل الاقتصاد الرأسمالي المغربي مع هذه السيرورة الجديدة للاقتصاد العالمي؟ وهل هناك استثناء مغربي كما يقال؟

عبد السلام أديب: لن اتحدث من الاستثناء المغربي وانما عن خصوصية النظام الرأسمالي المغربي، وهو امر بديهي لان الرأسماليات وان كانت تشترك في الآليات العامة لنمط الانتاج الرأسمالي الا انها تختلف عن بعضها البعض في كافة الجوانب الاخرى بل حتى في اسلوب استخدام هذه الآليات. فمعلوم ان نسبة الريع في المغرب تفوق نسبة الربح الرأسمالي، وهذا التفوق يؤكد ايضا "الطابع الاستبدادي" للاقتصاد الرأسمالي المغربي، حيث تتداخل الثروة والسلطة وتتحكم رخص الاحتكار والتحكم في الاسعار وفي البورصة.

على العموم تأثر الاقتصاد الرأسمالي المغربي بالازمة الاقتصادية العالمية لسنة 2008 وانشئت خلية ازمة لمعالجتها بين الحكومة والباطرونا والمركزيات النقابية على كاهل الطبقة العاملة ظهر ذلك من خلال عدد التسريحات الجماعية وتقليص الحد الادنى للاجور كما تمثلت في ضخ اموال الميزانية العامة في صناديق الشركات التي كانت تعيش الازمة كقطاع النسيج والجلد والاشغال العمومية والفنادق والصناعة التقليدية. ومنذ مجيئ حكومة عبد الاله بنكيران في نونبر 2011 تسارعت وثيرة معالجة الازمة على كاهل الطبقة العاملة دشنها بنكيران بالعفو على كافة ناهبي المال العام ومهربي الثروات نحو الخارج ثم بعد ذلك رفع اسعار المحروقات وتحريرها وتطبيق نظام المقايسة والشروع في اعدام صندوق المقاسة ... الخ.

ان هذا التدبير النشيط للازمة على كاهل الطبقة العاملة حقق للحكومة فوائض مالية هائلة كما ساهمت المديونية الخارجية التي عادت للارتفاع بقوة وايضا بعض معونات دول التعاون الخليجي اضافة الى تراجع اسعار برميل النفط في السوق الدولي في تمرير العديد من السياسات اللاشعبية واللاديموقراطية لحكومة بنكيران على المدى القصير.

ويمكن القول الى أنه الى غاية أواسط سنة 2014 تراجعت ازمة الباطرونا المغربية التي استأنفت انشطتها الانتاجية والتصديرية لكن في وضع متأزم بالنسبة للسوق الداخلي حيث ان انخفاض الاجور والبطالة الواسعة يتناقض مع الانتاج الزائد المحلي والدولي المتراكم في الاسواق والذي يفتقد للمنافذ لتصريفها وهو ما يؤثر على معدل ارباح الباطرونا ويجعل الازمة قابلة للانفجار مستقبلا في اية لحظة.

محسن الشهباني: هل الوضع الاقتصادي والسياسي المغربي هو نفسه في باقي الدول المغاربية والعربية أم انه يختلف عنهم نظرا لعدم تأثر المغرب كثيرا بما يسمى بالربيع الديموقراطي؟

عبد السلام أديب: بطبيعة الحال ان لكل دولة خصوصياتها وانه لا يمكن مقارنة ما لا يقارن سواء على المستوى الاقتصادي او السياسي او الاجتماعي. ومع ذلك هناك بعض السمات العامة التي توحد تأثر عددا من هذه الدول بسيرورة الاقتصاد العالمي، وسأحاول ان الخص هذه السمات كما يلي.

