هذا التراكم الرأسمالي البدائي الذي لا يريد أن ينتهي في المغرب


عبد السلام أديب
الحوار المتمدن - العدد: 4472 - 2014 / 6 / 4 - 16:07
المحور: الحركة العمالية والنقابية     

أجرى الصحافي بجريدة تمازيغت السيد حميد بوهدا حوارا مع عبد السلام أديب بخصوص تصنيف الاتحاد الدولي للنقابات قبل ايام المغرب ضمن البلدان الأسوأ في العالم في ما يخص معاملته للعمال. وقد جاء الحوار كما يلي:


• صنف الاتحاد الدولي للنقابات في تقريره الصادر قبل ايام المغرب ضمن البلدان الأسواء في العالم فيما يخص معاملته للعمال واحترامه لحقوقهم، ما هو تعليقكم على هذا التقرير؟

** لقد أصاب الاتحاد الدولي للنقابات في تقريره في ما يخص اعتبار المغرب من أسوأ البلدان في معاملته للعمال واحترامه لحقوقهم. فالنظام السياسي المغربي اختار منذ خروج الامبريالية الفرنسية من المغرب اعتماد نفس نمط الانتاج الرأسمالي الذي كان سائدا خلال عهد الحماية. وبذلك دشن عهدا جديدا من التراكم الرأسمالي البدائي بمعنى المتوحش سواء بالنسبة للقطاع الفلاحي أو بالنسبة للصناعة الغذائية التحويلية، أو حتى بالنسبة للتجارة والخدمات. ومعلوم ان نمط الانتاج الرأسمالي يتطلب اقتطاع اكبر قدر من الارباح من قوة العمل التي يشغلها. فمن خلال تلك الارباح يتكون التراكم البدائي لرأس المال. لذلك فان المحافظة على اجور متدنية جدا وعدم احترام الشروط الشغلية وحقوق العاملات والعمال وكذا العمال الزراعيين، لكون تلك الشروط تشكل كلفة على عاتق الباطرونا والملاكين الزراعيين الكبار فتقلص من معدلات ارباحهم. ونظرا لكون هذه الباطرونا والملاكين الزراعيين الكبار هم عادة من يفرضون تشريعات الشغل من خلال هيمنتهم على البرلمان والحكومة، فإن تلك التشريعات تصاغ على مقاسهم بينما التشريعات المتقدمة والتي تتضمن حقوقا للعمال فيتم التحايل عليها حتى لا تطبق.

وليس الجهازين التشريعي والتنفيذي هم فقط من يعيق احترام حقوق العمال وأجورهم والشروط الشغلية الضرورية، بل نجد أيضا تواطؤا بعضه مكشوف والبعض الآخر مستتر، تمارسه الاحزاب السياسية والمركزيات النقابية، فهذه المؤسسات السياسية والنقابية تخضع لهيمنة قياداتها التي تكون في الغالب متعاونة مع التحالف الطبقي الحاكم، ويقوم سعيها الى الانخراط في السلطة وتدبير الشأن العام على قدرتها على اقناع الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء بعدم جدوى مطالبها النقابية العادلة بل وبضرورة القبول بالتضحية من أجل ما يسمى بانتعاش المقاولة الوطنية. وابرز مثال على ذلك الحملة الاعلامية لحزب العدالة والتنمية الحاكم عندما اراد الزيادة في اسعار المحروقات والتي اعلن من خلالها ان هذه الزيادات صالحة للفقراء، نفس الشيء يفعلونه اليوم مع اعدام صندوق المقاصة.

الطبقة العاملة المغربية اليوم تعيش منذ انفجار الازمة الاقتصادية العالمية سنة 2008، حالة تراجع اكبر عن أجورها وحقوقها، وتكفي الاشارة الى قرارات خلية الازمة التي تشكلت في فبراير 2009 من الباطرونا والحكومة والمركزيات النقابية، وحيث تقرر امكانية الشركات التي تأثرت بالأزمة تخفيض الحد الادنى للأجور الى 1.200 درهم فقط، وامكانية هذه المقاولات تقليص 5 في المائة من عمالها، وقد رأينا كيف لجأت مختلف المقاولات المتأثرة وغير المتأثرة الى اعتماد هذه الاجراءات بل والمبالغة فيها. كما أن جميع النزاعات الشغلية والتي تنتهي امام القضاء تعريف تأخيرات لا حصر لها قبل البت فيها وحتى وان كانت هذه الاحكام في صالح العمال ففي الغالب لا تنفذ فتمضي السنوات الطوال والعمال يطالبون بتنفيذ الاحكام التي هي في صالحهم.

الخلاصة هي ان الطبقة العاملة المغربية تعاني بالفعل كما أشار الاتحاد الدولي للنقابات من سوء المعاملة وضياع الحقوق، وأن الحكومة والأحزاب السياسية والمركزيات النقابية مسؤولة عن استمرار هذه الوضعية.

