فض اعتصام -الاخوان- بالقوة امر مدان صراع جناحي الثورة المضادة البرجوازية في مصر


مؤيد احمد
الحوار المتمدن - العدد: 4186 - 2013 / 8 / 16 - 00:23
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

اقدمت الحكومة العسكرية الحالية في مصر يوم 14 آب 2013 على فض اعتصامات "الاخوان " في مدن مصر بالقوة وادى هذ الاجراء القمعي الى سقوط المئات من القتلى والجرحي من بين صفوف المساندين للاخوان وافراد الشرطة. ما قامت بها حكومة مصر العسكرية من الاجراءات ضد المعتصمين تقع جملة وتفصيلا في خانة العمل الاستبدادي والقمعي السافر ومطرزة لخنق الحريات السياسية في البلاد. انها اعمال احد اجنحة الثورة المضادة البرجوازية في مصر وهي محل شجب واستنكار اي انسان تحرري.
من الواضح ان الاخوان المسلمين ومرسي الغارقين في الرجعية يشكلون هم كذلك جناح اخر من اجنحة الثورة المضادة البرجوزاية في مصر. اراد الاخوان ان يخنقوا المجتمع ويبسطوا سيطرتهم على الجماهير بوتائر متسارعة بعد ان تولى مرسي رئاسة الجمهورية، انهم لم يضيعوا اية فرصة على انفسهم لفرض القوانين الاسلامية وخنق الحريات السياسية وتحويل آلة الدولة القمعية والبيروقراطية والقضائية الى اداة بايديهم لفرض اجندتهم الاسلامية المضادة للثورة. هذا وفي المقابل، لم تتردد جنرالات المؤسسة العسكرية في عقد الاتفاق مع مرسي والاخوان وتوحيد الجهود معهم لخنق الثورة واتخاذ الاجراءات القمعية ومنع الحريات السياسية طوال سنة كاملة من حكم مرسي ..الخ.
لقد تطور الصراع السياسي الدائر في مصر خلال الفترة الاخيرة بهذا الشكل: تصدت عشرات الملايين من الجماهير بشكل ثوري لحكم مرسي والاخوان الاستبدادي واسقطت هذا الحكم على اثر مبادرتها الثورية لكنها اعطت كذلك الفرصة والضوء الاخضر، وفي نفس الوقت، للجنرالات كي تقوم هي بطرد مرسي واعتقاله وتتولى هي ادارة البلاد. ان ما حدث لم يكن وليد الصدفة انما كان انعكاس لواقع الحركة الثورية في مصر وواقع قوى الثورة نفسها ونقطة ضعفها الاساسي.نقطة الضعف التي تكمن في كون قوى الثورة لم تستطع لحد الان حسم السلطة السياسية لصالحها اي لصالح الطبقة العاملة والجماهير الكادحة والشباب والشابات المتطلعة الى حياة افضل.
من يدعم الجيش والجنرالات، من اوساط اليسار والحركة العمالية، تيارا او حزبا او قوة سياسية كانت او نقابات واتحادات عمالية او الافراد، وتحت اية ذريعة كانت، انما يجسد بذلك رؤية وافقا سياسيا معينا تجاه الثورة في مصر ويمارس سياسة معينة تجاهها كذلك. انه ليس فقط بدافع تقوية مسيرة النضال الثوري، ضد حكم الاخوان وكسر محاولاته لاسلمة وقمع المجتمع، يتخذ اقساما معينة من قوى اليساروالنقابات العمالية موقفا مساندا للجيش والجنرال السيسي والحكومة المنصوبة من قبله او يدخلون في حكومته. انهم يتخذون هذا الموقف لانهم لا يزال يريدون ان يروا الجيش كمؤسسة مستقلة عن الطبقات والصراع الطبقي الدائر في المجتمع وكقوة مساندة للثورة ومطالب الجماهير الثورية.
انهم بدعمهم الجيش يعطون الصلاحية طوعية لهذه المؤسسة البرجوازية بان تحكم البلاد في الوقت الذي خرجت العشرات من الملايين من السكان للتصدي الثوري لحكم الاخوان ومرسي والتي كانت تهدد كذلك الدولة واجهزتها القمعية من الجيش والشرطة برمتها. فكيف يمكن للجيش والمؤسسة القمعية العسكرية ان ياتي ويتدخل وسط هذه المبادرة الثورية العظيمة، وباسم الدفاع عن الثورة، يضع نفسه بديلا عن العمل الثوري المباشر للجماهير، اذا لم يكن هناك ضعفا تنظيما وسياسيا كبيرا بين صفوف الجماهير الثورية. ان دعم الجيش وتاييد اجراءاته القمعية هو قبل كل شئ اغماض العين عن هذا الضعف من قبل اي شخص يعرف نفسه كيساري في صفوف الحركة العمالية والثورية.
