الجدلية كما أفهمها
شوكت جميل
2025 / 9 / 18 - 20:53
المقال لا يعبر بالضرورة عن مذهبي وجهة نظري الفكرية،إنما يعبر عن وجهة نظر الماركسية كما قرأتها و كما أفهمها .
و سنحاول في هذا المقال إجابة الأسئلة التالية من وجه نظر الجدل المادي(و إن شئت المادية الجدلية أو الديالكتيك المادي أو المادية الديالكتيكية.(1).أو ما يحلو لكَ من الأسماء):
_من أين يأتي نضال الأضداد"بالأصل"؟
_كيف يبات ممكناً نضال _أو صراع_ الأضداد و وحدتها في آن؟!
_ماذا يعني مفهوم هلاك الأضداد؟و هل يعني العدم أم يعني التحول؟
.........................................
أما للإجابة عن السؤال الأول،فيسهل علينا تخمين و توقع أن أي ضدين،لا محيص لهما بأن يتناضلا،و أن يتصارعا،لذا ينبغي علينا و الأمر كذلك،أن نسأل سؤالاً أعمق قليلا:فمن أين يأتي الضدان بالأصل؟!..و هنا تقدم المادية الجدلية إجابتها،و تذهب في القول بأن جميع الموجودات في الطبيعة و ظواهرها تحمل في أحشائها تناقضاتها"الداخلية"،أو قلْ "أضدادها"،و من ثم يحدث النضال و الصراع بين تلك الأضداد، فيفضي هذا النضال إلى تغييرٍ ما...و بعبارةٍ أخرى،فإن هذا التناقض و هذا الصراع هما داخليان،و هما ليسا خارجين عن التغيير بل هما جوهرو عله هذه التغيير...و بالطبع يمكن لنا أن نستعيض عن كلمة "التغيير " بكلمة"الحركة"،فقط إذا لم يقتصر مفهوم الحركة عن"تغيير المكان"و حسب،فيشمل التغيير من مكانٍ إلى أخر،و التغيير في الكم بالزيادة أو النقص،و التغيير بالكون أو الفساد...إلخ.كل هذا نسميه"حركة"......و نجمل القول فنقول:ليس الواقع سوى حركة (2)أو صيرورة ،و ليست الحركة إلا نتيجة للصراع،و ليس الصراع سوى ثمرة التناقض التي تحملها الأشياء و الظواهر في ذاتها...و هذه الفرضية هي لب المادية الجدلية في تقديري؛فبناء على ما تقدم، لسنا في حاجة لفرضية وجود محرك خارج عن الكون و موجوداته لإحداث الحركة و التطور!
يبدو الكلام السابق مغرقاً في التجريد،فلننزل بهِ إذن إلى الواقع قليلاً،و حسبنا حياة الوردة التي ماتت بالأمس في أصيصك،نتأمل فنجد أن الوردة كانت تحمل في أحشائها تناقضاً داخليا،لأن حياتها إنما هي نضال يومي ضد الموت،إذْ تموت في كل لحظة خلايا بينما تحل محلها خلايا أخرى_ حتى يفوز الموت في النهاية_....ينظر الميتافيزيقي إلى هذه المسألة..فيرى الحياة ثم يرى الموت،فيظن أنهما متناقضان "مطلقان" ،و يغفل عن الصراع الذي يعتمل بالوردة بين النقيضين،و يغفل عن الوحدة التي تجمع بين هذا و ذاك في صراعهما..ليس هذا ببعيد عمَا قاله ماوتسي تونج:
(سبب كل نمو أساسي للأشياء إنما لا يكون خارج هذه الأشياء بل داخلها،و في طبيعة الأشياء المتناقضة،فلكل شيء و لكل ظاهرة تناقضاتها الداخلية الكائنة فيها.و هذه التناقضات هي التي تولد حركة الأشياء و نموها،و هكذا تكون التناقضات الكامنة في الأشياء و الظواهر هي الأسباب الرئيسية لنموها).