• دائما ما تشكك الحكومة المغربية في مصداقية هذا النوع من التقارير كما فعلت مؤخرا مع تقرير "فريدم هاوس" حول حرية الصحافة و تقرير منظمة "العفو الدولية" حول التعذيب، لماذا في نظركم تلجأ الدولة دائما الى التشكيك في هذه التقارير واتهامها بالتحيز؟

** الدولة في كنهها هي ممثلة للتحالف الطبقي المهيمن سياسيا واقتصاديا، وتطبيق التشريعات الشغلية يتم بمعرفته ولخدمة مصالحه خاصة استمرارية التراكم البدائي لرأس المال وتعظيم الارباح. لذلك يعمل هذا التحالف بتواطؤ مع بيروقراطيات الاحزاب السياسية والمركزيات النقابية بشل اية امكانية لتفعيل حقيقي للحقوق الشغلية لصالح الطبقة العاملة. لكن حاجة الباطرونا الى استمرار وضع استغلال الطبقة العاملة تصطدم بحاجة السلطة السياسية لتلميع صورتها الحقوقية في المحافل الدولية، خصوصا عندما تصدر التقارير الدولية التي تصنف المغرب من بين افظع الدول التي تنتهك الحقوق الاساسية للطبقة العاملة. فحينذاك يبدأ البحث عن كيفية تنفيذ خلاصات تلك التقارير ومحاولة تقديم اطروحات غير واقعية ومفضوحة.

• يلاحظ أن المشهد النقابي المغربي يحتوي على العشرات من النقابات، ألا ترى أن اتهام التقرير الدولة بعدم احترام الحريات النقابية وتهديد كل من يطالب بحقوق العمال فيه نوع من التحامل وتبخيس لمجهودات الدولة في هذا المجال؟

** لا أعتقد ذلك أمام ما نشهده يوميا من انتهاكات تطال حقوق الطبقة العاملة والعمال الزراعيين وحرياتهم النقابية، ويمكن لأي باحث اللجوء الى المحاكم للاطلاع على عدد الانتهاكات التي تطال حقوق العمال بل هناك العديد من التقارير التي تتقاطع بخصوص عدد الاحتجاجات العمالية اليومية وعدد الاضرابات النقابية وأيضا عدد التسريحات التعسفية الفردية والجماعية.

ان بلوغ عدد المركزيات النقابية الثلاثين مركزية مع تعمق واستمرار انتهاك حقوق العمال من طرف الباطرونا والتغطية على ذلك من طرف السلطات يعتبر مثيرا للسخرية، بل يفسر لماذا نسبة تنقيب الطبقة العاملة ضعيفة جدا أي أنه من بين حوالي أربعة ملايين ونصف عامل هناك فقط 5 في المائة منها أي حوالي 225.000 عامل وعاملة فقط منخرطون في المركزيات الثلاثين. فعدم جدوى التنقيب اصبح شائعا لكون العامل أصبح يشعر بان بيروقراطيات تلك المركزيات النقابية حالما يحدث نزاع بينها وبين الباطرونا حتى تلتف على مطالبها ملبية في نهاية الحوار الذي تجريه باسمها مصالح الباطرونا.

إن الدولة كممثل طبقي للباطرونا تعرقل بشكل منهجي اي عمل نقابي جدي وتضع امامه شتى العراقيل، بل غالبا ما يتم الالتفاف على ذلك العمل النقابي الجدي عن طريق افساد عدد من الكوادر النقابية وجعلها اداة بيروقراطية طيعة تعمل على تكسير نضالات الطبقة العاملة وتشتيتها وربطها بمطالب شكلية تحقق رغبات الباطرونا أكثر من تلبية المطالب العادلة للطبقة العاملة. ولعل ابرز مثال على التعفن النقابي البيروقراطي ووقوف الدولة موقف المتفرج المساند لهذا التعفن هو ما يحدث في الاتحاد المغربي للشغل منذ 5 مارس 2012، فإرادة تصفية التوجه الديموقراطي المكافح اسند للكوادر النقابية البيروقراطية الاكثر تعفنا وشبهة. ورغم معاكسة هذا الانحراف النقابي البيروقراطي لكافة الاعراف الديموقراطية النقابية، باركت السلطة هذه التصفية بل كانت مساهمة فيها.

العديد من النضالات العمالية أصبحت اليوم تتم من خارج المركزيات النقابية وغالبا ما تتمكن هذه النضالات من تحقيق مطالبها لأنها لا تصطدم بتواطؤ البيروقراطيات النقابية.

• اتخذت الدولة وشركائها النقابيين خطوة تهدف الى تحسين الوضعية الاجتماعية للعمال بإضافة 10 بالمائة من أجورهم، الا ترى أن ما تقوم به الحكومة يندرج في اطار احترامها لوعودها بالرفع من الحد الادنى للأجور ليصل الى 3000 درهم؟

** أولا لا يجب الخلط بين زيادة 10 في المائة في اجور العمال على سنتين، وقرار رفع الحد الأدنى للأجور في الوظيفة العمومية الى 3000 درهم، فهما اجراءان مختلفان. فزيادة 10 في المائة في اجور العمال يعني 3,33 درهم في اليوم للعامل، فماذا سيمثل هذا المبلغ لأسرة العامل؟ انه مجرد ثمن كأس شاي في اليوم. أليس ذلك ضحك على دقون الطبقة العاملة في الوقت الذي تم فيه اعدام صندوق المقاصة وتم رفع اسعار المنتجات والخدمات الاساسية.

أما بالنسبة للإجراء الثاني فان بحثا بسيطا في قاعدة معطيات الوظيفة العمومية سيجعلنا متأكدين ان الاجراء لن يهم سوى حوالي أربعة آلاف موظف وموظفة وغالبيتهم لن تعرف اجورهم زيادة سوى بدرهمين أو ثلاثة.

الخلاصة هي أن ما أورده تقرير الاتحاد الدولي للنقابات حول كون المغرب من أسوأ البلدان في مجال معاملة الطبقة العاملة وحقوقها وحرياتها، لا يبتعد عن الحقيقة القائمة التي تعيشها هذه الطبقة والتي يمكن أن نعاينها كل يوم بالعين المجردة.