اغتراب الجماهير الكادحة في ظل هيمنة الاسلام السياسي


عبد السلام أديب
الحوار المتمدن - العدد: 4264 - 2013 / 11 / 3 - 09:52
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

استهدفت حكومة بنكيران بنسختيها الأولى والثانية خدمة رأسمال المهيمن المحلي والأجنبي، بكل وفاء وتفاني والتزامها الصارم بتعاليم صندوق النقد الدولي والبنك العالمي انطلاقا من شهر يونيو 2012، ولا تنبع خدمة الحكومة للرأسمال المهيمن من مجرد خضوع لا ارادي وتبعية انتهازية ميكانيكية لهذا الأخير، وإنما تنبع من العقيدة السياسية والاقتصادية التي تؤمن بها مختلف مكونات أحزاب الأغلبية الحكومية وهي عقيدة تتبنى الديموقراطية البرجوازية السياسة ظاهريا والاوتوقراطية ضمنيا بينما تتبنى نمط الانتاج الرأسمالي الليبرالي في الاقتصاد ظاهريا واقتصاد الريع ضمنيا.


وقد استهدف الاقتصاد السياسي البرجوازي المعتمد من طرف حكومة بنكيران نصف ملتحية منذ بداية تنصيبها، كما فعلت باقي البلدان الرأسمالية المتأزمة في أوروبا وأمريكا، إيجاد المخارج الملائمة التي تعيد للربح والتراكم الرأسمالي حيويته المنشودة (وأيضا تقوية الريوع الاقتصادية التقليدية). وتبدوا هذه المخارج التي اختارتها الحكومة تتماثل مع الحلول المعتمدة من طرف مجموعة العشرين والتي سبق أن فرضت على اليونان وعلى ايطاليا واسبانيا والبرتغال مما زاد من تعميق معاناة الجماهير الكادحة في هذه البلدان، وتستهدف التقشف والغاء كافة الامتيازات الاجتماعية والغاء دعم الحكومة للمواد والخدمات الاساسية وتجميد الاجور والرفع من اسعار الضريبة على القيمة المضافة والضرائب على الاستهلاك ومراجعة انظمة التقاعد ... الخ

وتقول الادوات الايديولوجية البرجوازية للحكومة، لعموم الكادحين أن عليهم أن يتحملوا التقشف والانكماش والذي لا يعني شيئا سوى أن تقبلوا بأجورا أقل وبالتقليص في استهلاك الطعام والشراب والثياب وقراءة أقل عدد ممكن من الكتب والعزوف عن تعليم الابناء تعليما محترما والتوقف عن المبالغة في اللجوء الى العلاج والادوية المكلفة والتوقف عن السفر ... وكل ذلك من أجل أن تحقق البرجوازية المتعفنة فوائض مالية أكبر عندما تحقق هذه الاجراءات لتحسين تنافسيتها نتيجة تقليص التكاليف. كما أن الثروات المتراكمة لدى هذه البرجوازية يمكن أن يعاد استثمارها فتؤدي الى تراكم ارباح جديدة. فوصايا كل من صندوق النقد الدولي وبنك المغرب يحدران من العجز ومن الزيادة في الاجور ومن التوظيف في الوظيفة العمومية فهما يوصيان بعدم رفع الاجور حتى يبقى العجز في ادنى مستوى له وحتى تحتفظ المقاولات الرأسمالية بتنافسيتها وتحقق البلاد نسب نمو مرتفعة قد تصل الى أكثر من 5 في المائة سنويا. اما الحاجة الى الطعام والثياب والعلاج والكتب والقراءة فيكفي الكادحين أن يقتنعوا بأن برجوازيتها "الوطنية" المهيمنة تحقق لنفسها ولأبنائها هذه الحاجات (التمتع بالاستبدال)، ونتيجة لتقبل الاجراءات التقشفية للحكومة فسيكون العاملات والعمال سعيدون باحتفاضهم بعملهم بتلك الأجور الزهيدة وهو وضع أفضل لهم بكثير من فقدان الشغل في حالة عدم تطبيق التقشف