أما لينين فأوجز:( النمو هو نضال الأضداد).
.................
(1)الجدلية بالأصل اللغوي لها كلمة يونانية قديمة"dia legein"،و تعني حرفياً"جادل"،و كانت تستخدم آنذاك للتعبير عن صراع الأفكار المتناقضة، و توالد الاضداد من نفسها هي فكرة افلاطونية بالأساس.
(2) الواقع ليس سوى حركة هي فكرة ديموقريط.
.................................
2_كيف يبات ممكناً نضال _أو صراع_ الأضداد و وحدتها في آن؟
للإجابة عن هذا السؤال، ينبغي علينا أولاً أن نحدد ماذا نعني بلفظة"وحدة"الضدين،فهب أن لدينا ضدين و ليكنا"x"و"y"،فإن وحدتها حينئذٍ لا تعني أبداً تماهيهما أو أنهما صارا شيئاً واحدا،بل بالأحرى تعني أن الضدين في نضالهما و صراعهما لا ينفصل كلٌ منهما عن الآخر..رأينا ذلك في مثال الوردة السابقة،ففي رحلة "نموها" يتصارع نقيضان؛إذْ "تحيى" خلايا و "تموت" أخرى..و لو تركنا هذه الوردة جانباً،و التفتنا نحو الإنسان_لأنهُ غايتنا_،لوجدنا أن مسيرة الإنسان "المعرفية"مثلاً، لم تكن أكثر من نضالٍ بين ضدين: جهلُ و علمٌ للتغلب على هذا الجهل،و لولا هذا الجهل،لما كان معنى لهذا العلم؛فليس ثمة علم مطلق،و لا جهل مطلق في وجودنا هذا،فإنما كل" علمٍ هو نضالٌ ضد جهل"..و أحسب أنه بات واضحاً ماذا نعني بـ"وحدة الأضداد".
حتى رحلة الرفيق"سيزيف!" لا تخرج عمّا أسلفنا،سيان كانت هبوطاً أم صعوداً:ثقل الجاذبية لحجرهِ إلى أسفل،و قوة الرفع العضلية لسيزيف،و القضية أيهما يتغلب على الآخر،و الضدان في وحدةٍ لا فكاك منها!
يبدو أننا سنجنح بعيداً،لذا نعود و نقول طبقاَ للفرضية السابقة تجد المادية الجدلية نفسها ملزمة بأن تقول:لا وجود لبرجوازية رأسمالية مستغِلة بدون وجود بروليتاريا تكدح من أجلها،لذا يحق علينا أن ننبذ النظريات البرجوازية التي تروج لــ"تحسين ظروف حياة البروليتاريا" مع الاحتفاظ بالبرجوازية سالمةٍ غانمة!
أعجبني حديث ماو الكاشف عن وحدة الأضداد و صراعها:
(لا موت بدون حياة؛و لا حياة بدون موت..لا انخفاض بدون ارتفاع؛و لا ارتفاع بدون الانخفاض.لا سعادة بدون شقاء؛و لا شقاء بدون سعادة....و لا عامل زراعي بدون مالك زراعي،و لا بروليتاريا بدون برجوازية؛و لا برجوازية بدون بروليتاريا....و كذلك الحال مع جميع الأضداد التي تتعارض في ظروف معينةٍ من ناحيةٍ و هي من ناحية أخرى،مرتبطة بعضها ببعض).
.......................
