الحركة الاحتجاجية لساكنة حي سيدي يوسف بنعلي بمدينة مراكش


عبد السلام أديب
الحوار المتمدن - العدد: 3957 - 2012 / 12 / 30 - 11:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

حدث ما حدث بحي سيدي يوسف بن علي وانتهت الملحمة التي لم تتجاوز يوم الجمعة 28 دجنبر وتراجعها يوم السبت، لكن تبقى ضرورة قراءة الاحداث وتشريحها بعين متبصرة من اجل فهمها ومعرفة خلفياتها ومسؤولية كل أطرافها والمألات التي يمكن أن تؤدي اليها وكيفية التعامل معها مستقبلا.

في ظل الموجات المتتالية للزيادات في الاسعار التي احدثتها السكتة القلبية الحالية والتي ما فتئت تتعمق منذ سنة 2008، حدثت زيادات في أسعار فواتير الماء والكهرباء بدون سابق انذار والتي من شأنها ان تتواصل مستقبلا، كما لو أن المواطن المقهور لن يستشعر عنفها. حساسية جماهير حي سيدي يوسف بن علي بمراكش جد مرتفعة اتجاه هذه الزيادات، خاصة وأن ساكنة الحي العمالي الفقير بلغ بها عسر الحياة مبلغا مما جعلها على وشك الانفجار، لذلك دأبت ساكنة الحي منذ شهر تقريبا على تنظيم وقفات ومسيرات احتجاجية على غلاء فواتير الماء والكهرباء الصادرة عن وكالة توزيع الماء والكهرباء بمراكش.

لقد كان خروج ساكنة سيدي يوسف بن علي للاحتجاج على غلاء فواتير الماء والكهرباء يوم الجمعة 28 دجنبر 2012 سيمضي سبيله سلميا لو لم تقع استفزاز قوات القمع التي أرادت منع الشكل الاحتجاجي والتنكيل بالمحتجين واعتباره غير مرخصا، حيث هاجمت هذه القوات المدججة بمختلف الاسلحة المحتجين بدون سابق انذار مما أحدث نوعا من الارتباك والفوضى وحدوث ردود فعل جماهيرية قوية على هذا القمع، كانت من نتائجه حدوث اصابات متعددة في صفوف الجماهير المحتجة وفي صفوف قوات القمع. كما أسفرت المواجهات عن اعتقال عدد من المحتجين تم الاعلان عن ثلاثين منهم من طرف وزارة الداخلية.

في ما يلي مشاهد من انتفاضة سيدي يوسف بن علي كما تم وضعها على اليوتوب:


http://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=lvIh40i7JOM

http://www.youtube.com/watch?v=4kMzPj1R59w

http://www.youtube.com/watch?v=4N3gXb0M2BU&feature=share

https://www.facebook.com/photo.php?v=401957419880115

http://www.youtube.com/watch?v=eRcPU-chnvs

لقد تأكد مرة أخرى وبالملموس أن الأحزاب السياسية والمركزيات النقابية والمنظمات الحقوقية بعيدة كل البعد عن هموم وانشغالات الجماهير الشعبية، وانها لا تهتم بها الا من اجل اصطياد اصواتها خلال الانتخابات التشريعية والجماعية. فهي لا تهتم لسكين الأزمة الذي ما فتئ يذبح يوميا الملايين من فقراء هذا الوطن نتيجة لسياسات تدبير الازمة التي تضعها او تتواطأ في وضعها وتعمل على نقل تبعات الأزمة على كاهل الكادحين من خلال الزيادة في اسعار السلع والخدمات الاساسية واغماض العين على التسريحات الواسعة الفردية والجماعية وتجميد التوظيف ورفع اسعار الضرائب والغاء عدد من المكتسبات الاجتماعية وخوصصة المرافق العمومية ... فالمواطن المقهور لن يتمكن من تحمل سكاكين الأزمة التي تفرضها عليه الطبقة الحاكمة الى ما لا نهاية، فهناك حدود سينفجر حتما عندها، وكما قال احد الفلاسفة فان الجوعى عندما لن يجدوا ما يأكلونه فإنهم سيأكلون الأثرياء.