هناك تحول تدريجي للوضع الثوري في بلدان الشرق الأوسط وشمال افريقيا نحو وضع غير ثوري مقارنة مع ما كان سائدا خلال سنتي 2011 و2012، ويمكن ملاحظة هذا التحول منذ أواسط سنة 2013. فهذا الوضع الجديد مختلف أو معاكس تماما للوضعية السابقة حيث اتسمت بطابع رجعي غير ثوري ومطبوع أساسا بالسمات التالية:

- تطور الهيمنة التدريجية لإيديولوجية إسلامية ظلامية لا عقلانية تقودها مجموعات الاسلام السياسي التي ترتبط أو تتحالف بشكل وثيق مع التحالفات البرجوازية الحاكمة وايديولوجيتها المرتكزة على نمط الانتاج الرأسمالي وتحقيق اعلى معدلات الربح على كاهل الطبقة العاملة وحيث تدافع عن هذه الايديولوجية الاسلاموية طوائف متصارعة ومتنافسة كالسنة والشيعة والخوارج عدا المذاهب التي تتقاطعها؛

- ومن بين ادوات الهيمنة الايديولوجية الاضافية انتشار الابناك الاسلامية، رغم ان هذه الابناك في اسسها الفلسفية واليات عملها عبارة عن ابناك تجارية رأسمالية تقليدية مقنعة؛

- تراجع خطير في الحريات العامة والحقوق الفردية والجماعية والذي حدث بالموازاة مع تفاقم المد الأصولي الذي يمول من طرف ميزانيات الدول البرجوازية وايضا من طرف البترودولار والنظام الوهابي السعودي، وقد اصبحت حقوق النساء خاصة وحقوق الانسان عامة محاصرة في ظل هذا الوضع مهددة يوميا؛

- ميل نحو الدكتاتورية السياسية والقمع البوليسي لكل الحركات الاحتجاجية السلمية ومن بينها المعارك النقابية للعمال، عبر قمع اجتماعي، اقتصادي، سياسي، مع عودة الاختطافات والتعذيب والمحاكمات الصورية ... الخ، ويتم كل هذا بمباركة الاسلام السياسي الذي يمارس خطابا مزدوجا ويصدر فتاوى تحريم التظاهرات؛

- وبالموازاة مع هذا الميل نحو الممارسات الدكتاتورية والقمع السياسي للجماهير، فان التحالفات البرجوازية المهيمنة بالشرق الاوسط وشمال افريقيا عمقت سياساتها التقنينية للاقتصاد عبر استهداف الغاء كل المكتسبات الاجتماعية مثل مجانية التعليم والصحة العموميتين ودعم اسعار المنتجات الاستهلاكية الاساسية الواسعة وتطبيق الاسعار المرجعية العالمية التي تفوق القدرة الشرائية للطبقة العاملة المسحوقة والزيادة في سن التقاعد مع الزيادة في الاقتطاع من اجل التقاعد وتخفيض رواتب التقاعد وهو ما نسميه في بلادنا بالثلاثي الملعون ... الخ.

- وضعية الطبقة العاملة في هذه البلدان تتسم بالهشاشة المفرطة وعدم الاستقرار نتيجة التسريحات الجماعية والفردية وتفضيل العمل المؤقت وعبر شبكات الوساطة في التشغيل والتي تجعل من وضعية العمال اكثر هشاشة وغير مستقرة

ونتيجة للعديد من الاجراءات التي استهدفت القضاء على المكتسبات الاجتماعية للطبقة العاملة والحد من النفقات الاجتماعية للميزانيات العمومية مع استعمال مدخرات ضغط الاجور وخوصصة المرافق العمومية في ضخ اموال هائلة في خزائن الشركات البرجوازية تمكنت حكومات عدد من بلدان المنطقة من ان تتجاوز نسبيا ازمتها الاقتصادية والمالية الخانقة، لكن مع خلق وضعية جديدة تتسم بضعف الطلب الداخلي العام نتيجة ضعف القدرة الشرائية وتفاحش البطالة والفقر وارتفاع حجم المديونيتين الداخلية والخارجية والتي ستنعكس على الاجيال المقبلة، مع احتمال تعمق الانكماش الاقتصادي، وكلها مؤشرات تؤكد تشكل عوامل جديدة لانفجار أزمة مالية واقتصادية جديدة.

