بإعدامها لصندوق المقاصة تستهدف الحكومة قوت الملايين من الكادحين


عبد السلام أديب
الحوار المتمدن - العدد: 4017 - 2013 / 2 / 28 - 13:45
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

أجرت الصحفية السيدة بشرى عطوشي من جريدة المنعطف حوارا مع عبد السلام أديب بخصوص اصرار الحكومة نصف ملتحية في المغرب على اعدام صندوق المقاصة، فكان الحوار التالي:


** في نظركم هل ستأخذ الحكومة بعين الاعتبار في دراستها التي تنكب عليها القدرة الشرائية للمواطنين المغاربة أم أنها ستسير على خطى تجارب دول أخرى دون مراعاة تكاليف عيش المغاربة ؟

* هناك شيئان لا بد أن نأخذهما بعين الاعتبار في متابعتنا للمسلسل الجديد الذي دخلته الحكومة من اجل إعدام صندوق المقاصة واعتماد اجراءات لا شعبية أخرى، يتمثل الشيء الأول في أن مطلب إلغاء صندوق المقاصة وتطبيق حقيقة الأسعار (الأسعار الدولية) جاء في سياق سياسة التقويم الهيكلي (1983 – 1993) حينما أوصى البنك الدولي وصندوق النقد الدولي الحكومة باعتماد هذا التدبير ضمن تدابير التقويم الهيكلي، لكن ردود الفعل الجماهيرية القوية التي واكبت اعتماد سياسات التقويم الهيكلي خصوصا انتفاضات سنوات 1981 و1984 و1990، جعلت مختلف الحكومات المتعاقبة تتردد وتتباطأ في تنفيذ هذه التوصيات خوفا من ردود الفعل الجماهيرية نتيجة موجة الغلاء التي قد تحدث عقب اعتمادها، لكن رغم ذلك كانت هناك حركة بطيئة من رفع الدعم عن بعض المواد وبالتالي رفع أسعارها وكذا زيادة معدلات الضريبة على القيمة المضافة على مواد وخدمات ارتفعت أسعارها.

الشيء الثاني الذي يجب الانتباه اليه، هو تعمق الأزمة الاقتصادية والمالية الرأسمالية العالمية انطلاقا من شتنبر 2008 والتي كان من آثارها على بلادنا تراجع تحويلات العمال المغاربة بالخارج من العملة الصعبة بنسبة كبيرة وكذا تراجع الاستثمارات الخارجية وتراجع الطلب الخارجي على المنتوجات المغربية كما تراجعت السياحة بنسبة كبيرة، وقد أحدثت هذه الموجة من التراجعات عجز مزمن متزايد في التجارة الخارجية وفي الميزان الجاري للاداءات وفي الميزانية بلغ سنة 2012 حوالي 9 في المائة وفي تراجع الإنتاج واتساع نطاق إقفال المؤسسات الإنتاجية مع ما صاحب ذلك من تسريحات فردية وجماعية للعمال وقد تأثرت العديد من القطاعات كقطاع السيارات والأشغال العمومية والنسيج والجلد ...، كما اتخذت الحكومة عدة إجراءات لصالح رأس المال على حساب العمل مثل تمكين الشركات من تسريح العمال ومن تخفيض الحد الأدنى للأجور ومن إعفاء الشركات من أداء حصة اشتراك الباطرونا في الضمان الاجتماعي ومن أداء متأخرات الضرائب، بل تم إعفاء شركات كبرى مثل شركة أونا من الضرائب إلى غاية سنة 2016 بناء على عمليات إعادة الهيكلة التي تقوم بها منذ سنة 2008.

