التوجهات العامة لمشروع ميزانية 2015


عبد السلام أديب
الحوار المتمدن - العدد: 4613 - 2014 / 10 / 24 - 01:16
المحور: الادارة و الاقتصاد     

أجرت الصحافية بجريدة المنعطف السيدة بشرى عطوشي حوارا صحافيا مع عبد السلام أديب حول التوجهات العامة لمشروع قانون مالية 2015، وفيما يلي مضمون الحوار.

تبعا للموضوع أعلاه ، و انطلاقا من الجدل الذي خلقه تقديم الخطوط العريضة وسط الفاعلين الاقتصاديين و السياسيين و حتى الفرقاء الاجتماعيين . ومن هذا المنطلق ارتأينا استضافتكم الأستاذ الكريم في حوار تخصوننا به حول المشروع من خلال الأسئلة التالية :

• أعلنت الحكومة بأن مشروع قانون المالية للسنة الموالية هو قانون سيحافظ على التماسك الاجتماعي كيف تقيمون الشق الاجتماعي في المشروع ؟

•• جميع الحكومات السابقة والحالية حاولت وتحاول توظيف الخطاب الاجتماعي للتغطية على الاجراءات غير الاجتماعية التي تتخذها. فعلى سبيل المثال عندما اعتزمت الحكومة الحالية اعدام صندوق المقاصة وتطبيق المقايسة وتم رفع كافة الاسعار وخصوص اسعار فواتير الماء والكهرباء والتي نشاهد حالية الجماهير الشعبية في سيدي يحي الغرب والبهاليل والراشيدية وتاهلة وبنسودة بفاس ومناطق أخرى تنتفض على نيرانها التي احرقت جيوبهم، فحينما كان يتم التحضير لهذه السياسات اللاشعبية ظل الحزب الحاكم والناطقين باسمه في الحكومة يعدون بان هذه الاجراءات سترافقها اجراءات مصاحبة كدعم مباشر للفقراء وكتعويض للمهنيين مستهلكي المحروقات التي ارتفعت اسعارها... الا ان هذه الاجراءات ظلت مجرد وعود ولم نرى في ميزانيتي 2014 ولا في ميزانية 2015 أي تجسيد لها. لذلك فإن الخطاب الاجتماعي الذي تستعمله الحكومة اثناء تقديمها لمشروع القانون المالي مجرد در الرماد في العيون، بينما الواقع هو العكس تماما، فبدلا من التقليص من ارباح رأس المال للزيادة في الاجور المباشرة أو غير المباشرة تعمل الحكومة الحالية على انجاز أكبر عملية جراحية على هذه الاجور للتقليص منها لصالح توسيع هامش ارباح رأس المال.

فما هو الغلاء إذن إن لم يكن سياسة حكومية متعمدة، يتمثل بعضها في ايقاف الدعم الموجه إلى المواد والخدمات الاساسية والتي تؤدي إلى التقليص من أجور ذوي الدخل المحدود لفائدة توسيع هامش ارباح البرجوازية الحاكمة، ويتمثل بعضها الآخر في الزيادة في معدلات الضريبة كما هو الشأن بالنسبة للماء والكهرباء. بينما في المقابل تقدم الحكومة كامل الدعم لرأس المال حيث تقرر اعفاء المقاولات من الضريبة على الدخل لخمسة مأجورين مثلا، علما ان المأجورين هم من يسدد الضريبة وليس المقاولة، وأيضا عن اعتماد ما يسمى بالعفو الضريبي عن السنوات السابقة.


• فرض مزيد من الضرائب على المواد الاستهلاكية من خلال تجميع الضريبة على القيمة المضافة في نسبتين فقط في حين عجزت الحكومة عن رفع الضريبة على القيمة المضافة بالنسبة للمنتجات التكميلية التي يستهلكها الأغنياء فقط، ما هو تعليقكم ؟

•• الاجراءات الضريبية الجديدة للضريبة على القيمة المضافة المعتمدة في مشروع ميزانية 2015 تؤكد ما ذكرته سابقا من أن الحكومة تستهدف جيوب العمال والفلاحين الفقراء وذوي الدخل المحدود عندما تختزل المعدلات الاربع للضريبة على القيمة المضافة وهي 7 في المائة و10 في المائة و14 في المائة و20 في المائة في معدلين اثنين فقط وهما 10 في المائة و20 في المائة. وهذا الاجراء حاولت حكومة ادريس جطو اعتماده في ميزانية 2007 لكن الاحتجاجات الشعبية القوية والتي قادتها على الخصوص تنسيقيات مناهضة الغلاء وتدهور الخدمات العمومية، دفع الحكومة آنذاك الى التراجع عن هذا الاجراء وها هي اليوم حكومة بنكيران تعتمده في ميزانية 2015. وسيؤدي هذا الاجراء الى زيادات مهولة في اسعار العديد من المنتجات الغذائية الاساسية كالشاي والمعجنات الشعرية والارز مثلا والتي سترتفع من 10 في المائة الى 20 في المائة حيث ستخضع لنفس المعدل الضريبي الذي يخضع له الذهب والويسكي والمواد الكمالية. بل حتى السكن الاجتماعي واستعمال الطريق السيار سيعرف المعدل الضريبي الخاضعة له ارتفاعا من 14 في المائة الى 20 في المائة. فالإجراءات الضريبية الجديدة تؤكد على أولوية الهاجس المالي عند الحكومة وغياب اي هاجس اجتماعي لديها.