محسن الشهباني: ان المتتبع للوضع في الشرق الاوسط وشمال افريقيا عقب الثورة المضادة والتي قادها الاسلام السياسي بنشاط مما أدى الى احباط ما يسمى بالربيع الديموقراطي، يلاحظ الكثير من الهشاشة وقابلية هذا الوضع للانفجار في كل لحظة، فهل تعتقد ان مشروع الامبريالية الامبريالية الامريكية حول الشرق الاوسط الكبير في طريقه نحو التحقق من خلال استراتيجية الفوضى الخلاقة؟

عبد السلام أديب: ان الهجوم الامبريالي على المنطقة منذ سنة 2001 عبر حرب افغانستان ثم العراق خلق فوضى عارمة في المنطقة لذلك يمكن التأكيد باطمئنان ان ذلك الهجوم هو الذي خلق الفوضى الحالية، والتي يسميها الامبرياليون بالفوضى الخلاقة لأنها تؤدى الى زعزعت واقتلاع كامل جذور العشائر التي حكمت المنطقة منذ قرون. لكن هذه الاستراتيجية لا تخدم شعوب المنطقة الذين احالتهم الحروب والفوضى الى وضع الانسان البدائي وحطمت مختلف البنيات التحتية واصبح من المتعذر تشكيل مقاومة شعبية في ظل من عدم الاستقرار. انها استراتيجية في خدمة نمط الانتاج الرأسمالي الذي بلغ نهايته التاريخية فاصبح لا بد من تفجير الحروب وتحطيم وسائل الانتاج في كل مكان من اجل اعادة الروح لصناعة الاسلحة ومن اجل اعادة بناء ما تحطم من بنيات تحتية.

ان ما نلاحظه اليوم على دول المنطقة العربية والمغاربية هو ذلك الميل العام المفبرك نحو التسلح مع تفاقم بؤر المواجهات العسكرية المفتعلة بين مختلف دول المنطقة سواء على مستوى طائفي سنة شيعة (السعودية – ايران – اليمن) أو على مستوى السيطرة على الارض، اراضي عربية اراضي كردية، أو على مستوى المطالبة بالحرية والديموقراطية كما حدث منذ سنة 2011. وبطبيعة الحال ان هذه الظاهرة تخلق ظاهرة اخرى هي التفاحش الواسع لعدم الاستقرار الاجتماعي.

- فالميل نحو التسلح والذي تؤكد التقارير الدولية على اهميته والذي يسير بشكل متوازي مع حالة عدم الاستقرار التي تعانيها الآلاف من الأسر والملايين من الشباب العاطلين والمهجرين.

- يطال عدم الاستقرار شعوبا كثيرة داخل المنطقة بل ويتوغل في العمق الافريقي حيث نشأت اوضاع من عدم الاستقرار نتيجة الظاهرة المتفاقمة "لتفكك العديد من الدول" الخاضعة للاستعمار الجديد؛

- وتساهم "الدولة الاسلامية" داعش في انتشار عدم الاستقرار هذا من خلال امتداد تأثيراتها انطلاقا من سوريا والعراق لكي يهدد بلدان شمال افريقيا ويتوغل داخل افريقيا

- ان التحولات الجارية وعدم الاستقرار القائم نتيجة ازمة الامبريالية له عواقب اخرى تتمثل على الخصوص في الهجمات الارهابية في اوروبا وعدم الاستقرار والتسلح بليبيا والبطالة المكتفة في كامل الجهة. وهذا يعني ان الوضع من عدم الاستقرار الذي احدثه الامبريالية في المنطقة بدأ ينتقل الى عقر دارها؛

- تشكل اليوم هيمنة ايديولوجيات الإسلام السياسي جزءا من التفكك العام للمجتمع نتيجة الازمة العميقة لنمط الانتاج الرأسمالي. ويتم اليوم فتح قنوات جديدة للمجموعات المرتبطة بتنظيم القاعدة مثل بوكو حرام في نيجيريا والشباب الاسلامي في كينيا، يعملون على نشر الرعب والحرب داخل وخارج حدودها.

- وتتمثل الدول التي تعاني من هجمات المنظمات الاسلامية الارهابية في كل من الصومال وجنوب السودان (التي تساندها فرقا صينية مسلحة) والكامرون (حيث توجد فرقا جيدة التدريب من طرف اسرائيل مستعدة للقتال) وبالتشاد (حيث تتواجد قوى خاصة مضادة للإرهاب في قاعدة فور كارسون وكولورادو وتعمل تحت تدريب بريطاني وقوى فرنسية خاصة).