إذن ففي ظل غياب الأداة السياسية الذاتية للجماهير الشعبية والمعبر الأمين عن آلامها ومطالبها، سيدفع الجماهير عند بلوغ نقطة مرتفعة معينة من الاحتقان الى الانفجار العفوي. ذاك ما حدث يوم الجمعة 28 دجنبر في حي سيدي يوسف بنعلي، وكان سلوك السلطات المحلية أداة مساعدة على حدوث ذلك الانفجار. وبطبيعة الحال فان الانفجار العفوي للجماهير حتى وان كان هناك وعي بخلفياته واضراره، فإنه لا يحقق بالضرورة الغاية منه مثلما حدث في تجربة انتفاضة مدينة صفرو في 23 شتنبر 2007 حينما تراجعت السلطات فورا عن عن الزيادة في اسعار الخبز التي اقرتها في اليوم التالي لانتخابات 7 شتنبر والذي كان هو السبب في حدوث احتجاجات متواصلة واستفزازات قوات القمع ثم بالتالي حدوث الانتفاضة.

ان الجماهير الشعبية عندما تنخرط في حركة احتجاجية عفوية نتيجة شعورها بالغبن والظلم والقمع الاقتصادي مما يشكل لديها وعيا طبقيا بدائيا فإن حدوث اي تنكيل بهذه الجماهير سيؤدي الى تعمق هذا الوعي البدائي، رغم الكلفة الغالية التي قد تدفعها نتيجة هذا القمع. كما أن الوعي النامي لدى الجماهير الشعبية قد يوصلها الى مستوى بلورة تنظيماتها الذاتية وعيا منها بأنه بدون تنظيم نفسها في اي شكل من اشكال الدفاع الذاتي سيتركها دائما لقمة سائغة في افواه السلطة والوصوليين والانتهازيين والقوى الشوفينية والاسلاموية واليمينية واليسراوية... والتي تسعى فقط الى استخدامها خلال الانتخابات وليس خدمتها.

– الحركة الاحتجاجية الاخيرة من وجهة نظر سوسيولوجية

اننا نعيش اليوم في زمن احتضار نمط الانتاج الرأسمالي طويل الامد والذي من شأنه توليد سكتات قلبية متوالية عبارة عن ازمات اقتصادية وسياسية دورية تعمل الدولة الطبقية على معالجتها على حساب الطبقات المضطهدة. فمنذ الستينات تحدث كل خمس الى ست سنوات أزمات اقتصادية وسياسية (1964 – 1970 – 1975 – 1980 – 1983 – 1989 – 1995 – 2001 – 2005 – 2008 – 2012) وحيث يتم معالجة هذه الازمات على حساب الكادحين من خلال سياسات تقشف صارمة، وكلما عمدت السلطة الى فرض سياسات تقشفية لمعالجة ازمات البرجوازية الحاكمة الا وحدثت بالموازاة معها انفجارات اجتماعية قوية (1965 – 1971 – 1981 – 1984 – 1990) وانفجارات محلية متفرقة، مثل احداث سيدي افني وصفرو وبني تدجيت وتاماسينت وتازة واميضر ودوار الشليحات وبوعرفة ...

ان الآثار المباشرة لهذه الأزمات والانفجارات وسياسات التقشف المعتمدة قادت من جهة الى اثراء فاحش في أوساط الباطرونا والتحالف الطبقي الحاكم ومن جهة أخرى الى افقار قوي وعميق وسط الطبقة العاملة ومختلف فئات الشغيلة. وبطبيعة الحال ان ضرب الأساس المادي للجماهير الواسعة للكادحين والتي تعد بالملايين يخلق نوع من التفكك والانحلال يكون أكثر فتكا وتدميرا من الحروب في وسط الشباب والنساء والعمال ... ويحدث آثارا وخيمة وانحطاطا في مختلف التعبيرات الثقافية والفنية والفلسفية والسياسية، كما يجعل من الصعب في هذا الوسط امكانية تجدير الوعي السياسي والفكر التنظيمي وتفعيل الخط البروليتاري في النضال.