المهم هو أن هذه الأزمة الرأسمالية جعلت مجموعة دول العشرين توصي الدول الرأسمالية باتخاذ عدد من الإجراءات لتجاوز الأزمة ويوجد في مقدمتها تحميل الميزانيات العامة لمختلف الدول تكلفة أزمة القطاع الخاص وسداد مديونيتها، وقد تتبعنا مبالغ الأموال الفلكية التي تم نقلها من الميزانيات العمومية التي هي اموال دافعي الضرائب لفائدة الأبناك والشركات الخاصة والتي تسببت في افلاس العديد من الدول كاليونان وايطاليا واسبانيا والبرتغال وارلندا وتدهور المستوى الاقتصادي للعديد من الدول كبريطانيا وفرنسا ... الخ والتي شاهدنا كيف أن الملايين من الكادحين من يتحمل في نهاية المطاف تبعات هذه الأزمة. وتوجد بلادنا أيضا في عين العاصفة فمنذ سنة 2008 والحكومة تحاول تدبير الأزمة من خلال الميزانية العامة مع نفي متواصل لتأثر البلاد بالأزمة. ونظرا لمحدودية الإمكانيات تم اللجوء المتزايد الى الاستدانة الخارجية من جديد وبغزارة. ولنتذكر الخط الائتماني الذي تم ابرامه مع صندوق النقد الدولي في بداية صيف 2012 بقيمة 6,2 مليار دولار والذي لا يمكن الحصول عليه بدون الإعلان عن نوايا لتطبيق توصيات المؤسسات الدولية، كما تم اللجوء إلى دول الخليج في خريف 2012 للحصول على منح مالية تصل الى حوالي 5,5 مليار دولار.

ففي ظل هذه الظرفية تلجأ اليوم الحكومة نصف الملتحية إلى عدد من الإجراءات اللاشعبية اللاديموقراطية وفي مقدمتها إلغاء صندوق المقاصة ومراجعة رواتب التقاعد، بدعوى ضرورة إصلاح هذين القطاعين بدعوى كونهما لا يتلاءمان مع "التدبير العقلاني" للاقتصاد. لكن الواقع هو من جهة تلبية تعليمات المؤسسات المالية الدولية التي تم الالتزام أمامها ومن جهة أخرى تحميل الملايين من الجماهير من ذوي الدخل المحدود، الفقيرة والمتوسطة لتبعات الأزمة.

لقد كانت الحكومة تقوم عبر صندوق المقاصة بتقديم تعويض جزئي، تعمل على تقديره، الى عدد من الشركات المنتجة كالسكر والبوطان مثلا، مقابل قيام هذه الشركات بالاحتفاظ بأسعار منتجاتها في مستوى القدرة الشرائية الحقيقية للملايين من ذوي الدخل المحدود. لكن مستوى الدعم لا يكفي جشع هذه الشركات لتأويج أرباحها الرأسمالية كما لا يكفي الشركات الاجنبية المستثمرة في بلادنا لرفع أرباحها ولذلك نجدها تضغط أيضا الى جانب المؤسسات المالية الدولية لإلغاء صندوق المقاصة وإطلاق العنان لارتفاع الأسعار من أجل تحقيق مطلق للأرباح الرأسمالية على حساب الكادحين.

الورطة الكبيرة التي ستقع فيها الحكومة طبعا، هي عدم ملائمة الشروط المادية للشعب المغربي لتحمل الأعباء الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لموجة الغلاء المفترض عقب إعدام صندوق المقاصة والذي من شأنه أن يتسبب في غليان اجتماعي غير مسبوق. والجواب الاجتماعي الوحيد الذي تتوفر عليه الحكومة حاليا في مواجهة هذا الغليان المفترض هو الوعد بتقديم الف درهم لعدد من المعوزين جدا وتحت شروط صارمة. وهو ما يعني ان الغالبية العظمى من الملايين من ذوي الدخل المحدود لن تحصل عن مثل هذا التعويض وبالتالي إغراقها في موجة من البؤس والفقر.

الجواب السياسي الوحيد الذي تتوفر عليه أيضا الحكومة حاليا على الغليان الاجتماعي المفترض هو الخيار الأمني وقد رأينا مشاهد مرعبة منه كالقمع الوحشي والاختطافات والأحكام الملفقة، إضافة الى الاستئصال المسبق للقواعد الشعبية الأكثر نضالية النقابية والجماهيرية. لكن مشكل هذا الخيار الأمني أنه قد يؤدي الى نتائج معاكسة تتمثل في انفجار جماهيري في وجه القمع بجميع أشكاله.