محسن الشهباني: هناك نوع من الخلط لدى العديد من المناضلات والمناضلين حينما يتحدثون عن الاسلام السياسي خاصة عندما يقال بان هناك اسلام سياسي مناضل جاء لمحاربة الامبريالية ولإقامة دولة دينية ملأها العدل والإخاء. فكيف تبدوا لك حقيقة الدين والتدين خلال القرن الواحد والعشرين؟ وهل بامكان الاسلام السياسي ان يلعب دورا ثوريا في مواجهة الامبريالية؟

عبد السلام أديب: هناك أولا فرق كبير بين الاسلام السياسي ودين الشعوب الاسلامية فمنذ اربعة عشر قرنا ظلت المساجد توجد في معظم احياء هذه الشعوب المسالمة. ان المشكل يبدأ عندما نتحدث عن الاسلام السياسي وكيف تطور الاسلام السياسي منذ ما يسمى بالفتنة الكبرى. فعلى الاقل لدينا مرجع قوي يستنكر الاسلام السياسي بقوة وهم المعتزلة الذين حاولوا تغليب العقل على النقل خارج العصبية الدينية وما تشكله من عصبية قبلية وطائفية ثم طبقية. فالاسلام السياسي منذ ذلك الحين اصبح مسألة سلطة سياسية لحماية استغلال واستبداد الطبقة المهيمنة سياسيا.

إن الاديان الثلاثة اليهودية التي ظهرت في مرحلة انحطاط حضارة الفراعنة وبداية تفككها حيث تفاقم الاستبداد فشكلت ايديولوجية المضطهدين للتخلص من الاستبداد، ثم المسيحية التي ظهرت في مرحلة انهيار بيزنطة الامبراطورية الرومانية حيث شكلت ايديولوجية المضطهدين لمقاومة الاستبداد الناشئ نتيجة التفكك المرتبط بالانهيار. ثم الديانية الاسلامية التي ظهرت في الجزيرة العربية في مرحلة انهيار الممالك العربية المحيطة وكذا انهيار الامبراطوريتين الفارسية والرومانية فشكلت ايديولوجية المضطهدين لمقاومة الاستبداد والاستغلال.

لكن علينا ان نفرق بين مرحلة صعود هذه الاديان خلال مقاومة الاضطهاد والظلم كايديولوجيات ثورية وبين مرحلة تحول هذه الاديان الى ايديولوجيات رسمية للطبقات المهيمنة على السلطة السياسية تستغل للمحافظة على استمرار هيمنتها. ففي هذه المرحلة الثانية يصبح الدين اساس الاضطهاد والظلم. وكما أشار كارل ماركس عن حق:

"ان التعاسة الدينية هي، في شطر منها، تعبير عن التعاسة الواقعية، وهي من جهة أخرى احتجاجا على التعاسة الواقعية. فالدين هو زفرة الإنسان المسحوق، وقلب عالم لا قلب له، كما انه روح الظروف الاجتماعية التي طردت منها الروح. انه بالتالي أفيون الشعب".

ان جميع القوى السياسية التي تدعي اليوم انها ستستعمل الدين لاستعادة امجاد ماضية فعبارة عن أوهام وتشويه لفكر الجماهير التواقة للحرية والديموقراطية. فعالم اليوم لم يعد في حاجة الى قطع يد السارق وقطع رقبة المرتد ورمي المثليين من فوق العمارات او حرقهم. فمن يناصر مثل هذه الافعال باسم الاديان التي انتهى دورها التاريخي ابان ظهورها عبارة عن متسلط استبدادي. دولة اليوم لا يجب ان تضفى عليها القداسة الدينية لان من يتحكم فيها احدى الطبقات الحاكمة التي تستعمل جهاز الدولة لاستغلال الآخرين. فالدولة اذن هي اداة طبقية فاذا ما تم اضفاء الطابع الديني على أفعالها الطبقية فستصبح افعالا طبقية مقدسة ظالمة. الدولة العادلة الوحيدة الانتقالية هي دولة دكتاتورية البروليتاريا والتي تكون مهمتها محددة في الزمن وهي القضاء على كافة الطبقات وعندها تنحل الدولة ولا يصبح هناك سببا للاستغلال او الصراع.