وعلى سبيل المقارنة فإن نفس الوضع الذي يعيشه المغرب اليوم نجد أنه قد عاشه خلال القرن التاسع عشر مع توالي الأزمات سنوات 1850 – 1857 – 1863 – 1869 – 1878 – 1881 – 1904 – 1911، فقد عاش المغرب على ايقاع أزمات خانقة عرفت ذروتها في سنتي 1863 و1878، وكما هو جار حاليا خلفت تلك الازمات ومحاولة السلطة المركزية معالجتها عبر تعميق الاستغلال ورفع الضرائب اثراء من جانب وافقار واسع من جانب آخر، مما نتج عنه حدوث تمردات واصطدامات متواصلة بين السلطة المركزية والفلاحين والتجار والحرفيين المقهورين. وقد كانت السلطة تلجأ على الدوام الى آلية القمع المادي والى آلية القمع الايديولوجي عبر استعمال السلطة الدينية من خلال الزوايا والفقهاء كمدعم سياسي ديني لما له من رمزية قوية لدى المغاربة وهو ما نشهده اليوم أيضا من خلال تقية الاسلام السياسي المحافظ وتنصيب حكومة العدالة والتنمية في زمن تتعمق فيه الازمة وذلك من اجل تمرير جميع القرارات اللاشعبية اللاديموقراطية.

وعلى سبيل الذكر فإن مدينة مراكش شهدت فجر القرن العشرين في سنة 1904، انتفاضه قوية تزعمها الإسكافيين والتي كان سببها هو ترويج عملة نحاسية جديدة اثر ابرام اتفاق بين المغرب وبنك الماني، ولتلافي العجز المالي تم الرفع من قيمة الضرائب وبمدينة مراكش تحديدا وقبل أيام من عيد الأضحى، ولم يستسغ الحرفيون والتجار العملة النقدية الجديدة، ولا استطاعوا تحمل التهاب المكوس وفساد الباشا والمحتسب، لهذا قرروا تنظيم سوق خاص بهم بعيدا عن السلطة المركزية، فما كان من ممثلي هذه الأخيرة إلا الإقدام على إغلاق هذا السوق.

كان قرار الاغلاق بمثابة النقطة التي أفاضت الكأس، حيث عمت الفوضى في مختلف أنحاء مراكش وانطلقت المظاهرات في الأزقة والساحات مطالبة بوضع حد للتعامل بهذه النقود وتخفيض الضرائب ومحاربة الفساد. وكان الحرفيون وفي مقدمتهم الإسكافيين من أبرز متزعمي هذه الانتفاضة التي فرضت على السلطان حفيظ ان يستقبل الاسكافي علال لحسن أحد قادة الانتفاضة بمشور مراكش ويتفاوض معه بشأن مطالب المحتجين التي وجدت غالبيتها طريقها الى الحل والتنفيذ.

ان التاريخ يعيد نفسه، فبينما كان المغرب يشهد أواخر القرن التاسع عشر احتضار نمط الانتاج الاقطاعي الريعي ويؤدي الى تفاوت طبقي صارخ والى تفكك وتحلل اجتماعي خطير مما ادى الى انحطاط متعدد الأبعاد كان من نتائجه الهيمنة الامبريالية والاستعمار الفرنسي والاسباني المباشر. كذلك يعيش المغرب اليوم مرحلة احتضار نمط الانتاج الرأسمالي القائم ومحاولة التحالف الطبقي الحاكم معالجة وتفريغ تناقضاته على حساب الكادحين، ولا يشكل غلاء أسعار الماء والكهرباء الا جزءا من منظومة القهر والاستغلال التي تمارسها الباطرونا وأدواتها السياسية والنقابية الحاكمة بدون شريك.

إذن فردود فعل ساكنة حي سيدي يوسف بن علي تعتبر جد طبيعية في زمن القهر والاستغلال. الا ان عفوية الانتفاضة تظل مع ذلك بدون غذ يمكن استغلاله سياسيا لصالح الكادحين، لذا من المحتم أن تتوفر الطبقة العاملة وفئات الشغيلة على تنظيماتها السياسية المستقلة حتى تتمكن من تنظيم نفسها وبالتالي فرض ارادتها على القوى التي تضطهدها.