هذا، ويقول البعض ان الجيش يوفر الامن والاستقرار للبلاد ويبعد المجتمع عن مخاطر الاسلاميين والارهاببين الاسلاميين. ولكن يبقى السؤال مطروحا، كيف يمكن للجيش ان يوفر الامان والاستقرار بدون خنق الثورة وتحقيق ستراتيجيته في التغلب على الثورة ومنع تقدمها. ان الجيش وتوليه الحكم لا يعني غير فرض التراجع على الثورة وهو مقدمة لخنقها. انه من الممكن ان يوفر الاستقرار البرجوزاي ولكن فقط عندما يكون بامكانه خنق الثورة والانتصار على القوى الثورية.
تستوجب الظروف الثورية الارتقاء بالاستعدادات الثورية للطبقة العاملة لخوض ميدان الصراع السياسي الثوري الدائر في مصر. فهذه هي المهمة الشوعيين والتيار الاشتراكي الثوري والقادة والنشطاء العماليين الاشتراكيين ومنظماتهم واحزابهم. فلا يمكن القفز على هذه المهمة واستبدالها بالسياسات الاصلاحية وبنشر الوهم باقتدار البرجوازية العسكرية في حسم الامور لصالح الجماهير المحرومة. الطبقة البرجوازية وبمختلف اجنحتها لا زالت، وبسبب عدم توفر الاستعداد التنظيمي والسياسي الكافي للطبقة العاملة في الثورة في مصر، تتحكم بمسار الاوضاع بالرغم من ان العشرات الملايين من الجماهير تخرج للشوراع وتسقط مرة بعد الاخرى الاستبداديين والرجعيين. فالسياسة البروليتاريا الثورية تتصدى وبطبيعة الحال لحكم مختلف اجنحة البرجوازية، اخوانيين كانوا ام العسكريين او غيرهم و سياساتهم وممارساتهم. ان مشاركة النقابات العمالية في الحكومة الحالية ودعم الجنرالات والحكومة ليست الا اغماض العين، قصدا او بدون القصد، عن رؤية واقع كون المؤسسة العسكرية الحاكمة في مصر مؤسسة لقسم من البرجوازية المصرية المضادة للثورة وجناح من اجنحتها المنخرطة في خنق الثورة. ان هذه الحكومة مشغولة بتحقيق اجندتها المضادة للثورة بالاساس ان يكن هناك نقابيون و يساريون في وزارتها ام لا.
واضح ان التصدي الجماهيري الثوري للاسلام السياسي والاخوانيين تتسم باهمية كبيرة وتاريخية وستترك آثارها على مجمل الاوضاع السياسية في منطقة الشرق الاوسط. غير انه هناك بجانب هذا الواقع، حقيقة اخرى على الارض وهذه هي ان نفس هذه الجماهير الثورية التي اطاحت بمرسي والاخوان قد اعطت السلطة والحكم للجنرالات والحكومة الحالية. عندما تشارك الجماهير وبهذا الحشد الهائل في عمل سياسي ثوري وتبادر مثل ما بادرت ضد الاسلاميزم وحكم الاخوان لا بد وان تضم في صفوفها ملايين من الناس متوهمة بالجيش والعسكر والجنرالات. ولكن ثمة فرق شاسع ونوعي بين الافاق السياسية السائدة على اذهان هذا الحشد الهائل من الجماهير واوهامها وبين ممارسات وافاق الحركات والتيارات و الاحزاب و المنظمات السياسية التي ترى نفسها شريكة مع الجيش وتدافع عنها سياسيا.
ان رسم الخطوط الفاصلة بدقة بين مصالح الطبقتين الاساسييتن المتضادتين في المجتمع المصري في خضم الاوضاع الثورية وثورة مصر الحالية، امر غاية في الاهمية. ليس هناك اوقات تكتشف فيه الطابع الطبقي الصارخ للسياسة والممارسة السياسية قدر كشفها ايام الثورة والاوضاع الثورية. ان البرجوازية في مصر وحلفائها العالميين و الاقليميين منخرطين باشد الاشكال رجعية وفي خضم صراع سياسي شرس بينهم لخنق الثورة، ليس هذا فقط، بل لجني ثمار خنقها كل لصالحه مثل ما يحدث الان بين الاخوان والعسكريين. الحركة العمالية والشباب والشابات الثورية والكادحين وكذلك التيارات الشيوعية والاشتراكية واليسارية تواجه مهام ثورية عظيمة هذه الايام.
التصدي الثوري لجميع الاجنحة البرجوازية المضادة للثورة وممارساتها وسياساتها واجرائاتها القمعية، مهمة آنية لكل شيوعي واشتراكي وثوري. كما ان الوقوف بوجه الاعمال القمعية للدولة بوجه المعتصمين والتصدي في الوقت نفسه لسياسات واعمال وارهاب الاسلاميين مهمة غير قابلة للتاجيل.