• تخصيص مبلغ 1 في المائة من الضرائب على الشركات و الدخل لفائدة الجهات و بقيت ميزانية الاستثمار المخصصة للجماعات أصغر عشر مرات من ميزانية استثمار الوزارات و المؤسسات العمومية التابعة للحكومة، كيف ترون هذه الخطوة ؟

•• ان هذا الاختلال حتى وان كان يبدوا طبيعيا نظرا لاختلاف المهام ومسؤولية الوزارات والمؤسسات العمومية عن مهام ومسؤولية الجهات والجماعات المحلية والتي لا زالت تخضع لسلطات وصاية صارمة في كل شيء وتتفاوت مالية هذه الجماعات بحسب غنى او فقر كل جماعة على حدة ومدى مساهمتها الضريبية حتى تتمكن من الاستفادة من حصة 30 في المائة من مداخيل الضريبة على القيمة المضافة بمطقتها الجغرافية. الا ان هذا الاختلال يؤكد أيضا على هشاشة اللامركزية الادارية وسيادة ديموقراطية الواجهة واستعمالها سياسيا فقط لضمان استمرار البنية الطبقية السائدة وولاء الاعيان ومساندتهم للسلطة المركزية وعدم السماح في الواقع بأي استقلال مالي واداري قد يمكن من نهوض فعلي ومستقل للجماعات المحلية. وهنا أيضا يتم اشاعة خطاب ديماغوجي من طرف الحكومة حول ارادة الارتقاء بالجهوية وباللامركزية الادارية بينما تظل الوسائل المالية ضعيفة ان لم تكن نادرة ومتحكم فيها مركزيا من طرف وزارة الداخلية ووزارة المالية، وهذا ما يفسر استمرار انتشار مظاهر التخلف والتهميش في العديد من الجماعات المحلية في مختلف جهات البلاد.


• تعول الحكومة في مشروع قانون مالية 2015 على نسبة نمو 4,4 في المائة ، فهل سيتم بالفعل الوصول إلى هذه النسبة في ظل الظرفية الاقتصادية الراهنة ؟

•• مصيبة نسبة النمو في المغرب التي تضل متدنية ولا تحقق الارتفاع المطلوب الا بمناسبة سقوط الامطار، فتكمن بالأساس في السياسات المعتمدة منذ حصول المغرب على استقلاله الشكلي، فهدف التراكم الرأسمالي البدائي دفع بالحكومات المتعاقبة الى دعم البرجوازية المحلية والفلاحين الكبار وأيضا الشركات الرأسمالية العالمية واطلاق يدها في الاستغلال المفرط لليد العاملة المغربية في المدن والبوادي دون ادنى مساهمة في المقابل في تنميتها البشرية وفي تمديد البنيات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الى مختلف المناطق بحيث يؤدي ذلك الى الارتقاء العام لمختلف المناطق. وقد صاحب هذا الاستغلال المفرط دون مقابل تنموي يذكر افراط في الاستدانة الداخلية والخارجية والتي تسدد على مدى عقود من جيوب ذوي الدخل المحدود. وقد دفعت هذه السياسات نحو افقار واسع وإلى ضعف عام للقدرة الشرائية للأسر المغربية مما أدى الى بروز ظاهرتين، الأولى تتمثل في تدني المداخيل الضريبية نظرا لمحدودية الطاقة الضريبية والتي تستند على الضعف العام للمداخيل وعلى الاعفاءات الخيالية لأصحاب الشركات الرأسمالية والثروات، أما الظاهرة الثانية فتتمثل في عدم قدرة السوق الداخلي، بشكل مزمن، امتصاص الانتاج الزائد المفرط سواء السلع المنتجة محليا او المستوردة. لذلك فان ضعف المداخيل الضريبية التي لا تغطي سوى حوالي 60 في المائة من مداخيل الميزانيات السنوية في حين يتم تغطية فجوة ال 40 في المائة المتبقية من الاقتراضات والمنح الخارجية بالإضافة الى ضعف السوق المحلي وعدم قدرته على تحويل الانتاج الزائد الى ارباح نقدية فان كل ذلك ينعكس في ضعف مزمن لنسب النمو السنوية.