** سبق لرئيس الحكومة أن أكد انه لا يمكن أن تكون هناك زيادات في أسعار المواد الأساسية هل تعتقدون بالفعل أن الحكومة لن تفاجئ المغاربة بزيادات أخرى على غرار الزيادة في أسعار المحروقات؟

* لقد سبق للراحل محمد عابد الجابري أن قال في برنامج تلفزيوني عقب انفضاح كذبة بترول تالسينت، أنه من حق الحكومة أن تكذب على الشعب، بينما لا يحق للشعب أن يكذب على الحكومة. وقد نفهم من هذه القولة "الحكيمة" أن جميع الحكومات المتعاقبة في بلادنا بالنظر إلى تعبيراتها الطبقية عن مصالح البرجوازية المهيمنة قد تلجأ إلى العديد من الإجراءات اللاشعبية اللاديموقراطية واعتماد التلفيقات والكذب والخداع من أجل تمرير اجراءاتها. لذلك شاهدنا الوزير المنتدب لدى الوزير الأول المكلف بالشؤون الاقتصادية نجيب بوليف يكذب في كل مكان عقب الزيادة في أسعار المحروقات في يونيو 2012 ويقول إن هذه الزيادات في صالح الفقراء وأنها لن تتسبب في أية زيادات في الأسعار، بينما العكس هو الذي حصل، كذلك نلمس نفس الكذب في تصريحات مختلف المسؤولين الحكوميين كوزراء المالية والميزانية والوزير الأول والتي توزع تصريحات تطمينية بخصوص انعكاسات اعدام صندوق المقاصة، لكن الواقع هو أنه على الملايين من الجماهير الكادحة أن تنتظر زيادات أوتوماتيكية في الأسعار مهولة في مختلف المنتجات والخدمات مباشرة عقب إلغاء صندوق المقاصة سواء بشكل تدريجي أو بشكل نهائي. هنا يأتي الشطر الثاني من مقولة الأستاذ محمد عابد الجابري وهو أنه على الشعب أن يقول الحقيقة لحكامه، فلا يستطيع الشعب أن يتحمل الفقر والبؤس والبطالة والجوع نتيجة سياسات لا شعبية لا ديموقراطية، بل يجب أن يقول الشعب "الحقيقة" للحكومة وهي أنها حكومة "معتدية".


** يرى نجيب بوليف من خلال قناة ميدي 1 تيفي في برنامج ملف للنقاش أن المغرب سيعتمد في دراساته بشأن إصلاح صندوق المقاصة على تجارب البرازيل والأردن وإيران واندونيسيا واعتمادا على برنامج معلوماتي متطور ما هو تعليقكم في الموضوع؟

* تلك هي إحدى الخدع الثقافوية التي تعمل الحكومات البرجوازية دائما على نشرها قبيل اعتمادها لإجراءات لا شعبية لا ديمقراطية تستهدف نقل عبء الأزمة على كاهل الملايين من الفقراء والكادحين وذوي الدخل المحدود، فتستدعي الخبراء والاختصاصيين وتنقل تجارب مختلف الدول، فهي بذلك تتحايل على ذكاء الشعب لكي يتقبل بإجراءات يعلم مسبقا أنها كارثية فيتقبلها صاغرا ولن يستفيق من غفلته الا بعد فوات الاوان. ويظهر أن هذه الإجراءات لا يمكن التصدي لها وانها ستطبق بأي حال من الأحوال، رغم كونها ستضرب في الصميم القوت اليومي للملايين من الجماهير وتعرضهم للبؤس والفقر والبطالة، لا عن طريق البرلمان أو الأحزاب السياسية (حوالي أربعين حزبا) أو المركزيات النقابية البيروقراطية (حوالي ثلاثين مركزية نقابية) لأنها كلها متواطئة ولا تمثل أي معارضة شعبية حقيقية فحتى بالنسبة لإضراب واحد لا تجتمع النقابات والأحزاب السياسية عليه حتى لا يتمكن من تحقيق أغراضه. لكن الاعتراض على تنفيذ مثل هذه السياسات لن يتم إلا من خلال خروج الملايين من الجماهير الشعبية إلى الشارع، رغم كون هذا الشارع هو أيضا مجزأ ومفتت بين الفصائل السياسية المختلفة وبين المركزيات النقابية البيروقراطية المختلفة والتي تلعب لعبة الحكومة والمعارضة في مسرحية فجة. الى جانب ذلك تم رفع منسوب القمع المادي والقانوني والقضائي والاقتصادي ضد كل حركة جماهيرية احتجاجية. إنها بالفعل احدى معالم الديكتاتورية البرجوازية.