الطريق البروليتاري


عبد السلام أديب
الحوار المتمدن - العدد: 4132 - 2013 / 6 / 23 - 02:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

ما العمل أمام الهجوم الحالي الساحق للباطرونا والحكومة على القوت اليومي للكادحين؟

منذ أكثر من سنة والهجومات تتواصل بدون هوادة على مختلف مناحي حياة الكادحين، من تجميد الأجور الى التسريحات الفردية والجماعية للعمال في مختلف الوحدات الانتاجية، الى الزيادة في أسعار المحروقات، التي ترتب عنها الزيادة في أسعار مختلف المنتجات والخدمات، الى تفكيك المرافق العمومية وخوصصتها ورفع اسعار الولوج اليها، إلى قتل التعليم والصحة العموميين والذي حطم حق الملايين من الاطفال والمرضى في التعليم والعلاج المجاني، إلى ضرب حق الآلاف من حملة الشهادات العليا في العمل رغم صدور مرسوم بتعيين بعضعم، إلى العفو عن ناهبي المال العام، إلى السماح بالإفلات من العقاب للناهبين الجدد الذين افتضحت اختلاساتهم بل وصدرت في حق بعضهم عقوبات سجنية، الى القرار الأخير الذي اتخذته الحكومة شهر يونيو الجاري بالزيادة في مختلف الاسعار بنسبة 20 في المائة نتيجة اللجوء الى تحرير اسعار المحروقات والسكر في اقتناص خبيث لفرصة اقبال شهر رمضان حيث يتزايد الاستهلاك ويصبح ضروريا على كافة الأسر، وكل ذلك تنازلا أمام جشع الباطرونا المحلية والدولية وارضاء للتطلعات الامبريالية التي تخططها المؤسسات المالية الدولية وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي.


أمام هذا الهجوم الكاسح على القوت اليومي للطبقة العاملة ومختلف الشرائح الاجتماعية الكادحة لا وجود لأية مقاومة لا حقيقية ولا رمزية، فهناك فقط مسيرات حركة 20 فبراير الشبابية ذات المطالب السياسية غير الواضحة(خليط من الشباب من مختلف الطبقات لا يعبرون بالضرورة سياسيا عن هموم الطبقة العاملة) والتي غدت تظاهراتها تتسم ببعض الفتور الممل والتكرار دون احداث أي تراكم نوعي ودون أن تشكل حركة جاذبة فعلا للملايين من العمال والمسحوقين الخاضعين بدون رحمة لهذا الهجوم.


كما أن الوهم الحكومي الذي يعد بتقديم منح بمبلغ 1200 درهم للشرائح الأكثر فقرا فيضل مجرد تخدير موضعي قد تقتله أولا الممارسات البيروقراطية وشروط الخزيرات من أجل الحصول عليها بل وتحويلها الى جيوب الانتفاعيين في دواليب الادارة كما هو معهود دائما، ثم ثانيا لن يكون لها اي مفعول يذكر أمام التضخم المفتعل وتفاقم اسعار السلع والخدمات، ثم ثالثا استثناء الطبقة الوسطى والدنيا من الشغيلة المغربية من أي اجراء وقائي أمام التضخم المفتعل المرتقب سيقود الى تحميلها أكبر قسط من تكاليف أزمة الباطرونا ورأس المال المحلي والدولي.


الديموقراطية البرجوازية الشكلية السائدة في بلادنا لا تشكل ابدا وقاية للطبقة العاملة من مثل هذا الهجوم، فالبرلمانيون والمستشارون الذين يستهلكون شهريا الملايير من الدراهم من الميزانية العامة كأجور وتعويضات) والأحزاب والنقابات(التي تتلق بدورها دعما من ميزانية الدولة بملايير الدراهم) لا مهمة لهم سوى ممارسة مسرحيات هزلية على سواد الشعب والطبقة الكادحة من اجل تخديرها ولفت انتباهها نحو قضايا تافهة أخرى وتحويل الأنظار دون الاهتمام بمثل هذا الهجوم الجديد "الخطير"، وأيضا القيام بدور تزكية الهجوم الحاصل وابراز منافعه للباطرونا ولما يسمى بالاقتصاد "الوطني" كقناع يخفي الوجه البشع الحقيقي للاحتكارات الرأسمالية المحلية والدولية المستفيدة من هذا الهجوم.


فما العمل إذن لدرء هذا الهجوم الساحق للباطرونا والحكومة؟


أولا، لا يمكن التعبئة للإضراب العام بدون مشاركة الاحزاب والنقابات المتواطئة حاليا، والتي قد تجد ألف دريعة لتكسير هذا الاضراب العام والعمل على عدم حصوله، نظرا لقوتها التخديرية وسط الجماهير.

ثانيا، لا يمكن الدعوة الى وقفة احتجاجية أو مسيرة عماليتان يتيمتان قد تنفسان الغضب الشعبي فقط بدون أن تحققا أي تراجع للحكومة والباطرونا عن سياستهما الهجومية.

الطريق الصحيح رغم صعوبته يبقى مع ذلك هو انخراط المناضلين الجذريين في احتجاجات يومية وأخرى أسبوعية وشهرية تدريجية في كافة المدن والقرى المغربية، ونقل الاحتجاجات الى داخل وحدات الانتاج بمختلف القطاعات، وذلك بهدف خلق تراكم نضالي نوعي متصاعد من حيث مضمون هذه الاحتجاجات وعدد المشاركين فيها ونوعيتهم وطبيعتهم والمطالب الواضحة التي يجب ان تتضمنها مطالبهم والتي قد تستهدف مثلا:

1 - توقيف الهجوم
2 - التراجع عن كافة الزيادات في الاسعار والاجراءات اللاشعبية المتخذة
3 - تشغيل العاطلين وتحسين أجور العمال وشروط اشتغالهم وتمتعهم بحقوقهم وحرياتهم النقابية
4 – متابعة وتجريم مختلف ناهبي المال العام واسترجاع الأموال المنهوبة من طرفهم


لا يمكن تحقيق أية نتيجة تذكر اذا ما بقيت بعض الجمعيات النخبوية وحدها هي من يطرح مثل هذه المطالب، بل لا بد من تنمية حركة شعبية واسعة على شاكلة تنسيقيات مناهضة الغلاء وتدهور الخدمات العمومية، تتواجد في مختلف المدن والقرى، وتجتمع دوريا بشكل مفتوح، وتكون فوق الاحزاب والنقابات دون هيمنة اي طرف عليها وتناقش خلالها استراتيجية الهجوم البرجوازي الخطير وكيفية الرد عليه نضاليا. وسواء توفرت مقرات الاجتماع أم لا أمام هذه التنسيقيات، فيمكن الاستفادة من تجربة جمعيات المعطلين حملة الشهادات الذين يجتمعون وسط الشارع وفي الهواء الطلق ويتخذون قراراتهم بشكل ديموقراطي مباشر. فالاجتماع والنقاش حق مشروع للطبقة العاملة ولكافة شرائح الشغيلة للتداول فيما حول أنجع السبل للرد على الهجوم البرجوازي على قوتهم اليومي.

قد تحاول بعض التنظيمات السياسية والنقابية والجمعوية ثني مناضليها عن الانخراط والاسهام في بناء هذه الحركة، لكن السير في الطريق البروليتاري وايقاض صوت الضمير ونبل الهدف سيحرك ويستقطب كافة المناضلات والمناضلين الحقيقيين الحاملين للفكر البروليتاري والمتطلعين نحو تغيير الواقع المأزوم والذي يتم تفريغه على كاهل المسحوقين.