وحتى تعالج الحكومات المتعاقبة هذا التدني في المداخيل الضريبية والتدني في الارباح الرأسمالية فإنها تلجأ بشكل منهجي الى سياسة الغلاء التي تزيد من توسيع الفجوة القائمة ما بين الطلب الداخلي الكلي المتدني والانتاج الزائد المتفاقم، وهذه السياسة كما قلت سابقا تحقق ارباحا وسيولة غزيرة بالمجان للحكومة ولرأس المال بينما تزيد من اضعاف القدرة الشرائية للعمال والفلاحين الفقراء وذوي الدخل المحدود. وكل معدل نمو مرتفع نسبيا قد تحققه الحكومات المتعاقبة فإنما كان يتحقق على حساب الكادحين وعن طريق امتصاص دمائهم وليس عبر توسع في الانتاج الحقيقي وزيادة فعلية في التراكم الرأسمالي وعبر اعادة توزيع مداخيل جديدة على الكادحين.


• تتوقع الحكومة خفض نسبة عجز الميزانية إلى 4,9 في المائة في نهاية 2014 ثم إلى 4,3 في المائة في نهاية العام المقبل، ولتحقيق هذا الهدف ينص مشروع الميزانية لعام 2015 على الاستمرار في سياسة خفض الدعم عن السلع الاستهلاكية الأساسية كيف تعلقون على ذلك؟

•• هذا المنحى الذي تتخذه سياسة الحكومة الحالية يؤكد افلاس نموذج الاقتصاد الرأسمالي القائم وافلاس اساليب معالجة أزماته والتي أصبحت بالضرورة تتم على حساب الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء ومن أجل ضمان استمرار الهيمنة الطبقية المطلقة للبرجوازية الحاكمة. فبسبب ازماته الدورية لم يعد هذا النموذج بقادر على تحقيق المزيد من التراكم الرأسمالي وبالتالي خلق ما يكفي من فرص الشغل ومن المداخيل الجديدة والتي قد تنعكس في رواج اقتصادي حقيقي يرفع من أرباح الرأسماليين ومن حصة المداخيل الضريبية. لذلك تلجأ الحكومة الى الضغط على الاجور وعلى كافة اشكال الدعم الاجتماعي لتقليص نسبة عجز الميزانية، بينما لا تجرؤ على المساس بعائدات وارباح البرجوازية المهيمنة عن طرق فرض الضريبة على الثروات مثلا.

فنحن هنا أمام موازين قوى سياسية مختلة، حيث ان الطرف الضعيف وهي الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء وذوي الدخل المحدود رغم أنها تشكل أكثر من 70 في المائة من المغاربة. ونظرا لأن كافة القوى السياسية والنقابية لا تمثل هذا الطرف الضعيف بل تمثل فقط نفسها وتتنافس فيما بينها على كسب اصوات اغلبية هؤلاء لخدمة مصالحها ومصالح التحالف الطبقي الحاكم. وكخلاصة لما سبق فإن عجز الميزانية مرتبط بأزمة الاقتصاد الرأسمالي ببلادنا، وأن الحكومة الحالية تحاول معالجته على كاهل الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء.

ان الميزانية العامة تعتبر أداة سياسية خطيرة يتحكم فيها التحالف الطبقي الحاكم، والحكومة ملزمة بتفصيلها على مقاس هذا التحالف الحاكم وحاجياته البادخة وعلى حساب الطبقات المستغلة.

ان جميع العمال والفلاحين والموظفين يتطلعون اليوم الى الاضراب العام الانذاري ليوم 29 أكتوبر 2014، والذي اعلنت عنه ثلاث مركزيات نقابية والتحقت به باقي المركزيات حيث بلغ اليوم عدد النقابات صغيرها وكبيرها الملتحقة بهذا الإضراب العام الانذاري ما يزيد عن 18 نقابة. فالطبقة العاملة تأمل في أن يغير هذا الاضراب العام الانذاري ربما من موازين القوى القائم لصالحها، بحيث يؤدي الضغط العمالي على الحكومة الى تراجعها عن العديد من قراراتها اللاشعبية واللاديموقراطية الاخيرة والتي دفعت الى اشتعال نار الغلاء والى خروج الآلاف من المواطنات والمواطنين الى الشارع في تظاهرات عفوية للاحتجاج على سياسات الحكومة التفقيرية.

لكن تخوف الطبقة العاملة هو في لجوء النقابات والاحزاب السياسية كالعادة الى استعمال هذا الاضراب العام فقط لأهداف انتخابوية وهو الأمر الوارد بقوة حيث سرعان ما ستعقد توافقات مع الحكومة من وراء ظهر الطبقة العاملة وباسمها للحصول على بعض الفتات التي لا تغني ولا تسمن من جوع، غايتها في ذلك الظهور بمظهر المدافع عن الطبقة العاملة لتجاوز المقاطعة العارمة للانتخابات التشريعية والجماعية.