لا للغلاء لا للإفقار


عبد السلام أديب
الحوار المتمدن - العدد: 4210 - 2013 / 9 / 9 - 04:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

منذ هيمنة نمط الانتاج الرأسمالي على العالم ضلت سياسة الغلاء احدى ادوات البرجوازية المهيمنة بدون شريك ووسيلة لسلب الطبقة العاملة المزيد من فائض القيمة بمعنى أنه بالإضافة الى فائض القيمة المعروف والمنتزع من عرق جبين العامل عندما يتوصل بنصف أو ثلث الأجر المستحق الحقيقي لقاء الانتاج الذي يحققه العامل والذي يصبح أيضا ملكية خاصة للبرجوازي، فبالإضافة الى هذا النهب تلجأ الحكومات البرجوازية الى وسائل أخرى لنهب المزيد من فوائض القيمة وتقليص أجور العمال أكثر ومن بين هذه الوسائل السياسة الضريبية والانفاق العمومي وسياسة الغلاء... ومن خلال هذه السياسة الأخيرة التي تستهدف رفع أسعار المنتجات والخدمات تتيح الحكومات البرجوازية لمالكي وسائل الانتاج امكانية ملأ خزائنها المالية بريع اضافي مقتطع من أجور العاملات والعمال المفقرين. التأثير المباشر لسياسة الغلاء على الطبقة العاملة هو الافقار المباشر بطبيعة الحال بكافة تأثيراته على الصحة والاخلاق والتعليم، فأمام غلاء المعيشة لا تصبح الأجور قادرة على تلبية الحد الأدنى من الحاجيات الاساسية لأسر الطبقة العاملة



وتلجأ الحكومات المغربية منذ عقود الى آلية الغلاء لدعم الصناديق المالية للشركات البرجوازية المهيمنة على وسائل الانتاج بدون شريك، فسياسات الغلاء كانت دائما في سباق محموم مع أي مطلب صغير لتحسين الأجور، بل أن الحكومات المغربية دأبت على رفع أسعار المنتجات والخدمات كلما حدثت أزمة اقتصادية ومالية وتبين لها ظهور تراجع كبير في العمل النقابي النضالي للطبقة العاملة، وتتحقق مثل هذه الحالة عندما تهيمن البيروقراطيات النقابية على العمل النقابي الشريف كما هو حاصل اليوم داخل قيادات المركزيات النقابية بمختلف تسمياتها، وكذلك عندما تتحول الأحزاب السياسية بجميع ألوانها الى مجرد أبواق دعائية تتسابق على فتات الحكومات وتتضمن برامجها نفس الحزم من السياسات البرجوازية




ردود الفعل الشعبية على سياسات الغلاء كانت دائما عنيفة في بلادنا في الماضي، ونذكر على سبيل المثال هنا بالانتفاظات الوطنية سنوات 1981 و1984 و1990 وأيضا الانتفاضات المحلية كانتفاضتي سيدي افني سنة 2005 و2008 وانتفاضة صفرو سنة 2007 كما عرفت سياسات الغلاء المعتمدة من طرف الحكومات المتعاقبة مواجهات منظمة كاحتجاجات تنسيقيات مناهضة الغلاء وتفكيك المرافق العمومية التي انطلقت سنة 2006 وشملت مختلف المدن والقرى والمراكز ببلادنا واستمرت الى نهاية سنة 2010 قبل أن تترك المكان لحركة سياسية جديدة غير واضحة عبرت عنها حركة 20 فبراير




اليوم تلجأ حكومة بنكيران البرجوازية نصف ملتحية الى نفس سياسة الغلاء عبر حزمة من الاجراءات الضريبية والمباشرة وعن طريق اغماض العين كذلك على الزيادات في الاسعار التي تباشرها المقاولات الخاصة واذا كان هدف الحكومة الاساسي هو الالغاء التدريجي لصندوق المقاصة لتوقيف الدعم عن عدد من المنتجات الاساسية ولمماثلة الأسعار المحلية مع الأسعار الدولية بدعوى الاصلاح، فان هذه الحكومة منذ مجيئها باشرت رفع اسعار المحروقات والعديد من أسعار المنتجات في مواسم حساسة كشهر رمضان وخلال فصل الصيف وخلال الدخول المدرسي، وبعد نشر مرسوم مقايسة أسعار النفط مع الاسعار الدولية والذي سيبدأ العمل به في 16 شتنبر 2013، فان هذا الاجراء أصبح يشكل ضربة استباقية للقدرة الشرائية للطبقة العاملة، فمما لا شك فيه أن الضربة الامبريالية لسوريا بعد أيام معدودة ستؤدي الى ارتفاع اسعار برميل النفط عالميا، وبالتالي سيؤدي مرسوم المقايسة الى الزيادة في اسعار المحروقات محليا ونظرا لعلاقة المحروقات بالانتاج وبتكاليف النقل فسيؤدي ذلك مباشرة الى ارتفاع مختلف أسعار المنتجات والخدمات




التأثير السلبي لسياسة الغلاء على الطبقة العاملة المغربية سيكون حتميا كارثيا، خصوصا أمام ارتفاع حجم العاطلين عن العمل والذين تزخر بهم جميع أسر الطبقة العاملة خصوصا بين حاملي الشهادات العليا والذين قاربت اعدادهم اليوم المليونين. ومقابل هذا التأثير السلبي لسياسة الغلاء فانها ستسقط على البرجوازية المهيمنة على وسائل الانتاج وعلى الرأسمال الأجنبي كشهد العسل، بحيث ستحقق من ورائها آرباحا خيالية



النضال ضد سياسة الغلاء التي تنتهجه حكومة بنكيران اصبحت اليوم ضرورية، فالحكومة لا تستحي من العفو عن ناهبي المال العام كما لا تستحي من منح العفو الضريبي للمئات من الشركات الرأسمالية، كما لا تستحي من منح الاعفاء الضريبي لمدى سنوات لشركات عملاقة تحقق ارباحا خيالية كما تسمح بالزيادة في اسعار الحليب بكل وقاحة على الاطفال وعلى الاسر الفقيرة التي بالكاد تحقق معيشتها اليومية. فإذا كانت الحكومة لا تستحيي أمام كل هذا وتلجأ الى رفع الأسعار والغاء صندوق المقاصة وتعمل على تفقير الملايين من أسر الطبقة العاملة فلماذا سنضل مكتوفي الأيدي صامتين متفرجين على عملية متعمدة من أجل سحق قدرتنا على العيش وخجولين أمام عملية افقارنا، فمن حقنا أن نحتج في كل مكان على هذه السياسات ونطالب بالغائها، فإذا اتسعت رقعة احتجاجاتنا وتراكمت يوميا في كل مكان فسنستطيع ارغام الحكومة على التراجع عن افقارنا لصالح مجموعة من البرجوازيين الكومبرادوريين الجشعين



لقد سجلت حركة أطاك طنجة سبقا في الاحتجاج على الزيادة في اسعار الحليب مباشرة بعد رمضان كما سجلت اليوم 8 شتنبر سبقا في الاحتجاج على مرسوم مقايسة اسعار النفط، أتنمنى أن تقتطف باقي الحركات المناضلة الفرصة للتصالح مع الطبقة العاملة المسحوقة بفعل الزيادات المتوالية في الاسعار فتتجمع في اطار تنسيقيات لمناقشة سياسة الغلاء والتفكير في الاشكال النضالية المناسبة للرد على هذا الهجوم البرجوازي السافر على القوت اليومي للجماهير الشعبية