تلك اذن هي خلفيات العقيدة السياسية والاقتصادية لحكومتي بنكيران الاولى والثانية والمتماثلة مع مطالب البرجوازيتين المحلية والدولية والمتطابقة مع وصفات المؤسسات المالية الدولية. وهي عقيدة تقود الى اغتراب جماعي للجماهير الكادحة بل وتؤدي الى انفصالهم عن ذواتهم وعن انسانيتهم وعن الواقع والى تهميشهم واحباطهم انطلاقا من تهميشهم لانفسهم وفرض الاحباط على نفسهم والقبول بكل ذلك، خصوصا وأن البرجوازية المهيمنة على وسائل الانتاج تفصل هؤلاء الجماهير الكادحة عن المنتجات التي يحققونها أثناء العمل وذلك نظرا للملكية الخاصة المستفرد بها من قبل البرجوازية، فالعامل الفقير المهمش المحروم من أي شكل من اشكال التملك والذي يدفع أكرية مرتفعة لمساكن أشبه بالاكواخ المهترئة، يصبح في حاجة ماسة للدين وإلى الايمان بالعالم الاخروي للتخلص من اغترابه من أجل انقاد أنفسهم من هذه الوضعية النفسية المحطمة وبالتالي الادمان الى حد الاشباع بالوعود الميتافيزيقية والتي تعد بالخلاص من المعاناة والألم الناجم عن هذا الاغتراب في العالم الأخروي


هذه الصورة من اغتراب جماهير العمال في المغرب واحتوائهم في الكرة الدينية البلورية العجيبة من طرف قوى الاسلام السياسي المتبرجز أو من طرف اليمين البرجوازي البيروقراطي التقليدي المهيمن يقود الى نفس النتائج أي الى المزيد من الاغتراب بل والمزيد من التفكك المجتمعي على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والذي ينتشر كالوباء وسط كافة الطبقات وحيث يصبح حتى النضال ضد هذا الواقع المتفكك صعب المنال نظرا لتغلغل هذا التفكك والانحلال حتى داخل أوساط ما يسمى باليسار الماركسي المناضل سواء كانوا افرادا أو جماعات، وهو ما يصيبهم بالعجز والاحباط والفردانية والذاتية وفي بعض الاحيان المغامراتية الفوضوية وعدم القدرة على تحليل الواقع كما هو وايجاد الاستراتيجيات المناسبة للخروج التدريجي من هذا الواقع


لقد حدثت هجومات على الجماهير الكادحة في بعض البلدان الأخرى كالاردن والبرازيل وتركيا ... وهي هجومات أقل بكثير مما تقوم به حاليا حكومة بنكيران اتجاه الجماهير الكادحة في المغرب وقد لاحظنا كيف خرجت شعوب هذه البلدان رافضة لاجراءات حكوماتهم ومتحدية القمع بكافة ألوانه. قد نقول أن السبب ربما يكمن في أن الجماهير الكادحة في تلك البلدان لم تغرق بعد الى درجة الاغتراب الذي بلغته الجماهير الكادحة في بلادنا، كما قد نقول أن القوى الماركسية الحية في تلك البلدان لم تتأزم بعد أحوالها بالكامل وتتحول لظواهر فوضوية مضادة لمصالح الجماهير الكادحة كما يحدث في بلادنا


ان النضال ضد الهجوم البرجوازي عملية تراكمية يومية وتتواصل في الزمن مما يجعلها تتحول إلى عملية نوعية حينما تنجح في نقل الوعي الطبقي الجماعي وانتشاره في حركة ميدانية وسط الجماهير الواسعة الى مستوى اعلى


لكن هذا الفعل النضالي النوعي الذي تحقق جزء منه إلى حد ما ما بين 2005 و2010 وجعل عددا من قوى اليسار تنجح في النزول الى الشوارع في اطار تنسيقيات مناهضة ارتفاع الاسعار وتفكيك الخدمات العمومية وتتمكن بالتالي من بلورة مبادرات سياسية نوعية تفجرت في حركة عشرين فبراير وما تلاها، سيصطدم من جديد بتراجع الفعل الميداني لقوى اليسار وانهزامه أمام الآلة الايديولوجية للاسلام السياسي وللاحزاب الادارية البرجوازية انطلاقا من سنة 2011. فخلال سنتين 2012 - 2013 ضاعت كافة الجهود النضالية المتراكمة لأكثر من ستة سنوات، وهو انهزام راجع في نفس الوقت للهجوم المضاد للنظام بواسطة الاسلام السياسي المتبرجز والبرجوازية التقليدية وأيضا بواسطة بدائله السياسية البيروقراطية كالاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال ومن خلفهما حزب الاصالة والمعاصرة، فكل شيء مرتب من قبل النظام في صيرورة هجومية متواصلة وبتوفير كافة قطع غيارها البديلة