قوة الثورة المضادة في المغرب


عبد السلام أديب
الحوار المتمدن - العدد: 4250 - 2013 / 10 / 19 - 01:08
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

إذا كانت طليعة الحركة العمالية المناضلة بمختلف مشاربها تعمل منذ عقود في اطار صراعها الطبقي على ترتيب الظروف لتعديل موازين القوى لصالحها من أجل احداث تغيير سياسي واقتصادي عميق يمكنها على الاقل من اقتسام السلطة مع البرجوازية المهيمنة بدون شريك والتي تراكم الثروات الهائلة على كاهلها من خلال استثمارها واستغلالها ابشع استغلال، وحيث قد يؤدي نوع من الاقتسام الفعلي للسلطة بين الحركة العمالية والبرجوازية الى تراجع نسبي لانحياز الدولة المطلق لخدمة مصالح القوى البرجوازية المهيمنة؛

وإذا كانت كل هذه المحاولات تصطدم بالفشل والهزيمة، نظرا لخيانات داخلية ترجع الى أسباب ذاتية وذهنية وهيمنة عقلية البرجوازية الصغرى الانتهازية على الكثير من المناضلين في وسط الحركة العمالية، وهي العقلية الأجنبية في الواقع عن الطبقة العاملة والتي لا يمكن الركون اليها نظرا لأهوائها المتقلبة ومرجعياتها البرجوازية والتي يمكنها أن تتحول بسرعة 180 درجة نحو معاداة الحركة العمالية عندما تصل الى موقع السلطة، رغم استمرارها في تبني خطاب سياسي مداهن تغليطي يدعي تمثيلها لمصالح البروليتارية، بينما تعمل في الواقع ضد هذه المصالح، وهذا ما أبانت عنه الانتهازية التي تعاقبت على الحكومات المتوالية على الأقل منذ سنة 1998، فقد أثبثت مختلف التوجهات اليسارية واليمينية والاسلاموية والتقنوقراطية عن تواطؤها مع القوى المهيمنة وعلى خدمتها لأجندة هذه القوى وخيانتها للطبقتين العاملة والوسطى؛

فإن ما نعيشه اليوم مع الحكومة نصف الملتحية بنسختيها الأولى والثانية، والتي جمعت في كلتيهما ما يسمى باليسار متمثلا في حزب التقدم والاشتراكية وما يسمى باليمين متمثلا في حزبي الاستقلال والاحرار ثم في الحزب اليميني الشوفيني الحركة الشعبية ثم في حزب يمني متطرف يلبس لبوس الاسلام السياسي متمثلا في حزب العدالة والتنمية، فكل هذا يؤكد على أن النظام القائم في بلادنا يجيد اللعب برموز الانتهازية داخل الحركة العمالية وعناصرها الشعبوية والشوفينية والدينية المنغرسة وسط الطبقات الشعبية من أجل تعميق تضليل الحركة العمالية واحباط كافة محاولاتها لتعديل موازين القوى لصالحها.

إن قوة الثورة المضادة الناشئة منذ 20 فبراير 2011 لم تتجلى فقط في قدرتها على اخماد الاحتجاجات الشعبية واحباط مطالبها بإسقاط الاستبداد والفساد وافراغ مطالب التشغيل والزيادة في الاجور وتحسين المعيشة ورفع جودة الخدمات العمومية من تعليم وصحة عموميتين وتحقيق العدالة والمساواة من محتواها، بل ان عبقرية الثورة المضادة تجلت أكثر في تعميق الهجوم البرجوازي على عكس كافة المطالب المرفوعة، سواء من حيث تجميد الأجور بل وتقليصها من خلال الزيادة في كافة أسعار المنتجات والخدمات ومن خلال تكريس البطالة وعدم الوفاء حتى بالتزامات الدولة السابقة في تشغيل أربعة آلاف عاطل من الموقعين على المحضر في عهد حكومة عباس الفاسي ومن خلال اغراق البلاد في الديون والخضوع لتعليمات المؤسسات المالية الدولية المطالبة باتخاذ اجراءات لا شعبية لا ديموقراطية لتوفير ما يمكن توفيره من ملايير الدولارات لسداد المديونية وتعهد ما يسمى بمؤسسات السيادة والامن وتعويض الشركات الرأسمالية المتأزمة، بل وصلت هذه العبقرية قمتها عندما استطاع "الأستاذ" عبد الاله بنكيران العفو عن ناهبي المال العام بمجرد "عفا الله عما سلف ومن عاد فلينتقم الله منه" والذين تبث في حقهم تهمة نهب نهب مبالغ مالية فلكية تعد بالملايير ومنهم حتى من تم الحكم عليهم بالسجن.

إذن فقوة الثورة المضادة في بلادنا تقوم على قاعدة حفنة من القوى السياسية الانتهازية متعددة الانتماءات والتي تستعمل خطابا سياسيا شعبويا لايهام البروليتاريا بالدفاع عن مصالحها بينما هي في الواقع خائنة عدوة لدودة لها، وتتكرس هذه القوة أكثر عندما ترتدي الجلباب الديني فتصور للمواطن المغربي المقهور على أن التقليص من قدرته الشرائية وحرمانه من المرافق العمومية الاساسية منحة حكيمة دات طابع ديني ستعود عليه بالخير العميم.

ان تعيين حكومة من 31 وزيرا أو من 39 وزيرا لا يعني شيئا بالنسبة للمواطن سوى أنها وزيعة للغنائم ولريع المناصب تجعل أصحاب حقائبها الذهبية يغردون بكل ما يملى عليهم حتى وان كان خارج المنطق وأبلغ مثال على ذلك الناطق الرسمي باسم الحكومة ووزير الاعلام "الأستاذ" مصطفى الخلفي الذي لم يجد حرجا في تكريس تهمة الارهاب في حق الصحافي الشريف المعتقل علي أنوزلا حتى قبل أن تعرض قضيته على القضاء نفس الشيئ يمكن قوله بالنسبة للنواب في البرلمان بمجلسيه، فلا تشريع ولا تنفيذ الا إذا كان المضمون في خدمة القوى المهيمنة بدون شريك وفي غير صالح البروليتارية، أما الحركة العمالية فلا تزال تتلقى الضربة تلوى الضربة والهزيمة تلوى الهزيمة، ما دامت لم تتوفر بعد على أداتها السياسية الأصيلة التي تقاوم بواسطتها ولا تساوم وتفضح الانتهازية والمغامراتية، وكل متسلط يسعى الى الصعود على ظهرها.