3_ماذا يعني مفهوم هلاك الأضداد؟و هل يعني العدم أم التحول؟
قرأت على الموقع الكريم،مناوشاتٍ ساخنةً عن المفهوم الماركسي لـ"فناء الضدين"،و تباينت آراء المعلقين الكرام و الكتّاب الأجلاء،فمنهم من يراها بدعة ما أنزلت بها الماركسية من سلطان!ز أنها من هرطقات "ستالين" بغية التخلص من خصومه،و منهم من يراها البديل الثاني للتحول الثوري للمجتمع،فإما التحول الثوري للمجتمع "بطبقتيه المتصارعتين"و إما "هلاك"الطبقتين،و كأنهم لا يعلمون أن البديل الأول_أي التحول الثوري للمجتمع_يحمل في طياته هلاك الطبقتين!,و منهم من يقدم لنا _هازلاً أو جاداً_ مفهوم"الصراع الأبدي"،كقانونٍ كوني جديد كأنه من بنات أفكاره!،و أعتذر مقدماً عن الأسلوب المدرسي الذي سأتبعه فيما تبقى من المقال؛و أحسب أنه الأسلوب اللائق في هذا المقام.
و الحق لقد بدا الحديث غريباً على أذني،و كأني أستمع إلى قومٍ يتكبدون المشاق في يومنا هذا لاختراع العجلة من جديد...و أكبر الظن أن مثل هذا التخليط و التخبط إنما ثمرة الفهم السقيم لمفهوم "فناء الأضداد"،ففناء الأضداد لا يعني العدم ،بل يعني "تحول الأضداد"،و يؤدي تحول الأضداد إلى القضاء عليهما معاً،لأن الاشتراكية كما تقضي على البرجوازية كطبقة مستغِلة،تقضي في نفس الوقت على البروليتاريا كطبقة مستغَلة،و تستحيل البرجوازية"مثلا"و هي الطبقة السائدة إلى طبقةٍ مسودة،كما تستحيل البروليتاريا وهي الطبقة المسودة إلى طبقة سائدة..فلا تعود البرجوازية كما كانت،ولا البروليتاريا كما كانت..إذن هلاك الطبقتين ليس البديل عن التحول الثوري بل هو ثمرته يا أولي الألباب!!
أما بخصوص مسألة الصراع الأبدي و قانونه"الحديث جداً" الذي اهتدوا إليه!،نطرح هذا السؤال:ماذا يحدث عند حلول الاشتراكية"فرضاً"؟ألا يزول الصراع بين الطبقات،و من ثم يتعطل_أو يتوقف مفهوم "نضال الأضداد"عن العمل؟أو بعبارةٍ أخرى أليس في القضاء على الرأسمالية قضاء على التناقض أيضاً؟
ج:الاشتراكية لا تخرج عن مفهوم التناقض لأنه طالما وجد المجتمع،طالما وجدت التناقضات التي تكون المجتمع،و تظل الخلافات دائمةً قائمة:ما بين طبقة الفلاحين و العمال...ما بين القرية و المدينة...ما بين العمل اليدوي و العمل الفكري..فنهاية الصراع بين البرجوازية و البروليتاريا لا يعني نهاية الصراع و إن كان أقرب إلى التعارض منه إلى التناقض ؛يقول لينين ،منتقدا بوخاريس:(ليس التناقض و التعارض شيئاً واحداً.إذ يزول الأول بينما يستمر الثاني في النظام الاشتراكي)(1)
إذن في إمكاننا الآن صياغة القانون الصراع الأبدي،و لم أجد أوقع من صياغة لينين له كالتالي
:(وحدة ..الأضداد مشروطة،وقتية،عابرة،نسبية بينما نضال الأضداد ،في قضاء كل منهما على الآخر،مطلق كما هو شأن النمو و الحركة)(2)
.
ملحوظة
لا يروقني مصطلح فناء الضدين،لأن الفناء في العربية قد تعني "العدم"،و أحبذ مصطلح"استحالة الضدين"،"أو "القضاء على الضدين".
.........................................
مراجع
(1)لينين:كراسات فلسفية(ذكره ما وتسي تونج:"حول التعارض"،و نقلناه عن اصول الفلسفة الماركسية لجورج بوليتزر..منشورات المكتبة العصرية..صيدا_بيروت ص154
(2)نفس المرجع السابق ص14
(3) مقالات لكاتب المقال
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=433292
18/9/2014
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=432811
14/9/2014
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=432627
13/9/2014